بغداد في رحلة الرحّالة البرتغالي بيدرو تيكسيرا 1
سنة 1604
ترجمة وتعليق
الدكتور أنيس عبد الخالق محمود القيسي
الطريق نحو بغداد
في الساعة الثانية صباحاً من يوم الاثنين، الرابع من تشرين الأول (1604)، بدأنا رحلتنا بسرعة كبيرة نحو الشمال وفي أراضٍ ذات طبيعة متنوعة، بعضها قاحلة، وبعضها الآخر غزيرة بالأعشاب، تقتات عليها أعداد هائلة من قطعان الماشية، الكبيرة منها والصغيرة، والجِمال والخيول والدواجن الأخرى والحيوانات النافعة، التي تشرب المياه من بضعة آبار، ولاسيما من بئرين رأيناهما صالحين للإستعمال مغلفين بالآجر، لكل منهما حوض أو صهريج صخري، كانا أول الصخور التي رأيتها طوال طريقي من مشهد علي (Mexat Ali) إلى هنا، وإلى بغداد (Bagdat). وعندما أشرقت الشمس اكتشفنا ذلك الجانب من بغداد، الكائن في ما بين النهرين، الذي كان أول شيء فيه ”القرائين“( ) (Alcorans)، لأنها كانت مرتفعة جداً، بينما كانت البلاد مستوية، بدا ارتفاعها من بعد أربعة فراسخ ( ). وبعد أن قطعنا مسافة فرسخين من هذه الفراسخ الأربعة، وقد وجدنا إن الطريق كله في كلا الجانبين، حتى مدينة (Abundance)( ) ذات الآجر المحروق، عريض جداً وبالٍ بفعل الزمن، بعضه فوق مستوى سطح الأرض وبعضه الآخر في كهوف داخلها. وقد انتبهت، بسبب ذلك، إلى ما يجب عليّ أن أقوله، من هنا فصاعداً، عن بغداد.
ولعل من المناسب هنا أن أتحدث هنا عن تلك ”القرائين“، وسأصف هنا ما هي هذه القرائين، لأن المعلومات عنها، كما هو معروف، إنها لا تحتوي على أجراس كما هو الحال في كنائسنا عادة، لذا فإن المسلمين قد بنوا تلك القرائين على جوامعهم التي هي، على الرغم من إنها ليست متشابهة بالضبط، على العموم شبيهة بسارية السفينة، لكونها دائرة منتصبة عمودياً ومساوية للقمة الدائرية، وتلك هي الشرفة، أو الممشى المحيط بها من هناك نحو الأعلى، كالدقل المتوسط وهي أقصر وأنحف، وفي داخلها سلالم لولبية تؤدي صُعُداً إلى تلك الشرفة، حيث الملالي، وهم رجال تم تعيينهم لتلك المهمة الخاصة في ساعات اعتيادية، وأعني بذلك ثلاث مرات في النهار، واثنتين في الليل، وهم ينادون بأعلى ما يمكن، ويهتفون بهذه العبارات ”الله أكبر، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله“. فيما يخص هذا، وهو الجانب المهم، الذي لم يتغير أبدا، فإنهم يضيفون تعابير أخرى تثير الناس لتمجيد الله؛ ونظراً لأن كتاب أتباع محمد يسمى القرآن، فإن الإسم نفسه أطلق على المكان الذي خصص للدعوة إليه. وبعض هذه الأمكنة في تلك الأنحاء إعجازية ومكلفة جداً.
دخلتُ هذا الجانب من بغداد الواقع بين النهرين في الساعة الواحدة بعد الظهر، ولكنني قبيل ذلك التقيتُ بشاب ألماني كنت قد تعرفت عليه في الهند قبل بضع سنوات، والذي كان قد علم إن القافلة قادمة وأنا معها. إنه يدعى جيمس فرناندز، وهو من مواليد هامبورغ، وإسمه الحقيقي جواكيم اوزيمكروخ (Joachim Ozemkroch)، ولأنه جاء إلى هناك من البصرة قبل سبعة أيام، فقد كان موجوداً مدة ثلاثة أشهر منذ أن غادر ذلك المكان بوساطة المركب. وكان أحد المرتدين وهو جعفر، الذي كان قد تقدم القافلة من أهالي مشهد الحسين (Mexat Ocem)، بعد أن أخبره بأنني قادم، أرسل لي رسالة إلى هناك فقدت مني، ينصحني فيها أن ألزم الحذر من الطريق الذي اسلكه، وكان هذا المرتد (Renegado)( ) يعتقد إنني كنت مصمماً على اختصار الرحلة، لأتخذ طريقاً آخر أكثر إستعمالاً وأكثر خطورة، لذا فقد أحاطني علماً بكثير من المصاعب والهزارة الذين كانوا منتشرين على الطريق، بسبب الحرب في حلب. وقد التقينا عند مدخل المدينة، وأوصلني إلى بيته. وبينما كنا في طريقنا نحو حلب وأصبحنا رفيقين، تفضل عليّ بكثير من الكرم. وهذا يظهر كم من المفيد أن يفعل المرء خيراً، عندما كنا في قوتنا؛ لأن هذا الشاب، بعد مدة طويلة جداً، كافأني بخدمة صغيرة كنت قد قدمتها له سابقاً. ثم عبرت النهر معه، وعند الساعة الثالثة بعد الظهر دخلنا المدينة عند الجانب الآخر، بعد أن كنا قد قطعنا عشرة فراسخ في ذلك اليوم.
وصف بغـــــــداد
مدينة بغدادبغداد [كما يسميها أهلها، وبغدات، كما نسميها نحن] مدينة ذات شهرة كبيرة، تقع عند نهر دجلة الذي يسميه الاهلون دجلة (Digilah) أو دجيلة (Diguyla)، كما تقع مدينتنا اشبيلية وتريانا (Triana) عند نهر الوادي الكبير. ويلتف هذا النهر حول المدينة من الشمال والجنوب، ويميل قليلاً جداً عند كلا الجانبين، وعندما يكون في أدنى مستوى له، كما هو الحال حينما كنت هناك، كان عرضه نحو 230 خطوة.
جسر القواربويمتد عليه جسر مكون من 28 قارباً، مع دعامات ممتدة بالعرض؛ والمسافة الموجودة بين كل قاربين كبيرة وهي تساوي عرض قارب واحد، وهي أربع خطوات، ونهايته مثبتة بإحكام عند كلا الجانبين بجدران البيوت، بوساطة سلاسل حديدية كبيرة. وفي كل ليلة ينفصل الجسر من منتصفه، ويبقى نصف واحد في كل جانب، وتتم العملية نفسها في أي وقت، عندما تكون الرياح عاصفة أو عندما يكون تيار الماء شديداً، وعندما تكون هناك قوارب عبّارة (عبّارات) يُعبر عليها، وحالما يهدأ الجو ويهدأ الماء، يُربط الطرفان مجدداً. ويفصل هذا الجسر أيضاً في كل يوم جمعة، حينما يكون الباشا والناس في الجامع، في صلاتهم، ويربط ثانية عندما ينتهون من صلاتهم.
نهر دجلةأما في الشتاء فإن النهر يرتفع إلى ستة أذرع، أو أكثر، وأحياناً يدخل المدينة، المنتصبة على ضفة مرتفعة قليلاً عنه. لقد بدت مياه النهر لي أكثر وضوحاً، ونقاوة، ورقة وإثارة للبهجة من نهر الفرات إلى حد كبير، وتعيش فيه أعداد وفيرة من الأسماك اللذيذة، التي يستفيد منها المسلمون. والمعدن (Maydin)( )، واقصد به قيمة (11) (مرابطي) Maravedies، أو نحو ثلاثة بنسات ونصف، هو ثمن كل تحميلة من البضائع المستوردة منها والمصدرة. أما أولئك الذين يأتون من بلاد ما بين النهرين، كما فعلنا نحن، لكي يدخلوا بغداد، فإنهم يعبرون أولاً عن طريق الجانب الواقع في الاتجاه الغربي من النهر، مجتازين قناة جافة واسعة وعميقة، والأرض المأخوذة منها يصنع منها خندق أو حصن مرتفع، يقوم مقام السور، ليحمي المدينة من أي هجوم يقوم به العرب الذين لا يستطيعون إلا محاولة مهاجمته عند ذلك الجانب. وهناك جسران منتصبان عليه، عند نهايتيه تقريباً. وهذا الخندق قد حفر في عام (1601) في عهد حسن باشا( ) الوزير الذي انشأ في المكان نفسه سوقاً، وخاناً، ومقهى، وأبنية جميلة جداً، لا تزال تسمى باسمه. ولا أذكر إني قد رأيت أية صخرة في كل أبنية تلك المدينة، باستثناء بوابات الخان، وبوابات الجامع الجديد التي تنتصب عند الجهة اليسرى عندما تغادر الجسر نحو المدينة. وتلك الصخور بيضاء اللون وصلبة جداً، ولكنها ليست من المرمر؛ وقد جُلبت من الموصل، وهي ملقاة على النهر، ويعتقد إن بعضها من نينوى.
الضاحية المجاورة لبغداديضم هذا الجانب من بغداد نحو ثلاثة آلاف بيت مأهولة بالسكان، مع أسواق وخانات Carodnceres، وحمامات عامة وكل أصناف الحرف اليدوية المستخدمة بين المسلمين، وهو مجهز تجهيزاً وافراً بكل الضروريات التي تحتاجها المدينة، بل وأكثر في بعض الأشياء، لأن معظم المؤن (أو التجهيزات) تأتي من ذلك الجانب.
المقهىومن بين الأبنية العامة بيت المقهى المذكور أعلاه. والقهوة (Kaoah) التي نسميها (Coffee) حبة كبيرة بحجم حبة فاصوليا صغيرة، وهي منتشرة في شبه الجزيرة العربية، إذ تُطحن وتُغلى، وتباع في البيوت العامة، التي بنيت لهذا الغرض، إذ يلتقي كل أنواع الناس من الفئات كافة لشربها، ويجلسون بهدوء، ويحتسون هذا الشراب الذي يقدم لهم في صحون صينية يحمل كل منها من (4) إلى (5) أونسات، وهي ساخنة جداً، ويأخذ كل رجل صحنه وينفخ عليه (ليبرده) ويرتشفه. والقهوة سوداء اللون، لا طعم لها أو نكهة تقريباً؛ وعلى الرغم من إنهم يعزوها إلى بعض الأصناف الجيدة، غير إن لا شيء فيها معروف بالتأكيد، ولا يسود سوى العُرف بينهم للالتقاء هناك لتجاذب أطراف الحديث وتسلية أنفسهم. إن أكثر ما هو جذاب في هذا الشعب هو إنهم يحتفظون بأطفال جميلين، مهندمين بأناقة وترف، ينتظرون أخذ النقود، إلى جانب الموسيقى والتسالي الأخرى التي تدعى (الفرقة). والملاذ الأعظم يكون عند الليل في الصيف، وعند النهار في الشتاء. ويقع هذا البيت (أي المقهى) عند ضفة النهر، وله شبابيك عدة، وتعلوه شرفتان خارجيتان، جاعلة منه مكاناً مبهجاً جداً. وهناك بعض البيوت الأخرى المشابهة لهذا في المدينة، والكثير في أنحاء تركيا وبلاد فارس. وفي هذا الجانب، الخالي من القناة والخندق، خرائب أبنية قديمة توضح على نحو ملائم الأهمية السابقة لتلك المدينة. وفي هذا المكان أولاً أنشئت بغداد العظيمة، وليست بابل، كما ظننت أول مرة.
القلعة التي يقيم فيها الباشاعند انطلاقنا من هذا المكان نحو المدينة، على الجسر القائم على 28 قارباً، فإننا ندخلها من بوابة عظيمة، إلى جانبها خمس بوابات( ) خلفية أخرى مطلة على النهر. وهذا الجسر طويل، يبلغ طوله ميلاً على طول النهر وعند النقطة الشمالية، في المكان الذي يأتي منه التيار، تنتصب القلعة، حيث يقيم الباشا، وهي كبيرة أكثر من كونها قوية؛ وهذا الحصن مربع مستطيل الشكل، يبلغ محيطه الإجمالي (1500) خطوة، وهو مغلق بقناة (خندق) يبلغ عمقها ثمانية أذرع، وعرضها اثني عشر ذراعاً. وجدران هذا الحصن من الآجر، مع بعض الفتحات في الجدار التي توجد فيها أجزاء المدفع. وفي داخل هذا الحصن يعيش الباشا مع بعض الناس التابعين له الذين يتراوح عددهم بين (1500-2000) شخص يتسلمون رواتبهم ويتلقون حمايتهم منه. ويرتبط سور المدينة والبوابة التي تشرف على الجهة الجنوبية بهذا الحصن وبالبوابة المؤدية نحو بلاد فارس التي من دونها فإن البلد بأكمله سهل رائع وأرض جيدة محروثة ومزروعة، وخالية من أية جبال أو تلال تحدّ النظر؛ لذا، فإنه، في بعض السنين، يُغمر بالماء في فصل الشتاء، ولهذا السبب فإنهم يتوجهون إليه بالقوارب، وعندما يحدث ذلك، فإنهم يمدون جسراً من فتحة الرمي في الحصن الموجودة في وسط السور، من اجل خدمة الناس.
السوريبلغ محيط السور فرسخ ونصف، والنهاية الأخرى تصل النهر، بعد أن تكون قد شكلت نصف دائرة. ولكن توجد بعض الأركان (الزوايا) البارزة فيه من اجل حمايته على نحو أفضل. وهناك بوابتان أخريان نحو اليابسة، الأولى في الوسط، والثانية في النهاية. وحول هذا السور يلتف خندق عميق . والسور مبني من الآجر، له جدار ذو فتحات تطلق منه النيران، وزوايا ناتئة، وبضعة حصون، بينها أربع بوابات قوية ومبنية بناءً جيداً، لتتحمل الوزن وتكدس المدفعية التي نُشرت فيها، التي هي كثيرة العدد وثقيلة وجيدة، وكلها مصنوعة من النحاس.
حامي الغرباء (الأجانب)وللباشا هنا سلطة مطلقة في الشؤون المدنية والعسكرية؛ وللغرباء (الأجانب) مسؤول لحمايتهم يعين من السيد الأعظم( ) (Grand Signior) الذي يؤيدهم. والتجار معارضون له وجميع الضباط الآخرين، وعندما يبدون أي خطأ يضطلعون بالدفاع عنهم بكثير من التضامن، كما حدث عندما كنت هناك في إحدى القضايا المهمة جداً التي فهمت من خلالها إلى أي مدى توسعت هذه الحماية؛ لأنها وصلت إلى الحد الذي وضع فيه الضباط الأتراك الكبار في الحديد، وأجبر الباشا على الكف عما ينوي القيام به.
قوات المدينة والقوات التي تم تخصيصها للدفاع عن المدينة وعن البلد تعتمد على الباشا، وهي في العموم نحو أربعة عشر ألف رجل من الخيالة والمشاة، من الأتراك والشعوب الأخرى التي يستخدموها. ومن بين هذا الرقم يقيم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف في المدينة، من بينهم ألف وخمسمائة من الانكشارية. أما البقية فهم مقسمون إلى حكومات ومواقع عدة، وهؤلاء، عدا ما ذكرناهم سابقاً، منتسبون إلى حد مميز للباشا، وهم معه في القلعة.
الآثار والأبنيةفي بغداد آثار لأبنية فخمة، منذ المدة التي كان فيها الفرس( ) مسيطرين عليها( )، مثل الجامع، الذي يسمونه جامع الخلفاء (Calegaha) ، أو جامع الخليفة (Calif) ، وأبنية أخرى عند النهر ، كالمدرسة التي كانت مشفى، والقناطر في الأسواق، وبعض المنائر (Alcorans) القديمة التي بليت بمرور الزمن. وإلى جانب هذه الآثار المذكورة، ليس هناك بناء حديث جدير بالانتباه، باستثناء جامعين، أحدهما عند الجهة اليسرى، وأنت داخل إلى المدينة من البوابة العظمى(great Gate)( )، بناه الباشا( ) ليؤدي فيه صلاته المميزة، على شرف أحد الأولياء المميزين لديه. وكان العمل في هذا الجامع مكلفاً جداً، عندما يحكم عليه من الخارج؛ وذلك لأن من غير المسموح لأي شخص من غير المسلمين أن يدخل إلى جوامعهم، ولاسيما تلك التي يكثر التردد إليها، من دون خطر التهديد بالموت( )، أو إجبارهم على التخلي عن دينهم؛ ولكن ذلك لم ينفذ بالصرامة نفسها في الأنحاء جميعها. أما الجامع الآخر فينتصب عند نهاية المدينة( ) ، على مقربة من أشجار النخيل الموجودة بينه، وحائطه رائع جداً، وكذلك طراز بنائه، وذلك بسبب وجود القناة التي تنقل الماء إليه من النهر؛ إنه بناء مكلف جداً هو ليس أقل فائدة للسكان. وعلى الرغم من إن أحد الجوانب الثلاثة في المكان ضمن الأسوار هي أرض قاحلة، أو مليئة بأشجار النخيل، فهناك في بغداد ما يزيد عن ألفي دار، معظمها كبيرة وفسيحة، ولكنها ذات بناء عادي، والقليل منها مصممة تصميماً جيداً، ولجميعها سقوف مسطحة، ومعظمها دون أية شبابيك تطل على الشارع، والأبواب ضيقة جداً. وهذه البيوت كلها من الآجر القديم، المجلوب من خرائب الأبنية القديمة . ويعيش كثير جداً من الناس على حفر الآبار واستخراج المياه التي يحملونها لغرض بيعها. ولهذا السبب، فإن البلد كان مليئاً بالحفر لمسافة أربعة أو خمسة أميال، بعضها عميق جداً، والآخر يقتلع بصورة مستمرة من خرائب الأبنية الضخمة القديمة، التي تشهد على نحو ملائم على عظمة هذا المكان في الأزمنة الغابرة.
سكان بغدادمعظم سكان المدينة من العرب المتحضرين، أما البقية فهم أتراك وأكراد، وعجم أو فرس، ولم يكن عدد الأخيرين كبيراً جداً في هذا الوقت، بسبب الحرب( )، ومع ذلك فهناك الكثير منهم. وهناك ما يقرب من مائتين أو ثلاثمائة بيت لليهود، وقد أكدوا إن اثني عشر أو خمسة عشر من هذه البيوت كانت قائمة منذ السبي الأول. وبعض هؤلاء اليهود أثرياء، ولكن القسم الأكبر منهم مدقعو الفقر؛ وهم يعيشون في أحياء منفصلة، ويتمتعون بحرية كاملة، وتوجد لهم كنائسهم ومعابدهم. وكانت هناك عشرة بيوت للمسيحيين الأرمن، وثمانون للنساطرة. وسكان بغداد عموماً ذوو بشرة بيضاء، جميلو الشكل، وذوو مزاج لطيف واجتماعيون. ومعظم الرجال يمتطون صهوة الحصان، وهم يرتدون ملابسهم النظيفة الغالية الثمن، وكذلك النسوة، فمعظمهن جميلات، ولهن عيون جميلة عموماً. وتسير النساء في الشوارع وهن محجبات، بملابس تشبه الحجاب، التي يسمونها (Chandales)، لكنها ليست سوداء ( )، وعلى وجوههن شاش أسود أو أحمر قانٍ جميل، لذا فهن يتمكنّ من رؤية كل شيء دون أن يراهن أحد، على الرغم من إنهن لا يغطين أنفسهن أحياناً .
سنة 1604
ترجمة وتعليق
الدكتور أنيس عبد الخالق محمود القيسي
الطريق نحو بغداد
في الساعة الثانية صباحاً من يوم الاثنين، الرابع من تشرين الأول (1604)، بدأنا رحلتنا بسرعة كبيرة نحو الشمال وفي أراضٍ ذات طبيعة متنوعة، بعضها قاحلة، وبعضها الآخر غزيرة بالأعشاب، تقتات عليها أعداد هائلة من قطعان الماشية، الكبيرة منها والصغيرة، والجِمال والخيول والدواجن الأخرى والحيوانات النافعة، التي تشرب المياه من بضعة آبار، ولاسيما من بئرين رأيناهما صالحين للإستعمال مغلفين بالآجر، لكل منهما حوض أو صهريج صخري، كانا أول الصخور التي رأيتها طوال طريقي من مشهد علي (Mexat Ali) إلى هنا، وإلى بغداد (Bagdat). وعندما أشرقت الشمس اكتشفنا ذلك الجانب من بغداد، الكائن في ما بين النهرين، الذي كان أول شيء فيه ”القرائين“( ) (Alcorans)، لأنها كانت مرتفعة جداً، بينما كانت البلاد مستوية، بدا ارتفاعها من بعد أربعة فراسخ ( ). وبعد أن قطعنا مسافة فرسخين من هذه الفراسخ الأربعة، وقد وجدنا إن الطريق كله في كلا الجانبين، حتى مدينة (Abundance)( ) ذات الآجر المحروق، عريض جداً وبالٍ بفعل الزمن، بعضه فوق مستوى سطح الأرض وبعضه الآخر في كهوف داخلها. وقد انتبهت، بسبب ذلك، إلى ما يجب عليّ أن أقوله، من هنا فصاعداً، عن بغداد.
ولعل من المناسب هنا أن أتحدث هنا عن تلك ”القرائين“، وسأصف هنا ما هي هذه القرائين، لأن المعلومات عنها، كما هو معروف، إنها لا تحتوي على أجراس كما هو الحال في كنائسنا عادة، لذا فإن المسلمين قد بنوا تلك القرائين على جوامعهم التي هي، على الرغم من إنها ليست متشابهة بالضبط، على العموم شبيهة بسارية السفينة، لكونها دائرة منتصبة عمودياً ومساوية للقمة الدائرية، وتلك هي الشرفة، أو الممشى المحيط بها من هناك نحو الأعلى، كالدقل المتوسط وهي أقصر وأنحف، وفي داخلها سلالم لولبية تؤدي صُعُداً إلى تلك الشرفة، حيث الملالي، وهم رجال تم تعيينهم لتلك المهمة الخاصة في ساعات اعتيادية، وأعني بذلك ثلاث مرات في النهار، واثنتين في الليل، وهم ينادون بأعلى ما يمكن، ويهتفون بهذه العبارات ”الله أكبر، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله“. فيما يخص هذا، وهو الجانب المهم، الذي لم يتغير أبدا، فإنهم يضيفون تعابير أخرى تثير الناس لتمجيد الله؛ ونظراً لأن كتاب أتباع محمد يسمى القرآن، فإن الإسم نفسه أطلق على المكان الذي خصص للدعوة إليه. وبعض هذه الأمكنة في تلك الأنحاء إعجازية ومكلفة جداً.
دخلتُ هذا الجانب من بغداد الواقع بين النهرين في الساعة الواحدة بعد الظهر، ولكنني قبيل ذلك التقيتُ بشاب ألماني كنت قد تعرفت عليه في الهند قبل بضع سنوات، والذي كان قد علم إن القافلة قادمة وأنا معها. إنه يدعى جيمس فرناندز، وهو من مواليد هامبورغ، وإسمه الحقيقي جواكيم اوزيمكروخ (Joachim Ozemkroch)، ولأنه جاء إلى هناك من البصرة قبل سبعة أيام، فقد كان موجوداً مدة ثلاثة أشهر منذ أن غادر ذلك المكان بوساطة المركب. وكان أحد المرتدين وهو جعفر، الذي كان قد تقدم القافلة من أهالي مشهد الحسين (Mexat Ocem)، بعد أن أخبره بأنني قادم، أرسل لي رسالة إلى هناك فقدت مني، ينصحني فيها أن ألزم الحذر من الطريق الذي اسلكه، وكان هذا المرتد (Renegado)( ) يعتقد إنني كنت مصمماً على اختصار الرحلة، لأتخذ طريقاً آخر أكثر إستعمالاً وأكثر خطورة، لذا فقد أحاطني علماً بكثير من المصاعب والهزارة الذين كانوا منتشرين على الطريق، بسبب الحرب في حلب. وقد التقينا عند مدخل المدينة، وأوصلني إلى بيته. وبينما كنا في طريقنا نحو حلب وأصبحنا رفيقين، تفضل عليّ بكثير من الكرم. وهذا يظهر كم من المفيد أن يفعل المرء خيراً، عندما كنا في قوتنا؛ لأن هذا الشاب، بعد مدة طويلة جداً، كافأني بخدمة صغيرة كنت قد قدمتها له سابقاً. ثم عبرت النهر معه، وعند الساعة الثالثة بعد الظهر دخلنا المدينة عند الجانب الآخر، بعد أن كنا قد قطعنا عشرة فراسخ في ذلك اليوم.
وصف بغـــــــداد
مدينة بغدادبغداد [كما يسميها أهلها، وبغدات، كما نسميها نحن] مدينة ذات شهرة كبيرة، تقع عند نهر دجلة الذي يسميه الاهلون دجلة (Digilah) أو دجيلة (Diguyla)، كما تقع مدينتنا اشبيلية وتريانا (Triana) عند نهر الوادي الكبير. ويلتف هذا النهر حول المدينة من الشمال والجنوب، ويميل قليلاً جداً عند كلا الجانبين، وعندما يكون في أدنى مستوى له، كما هو الحال حينما كنت هناك، كان عرضه نحو 230 خطوة.
جسر القواربويمتد عليه جسر مكون من 28 قارباً، مع دعامات ممتدة بالعرض؛ والمسافة الموجودة بين كل قاربين كبيرة وهي تساوي عرض قارب واحد، وهي أربع خطوات، ونهايته مثبتة بإحكام عند كلا الجانبين بجدران البيوت، بوساطة سلاسل حديدية كبيرة. وفي كل ليلة ينفصل الجسر من منتصفه، ويبقى نصف واحد في كل جانب، وتتم العملية نفسها في أي وقت، عندما تكون الرياح عاصفة أو عندما يكون تيار الماء شديداً، وعندما تكون هناك قوارب عبّارة (عبّارات) يُعبر عليها، وحالما يهدأ الجو ويهدأ الماء، يُربط الطرفان مجدداً. ويفصل هذا الجسر أيضاً في كل يوم جمعة، حينما يكون الباشا والناس في الجامع، في صلاتهم، ويربط ثانية عندما ينتهون من صلاتهم.
نهر دجلةأما في الشتاء فإن النهر يرتفع إلى ستة أذرع، أو أكثر، وأحياناً يدخل المدينة، المنتصبة على ضفة مرتفعة قليلاً عنه. لقد بدت مياه النهر لي أكثر وضوحاً، ونقاوة، ورقة وإثارة للبهجة من نهر الفرات إلى حد كبير، وتعيش فيه أعداد وفيرة من الأسماك اللذيذة، التي يستفيد منها المسلمون. والمعدن (Maydin)( )، واقصد به قيمة (11) (مرابطي) Maravedies، أو نحو ثلاثة بنسات ونصف، هو ثمن كل تحميلة من البضائع المستوردة منها والمصدرة. أما أولئك الذين يأتون من بلاد ما بين النهرين، كما فعلنا نحن، لكي يدخلوا بغداد، فإنهم يعبرون أولاً عن طريق الجانب الواقع في الاتجاه الغربي من النهر، مجتازين قناة جافة واسعة وعميقة، والأرض المأخوذة منها يصنع منها خندق أو حصن مرتفع، يقوم مقام السور، ليحمي المدينة من أي هجوم يقوم به العرب الذين لا يستطيعون إلا محاولة مهاجمته عند ذلك الجانب. وهناك جسران منتصبان عليه، عند نهايتيه تقريباً. وهذا الخندق قد حفر في عام (1601) في عهد حسن باشا( ) الوزير الذي انشأ في المكان نفسه سوقاً، وخاناً، ومقهى، وأبنية جميلة جداً، لا تزال تسمى باسمه. ولا أذكر إني قد رأيت أية صخرة في كل أبنية تلك المدينة، باستثناء بوابات الخان، وبوابات الجامع الجديد التي تنتصب عند الجهة اليسرى عندما تغادر الجسر نحو المدينة. وتلك الصخور بيضاء اللون وصلبة جداً، ولكنها ليست من المرمر؛ وقد جُلبت من الموصل، وهي ملقاة على النهر، ويعتقد إن بعضها من نينوى.
الضاحية المجاورة لبغداديضم هذا الجانب من بغداد نحو ثلاثة آلاف بيت مأهولة بالسكان، مع أسواق وخانات Carodnceres، وحمامات عامة وكل أصناف الحرف اليدوية المستخدمة بين المسلمين، وهو مجهز تجهيزاً وافراً بكل الضروريات التي تحتاجها المدينة، بل وأكثر في بعض الأشياء، لأن معظم المؤن (أو التجهيزات) تأتي من ذلك الجانب.
المقهىومن بين الأبنية العامة بيت المقهى المذكور أعلاه. والقهوة (Kaoah) التي نسميها (Coffee) حبة كبيرة بحجم حبة فاصوليا صغيرة، وهي منتشرة في شبه الجزيرة العربية، إذ تُطحن وتُغلى، وتباع في البيوت العامة، التي بنيت لهذا الغرض، إذ يلتقي كل أنواع الناس من الفئات كافة لشربها، ويجلسون بهدوء، ويحتسون هذا الشراب الذي يقدم لهم في صحون صينية يحمل كل منها من (4) إلى (5) أونسات، وهي ساخنة جداً، ويأخذ كل رجل صحنه وينفخ عليه (ليبرده) ويرتشفه. والقهوة سوداء اللون، لا طعم لها أو نكهة تقريباً؛ وعلى الرغم من إنهم يعزوها إلى بعض الأصناف الجيدة، غير إن لا شيء فيها معروف بالتأكيد، ولا يسود سوى العُرف بينهم للالتقاء هناك لتجاذب أطراف الحديث وتسلية أنفسهم. إن أكثر ما هو جذاب في هذا الشعب هو إنهم يحتفظون بأطفال جميلين، مهندمين بأناقة وترف، ينتظرون أخذ النقود، إلى جانب الموسيقى والتسالي الأخرى التي تدعى (الفرقة). والملاذ الأعظم يكون عند الليل في الصيف، وعند النهار في الشتاء. ويقع هذا البيت (أي المقهى) عند ضفة النهر، وله شبابيك عدة، وتعلوه شرفتان خارجيتان، جاعلة منه مكاناً مبهجاً جداً. وهناك بعض البيوت الأخرى المشابهة لهذا في المدينة، والكثير في أنحاء تركيا وبلاد فارس. وفي هذا الجانب، الخالي من القناة والخندق، خرائب أبنية قديمة توضح على نحو ملائم الأهمية السابقة لتلك المدينة. وفي هذا المكان أولاً أنشئت بغداد العظيمة، وليست بابل، كما ظننت أول مرة.
القلعة التي يقيم فيها الباشاعند انطلاقنا من هذا المكان نحو المدينة، على الجسر القائم على 28 قارباً، فإننا ندخلها من بوابة عظيمة، إلى جانبها خمس بوابات( ) خلفية أخرى مطلة على النهر. وهذا الجسر طويل، يبلغ طوله ميلاً على طول النهر وعند النقطة الشمالية، في المكان الذي يأتي منه التيار، تنتصب القلعة، حيث يقيم الباشا، وهي كبيرة أكثر من كونها قوية؛ وهذا الحصن مربع مستطيل الشكل، يبلغ محيطه الإجمالي (1500) خطوة، وهو مغلق بقناة (خندق) يبلغ عمقها ثمانية أذرع، وعرضها اثني عشر ذراعاً. وجدران هذا الحصن من الآجر، مع بعض الفتحات في الجدار التي توجد فيها أجزاء المدفع. وفي داخل هذا الحصن يعيش الباشا مع بعض الناس التابعين له الذين يتراوح عددهم بين (1500-2000) شخص يتسلمون رواتبهم ويتلقون حمايتهم منه. ويرتبط سور المدينة والبوابة التي تشرف على الجهة الجنوبية بهذا الحصن وبالبوابة المؤدية نحو بلاد فارس التي من دونها فإن البلد بأكمله سهل رائع وأرض جيدة محروثة ومزروعة، وخالية من أية جبال أو تلال تحدّ النظر؛ لذا، فإنه، في بعض السنين، يُغمر بالماء في فصل الشتاء، ولهذا السبب فإنهم يتوجهون إليه بالقوارب، وعندما يحدث ذلك، فإنهم يمدون جسراً من فتحة الرمي في الحصن الموجودة في وسط السور، من اجل خدمة الناس.
السوريبلغ محيط السور فرسخ ونصف، والنهاية الأخرى تصل النهر، بعد أن تكون قد شكلت نصف دائرة. ولكن توجد بعض الأركان (الزوايا) البارزة فيه من اجل حمايته على نحو أفضل. وهناك بوابتان أخريان نحو اليابسة، الأولى في الوسط، والثانية في النهاية. وحول هذا السور يلتف خندق عميق . والسور مبني من الآجر، له جدار ذو فتحات تطلق منه النيران، وزوايا ناتئة، وبضعة حصون، بينها أربع بوابات قوية ومبنية بناءً جيداً، لتتحمل الوزن وتكدس المدفعية التي نُشرت فيها، التي هي كثيرة العدد وثقيلة وجيدة، وكلها مصنوعة من النحاس.
حامي الغرباء (الأجانب)وللباشا هنا سلطة مطلقة في الشؤون المدنية والعسكرية؛ وللغرباء (الأجانب) مسؤول لحمايتهم يعين من السيد الأعظم( ) (Grand Signior) الذي يؤيدهم. والتجار معارضون له وجميع الضباط الآخرين، وعندما يبدون أي خطأ يضطلعون بالدفاع عنهم بكثير من التضامن، كما حدث عندما كنت هناك في إحدى القضايا المهمة جداً التي فهمت من خلالها إلى أي مدى توسعت هذه الحماية؛ لأنها وصلت إلى الحد الذي وضع فيه الضباط الأتراك الكبار في الحديد، وأجبر الباشا على الكف عما ينوي القيام به.
قوات المدينة والقوات التي تم تخصيصها للدفاع عن المدينة وعن البلد تعتمد على الباشا، وهي في العموم نحو أربعة عشر ألف رجل من الخيالة والمشاة، من الأتراك والشعوب الأخرى التي يستخدموها. ومن بين هذا الرقم يقيم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف في المدينة، من بينهم ألف وخمسمائة من الانكشارية. أما البقية فهم مقسمون إلى حكومات ومواقع عدة، وهؤلاء، عدا ما ذكرناهم سابقاً، منتسبون إلى حد مميز للباشا، وهم معه في القلعة.
الآثار والأبنيةفي بغداد آثار لأبنية فخمة، منذ المدة التي كان فيها الفرس( ) مسيطرين عليها( )، مثل الجامع، الذي يسمونه جامع الخلفاء (Calegaha) ، أو جامع الخليفة (Calif) ، وأبنية أخرى عند النهر ، كالمدرسة التي كانت مشفى، والقناطر في الأسواق، وبعض المنائر (Alcorans) القديمة التي بليت بمرور الزمن. وإلى جانب هذه الآثار المذكورة، ليس هناك بناء حديث جدير بالانتباه، باستثناء جامعين، أحدهما عند الجهة اليسرى، وأنت داخل إلى المدينة من البوابة العظمى(great Gate)( )، بناه الباشا( ) ليؤدي فيه صلاته المميزة، على شرف أحد الأولياء المميزين لديه. وكان العمل في هذا الجامع مكلفاً جداً، عندما يحكم عليه من الخارج؛ وذلك لأن من غير المسموح لأي شخص من غير المسلمين أن يدخل إلى جوامعهم، ولاسيما تلك التي يكثر التردد إليها، من دون خطر التهديد بالموت( )، أو إجبارهم على التخلي عن دينهم؛ ولكن ذلك لم ينفذ بالصرامة نفسها في الأنحاء جميعها. أما الجامع الآخر فينتصب عند نهاية المدينة( ) ، على مقربة من أشجار النخيل الموجودة بينه، وحائطه رائع جداً، وكذلك طراز بنائه، وذلك بسبب وجود القناة التي تنقل الماء إليه من النهر؛ إنه بناء مكلف جداً هو ليس أقل فائدة للسكان. وعلى الرغم من إن أحد الجوانب الثلاثة في المكان ضمن الأسوار هي أرض قاحلة، أو مليئة بأشجار النخيل، فهناك في بغداد ما يزيد عن ألفي دار، معظمها كبيرة وفسيحة، ولكنها ذات بناء عادي، والقليل منها مصممة تصميماً جيداً، ولجميعها سقوف مسطحة، ومعظمها دون أية شبابيك تطل على الشارع، والأبواب ضيقة جداً. وهذه البيوت كلها من الآجر القديم، المجلوب من خرائب الأبنية القديمة . ويعيش كثير جداً من الناس على حفر الآبار واستخراج المياه التي يحملونها لغرض بيعها. ولهذا السبب، فإن البلد كان مليئاً بالحفر لمسافة أربعة أو خمسة أميال، بعضها عميق جداً، والآخر يقتلع بصورة مستمرة من خرائب الأبنية الضخمة القديمة، التي تشهد على نحو ملائم على عظمة هذا المكان في الأزمنة الغابرة.
سكان بغدادمعظم سكان المدينة من العرب المتحضرين، أما البقية فهم أتراك وأكراد، وعجم أو فرس، ولم يكن عدد الأخيرين كبيراً جداً في هذا الوقت، بسبب الحرب( )، ومع ذلك فهناك الكثير منهم. وهناك ما يقرب من مائتين أو ثلاثمائة بيت لليهود، وقد أكدوا إن اثني عشر أو خمسة عشر من هذه البيوت كانت قائمة منذ السبي الأول. وبعض هؤلاء اليهود أثرياء، ولكن القسم الأكبر منهم مدقعو الفقر؛ وهم يعيشون في أحياء منفصلة، ويتمتعون بحرية كاملة، وتوجد لهم كنائسهم ومعابدهم. وكانت هناك عشرة بيوت للمسيحيين الأرمن، وثمانون للنساطرة. وسكان بغداد عموماً ذوو بشرة بيضاء، جميلو الشكل، وذوو مزاج لطيف واجتماعيون. ومعظم الرجال يمتطون صهوة الحصان، وهم يرتدون ملابسهم النظيفة الغالية الثمن، وكذلك النسوة، فمعظمهن جميلات، ولهن عيون جميلة عموماً. وتسير النساء في الشوارع وهن محجبات، بملابس تشبه الحجاب، التي يسمونها (Chandales)، لكنها ليست سوداء ( )، وعلى وجوههن شاش أسود أو أحمر قانٍ جميل، لذا فهن يتمكنّ من رؤية كل شيء دون أن يراهن أحد، على الرغم من إنهن لا يغطين أنفسهن أحياناً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق