الأحد، 31 يوليو 2016

من تاريخ سوريا (مملكة ايبلا)

من تاريخ سوريا (مملكة ايبلا)



إيبلا.. المملكة السورية المفقودة التي غيرت تاريخ العالم

صحيفة تشرين . الدكتور دارم طباع

لم تكن حادثة اكتشاف مملكة ايبلا أمراً اعتيادياً بالنسبة لعالم الآثار الإيطالي باولو ماتييه الذي قضى أربع سنوات من عمره في سورية يبحث عن تلك المملكة المفقودة في التاريخ والتي لم يتعرف عليها أحد بعد.

في نهاية السنوات الأربع وفي اليوم الذي أبلغت فيه الحكومة الإيطالية العالم ماتييه عن انتهاء فترة عمله في التنقيب في سورية، وبينما كان يحزم امتعته استعداداً للعودة الى ايطاليا بعد فترة طويلة من البحث الممل، وقع رقم فخاري بين يديه أعاد إليه بريقاً من الأمل كاد أن يتلاشى من عينيه، وما أن شرع يخط رسالته الى سفارته معلماً إياها بهذا الحدث العظيم حتى تتالت الاكتشافات وظهرت الألواح والرقم الفخارية بالعشرات ثم بالمئات لتصبح آلافاً فيما بعد كاشفة النقاب عن أضخم الاكتشافات الأثرية التي عرفها تاريخ العالم حتى اليوم وليرتبط اسم ماتييه بسورية على مدى اربعين عاماً متواصلة. ‏

عندما تطالعك تلك المساحات الخضراء الممتدة سهولاً مزروعة على طرفي الطريق بين حماة وحلب، لن يلفت انتباهك أي شيء مميز سوى لافتة صغيرة قرب تل مرديخ كتب عليها (إيبلا) وما إن تتجه شرقاً وسط الطريق المتعرج المؤدي الى قرية صغيرة حتى تبدأ الأرض بالتغير، وتبدو الى ناظريك تلك التلال المرتفعة على شكل جدار مغطى بالرمال، وسط سهول تلك المنطقة.



في هذه البقعة من الأرض حيث تمتد مجموعة من التلال، كانت تختبئ مملكة عظيمة اسمها إيبلا عصيت على العالم حتى استطاع ماتييه عام 1968 أن يجد فيها مع مجموعته التنقيبية تمثالاً للإله عشتار يحمل اسم ملك إيبلا (ابت ليم) هذه المملكة التي عرفت سابقاً في نصوص السومريين والأكاديين وقدماء المصريين كانت أعظم مفاجأة فيها عام 1975 عندما اكتشف 15000 لوح فخاري قادت الى تحديث تقرير التنقيب الذي كان ضئيلاً ومملاً من قبل، ليصبح واعداً بمعلومات مذهلة عن هذه المنطقة الغنية من العالم، وكم كان مؤسفاً للفريق الايطالي أن لايجد في العام 1976 سوى 1600 لوح فخاري فقط عرف من إحداها أن مدينة إيبلا كان يقطنها 260 ألف نسمة. ‏

أما اليوم فقد عرف أن الألواح الفخارية المكتشفة، والتي بلغت 17000 لوح، ليست جميعها من الأرشيف الملكي العام، بل هي عبارة عن سجلات مجموعة ومحفوظة قرب المحكمة المركزية. ‏

وقد حوت هذه الألواح العديد من الأسماء الشخصية، كما أمكن في نص واحد التعرف الى اسماء مواقع جغرافية يفوق عددها 260 موقعاً، ووجد في نصوص أخرى قوائم تدل على الحيوانات والأسماك والطيور والمهن وأسماء الموظفين في تلك المملكة. ‏

كذلك احتوى العديد من الألواح على نصوص تاريخية يمكن ربطها بسجلات أخرى كتلك المتعلقة بمدينة (ماريك) تعود الى زمن (نارام سين 2259--*2223 ق.م) الذي هاجم منطقة إيبلا بقوة، ويبدو أن المدينة قد تم الدفاع عنها من قبل المرتزقة بدلاً من أن يدافع عنها جيشها، وهذا مايفسر سبب تغلب آكاد على إيبلا، كما تدل الألواح على أقدم الأجيال التي عاشت في المدينة والتي تعود الى حوالي 2300 ق.م. ‏

كانت عقائد إيبلا وآلهتها تتوسط مفهوم الإله «أنليل وأنكي» في أكاد مع الإله أيل في كنعان. ‏

وتبدو هذه العقائد متقاربة تتجه نحو التوحيد. فلقد حفلت أسماء شخصيات إيبلا بإضافة اسم «أيل» في آخرها، ما يدل على سعي للتقرب من هذا الإله وتلمس حمايته، ومع ذلك فإن بعض الآلهة كانت مشتركة في المنطقة كلها، مثل الإله دجن.





كما احتوت النصوص الأدبية أيضاً على خلفيات عقائدية ترتبط بمجموعة من الآلهة عرف بعضها في المرحلة المتأخرة من التراث البابلي ومنها (إنكي إله المياه السفلية العذبة وإله الذكاء والخلق ومهارة الصنع--* انليل سيد مجمع الآلهة--* اوتو إله الشمس السومري--* إنانا إلهة الحب والخصب--* إضافة الى تيماموت--* مردوخ--* ونادو وغيرهم) كما أن إله مدينة كيش التي تقع الى الشمال الشرقي من بابل مذكور فيها. ‏

هذه الألواح الفخارية يعالج معظمها جوانب اقتصادية كالتعرفة وأصول الاستلام وغيرها من الأمور التجارية إضافة الى أشياء اخرى كتلك القرابين التي تقدم للآلهة. ‏

لقد أوضحت الوثائق أيضا أن لغة إيبلا كانت واحدة من اللهجات التي يمكن وضعها تحت التسمية العربية، وإن كانت تكتب بالخط المسماري السومري مثل لهجة أكاد، وإن لهجة إيبلا تقف في منتصف الفارق بين لهجتي أكاد وكنعان على الساحل السوري وقد قسمت قوائم المفردات فيها الى لغتين اساسيتين أمكن التنقل بينهما عبر نصوص قواعدية محكمة، حيث حوت بعض النصوص مالا يقل عن 114 مفردة إيبلية --* سومرية وهذه سابقة في الاكتشاف لا مثيل لها في التاريخ، كما احتوى بعض الألواح مفردات تضم تقريباً حوالي 1000 كلمة مترجمة تملك أكثر من 18 مرادفاً. ‏

لقد عرف منذ وقت طويل أن بعض الأوصاف في الألواح الآشورية قد نسخت من البابلية لكنه ثبت الآن ان العلماء من بلاد الرافدين قد نسخوا بعضاً من ألواحها أيضاً من المكتبة السورية. ‏

هذا التنوع المعلوماتي الكبير يدلنا على حضارة عالية التطور تملك أسساً قضائية وتضمن حقوق الأفراد ما يجعل قانون إيبلا يعد الآن من أقدم القوانين المعروفة في التاريخ ولاسيما في مجال العقوبات الخاصة بالحوادث وغيرها من الجرائم، كما تضم العقوبات المرتبطة بالعلاقات الجنسية حيث يحكم على الشاب بالموت إذا اثبتت الفتاة أنها كانت عذراء وتم اغتصابها بالقوة، وإلا فهو مجبر على دفع غرامة يرتبط مقدارها بحيثيات الحالة. ‏

ولعل الرقيم الكبير 24ھ21سم الذي عثر عليه في القصر والذي ينص على معاهدة بين ملك إيبلا وملك آخر يعتقد أنه ملك «أبار سال»، هو أقدم أثر لمعاهدة تكشف عن ذهنية سياسية وحربية متقدمة تفرض شروطاً والتزامات، وتعطي إيبلا حق التصرف بمقدرات السكان والممتلكات في «أبار سال»، تحت ضغط وسلطان إله الشمس وإله الطقس اللذين سيقومان بإنزال أشد العقوبات على سكان «أبار سال» في حال مخالفة شروط المعاهدة. ‏

إن مفهوم المعاهدة والحلف الذي نقرؤه في الألواح الطينية يتمثل بوضوح في النحت الرائع المنقوش بارزاً على حوض يعود الى عام 1800 ق.م، وعليه يبدو مجموعة من الرجال يتصافحون ويتعاهدون على حلف أو معاهدة لاندري مع من تم الاتفاق عليها، وفي الوجه الآخر للحوض تماثيل آلهة لعلها آلهة إيبلا التي مثلت لتحمي هذا التحالف، ولقد عثر على هذا الحوض في معبد إيبلا الواقع في سهل المدينة، وهو محفوظ في متحف حلب. وأصبح من المعروف الآن ان هذه الألواح المكتشفة أكثر بأربع مرات على الأقل من أية مجموعة ألواح عرفت قبلها تعود الى المرحلة ذاتها التي تقع مابين عام (2400--*2250) ق.م وأقرب الشبه يعود الى مااكتشف في مملكة ماري على الرغم من أن الأخيرة متأخرة أكثر من عدة مئات من السنوات بعدها. ‏

يتميز ملك إيبلا باللقب السومري (ان ) ووفقاً لقائمة المفردات المماثلة للكنعانية القديمة فهو يسمى (ملك) كما يطلق لقب (أبو) المشابه للغة العربية وباقي اللغات المحلية السائدة في المنطقة والتي تعني الأب. ‏

كان النظام السياسي في إيبلا قائماً على الأمن والتوسع للسيطرة على التجارة في المنطقة من خلال تحقيق وحدة سياسية. وكان الملك يقف على رأس هذا النظام، وكان للملكة والشيوخ نفوذ مساعد، ويقوم ولي العهد الابن البكر بمهام السفارة أو يقوم بحكم بعض المناطق النائية، أو يتولى الشؤون الداخلية وحفظ النظام. وتذكر وثائق إيبلا أسماء ستة ملوك، وفي الحقبة التي حكم فيها آخرهم، كانت مدينة ماري خاضعة لإيبلا وتدفع لها الجزية التي وصلت الى 2193 ميناً من الفضة و134 ميناً من الذهب، أي حوالي 1052كغ من الفضة و5،64 كغ من الذهب. ‏

أما مايميز آخر ملوك إيبلا أبي سيبش الذي هو حفيد الملك ابراهيم أنه خرق نظام الانتخابات الملكي التي حددت مدة الحكم في مملكة إيبلا بسبع سنوات ومدد فترة حكمه بحجة الأوضاع المتقلقلة التي كانت تمر بها البلاد وقتها حيث حكم إيبلا قبله الملك إيغيش حلم تلاه إركاب دامو فآرإينوم تلاه ابراهيم فإيبيت ليم. ‏

وتظهر عن طريق الأسماء الشخصية روح الآلهة في إيبلا حيث يقال (ميكايا) والتي تعني الذي يشبه (يا) وتقابلها في اللغات القريبة الأخرى (ميكايل) والتي تعني الذي يشبه (يل) كما يقال (إنانيا) والتي تعني أن الإله (يا) له مني الشكر أو (ري إنا أدد) التي تعني أن الإله حدد هو الراعي، وهذا قريب من مفهوم الإله في الديانة المسيحية حيث يقال أن السيد راعينا. ‏

كذلك عرفت بعض المدن من سجلات الألف الأولى والثانية حيث ظهرت الآن ايضاً في ألواح الألف الثالثة قبل الميلاد كمدينة ملكي صادق إضافة الى مدن حاصور، لكش، مجدو، غزة، دور، سينا، عشتاروت، جوبة، دمشق، كما يعتقد أن من الأسماء المهمة التي وردت في هذه الألواح اسم أورو ساليما التي تعني القدس والتي يعد ذكرها هنا أقدم أثر مرجعي لهذه المدينة في التاريخ. ‏

فكما هو واضح ذكرت إيبلا التاريخية بشكل خاص كمركز عسكري سياسي له تأثير تجاري مذكور في النصوص الأكادية 2300 ق.م. و ورد في إيمار التي هي مسكنة اليوم عام 1400 ق.م كما ورد ذكرها في سجلات تحوتمس الثالث ووضعت على جدران معبد الكرنك في مصر وفي نصوص الحثيين التي وجدت في أناضوليا. ‏

هذه المملكة بقيت اسطورة حتى بعد ان ظهرت الى الوجود قرب تل مرديخ بأبعاد تفوق 60 هكتاراً واكتشف فيها آثار أبنية عامة وسور محيط وقصور ومعابد تحمل النمط العمراني لإيبلا، كما توجد فيها صخور بيضاء تعود الى العمارة الشكلية السائدة في التلال القريبة في المنطقة والتي تدل على ترابط هذه المملكة مع مناطق جبال طوروس في الشمال وحدود نهر الفرات الخالد في الشرق وصولاً الى حماة في الجنوب وهذا ما أعطى المملكة اسمها (إيبلا ½ الصخرة البيضاء). ‏

تحتل المدينة السفلى مايقارب 45 هكتاراً وكانت محوطة بسور عال من الطين والحجارة ولها بوابات أربع تصلها بأرباع المدينة العائدة للعصر البرونزي، والتي كان يقدر عدد سكانها بعشرات الآلاف. وواحدة من هذه البوابات لاتزال ترى بخطوطها الحجرية السوداء والبيضاء والتي تعود للعصر البرونزي الأوسط. ‏

يتوسط المكان كله التل أو المعبد المتوج ببقايا القصور والبنى الإدارية المميزة عن غيرها. ‏

وقد زينت أبنية القصر البرونزي الأحواض البازلتية بواجهاتها الجميلة المنحوتة بأشكال مختلفة والتي لها تأثير متنوع مأخوذ من مملكتي كركميش وقبرص، وهناك يوجد المعبد الذي يحوي تمثال عشتار وألواحاً تدل على الملك إيبت ليم، وهذه المنطقة تعود الى العصر البرونزي المبكر (2400--*2300ق.م) كذلك زينت درجات المعبد بالفسيفساء المرصوف على الألواح الخشبية التي يمكن مشاهدتها في منطقة التنقيب. ‏

وكما تدل اكتشافات البعثة الإيطالية من جامعة روما لوسابينا التي يقودها باولو ماتييه فإن إيبلا قد وصلت الى قمة مجدها كعاصمة لأغنى طريق تجاري في المنطقة في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وأظهرت الألواح المكتشفة في إيبلا والتي كتبت باللغة السامية التي عرفت باسم اللغة الإيبلية تغييراً كبيراً في أكثر ماعرف سابقاً عن البنية المدنية في مدن الألف الثالث قرب التوسع العموري في تلك الفترة حيث كانت إيبلا مملكة مستقلة لها حضورها ودورها المميز في المنطقة ولاسيما بالنسبة للمملكة يمحاض التي عاصمتها حلب. ‏

لقد أظهرت نصوص إيمار وأوغاريت من الألف الرابع والسابع وأرشيف ماري مع ما اكتشف في إيبلا عظمة الصورة الحية للمشهد الدولي المتميز الذي تمتعت به الحضارة السورية المحلية في ذلك الوقت حيث ظهرت ممالك عدة مستقلة فيما بينها إلا أنها كانت تمارس علاقات سياسية وتجارية مع جيرانها في الشمال والشرق والجنوب لم تؤثر إطلاقاً على استقلالها الإداري وتميزها الحضاري الذي بدأ يفهم من جديد في النصف الأخير من القرن العشرين. ‏

لقد بدأ بحث الإيطاليين عن إيبلا كمؤشر لمستعمرات العصور البرونزية الوسطى والقديمة لكن الاكتشافات أظهرت استيطان الانسان فيها بفترات أقدم من ذلك بكثير حيث تعود بعض القرى المكتشفة هناك الى بدايات الألف الرابع قبل الميلاد، تبعها وجود مستوطنات سورية قديمة كتلك التي اكتشفت في خربة كرك. ‏

وفي الألف الثالث دلت الكتابات على ازدهار الصناعة حيث تطور انتاج وتربية الأغنام التي تنتج الصوف وبالتالي صناعة الأنسجة الصوفية التي ميزت أنسجة إيبلا في كل أنحاء العالم حيث ورد ذكرها في مدينة ولاية لاغاش السومرية. ‏

أما أقسام القصر فهي عبارة عن مجمعين ضخمين يضمان جناح الاحتفالات والجناح الإداري وجناح الإقامة إضافة الى الأرشيف الملكي الذي يحيط بقاعدة التل. ‏

وتدل القطع التي تم اكتشافها في أجزاء القصر على العلاقة الوثيقة مع بابل أو النموذج القائم فيها. فالقطع المزينة ولاسيما الشخصية منها قد رصعت بالذهب واللازورد والعقيق والعاج. أما الوجوه المحفورة على الأختام فهي متنوعة بالاشكال البابلية التي تشاهد عليها والتي يعد أروعها تمثال الثور ذي الرأس البشري حيث تمت تغطية الجسم الخشبي بورقة مذهبة ملبسة بنمط آشوري. ‏

كذلك وجدت أحجار كلسية تمثل جنوداً أو كهنة أو حيوانات على النمط السومري أهمها الفهد المنتصب على قوائمه الخلفية. وقد اكتشف بالمصادفة مجموعة من القبور الملكية كقبر ملك الماعز الذي يتضمن صولجاناً فرعونياً مرصعاً بالفضة والذهب والمرمر كتب عليه اسم فرعون مصر من العائلة الثالثة حورمحب الذي حكم بين 1775--*1765 ق.م ووجدت بعض المجوهرات الذهبية التي أخذت النمط السومري والشامي مع منحوتات عاجية ذات نموذج مصري قد تكون هدايا للدولة من مختلف حكام المناطق المحيطة. ‏

كانت إيبلا في بداية عصر السلالات الملكية قد تحملت عمليات حربية توسعية من سلالة «صارغون» الأكادي الذي ادعى أن الإله «دجن» ومقره «توتول» وهو تل البيعة بالقرب من الرقة قد منحه هذه الأرض من ماري إلى إيبلا. ‏

ولعل «صارغون» أو حفيده «نارام سين» كما ادعى هو الذي قضى على إيبلا حوالي 2300ق.م ثم نهضت إيبلا فيما بعد لتقوي علاقاتها مع جيرانها في الشرق.. ولقد اكتشف في عام 1994 بئران تحتويان على كمية من الطاسات والأباريق، وكذلك تماثيل ثعابين وثيران، وعلى أساور وخرزات من معادن وأحجار ثمينة ومشخصات أنثوية فخارية، وبقايا أضاحٍ حيوانية كانت قد ألقيت في البئرين في أزمان مختلفة بين 1900--* 1750ق.م. ‏

ويذكر «نارام سين» في لوح اكتشف في مدينة «أور» أنه في جميع العصور منذ خلق الإنسان، لم يقم ملك من الملوك بتدمير أراضي أرمانوم التي يقصد فيها على مايعتقد حلب وإيبلا. ‏

وعندما فتح الإله «نرجال» الطريق أمام «نارام سين» الشجاع دفع بأرمانوم وإيبلا إلى يديه، ومنحه أيضاً جبال الأمانوس وجبل الأرز والبحر الأعلى المتوسط، هكذا يقول نارام سين الشجاع ملك الجهات الأربع. ‏

وفي عام 1990 تم التنقيب في منطقة سور المدينة الذي يعود إلى العصر السوري القديم. ‏

وكان الهدف تحديد أبعاد القلعة المقترحة، فتم اكتشاف ثلاثة أبنية ضخمة لها علاقة بمدخل المدينة. ‏

ولقد سيطرت إيبلا على ماري ثانية خلال حكم ملوك إيبلا «ايبيريوم» و«أبي سيبيش» و«دبوحوعدا»، وتم آنئذ تنصيب «شورا داموا» الإيبلائي ملكاً على ماري. ‏

وأوضحت قراءة وثائق إيبلا التوازن في القوى بين دولة أكاد ودولة إيبلا، هاتين القوتين العظيمتين ذوات الحضارة العريقة، في أكاد الرافدين وفي إيبلا السورية، التي نعرف مكانها وحجم حضارتها بينما لم نكتشف بعد مكان مدينة أكاد. ‏

لقد توسع نفوذ إيبلا، وليس من السهل تحديد خارطة نفوذها، إذ إن بعض المدن كان يديرها أحد قادة إيبلا ويسمى نفسه ملكاً عليها كما يتم في ماري، وبعض المدن يحكمها ملك من أهلهاولكنها ترتبط بمعاهدة سياسية مع إيبلا كما تم في «أبارسال» وآشور وحماة، وبعض المدن تخضع لنفوذ إيبلا عن طريق دفع الجزية، مثل أكاد وكانيش. ‏

في هذا العصر، سيطرت إيبلا على مدن كبرى كانت تشكل مع ضواحيها ممالك، وهكذا فإن ماري على الفرات كانت حاضرة مستقلة واسعة سجلت بعض أسماء حكامها في قائمة ملوك سومر، وحسب وثائق إيبلا يتضح لنا المركز القوي الذي كانت تتمتع به ماري، وذلك عند الحديث عن الحرب التي شنها «أنا دجن» أحد قادة «إيبلا» على «إيبلول إيل» ملك ماري ونصب نفسه ملكاً عليها بعد أن أحتل «إيمار». ‏

ويبدو مع التتبع التاريخي لطبقات المملكة أنها تمت مهاجمتها من الجيوش الحثية بقيادة مورشيلي الأول أو ماتوسيللي الأول حوالي عام 1600ق.م. ‏

بعد ذلك تتالت عليها فترات مختلفة كالآرامية بين 720--*535ق.م، والفارسية والهلنستية حتى حوالي عام 200 ق.م، ولا توجد فيها آثار رومانية بل وجدت مجموعة مسيحية بيزنطية صغيرة على طرف المعبد يعود تاريخها إلى حوالي القرن السابع بعد الميلاد عندما تلاشت بعدها المملكة وأخبارها. ‏

ومما يدل على عظمة هذه المملكة أنها كانت تضم 250 مدينة يعمل في إدارتها حوالي 6000 موظف وقد كانت مركزاً تجارياً هاماً امتلك أبناؤها قطيعاً من الماشية يقدر بحوالي 200000 رأس (أبقار وأغنام وماعز).. وأهم موادها التجارية الأخشاب التي كانت تأتيها من الجبال المجاورة والأقمشة والمفروشات المرصعة باللآلئ. ‏

منذ عامين وتحديداً في 28 تشرين الأول 2002 زارت السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية مملكة إيبلا ودشنت المنتزه التاريخي فيها، وتابعت تطور العمل في هذا المنتزه مع الجامعة الإيطالية لو سابينا والبروفيسور باولو ماتييه إلى أن أصبح في 28 تشرين الأول 2004، أي بعد عامين، جاهزاً لتقوم عقيلة السيد الرئيس بافتتاحه كواحد من أهم المنتزهات التاريخية الزاخرة في العالم. ‏

وتقديراً لهذا الاهتمام الكبير والمتابعة المستمرة والدعم المتواصل الذي يدل على اهتمام سورية بتاريخها وأوابدها الأثرية، فقد منحت جامعة روما لوسابينا السيدة أسماء الأسد الدكتوراة الفخرية لها ليكون هذا التقدير اعترافاً صريحاً بالدور البارز الذي لعبته سورية ولا تزال كمركز للقاء الحضارات وتواصلها عبر التاريخ. ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق