الأحد، 31 يوليو 2016

من تاريخ سوريا (المسجد الاموي بدمشق)

من تاريخ سوريا (المسجد الاموي بدمشق)


يعتبر الجامع الأموي بمنطقته في دمشق من اهم المناطق الدينية المقدسة على مر التاريخ .. ففي المكان الذي يقام عليه المسجد الاموي الكبير حاليا، كانت تقام في الالف الاول ق.م معابد عديدة أهمها معبد الاله حدد الآرامي، الاه المطر والعواصف والخصب .. وبعد انتشار الديانة المسيحية في بلاد الشام أنشأ الامبراطور«تيودوس» كنيسة في عام /379/ م عرفت باسم كنيسة القديس ماريوحنا المعمدان. وعندما تسلم الوليد بن عبد الملك ،الخلافة الاموية عام/705م/ ضم الكنيسة الى الجامع ,بعد ان كانت على عهد والده أبو عبيدة مقسوم لنصفين .. نصف جامع ونصف اخر كنيسة ..

وقد ذكر صاحب كتاب "نزهة الأنام في محاسن الشام" قصة الجامع (المسجد) الأموي في دمشق نقلاً عن الحافظ بن عساكر فقال :
: "لما فتح الله تعالى على المسلمين الشام بكماله (بلاد الشام كلها) ومن جملته (ومن ضمنها) دمشق المحروسة بجميع أعمالها وأنزل الله رحمته فيها وساق برّه إليها،

كتب أمير المؤمنين وهو إذ ذاك أبو عبيدة رضي الله عنه كتاب أمان وأقرّ بأيدي النصارى (ترك لهم) أربع عشرة كنيسة وأخذ منهم نصف هذه الكنيسة، وأخذ منهم التي كانوا يسمونها كنيسة مر يحنا (مار يوحنا) بحكم أن البلد فتحه خالد بن الوليد رضي الله عنه من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وهو على باب الجابية، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذ المسلمون نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة رضي الله عنه مسجداً وكانت قد صارت إليه إمارة الشام فكان أول من صلى فيه أبو عبيدة رضي الله عنه ثم الصحابة بعده في البقعة التي يقال لها محراب الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى وإنما كان المسلمون يصلون عند هذه البقعة المباركة.

وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي الذي كان في جهة القبلة مكان المحراب الكبير الذي هو اليوم حسبما سلف لنا ذكره، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب لكنيستهم ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم. ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربون بناقوس إجلالاً للصحابة رضي الله عنهم ومهابة لهم وخوفاً منهم!."

"وقال ابن عساكر: لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لتأذَي المسلمين بسماع قراءة النصارى في الإنجيل ورفع أصواتهم في الصلاة، فأحبَّ أن يبعدهم عن المسلمين فطلب النصارى وسألهم أن يخرجوا عن بقية الكنيسة ويعوّضهم إقطاعات كثيرة عرضها عليهم وأن يقرّ لهم أربع كنائس لم تدخل في العهد (أي أن يسمح لهم بإبقاء أربع كنائس من كنائسهم لهم) وهي كنيسة مريم وكنيسة المُصلَّبة وكلاهما داخل الباب الشرقي وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درّة التي بدرب الصيقل، (سميت بهذا الاسم لأن الدرب أي الطريق كان إقطاعاً لحميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري وأمه درة بنت أبي هاشم خال معاوية بن أبي سفيان

. وكان الخلفاء يمنحون الإقطاعات من الأراضي التي يحتلونها لمن شاؤوا من أتباعهم ) فأبوا ذلك (رفضوا) أشدّ الأباء، فقال: أئتونا بعهدكم الذي بأيديكم في زمن الصحابة، فقُرئَ (العهد) بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما التي كانت خارج باب توما لم تدخل في العهد، وكانت فيما يُقال أكبر من كنيسة مر يحنا (ليس في التاريخ ما يشير إلى وجود كنيسة أكبر من كنيسة مار يوحنا في دمشق آنذاك) فقال أنا أهدمها وأجعلها مسجداً، فقالوا بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى بأن يأخذ بقيـة كنيسـة مر يحنا، فأقـرّهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية الكنيسة.

ثم أمر الوليد بالهدم، فجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم وقد ندموا فقالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال أنا أحب أن أجن في الله، والله لا يهدم فيها أحد قبلي، ثم صعد المنارة الغربية وكانت صومعة عظيمة، فإذا فيها راهب فأمره بالنزول منها فأبى الراهب، فأخذه بقفاه وحدّره منها (أي دحرجه من أعلاها) ثم وقف على أعلى مكان منها فوق المذبح الأكبر الذي يسمونه الشاهد وأخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء والأجناد إلى الهدم بالتكبير والتهليل، والنصارى تصرخ بالعويل على درج باب البريد وجيرون وقد اجتمعوا، فأمر الوليد صاحب الشرط (رئيس الشرطة) أن يضربهم، وهدم المسلمون جميع ما كان من آثارهم من المذابح والحنايا حتى بقي صرحةً مربعة.

(لم تهدم الكنيسة بأكملها بل أبقي على هيكلها الخارجي الذي لا زالت أثار المسيحية ظاهرة عليه) ويتابع الكتاب قائلاً: "واستعمل الوليد في هذا المسجد خلقاً كثيراً (عدداً كبيراً من الناس) من الصناع والمهندسين والمرخّمين. وكان المُسْتَحثّ على عمارته (أي الموكل إليه بشؤون بنائه) أخوه سليمان بن عبد الملك، ويقال أن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام والأحجار وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد، وأرسل يتوعّده إن لم يفعل ليغزونَّ بلاده بالجيوش وليخربنَّ كل كنيسة في بلاده حتى القيامة التي بالقدس الشريف ويهدم كنيسة الرها وجميع آثار الروم .

فبعث ملك الروم صناعاً كثيرة جداً وكتب إليه (ملك الروم) يقول له: إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يفهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليه! فأراد (الوليد) أن يكتب إليه الجواب، وإذا بالفرزدق الشاعر دخل عليه فأخبره بما كتبه ملك الروم فقال (الشاعر) يا أمير المؤمنين أنت جعلت أخاك سليمان هو القائم بأمر العمارة (أي أنك لست المسؤول عن ذلك لأن أمر العمارة هو بيد سليمان) والجواب بنص القرآن، " ففهَّمناها سـليمان وكُلاًّ آتينا حكماً وعلماً!" (سورة الأنبياء 79 ) .

فأعجب ذلك الوليد وأرسل به جواباً لملك الروم. (هنا يظهر استهتار الوليد في استعماله لآية قرآنية قصد بها القرآن الملك سليمان الحكيم فأجاب بها يسخر بتأنيب ملك الروم له على قيامه بعمل ينافي الأصول والأخلاق. ويذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين" أن الوليد أرسل إلى إمبراطور الروم في طلب مئة من الفنانين اليونان لبناء المسجد، بينما يذكر ابن عساكر وكتاب العيون، أن عدد الصناع كان مئة ألف وأن بعضهم استخدموا في مكة والمدينة. بمعنى آخر المسجد الأموي ليس مثالا على العمارة العربية)

ويتابع الكتاب قائلاً: "وعن يزيد بن واقد قال: وكّلني الوليد على العمال في بناء الجامع فوجدنا فيه مغارة فعرّفنا (أي أعلمنا) الوليد. فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع ، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط (إناء) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا. فأمر الوليد بردّه إلى مكانه وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مُعيَّناً بين الأعمدة. فجعلوا عليه عموداً مسفّط الرأس .

" يتابع الكتاب قائلاً: "وقال بعض المؤرخين، أن الشرقية (أي المنارة الشرقية من الجامع) احترقت في سنة أربعين وسبعمائة فنقضت وجددت من أموال النصارى لكونهم اتّهموا بحرقها وأقرّ بعضهم بذلك، فقامت على أحسن شكل، وقال بعض العلماء في المنارة الشرقية البيضاء التي ينزل عليها عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان والله أعلم.

يتابع الكتاب قائلاً: "ومن محاسن الشام ما وصف جامعَها به العلامة اليعقوبي، قال: مدينة دمشق جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام.. وأما جامعها فليس في مدائن الإسلام أحسن منه، بناه الوليد في خلافته بالرخام والذهب سنة ثمان وثمانين." وينقل الكتاب عن مؤرخ آخر وهو الشيخ بن جبير، قوله: "وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لما دخلها، صالح النصارى بأن أخذ نصف الكنيسة الشرقي فصيره مسجداً وبقي النصف الغربي للنصارى، فأخذه الوليد وأدخله في الجامع (ضمّه إلى الجامع) بعد أن أرغبهم في التعويض عنه، فأبوا فأخذه قسراً!"

والجدير بالذكر أن أهم الآثار المسيحية المتبقية هو كما ذكر الكتاب رأس القديس يوحنا المعمدان و جرن المعمودية وهو جرن رخامي عظيم القدم تظهر على جوانبه آثار المستحاثات . أما ما يُخشى عليه فهو الكتابة الموجودة على البوابة الجنوبية والمنقوشة بالأحرف اليونانية والتي تقول: "ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور." هنالك أيضاً صورة لوجه السيد المسيح وعلى رأسه إكليل شوك، ظهرت مؤخراً على يسار البوابة الجنوبية الأخرى المواجهة لسوق الصاغة وقيل أنه قد سبق وان حاول المسؤولون إزالة هذه الكتابات والصور ولكن تدخل هيئة الآثار الدولية وتقديم تبرعات مادية قد حال دون ذلك

أما في باحة الجامع، فهناك بقعة من الأرض تحت فناءٍ مسقوف، إذا ما وقف الزائر في منتصفها وضرب عليها بقدمه، فإنه يسمع صدىً عميقاً لهذه الضربات. ومردّ ذلك هو أن هذه البقعة، حسب خبراء الآثار، كانت مدخلاً أو مخرجاً لنفق طويل يربط كنيسة القديس يوحنا (الجامع الأموي) بكنيسة حنانيا، وهي كنيسة صغيرة تبعد عن المكان بما يقل عن الميل، وتقع إلى الجهة الشمالية من الباب الشرقي لدمشق في نهاية طريق صغير يحمل اسم الكنيسة نفسها. ولدخول هذه الكنيسة، ينبغي للزائر أن ينزل عدة درجات تحت الأرض وهناك يجد نهاية النفق في أسفل منتصف الحائط الغربي، وقد سدّ ببعض الأحجار خوفاً من دخول أحد إليه. وقيل أن المسيحيين كانوا يستعملون هذا النفق للانتقال بين الكنيستين أو كمعبر هروب خوفاً من الاضطهاد. وفي الستينات، خلال عمليات الحفر التي كانت تجري لتوسيع كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بالمريمية، والواقعة بين كنيسة يوحنا وحنانيا، ظهرت أجزاء من النفق وقيل أن جماجم وهياكل بشرية عثر عليها في داخلها. . وعندما احتلّ المسـلمون مدينة حماه، حولوا الكنيسة التي نعتها أبو الفداء أحد المؤرخين الأهليين بالكبرى، إلى الجامع الأكبر. ولا تزال الواجهة الغربية في حالة سليمة. وكذلك المسجد الأكبر في حمص ومسجد حلب، فقد كانا من معابد النصارى. (البلاذري) ولا تزال الآثار المسيحية والأعمدة الرومانية ظاهرة للعيان في معبد حمص".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق