الأحد، 31 يوليو 2016

نحن ولغة أقوياء العصر

نحن ولغة أقوياء العصر



لا يعجبن أحدٌ أبداً إذا ما تحولت الأرض اللبنانية التي تحتلها "إسرائيل" إلى وطن بديل للفلسطينيين، الذين تقتلعهم العنصرية الصهيونية من وطنهم وتلقيهم في العراء وراء ما شكَّله الاحتلال من حدود (؟!؟)‏

ولا يعجبن أحدٌ أيضا إذا ما دعا إلى ذلك أو باركه عرب وفلسطينيون بالذات، ممن يرون أنفسهم (معتدلين) ومقبولين من رابين ونظرائه وممن لا يريدون ألا يزاحمهم أحد على الظهور بمظهر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (؟!؟).‏

ولا يعجبن أحدٌ من استمرار مجلس الأمن بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بالكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بعرب ومسلمين، على نحو ما نشهد بالنسبة للفلسطينيين وللشعبين العراقي والليبي ولمسلمي البوسنة والهرسك.‏

لا يعجبن أحدٌ من ذلك لأن اللغة المفهومة جيداً في علم العلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول لم تتغير تقريباً منذ آلاف السنين وهي لغة القوة: سافرةً كانت أم مموهةً بقشرة الحضارة، ولأن تلك اللغة لا يتقنها الآن العربُ والمسلمون، ولا يبدو عليهم أنهم يسيرون في طريق تعلمها وإتقانها بعد الذي كان منهم والذي صار لهم.‏

ولأن ما ينظرون إليه، وما يحاولون استجلاءه وتعلمه والتلاؤم معه، مما يسمى " بالنظام العالمي الجديد "، لا يعدو لغة القوة المحصورة بمن مارسوها في الاستخدامين الساخن والبارد لها؛ أولئك الذين كانوا ومازالوا يتداولونها ويمارسون في ظلها تحديات للآخرين واستلاباً ونهباً واستعماراً لهم؛ ولن تحركهم في طريق استخدامها أو عدمه إلا مصالحهم ومصالحهم وحدها.‏



وعلى الذين يتمسكون بالثوابت المبدئية والخُلُقية ويبكون عليها، ويجلسون منتظرين أقوياء " الكبار" أن يحترموها... عليهم أن يدركوا أن ذلك لن يتم إلا إذا كان فيه خدمة مباشرة لمصلحة القوي " الكبير"، حتى ولو كانت تلك المصلحة تكمن في مجرد تجديد الطلاء الإنساني لجلده؛ ذلك الطلاء الذي يتآكل في الممارسات والمعارك التي يخوضها ضد الشعوب من أجل إثبات قوته وتحقيق مصالحه وفرض هيمنته.‏

إن مجلس الأمن الدولي ليس أكثر من أداة بيد الدول المنتصرة في الحربين الأخيرتين: العالمية الثانية "الساخنة" والعالمية الثالثة " الباردة ". وهاهي أميركا التي انتصرت في الحروب الثلاث تقود ذلك المجلس خلف رايتها أو تدحرجه ذليلاً باحثاً عن ذرائعه أمامها.‏

إن لغة القوة ما زالت القانون السائد في علاقات الناس والدول، وهذا أمر يؤسف له كثيراً، ولكن الأسف كل الأسف لن يغير من حقيقة الواقع المر شيئا. وعلى الذين يريدون أن يحافظوا على حياتهم وحقوقهم وحرياتهم ومعتقداتهم أن يستيقظوا على حقائق العصر ولطمات الواقع، وأن يغيروا أسلوب تعاملهم مع المعطيات والأحداث والسياسات القائمة.‏

إن مجرد فضح الغطرسة " الإسرائيلية " واتهامها والدعوة لوضع حد لها، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية حيال الممارسات العنصرية التي تقوم بها، واللجوء إلى البيانات والخطابات ومناشدات مجلس الأمن، كل ذلك لن يغير شيئاً على أرض الواقع. لأن التواطؤ الغربي، والأميركي تحديداً، مع " إسرائيل" لا يحتاج إلى دليل أو برهان، ولأن الإعلام الأميركي لا يطرح على الرأي العام هناك ولا يطرح على الرأي العام العالمي أية قضية لا تريدها أميركا والصهيونية ولا تخدم المصلحة الغربية الاستعمارية، ولأن الإعلام الذي نقوم به عربياً موجه إلى العرب، ويتحول إلى استهلاك داخلي يفت في عضدنا أكثر مما يشفينا وينفعنا ويحررنا أو يحرر بنا؛ ولأن كل ذلك الذي نمارسه لا يغير الحقائق والوقائع التي تُفرض على الأرض، من قِبَل عدوِّنا، تلك التي مارسها شامير وقال: إنه يريد أن يستمر في المفاوضات مع العرب عشر سنوات ليحققها، وأتى رابين ليكمل طريق سلفه من دون إعلان صريح من قِبَله عن رغبته في ذلك؛ بل على العكس جاء بادعاء كاذب عريض يؤكد تغيير نهج سلفه وبعض ثوابته.‏

إننا بحاجة إلى تغيير شامل وعميق، بعيد النظر طويل النفَس، يطول كل أساليب عملنا وتعاملنا مع القضية الفلسطينية والعدو الصهيوني، ومعالجات مجلس الأمن لها ولكل ما يتصل بنا من شؤون وقضايا.‏

وإذا قلنا إن علينا ن نبدأ من المدرسة والمناهج المدرسية، ومن الجامعة ومناهج الدراسة والبحث العلمي، ومن المؤسسات وأساليب عملها، ونوعية أداء البشر فيها؛ فإننا نكون قد أشرنا إلى الأهم الأبعد منالاً وتأثيراً، ولكنه الضروري أيضاً الذي لا بد منه لإعادة بناء الإنسان والمؤسسات وامتلاك القدرة على المواجهة ولامتلاك مقومات الدخول إلى العصر والتعامل مع أقويائه باللغة لتي يفهمونها جيد.‏

ولكن هذا لا يعني إطلاقا ألا نباشر العمل في تحقيق الممكن القريب الذي يفيد في إيقاف التصفية الجسدية المستمرة لأهلنا في المحتل من أرضنا، وفي رفع الظلم والمعاناة القاسية غير الإنسانية عنهم؛ وهو ما يتجسد في ما يتعرض له المبعدون. والتأثير على المصالح الأميركية بالقدر الذي تستشعر فيه الولايات المتحدة الأميركية الحد الأدنى من جديتنا، والحد الأدنى من الضرر الذي نستطيع أن نلحقه فعلياً بمصالحها إذا ما قصدنا ذلك فعلاً؛ حتى تنظر إلينا بعين مصالحها المهدَّدة ولو مرة واحدة.‏

ولا بد أنه آن الأوان للالتفات إلى إيصال معاناتنا ووجهات نظرنا وأفكارنا والحقائق التي ينطوي عليها نضالنا إلى الرأي العام العالمي عامة والغربي خاصة، بوسائل نحن نملكها ونسيرها ونتقن استخدامها. فلا أقل من إيصال الصوت عبر إذاعة مسموعة ـ مرئية، تقدمنا إلى الآخر بجدية ومصداقية ونظافة ودقة وبلغة عصرية ملائمة.‏

فهل نحن فاعلون يا ترى، أم أننا سننتظر عطف الآخرين، وتفهم مجلس الأمن، وتغيُّر العقلية الصهيونية، وما إلى ذلك من الأحلام والأوهام؟!‏

إن العدو لا يضيع وقته، والزمن لا يرحم، والمعاناة العربية فاقت حدود الاحتمال والوصف والتصور، وعلى القادرين والعارفين والواعين منا أن يبادروا إلى فعل شيء يوقف الألم والمعاناة والإذلال.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق