الجمعة، 29 يوليو 2016

تاريخ ومجتمع 15 الطريق إلى الأقصى - القدس والمؤامرة الغربية عام 1917

تاريخ ومجتمع 15 الطريق إلى الأقصى - القدس والمؤامرة الغربية عام 1917



إبان الحرب العالمية الأولى بدأ المخطط الاستعماري في صنع الكيان الصهيوني يأخذ منحىً عملياً نفذته قوات الحرب البريطانية ضمن المخطط الاستعماري القاضي باحتلال الوطن العربي وصنع كيان يهودي في فلسطين.

وقبيل زحف القوات البريطانية الاستعمارية لم يكن الدفاع عن القدس قد أخذ منحىً جدياً كي يصد الهجوم البريطاني، فقد أهملت الحامية التركية التحصينات للمدينة، وكان ينبغي أن يكون من الواضح أن ضياع القدس سيكون ضربة قاصمة بالنسبة للدولة العثمانية وكسباً كبيراً للحلفاء.

تنبه جمال باشا التركي للمسألة متأخراً، فأمر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1917 بالإعداد للدفاع عن القدس، ولكن دفاعات القدس عند الهجوم عليها في كانون الأول من هذا العام لم تكن قادرة على الصمود بوجه الزحف البريطاني، وعلى الرغم من ذلك فقد كان اللواء العشرون التركي بقيادة علي فؤاد من أكثر الألوية دفاعاً عن القدس، لكن القتال أنهك جيشه وانهارت أكثر أجنحته ولم تصمد دفاعات القدس أكثر من عشرين ساعة أمام شدة القصف المدفعي البريطاني.

وتذكر بعض الوثائق العسكرية البريطانية أن قيادة قواتهم اختارت الجنرال اللنبي الموالي للحركة الصهيونية ليكون قائداً للجيش الذي يشن الهجوم على القدس.

وعندما شعرت الحامية التركية أنه ليس بالإمكان الدفاع عن المدينة تخلت الحامية عنها وأخلتها لتدخلها القوات الاستعمارية البريطانية.

كل ذلك معروف لدى المؤرخين الذين دونوا الوقائع آنذاك، ولكن الذي يلفت النظر في ذلك كله بعض الأمور التي يجب أن تتوضح لندرك مدى المؤامرة البريطانية على القدس وعروبة فلسطين.

فقبل الزحف على القدس، كانت العناصر المقاتلة المنضوية تحت إمرة الشريف حسين قد أعدت نفسها لتحرير القدس دون مساعدة من الإنجليز، وقد علمت القيادة البريطانية بذلك فاحتجت لدى الحسين وطلبت منه تأجيل هذا الزحف حتى تأتي القوات البريطانية بعد أربع وعشرين ساعة، وفعلاً فقد أجل الزحف ولم يدرك رجال الثورة العربية أن طلب تأجيل الزحف يعني فتح المجال للقوات البريطانية التي تدعي النصر على الأتراك ومن ثم تنفذ مشروعها الصهيوني كيفما يحلو لها.

وفي تمام الساعة العاشرة والنصف من يوم الأحد 9/12/1917، سلمت القدس ودخلها الجنزال اللنبي، وعند سورها بالقرب من حائط البراق قال قولته الصليبية المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية" انسحب الأتراك كلياً من مدينة القدس وبدخول القوات البريطانية الغازية خيم على المدينة جو من الترقب والتشاؤم، وكان هذا التشاؤم في محله، فقد دخل الإنجليز القدس عن طريق الشيخ بدر، وأول عمل قاموا به وضع نصب تذكاري من الرخام الأبيض تخليداً لغزوهم وقد نقشوا عليه اسم الجنزال اللنبي والتاريخ الذي احتلت فيه المدينة وأنشأوا حول النصب حديقة وأرادوا أن يرفعوا على النصب صليباً، إلا أنهم عدلوا عن ذلك استجابة لرغبة اليهود وليس استجابة للعرب المسلمين، وقد وضعوا الصليب ولكن بشكل موارب بحيث لا يراه الناظر من بعيد.

بعد أقل من ستة أسابيع على صدور وعد بلفور وبتاريخ 11/2/1917، دخل الجنرال اللنبي القدس وأذاع على السكان بياناً أعلن فيه الأحكام العرفية، وراح يفسح المجال أمام اليهود للدخول إلى بعض المناطق التي كانت محرمة عليهم، وأول ما طلبه اليهود من اللنبي والقيادة العسكرية البريطانية الإفصاح عن نيتهم في الاكتفاء الذاتي دون حاجة إلى اليد العاملة العربية.

وبدأ يشتد العداء العربي اليهودي خاصة عندما رأى العرب انحياز البريطانيين الواضح لجانب اليهود، سنت القوات البريطانية قانون البلديات الذي أدخل اليهود بأعداد تفوق العرب إلى مجلس بلدية القدس، وأصبح الأعضاء في سنة 1926، خمسة من المسلمين وثلاثة من النصارى وأربعة من اليهود وفي عام 1934 صار عدد اليهود ستة والمسلمين أربعة واثنان من المسيحيين، وقد منح القانون المذكور المندوب السامي البريطاني حق تعيين اثنين إضافيين زيادة على الاثني عشر عضواً وكان يهدف إلى سيطرة اليهود بشكل كامل على المجلس البلدي.

وفي سنة 1944 عينت القوات البريطانية يهودياً رئيساً للمجلس البلدي في القدس وكانت هذه أول مرة يعين فيها يهودي في هذا المنصب، وهذا ما دفع العرب إلى الصدام مع الإنجليز واليهود على السواء.

واستكمالاً لمشروع الوطن القومي لليهود على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه فقد أقام الإنجليز الجامعة العبرية منذ عام 1918، وقد افتتحها بلفور صاحب الوعد المشؤوم في الأول من نيسان عام 1925، وكانت أهم المواد التي تدرس فيها علم اللغات العبرية، التوراة، التلمود، آداب اللغة العبرية، الفلسفة اليهودية، التاريخ الإسرائيلي، وعلم الأسر الفلسطينية.

ومن الجدير ذكره، أن بلفور عندما حضر ليفتتح هذه الجامعة أقفل العرب متاجرهم ووضعوا على الأغلاق الأعلام السوداء، ولم يمكنوه من زيارة المسجد الأقصى.

ولما مر بدمشق في طريق عودته قامت المظاهرات ضده وأقفلت الحوانيت والشوارع التي مر بها، وهرع جنود الفرنسيين لحمايته، وأخيراً اضطر للفرار إلى بيروت حيث نزل في أحد البواخر الراسية في مينائها وأقام فيها مدة إلى أن أقلعت به إلى بريطانيا.

وفي هذا السياق لا بد أن نذكر أنه منذ عام 1918، أي عام الاحتلال البريطاني، شكلت الحكومة البريطانية إدارة ذات صفة عسكرية وفي نفس الوقت تشكلت إدارة يهودية بإيعاز من الإنجليز، وأرسلت إلى فلسطين لأجل تنظيم التدابير التي من شأنها أن تنفذ سياسة بلفور في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ومما يذكر أن قادة الاحتلال البريطاني أبلغوا مفتي القدس آنذاك أن اليهود يرغبون بشراء حائط البراق، فكان جوابه: "لا يستطيع أي إنسان أن يتصرف بأملاك الوقف، ولا سيما هذا المكان على وجه الخصوص بأي مبلغ مهما كان حتى ولو إلى مسلم، فكيف إذا كان الطالب يهودياً، ونحن نعرف أهدافهم لامتلاك الحائط وما في جانبه".

بعد عام 1918 مباشرة تشكلت في القدس عدة جمعيات مناهضة للإنجليز والصهاينة وكان من بينها الفدائية وهي جمعية سرية وكان من زعمائها جودة الحلبي الذي كشف النقاب عن استعداد أعضاء الجمعية للعمل المسلح ضد التحالف الإنجليزي الصهيوني، ومما تناوله نشاط هذه الجمعيات تسليح الأعضاء بالأسلحة الخفيفة وبث الدعاية بين أبناء الشعب الفلسطيني ضد الخطر اليهودي.

ومن أسرار الملفات عام 1918م أن محمود عزيز الخالدي كان ينتمي لبعض الجمعيات السرية وقد رسم الخطط لاغتيال بعض زعماء الصهاينة وأخذ يحرض على الثورة ضد الإنجليز.

وبالمقابل، فإن الإنجليز راحوا ينفذون سراً وعلانية مخططهم الرامي إلى إقامة وطن لليهود على حساب الشعب الفلسطيني، وقد ألح اليهود على وجوب مشاركتهم في الإدارة العسكرية، وطلبوا تشكيل لجنة للأراضي تشتمل على خبراء تعينهم الجمعية اليهودية للتثبت من مرافق فلسطين الطبيعية، وطلبوا أن يعهد إليهم باختيار رجال البوليس من اليهود وأن يدفعوا لهم الرواتب الإضافية فوق ما يتقاضونه من الإنجليز، وطلبوا أن تكون لهم قوة عسكرية للدفاع، بل شرعوا في تدريب القوة وطالبوا بالاعتراف باللغة العبرية كلغة رسمية.

ومن الوثائق السرية وثيقة إنجليزية تقول إن حاخام اليهود الأكبر كوك ومجلس الربانيين اليهود في فلسطين ونائب رئيس الجمعية اليهودية طلبوا رسمياً من الحكومة البريطانية أن تسلمهم المسجد الأقصى جميعه، وقد ذكر ذلك آخر حاكم عسكري إنجليزي لفلسطين الجنرال بولز عام 1920.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق