الأحد، 31 يوليو 2016

أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ5

أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ5


الحلقة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

استكمالاً لما بدأته في الحلقات الماضية من ذكر بعض القصص والروايات الباطلة والتي لا تثبت ، إما بسبب ضعف سندها وإما بسبب بطلانها من الأصل لعدم ثبوتها ، إلى غير ذلك من الأسباب .. أذكر اليوم قصة مشهورة على الألسن وفي الكتب والقصص و في الخطب والمحاضرات و بين العامة والخاصة وقد تجد من طلبة العلم من يستشهد بها ، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهراً إلى المدينة النبوية ) .

أخرج ابن عساكر في تاريخه (44/51-52) وابن السمان في الموافقة ، انظر : شرح المواهب (1/319) و سيرة الصالحي (3/315) وابن الأثير في أسد الغابة (4/152) ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لم هم بالهجرة تقلد سيفه و تنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً واختصر عَنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس – الأنوف – ، من أراد أن تثكله أمه و يوتم ولده و يرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي ، قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين ، علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه ) .

قلت : هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها – و سيأتي - ، فهي لا تسلم من الكلام على سندها ، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها ، فكيف و فيها ثلاثة مجاهيل ؟!

قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في رده على البوطي في سيرته : ( جزمه بأن عمر رضي الله عنه هاجر علانية اعتماداً منه على رواية علي المذكورة ، و جزمه بأن علياً رواها ليس صواباً ؛ لأن السند بها لا يصح و صاحب أسد الغابة لم يجزم أولاً بنسبتها إليه رضي الله عنه ، و هو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته ، و لينظر فيه من كان من أهل العلم ، و قد وجدت مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني : حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي ( كذا الأصل ولعله الأيلي ) عن أبيه ، بإسناده إلى علي ، و هؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ( ص 42- 43) .

قلت : و نحن لا ننكر شجاعة عمر و هيبته رضي الله عنه ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : ( ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ) ، و لكن العبرة بما صح و حسن سنده .

و القصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق قال حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبدا لله عن أبيه عمر رضي الله عنهما قال : ( اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا و عياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب – موضع فوق سرف على مرحلة من مكة – من أضاة بني غفار – أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين – فوق سَرِف ، و قلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه ، فأصبحت أنا و عياش عند التناضب ، و حبس عنا هشام ، و فتن فافتتن .. .. وعندما نزلت الآية { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً .. الآية } كتبها عمر و أرسل بها إلى هشام بن العاصي بمكة ، فوجد صعوبة في فهمها ، فدعا الله أن يفهمه إياها ، فألقى الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله ، فلحث برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) . انظر : ابن هشام (2/129-131) بإسناد حسن ، و صححه ابن حجر في الإصابة (3/602) ، و قد أشار إلى صحتها الهيثمي في المجمع (6/61 ) .

قلت : و دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية ، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة ، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار – وهي على عشرة أميال من مكة – ليؤكد إسرارهم بهجرتهم .

و فوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب سراً ، حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق – السابقة – وزاد فيها قول عمر : ( و كنا نخرج سراً فقلنا .. ) .

وقلت أيضاً : والتأكيد على صحة الرواية الثانية أولى من التكلف في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً – كهذه التي بين أيدينا - ، وانظر إلى تكلف السباعي رحمه الله والبوطي مثلاً في استخراج العبر منها . السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80 ) و فقه السيرة للبوطي ( ص 135-136 ) .

وإلى قصة أخرى .. تقبلوا تحيات أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق