الجمعة، 29 يوليو 2016

بــلاد الشام في ظل الحكم العثماني

بــلاد الشام في ظل الحكم العثماني
 
عملت الدولة العثمانية علي تثبيت أقدامها في المناطق التي أخضعتها من خلال نظام حكم مركزي واصح المعالم, وقد دامت هذه السيادة حتى بدايات القرن العشرين, وعلي الرغم من طول مدة السيادة العثمانية فإنها ظلت تمارس من خلال سلطة مركزية "خارج البلاد العربية" مما انعكس أثره علي بقاء أوضاع المجتمعات العربية كما هي دون تغيير جوهري وظل العثمانيون يشكلون طبقة حاكمة علي السطح كبديل لطبقة المماليك التي كانت تحكم قبلهم.

ويلاحظ أن الدولة العثمانية أرادات استرضاء بعض الشخصيات التي ساعدتها في عمليات فتوحاتها وتوسعها في المناطق العربية فعلي سبيل المثال عينت جان بردي الغزالي والياً علي الشام, وخاير بك والياً علي مصر.

وقد وضعت الدولة العثمانية علي رأس كل ولاية والٍ, وكان بعضهم برتبة وزير, وألحقت الدولة بالولايات عدد من كبار الموظفين منهم الدفتردار والكتخدا (وكيل الباشا), وقاضي القضاة, وكلهم يعينون من قبل السلطان, وقد حرصت الدولة العثمانية أن تسك العملة في سائر البلاد باسم السلطان العثماني, وإذا أردنا أن نستنتج السمات العامة للحكم العثماني فيمكن ملاحظة الخصائص والسمات الآتية:

أولا: أنه كان حكما سطحيا أي أنه كان قليل التأثير في المجتمعات العربية بل علي العكس فإن المجتمعات العربية العريقة في إسلامها وعروبتها ساهمت في صبغ الدولة العثمانية بصبغة شرقية إسلامية, فيكاد يجمع المؤرخون علي أن العثمانيون لم ينجحوا في "عثمنة أو تتريك" البلاد العربية بل أن العثمانيين هم الذين تأثروا بدرجة ما بثقافة وتراث وتقاليد البلاد العربية.

ثانيا: إن هذا الحكم فرض نوعا من "العزلة" علي العالم العربي وقد يبدو صحيحا أن العثمانيين استطاعوا حماية العالم العربي من تسلل النفوذ الغربي إليه حتى أواخر القرن الثامن عشر فقد أحاطوا الشرق العربي بسياج من العزلة حال بينه وبين الاتصال بالعالم الخارجي, وقد أثرت هذه العزلة علي الجانبين السياسي والاقتصادي بل علي سائر الجوانب الحضارية الأخرى فلم يقدر للبلاد العربية أن تتصل بالحضارة الأوربية.
ثالثا: كان أسلوب الحكم العثماني مركزيا فقد حكم العثمانيين العالم العربي عن طريق الفرمانات والقرارات التي صدرها السلاطين, ويتولي تنفيذها كبار رجالهم الذين يأتون رأسا من استانبول, وقد اقتصرت وظيفة الدولة العثمانية علي مسألة الدفاع عن الولايات وممتلكاتها وحفظ الأمن ثم تحصيل الضرائب وأخيرا تحقيق العدل بين الناس من خلال أجهزة قضائية.أما وظائف الدولة الاقتصادية والاجتماعية فكان خارجا عن مسئولية الدولة العثمانية ويرجع المؤرخون ذلك إلي قصور العثمانيين في فهم طبيعة ومهمة الدولة ووظيفتها الاجتماعية وأن من واجبها السعي لسعادة ورفاهية المحكومين, الأمر الذي انعكس في أشكال من الفوضى السياسية والتدهور الاقتصادي للمجتمعات العربية.
رابعا: تميز حكم العثمانيين أنه حكم "عسكري" أي أن رجال الحكم والإدارة كانوا من قادة الجيش, وكما كانت الدولة العثمانية تقطع الأراضي لكبار رجال الجيش لزراعتها والاستقرار فيها عوضا عن دفاع مرتباتهم.
خامسا: اتسم الحكم العثماني للبلاد العربية "بالمحافظة" علي الأوضاع التي كانت قائمة قبل مجيئه, وظلت النظم والقوانين التي صدرت خلال عهدي سليم الأول وسليمان القانوني أساساً للحكم في عهود خلفائهم من السلاطين, فلم تهتم الدولة العثمانية بشكل عام لتحديث نظم الحكم والقوانين السادة مما حال دون تبني اتجاهات وأفكار جديدة في هذا الشأن. فقد تبني السلاطين العثمانيين فكرة أن أسلوب الإدارة البسيط والضرائب المستحقة تحقق مصلحة الحكام والمحكومين معا.
سادسا: كانت الدولة العثمانية في أساليب إدارتها "توازن" بين أرباب السلطات فلم يمنح السلطان أحدهم سلطة مطلقة, بل جعل كل منهم رقيبا علي الآخرين, فرغم أن الوالي كان نائبا عن السلطان في ممارسة الحكم إلا أن الدولة العثمانية كانت تحد من سلطته من الناحية العلمية وتحيطه بالمراقبين والعيون, ثم ما لبثت أن قصرت مدة ولايته علي عام واحد فقط.
سابعا: لقد كان فهم العثمانيين لطبيعة المجتمع ومهمة الدولة إزاءه فهماً قاصرا وضيقاً, ذلك أنهم كانوا ينظرون إلي المجتمع باعتباره يشكل طبقتين رئيستين: طبقة حاكمة من الأتراك العثمانيين, وطبقة كبيرة واسعة من المحكومين" الرعايا" التي ينبغي أن تعمل لخدمة الطبقة الحاكمة.وقد أجمع المؤرخون أن العثمانيين قد شكلوا في المجتمعات العربية طبقة ارستقراطية منغلقة علي نفسها منعزلة لم تندمج أو تنصهر اجتماعيا مع الشعوب العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق