الجمعة، 29 يوليو 2016

تاريخ ومجتمع 20 الطريق إلى الأقصى - تاريخ عمون رسمه الصراع مع بني إسرائيل

تاريخ ومجتمع 20 الطريق إلى الأقصى - تاريخ عمون رسمه الصراع مع بني إسرائيل



من المعروف أن مدينة عمان تستقي اسمها من "عمون"، عاصمة العمونيين، التي كانت تسمى "ربة عمون"، أي موئل أو مقر العمونيين، فهي عاصمتهم ودار ملكهم، في اللغات السامية القديمة. وإذ سقطت "ربة" أو أسقطت، وحوِّرت "الواو" ألفاً، تحولت عمون إلى عمان...

العمونيون طبعاً عربٌ كانوا يتحدثون لهجة قريبة جداً من لهجة الموآبيين إلى الجنوب، وأسماؤهم كانت ذات طابع كنعاني خالص مثل "حنون"... والموآبية التي سادت في جنوب الأردن في مرحلة ما ليست إلا إحدى اللهجات الكنعانية المنقرضة بالمناسبة. وفي تلك المرحلة كانت تبدو الفروق باللهجات بسيطة بلا شك... مثلاً، جمع كلمة "ملك" بالموآبية هو "ملكين" (كأنه جمع مذكر سالم بالعربية والآرامية، لا تكسير مثل "ملوك")، وملكيم بالعبرية.. وكلمة "قرية" تلفظ قريت بالموآبية، وقريه (بالهاء) بالعبرية القديمة في التوراة، لكن "قريت إسرائيل" عندما تأتي مضافة، ومن هنا التاء المربوطة التي تكتب ولا تلفظ بالعربية (تماماً كما جاءت هنا!).

وإلى الغرب من العمونيين والموآبيين كان العبرانيون أو بنو "إسرائيل" يتحدثون لهجة آرامية قديمة أخرى، عامية أقل تطوراً، حسب اعتراف إحدى الموسوعات على الإنترنت، هي نفسها اللهجة التي كتبت (أو حُرفت) بها التوراة... ولا بد من القول هنا، حتى لا يزعمن أحدٌ أن اليهود عنصرٌ أصيل في المنطقة، أن العبرانيين دخلوا فلسطين أو أرض كنعان غزاةً محتلين آنذاك، وأن الكنعانيين بقوا فيها خلال الاحتلال العبراني وبعده. والأهم، لا بد من التذكير بأن معظم يهود اليوم ليسوا من الأقوام السامية ولا عبرانيي الأصل، بل انحدروا من أصلاب يهود الخزر حول بحر قزوين، وبالتالي لا يستقيم الادعاء بأنهم من الأقوام الأصيلة في بلادنا، ناهيك عن أن الوجود الكنعاني في فلسطين كان متواصلاً، بينما الوجود العبراني (المشرقي غير الخزري) فيها كان وجوداً عابراً...

ومن المعروف أيضاً أن مدينة عمان تأسست فيها بلدة زراعية وحرفية حوالي عام 7500 قبل الميلاد، في العصر الحجري المتأخر، في منطقة عين غزال شرق عمان، على طريق عمان-الزرقاء. لكن الدولة العمونية ازدهرت بعد ذلك بكثير ما بين عامي 1300 و300 قبل الميلاد، وقد وصلت حدود المملكة العمونية في عزها " من الموجب جنوباً إلى سيل الزرقاء شمالاً ومن الصحراء شرقاً إلى نهر الأردن غربا، وكانت عمان عاصمة مملكتهم" حسب إحدى الموسوعات على الإنترنت، أما موسوعة كولومبيا فتذكر أن مملكة العمونيين ازدهرت بين عامي 1300-800 ق.م.

بكل الأحوال برزت عمون وسط شرق الأردن كجزء عضوي وأصيل من نسيج المنطقة ثقافياً وسياسياً، فحالفت الآراميين شمالاً (في سوريا الحالية وشمال الأردن) ضد الآشوريين مثلاً، كما أنها انخرطت بالضرورة، بحكم موقعها الجغرافي على طرق القوافل والتجارة والهجرات والغزوات، في الصراعات الدائرة في محيطها. فالمرء لا يقف على تقاطع طرق إقليمي وعالمي رئيسي ليتصرف بعدها كأنه في مختبر اقتصادي معقم داخل كوخٍ جليدي أبيض ومنعزل في القطب الجنوبي!

لقد أدرك العمونيون وملوكهم جيداً، بحكم قوانين الجغرافيا السياسية، أن التواجد اليهودي على أرض كنعان كان خطراً مميتاً عليهم... ولذلك شكل الصراع التاريخي والدموي المزمن بين مملكة "إسرائيل" في شمال أرض كنعان المحتلة من جهة، وبين العمونيين والموآبيين من جهة أخرى، فصلاً أحمر في تاريخ العمونيين، وفي تكوين الهوية العبرانية نفسها وتحديدها للعوائق الكابحة لانفلات عدوانيتها. وقد طال هذا الصراع بين العمونيين والعبرانيين قبل وبعد تشكيل مملكة "إسرائيل" الشمالية المحاذية لهم... أي منذ بدأ اليهود يحاولون تشكيل مملكة لهم في فلسطين!

ولذلك، على عكس أصل "عمون" و"عين غزال"، ليس من المعروف عند الناس مقدار العداء التاريخي المستحكم بين العبرانيين والعمونيين – سواء على المستويين الثقافي أو العسكري الميداني. فالعبرانيون كانوا قوة احتلال استيطاني متمدد، وجماعة وظيفية لتحقيق شروط الهيمنة الخارجية على المنطقة، كما أنهم كانوا (ولا يزالون) أصحاب مشروع "نفي الأخر" والتعالي عليه ثقافياً.

مثال: في سفر "التكوين" في التوراة، الفصل 19، يوصف عمون وموآب، مؤسسي مملكتي عمون وموآب، بأنهما أولاد سفاح للنبي لوط من ابنتيه!!!! (لقراءة النص الحرفي الذي نتحفظ على إيراده هنا يمكن لمن يرغب الذهاب للفصل 19 من سفر التكوين، رقم 37-38).

فهل طالب أحد في الوفد الأردني المفاوض بإزالة هذه الملاحظة العدائية ضد أحفاد عمون وموآب الحاليين من التوراة كجزء من بند منع الدعاية العدائية المتبادلة المنصوص عليه رسمياً في معاهدة وادي عربة، خاصة أن هناك من يحاجج في الجهة الأخرى بمطلب إزالة النصوص الواردة ضد اليهود من القرآن؟! (وهذه نقطة سجالية فحسب ولا تعني أبداً توازي مشروعية المطلبين).

التحريض السافر على موآب وعمون ليس مجرد خطأ تاريخي، بل هو جزء من صراع مستفحل، قديم جديد، على مشروع اليهود للهيمنة الإقليمية، وهو تحريض هدفه إنكار حق عمون وموآب وأحفادهم في الوجود كبشر وإسقاط لمشروعية أي موقف سياسي لهم في مواجهة تمدد مملكة "إسرائيل". مثلاً: في الفصل الحادي عشر من سفر القضاة في التوراة، الرقم 13، هناك استنكار من مطلب "ظالم" من ملك عمون ل"إسرائيل" بأن تعيد الأراضي التي احتلتها من أرنون إلى نهر اليرموك، وهي أراضٍ تضم أجزاءً واسعة من شمال الأردن وجنوب سوريا ولبنان الحاليين، كما تضم مزارع شبعا، كان قد أحتلها العبرانيون من العموريين (أحد الأقوام العربية الأصيلة في المنطقة، مثل العمونيين). فهنا يصوَر مطلب ملك عمون بإعادة تلك الأراضي المحتلة بأنه "غير عادل"... باعتبار أن "الإسرائيليين" أخذوها من العموريين الذين أخذوها من الموآبيين والعمونيين أصلاً! (اقرأ: أخذنا شبعا من السوريين وليس اللبنانيين مثلاً!!)... والأجمل ما جاء تحت الرقم 22 في الفصل الحادي عشر من سفر القضاة في التوراة من أن "الإسرائيليين" قد مدوا سيطرتهم من البرية حتى الأردن (النهر)، وبأنهم (أنتبه جيداً) يطالبون بملكية الأراضي الواقعة خلف الأردن، "حتى لا تبقى فسحة لعمون"!!

ومع أن سفر التكوين يشير للعمونيين والموآبيين بصفتهم "بني عمي" أي أبناء عمومة وأقارب، من إبراهيم، فإن السياق العام في وصفهم هو سياق صراع وتناحر، وسياق إقصاء، فقد زعموا في سفر التثنية في التوراة، 23:3، أن العمونيين والموآبيين منعوا "الإسرائيليين" من المرور في أراضيهم بعد هربهم من مصر، ولذلك نزل فيهم حكمٌ يخرجهم من رعية الله للأبد!! أي حُكِم عليهم بالكفر الأبدي..

وفي النهاية، يظل السيف أصدق أنباءً من الكتب... في حده الحد بين الجد واللعب... فما كتبه اليهود في التوراة يدين عمون بذريعة مساعدتها موآب في قتالها ضد "إسرائيل" (وهي تهمة مشرفة بالتأكيد!)، كما أن "نهاش" ملك عمون جرد بعدها حملة على مدينة "جابش" (ربما وادي يابس) في جلعاد (شمال الأردن) لتحريرها من "الإسرائيليين"، مما أدى لتوحيد القبائل "الإسرائيلية" تحت الملك شاوول ودحره لنهاش ملك عمون. ولا تزال كتب التاريخ الغربية تصف العمونيين بأنهم قومٌ عدوانيون يهاجمون التجمعات السكانية الاستيطانية الإحلالية العبرانية في جلعاد وغيرها بلا مبرر سوى الغزو والنهب...

ويبدو أن الملك نهاش احتضن داوود نكاية في شاوول، واستقر له الحال فترة حتى مات وخلفه ابنه "حنون" ملكاً لعمون، فافتعل معه الملك داوود مشكلة افتعالاً بذريعة أن الملك حنون أساء التعامل مع الوفد الذي أرسله للتعزية بالملك نهاش، مما سبب هجوماً عارماً على عمون وأعمالها، من الواضح أن هدفه الإستراتيجي كان توسعة نطاق النفوذ "الإسرائيلي" شرقاً وتطويق أرام (في سوريا الحالية)... ومع أن الآراميين في الشمال تدخلوا عسكرياً إلى جانب مملكة عمون لحمايتها، فإن الهزيمة كانت ماحقة هذه المرة، وتم احتلال العاصمة "ربة عمون" وارتكبت فيها مجازر رهيبة بأهل عمون وأطفالها، وأُخِذت النساء جواري، ومن لم يُذبح جر جراً للقيام بأعمال السخرة، وتصف التوراة فرض العبودية والسخرة على أسرى عمون في 2 سفر صموئيل الفصل الثاني عشر، الرقم 31... وفي مراجع أخرى ثمة معالجة لمشكلة "الهوية اليهودية" لأبناء العبرانيين من الجواري العمونيات، ليصل أحبار اليهود لقرار بشأنهم هو أنهم يهود لأن الرجال العمونيين هم المشمولين بالحرمان من رعاية الله بسبب منعهم اليهود من المرور بأراضيهم، لا النساء العمونيات!!

وقد تم تعيين "شوبي"، شقيق حنون بن نهاش، ملكاً من قبل اليهود على العمونيين، فحصلوا في ظله على نوع من الحكم الذاتي تحت الهيمنة اليهودية...

وبعدها؟ قامت ثلاث ثورات من أجل التحرر نهض بها العمونيون في ظل ملوك اليهود "يهوشافات" و"جيروبوم" الثاني و"جذام" فأغرقها اليهود في بحور من الدماء... وفي النهاية، جاء الفرج من العراق... وهو سبب الحقد اليهودي التاريخي على العراق. وعندما دفع البابليون بجيوشهم المظفرة، في ظل القائد العظيم نبوخذنصر، لتحرير فلسطين وتفكيك القاعدة الديموغرافية ل"إسرائيل"، حيث لا يمكن تحرير فلسطين بدون تفكيك القاعدة الديموغرافية "الإسرائيلية" واجتثاثها اجتثاثاً لأن تفكيك بيروقراطية دولة "إسرائيل" لا يكفي أبداً، اندفع العمونيون مع البابليين لدك "إسرائيل" القديمة من جذورها دكاً في اليوم الموعود لتسديد الفاتورة التاريخية الكبرى، وفتكوا بالعبرانيين فتكاً لم يقلل منه شيء إلا عدم وجود كاميرات فيديو في ذلك الزمن، وشهامة ابن هذه الأرض التي تدفعه دوماً للعفو عند المقدرة...وليس قبلها!! المهم، استعاد العمونيون "غاد" شرق النهر في الوسط، ومدن جلعاد شمالاً ومنها "جزير" و"حشبون" التي تقول موسوعة ويكيبديا صهيونية النزعة على الإنترنت أن العمونيين "احتلوها" تحت غطاء بابلي.

ومن المهم الانتباه أن مملكة "إسرائيل" الشمالية كانت تحتل أراضٍ واسعة شرق النهر في الوسط إلى ما بعد جرش شرقاً، وفي الشمال حتى ما حول شرق بحيرة طبريا وشمالها وصولاً للبقاع الغربي في لبنان. نعم، سيبقى الصراع على تأويل التاريخ وملكية الذاكرة قائماً ما برح الصراع على الحاضر مستمراً... ومن لا يزال يسمى تحرير غاد وجلعاد "احتلالاً" يكشف أوراقه بلا كثير عناء.

وبعدها بعقود، عندما دمر الفرس الدولة البابلية، وسمحوا لليهود بالعودة للقدس، قاوم العمونيون عودة اليهود وما سمي "إعادة إعمار" القدس والهيكل... وبعدها بقرون، عندما قامت "الثورة المكابية" لإعادة الدولة اليهودية إلى فلسطين في عهد الرومان، أسهم العمونيون وجيرانهم بقمع تلك الثورة بشراسة، كما يفترض أن يفعلوا لحماية أنفسهم، وليس فقط بدافع الواجب القومي والديني والإنساني.

أفلا تستحق قصة الصراع بين العمونيين والموآبيين من جهة، وبني يهود من جهة أخرى، معالجة شعرية وسينمائية ودرامية وغيرها من مبدعي الأردن وفلسطين والوطن العربي؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق