الأحد، 31 يوليو 2016

من تاريخ سوريا (المسجد الاموي بدمشق)

من تاريخ سوريا (المسجد الاموي بدمشق)




يشغل المسجد الأموي الكبير بدمشق، موقعاً في وسط المدينة التاريخي في ذات البقعة التي كانت في السابق مكاناً لأبنية ذات طابع عبادي وديني منذ قرون. فقبل تشييد المسجد الأموي، كان قد أقيم في الموقع نفسه في العهد الآرامي أوائل القرن العاشر قبل الميلاد معبد "حَـدَدْ" إلـه العاصفة والمطر والخصب في سورية. ثم أنشيء على أنقاض معبد "حدد" القديم، معبد آخر هو "جويبتير" في العهد الروماني وكان هذا الأخير يشمل منشآت عديدة " كالهيكل " أو " السيلا Cella " ـ وهي قدس الأقداس، تقع في منطقة وسط المعبد؛ ثم ساحة التيمينوس Themenos التي تحيط بالهيكل؛ وثمة ساحة أخرى وهي البيربول Peribol بأبعاد 310 × 380 متراً تحيط بهما. ويحد ساحة البيريبول سور خارجي وأروقة داخلية أو مخازن تفتح على أروقة تحمي المارة والمشترين. وبقي من آثار السوق الخارجي والأسواق بعض الأعمدة والأروقة مع طنفاتها في الجهة الغربيـة (باب البريد) وفي الجهة الشرقية (باب جيرون) وفي الجهة الشمالية (الكلاسة) " ويعتبر الجدار الجنوبي للمسجد " الذي ينفتح في وسطه الباب الرئيسي الثلاثي الفتحات.. من مخلفات المعبد الروماني القديم" (1) وتحول المعبد في وقت لاحق الى " كنيسة "، عندما استعمل " تيودوس " المنشآت المتبقية في المعهد الروماني ليحولها الى " كنيسة مسيحية "، في عام 379 م تحت اسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان (2).
لقد رافق انشاء مسجد خاص بالمسلمين في موقع المعبد القديم بمدينة دمشق عند فتحها عام 10 هـ (636م) (3) كثير من الحكايات المختلفة والمختلـقة التي ارتقى بعضها، حد الأساطير الخيالية فيما يخص تاريخ ومكان وكيفية بناء أول مسجد بالمدينة القديمة الذي تم لاحقـاً في موقعه وعلى أنقاضه تشييـد المسجد الأموي الكبير إبان عهد الخليفة الوليد، فـي بدايات القرن الثامن الميلادي. إذ أشارت هذه الحكايات الى قصة " اقتسام " المسلمين لكنيسة المسيحيين التي كانت موجودة في موقع المعبد. وقد وصل الالتباس والتشويش في هذه القضية ـ قضية اقتسام الكنيسة ـ ذروته عندما تبنى بعض المهتمين من العرب والأجانب في تاريخ وعمارة المسجد الاموي مشروعية عملية " الاقتسام الفيزياوي " لفضاء الكنيسة، الأمر الذي يحتم على الطرفين المسلمين والمسيحيين في النتيجة إجراء طقوس العبادة في فضاء واحد، وهو " أمر لا يقبله الواقع " كما يؤكد الدكتور عبدالقادر الريحاوي في كتابه " العمارة والحضارة الإسلامية، ويشير المؤلف بأن مرد خطأ الرواة والمؤرخين الذين اشاروا الى هذا الموضوع " … لم يميزوا بين معبد، وكنيسة ؛ فقالوا باقتسام الكنيسة، وهم يريدون اقتسام المعبد، وفعلاً فان المسلمين أخذوا النصف الشرقي للمعبد وأقاموا عليه مسجدهم وتركوا الكنيسة القائمة في القسم الغربي للنصارى، واستمـر الحـال على هذا المنوال قرابة سبعيـن عاماً إلى أن تمكن الوليـد من تشيـيد جامعه الكبير " (4).
ومهما يكن من أمر فان جميع الدلائل تشير بأن الوليد بن عبد الملك كان قبل الشروع بتشييد المسجد الأموي بدمشق الذي عرف أحياناً بمسجد الوليد، قد أزال غالبية المنشآت السابقة الموجودة في الموقع. ويذكر ابن الفقيه (توفي عام 290 هـ ـ 903 م) بأن الوليد حاول في البدء إقناع المسيحيين بإعطائهم موقعاً آخر بدلاً عن كنيستهم التي رأى فيها نوعاً من العرقلة لما نوى عليه من أعمال زيادة في المسجد واعادة بنائه بصورة لائقة، فأبوا ولم يوافقوا على مقترح الوليد " … إنا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم هذه ونعطيكم موضع كنيسة حيث شئتم، فحذروه ذلك وقالوا : إنا نجد في كتابنا أن لا يهدمها أحد إلا خنق. فقال الوليد : فأنا أول من يهدمها. فقام عليها، وعليه قباء أصفر فهدمها بيده، وهدم الناس معه، ثم زاد في المسجد " (5. وإثر ذلك بدء العمل في تشييد المسجد في ذي الحجة من عام ستة وثمانين (86 هـ) للهجرة (705 م) وانتهي منه بعد عشر سنوات من العمل الإنشائي الواسع والمتواصل ، في96 هـ (715) م (6 (أي في السنة التي مات بها الوليد). وباكتمال تشييد المسجد الجامع بدمشق فان مرحلة جديدة من التطور المعماري في العهـد الأموي قد أنجزت، وظهر المنشأ الجديد بصيغته الفنية المتكاملة كأنه مأثرة معماريـة حقاً أبانت للعالم بأسره نضج القيم التكوينية الجديدة واكتمال المفاهيم التصميمية تلك المفاهيم التي لا يتعدى عمرها عمر ظهور الاسلام نفسه، أي قبل أقل من ثمانية عقود لاغير!
أثارت الأبعاد القياسية للمسجد الجامع بدمشق وأسلوب ترتيب فضاءاته ودقة ورهافة الأعمال التزيينية وسعتها وكذلك حذق العمل الإنشائي وأساليبه البنائية، أثارت دهشـة واعجاب جميع مشاهديه، ومازالت ذات الدهشة والإعجاب تستـولي على مستخد ميه وزوّاره حتى الوقت الحاضر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق