الجمعة، 29 يوليو 2016

المرأة في المشروع القومي العربي ..... ج 1

المرأة في المشروع القومي العربي ..... ج 1


إخوانى وأخواتى الاعزاء



المرأة في المشروع القومي العربي

بداية لا أعرف كيف أنظر لدور منفصل للمرأة عن دور منفصل للرجل في موضوع كبيرٍ وهام، مثل المشروع القومي، لكي أخص المرأة بحديث في هذا المجال، وما دام الرأي والعزم قد استقرا على ذلك، فلتكن هناك فرصة في نهاية ما أبسطه من حديث، لطرح بعض الأسئلة أو التساؤلات، وموقعها في القسم الأخير من حديثي في الموضوع. وسوف أوزع الوقت لتلخيص ما أقدمه وأترك وقتاً يطيب لي أن يطول للأسئلة أو المقترحات أو المداخلات من قبل الحضور الكرام، وإذا تجاوزت عن صفحات في المكتوب، وأخل ذلك التجاوز،التلخيص، بالمضمون فهو منطق التلخيص لا منطق القراءة المفصلة للموضوع.‏

وبدايةً أسأل ما هو المشروع القومي العربي المنشود!؟ هل هو مشروع تحريري للأرض والإرادة والاقتصاد والقرار السياسي والإنسان من أشكال الاستعمار والاحتلال الاستلاب، وتخلص من التبعية بأشكالها، ولا سيما التبعية الثقافية للمركزيات الأوربية، غربية رأسمالية، أو شرقية شيوعية سابقاً، أو تبعيات أخرى كامنة في عمق الذاكرة، أو منذرة بغزو وشيك، وتحريرٍ للإعلام والمعلومات من حصريَّة التدفق عبر قنوات غربية صهيونية في أكثر الأحيان، ومن ثم تحرير أوسع للشخصية العربية؛ أم أنه مشروع تحرري للفكر والسلوك العربيين مما يعيق انطلاقتهما، وإبداعهما من أفكار وعادات وتقاليد وأنماط سلوك قديم وتعاليم بالية، أو دخيلة فاسدة، وتحرير الشخصية العربية مما يثقلها، ويعوق انطلاقها وقدرتها على الأداء بإبداع من جهل وإحباط نتيجةً للأمية، بنوعيها: عدم القدرة على القراءة والكتابة، والأمية الثقافية، أو المعرفية العامة الكامنة في انعدام المتابعة وسطحية المعلومات وسطحية التلقي وسطحية التقديم والمقدم من الزاد المعرفي الذي يبث ليكون أحياناً وعياً معرفياً عميقاً لا سيما وأن المعطى الأساس للمتابعة يتم توفيره مما يُقدم في الإعلام وليس بما يقدم في الكتاب. هل المشروع القومي هو ذلك الذي يتركز أساساً حول موضوع الوحدة العربية؟ وهل الوحدة مما يطرح الآن؟ بعد أن أصبح التضامن العربي هو الأفق المرتجى ومن دونه خرط القتاد.‏

وهل من يفكر بالوحدة، في منظور بعضهم، واقعي أم واهم، داخل العصر أم خارجه، يقف على ما يجري، أم مغيب عن مجريات الأمور؟! وهل ارتكاز المشروع العربي في يومٍ ما على طرح الوحدة كان خطأً؟! أم أن ذلك الطرح هو أساس التوجه السليم ولكننا انحرفنا عنه، أو ابتعدنا أو تهنا بأشكال مختلفة؟! هل المشروع القومي هو مشروع الوحدة؟! أم أنه مشروع ينصب على تحقيق تقدم علمي نظري وتطبيقي في مجالات مدنية وعسكرية واكتساب القدرة على تفعيل التكامل العربي والتعامل مع معطيات عصر المعلوماتية والهندسة الوراثية والأسلحة البيولوجية والنووية لتحقيق توازن مع القوى المعادية من جهة، والاستجابة الحيوية الضرورية لتحديات العصر، والعلم والقوى المحيطة بالأمة العربية، أو تلك التي يتم التعامل معها سلباً و إيجاباً من جهة أخرى، أي أنه مشروع حضاري شامل في النهاية؟! هل المشروع القومي يهتم بأفق العمل العربي في مواجهة العَوْلَمَة التي تهدد المصالح العربية والهوية والثقافات القومية وتعمل على إعادة القِنانة بشكل جماعي وإعادة سيطرة رأس مالٍ معين على بلدان بكاملها وليس على شرائح اجتماعية فقط؟ أم أنه مشروع يرمي إلى تحقيق وجود من نوعٍ ما يتطلع إلى أدنى مستوى من البقاء المستكين في عالم يحكمه الأقوياء ويبتلع فيه السريع البطيء في قاعدة مغايرة لما كان في السابق حيث كان يبتلع القوي الضعيف فاجتمعت الآن في عصر السرعة القوة مع السرعة أو انضوت تحت لوائها!!.‏

المشروع القومي من منظورنا نحن الذين تعلقنا به مذ كان عاطفة مشبوبة، وحلماً متوهجاً في الوجدان وتطلعاً تُبنى عليه الآمال والتطلعات كان وحدةً تؤسس للقوة، ووعي يؤسس للمسؤولية، وحرية تؤسس للتحرير، واشتراكية تؤسس للعدالة الاجتماعية، ولصلابة البنية الاقتصادية وتطورها. وقد آل المد القومي إلى انحسار، والحلم القومي إلى انكسار، في ظل قوقعة قطرية تشكل صيغة اعتراضية على النزعة القومية والدعوة القومية معاً ، قطرية تحرسها أنظمةٌ مدججة بالحجج وبقوةِ السلاح والتحالفات والاتفاقات حتى مع أعداء الأمة التاريخيين ومغتصبي أرضها ومقدساتها، وبمبدأ السيادة الذي يُفعل في وجه كل أداء قومي، أو قرار قومي، وبحمايات من قوى دولية تتجاوز الكيان الهش لجامعة الدول العربية، والمواثيق التي أقرتها تلك الجامعة، التي أنشئت أصلاً لتكريس التجزئة والدفاع عنها في وقت كان فيه الأمل بالوحدة كبيراً، والعمل القومي يعطي بعض الثمار.‏

والمشروع القومي، شأنه في ذلك شأن الفكر القومي، يحتاج إلى تجديد، يشمل الرؤية، والتنظيم والوسائل، والأدوات، وقد يتطلب ذلك إعادة بناء الذاكرة، والقيام بالاستفادة من التجربة الماضية التي استمرت عقوداً من الزمن ومن المعطيات العصرية والمتغيرات العربية والدولية في اتجاهيها: السلبي والإيجابي. ولا أظن أن التغيير المنشود أو التغيير الذي غدا ضرورة تحتاج إلى البصيرة والشجاعة، لا أظن أن التغيير الذي سيطرأ في أثناء حركة التجديد، أو التوجه نحوها سوف يمس الأهداف النهائية والثوابت المبدئية في الجوهر ولكنه سيكون جذرياً فيما أقدر، في كل ما يتعلق بالخطاب العربي ومعطياته وأسلوبه وأحكامه وعصموياته ومعاييره، وفيما يتعلق بنهج الوقوف في مرتكز، أو مركز ما، ودعوة الآخرين للالتحاق به، أي بنا؛ وفي كل ما يتعلق بالشريك الذي نصمم معه المشروع القومي، ونتوجه وإياه إلى الوصول إليه عبر برامج وخطوات لا غنى لطرف فيه عن الآخر، من أجل تحقيقها، بعيداً عن الأحكام المسبقة، والمواقف والاتهامات والمواصفات التي يثبت في كثير من الأحيان أنها تعطل المسيرة، أو تجانب الصواب، وبعيداً عن أنواع الوصاية وأشكالها التي كانت تفسد الكثير وتؤسس لانعدام الثقة، وتحول الشريك في البناء والهدف والوسيلة إلى عدوٍ يؤدي الصراع معه إلى هدم البناء، وتشويه الأهداف والانحراف بالوسائل عن أغراضها، أو إلى الالتحاق علناً بعدوِ الأمة، حماية للمختلف مع بعض أطراف الأمة!!.‏

وإذا كانت التحديات التي يطرحها الوضع العربي الراهن، لا سيما في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، مما يثقل على المرء عند التأمل والتدبُّر لما في ذلك من فساد وقصور وضعف وتنافر وتبعية واختراقاتٍ تتم لمصلحة العدو الصهيوني والغرب الاستعماري، حتى في صلب الثوابت أحياناً، فإن التحديات التي يطرحها على أمتنا العصر بما وصل إليه من تقدم العلم والتَّقَانَة والمعلوماتية، وما يملكه أعداؤنا من قوةٍ في كل المجالات، وما يملكونه من قدرات على تطوير أدائهم وإمكانياتهم، لامتلاك المزيد من القدرة والقوة؛ يضع بعضاً منا أمام اليأس والاستسلام أحياناً، ويثقل كاهل بعضنا الأخر بالهم والإحباط، ويترك شريحة لا يستهان بعددها تعطي ظهرها للواقع وللحلم والأمل والهدف النبيل وتقول: نقبل بما يُعطى لنا من فتات، ومما يؤلم أكثر في هذا المجال أننا لا نشعر بالقلق حياله بل ننساق مع تيار الزمن من دون أن نشعر بقيمة الزمن، ولا بضرورات التحرك بأقصى السرعة لنلحق، هذا إذا لحقنا، بآخر عربات القطار البطيئة التي تغادر محطاتها متوجهة إلى مرحلة جديدة من عصر التقدم المذهل، الذي نمر به ونحن خارج حدود القلق أي خارج حدود المعرفة بما يسبب الخطر والتخلف الأبيد، ومن ثم يحرك بواعث القلق؛ وتلك من أكبر السلبيات التي علينا أن نواجهها فيما إذا أردنا أن نتطلع بفاعلية وأملٍ وإيجابية إلى مشروعنا القومي والتحديات التي تواجهه.‏

من المفيد أن أشير إلى بعض التحديات التي تواجه مشروعنا القومي بإيجاز شديد جداً لأنتقل بعد ذلك إلى المرأة في ذلك المشروع.‏

المرأة في التحدي:‏

من هذه التحديات التي تواجه المجتمع، والمرأة أحد أهم أعمدته:‏

أولاً: قضية الانتقال من مجتمع نحن فيه لم يدخل العصر الصناعي باقتدار بعد، إلى مجتمع تجاوز العصر الصناعي بمراحل، ودخل عصر الفضاء والذرة والحواسيب والمعلوماتية والهندسة الوراثية والعَوْلَمَة بأبعادها المادية وانعكاساتها المعنوية، والإنتاج القائم على سد الاحتياجات الناشئة في الأسواق المختلفة حسب تنوع الأسواق والسُّلَع وحسب الجداول الزمنية التي تتطلبها تلك الاحتياجات، وهو ما جعل العقل ينتقل من ساحة عمل على منوال ساد في العقود السابقة إلى ساحة عمل ومنوال مختلفين متطورين باستمرار، وهذا يصيب السلوك والعادات وأنماط العيش وأنماط التفكير وأنماط الأداء، لا سيما في مجتمع مثل مجتمعنا يقضي ساعة في العمل من أصل ست ساعات يدعي أنه يعمل فيها، مجتمع ينخره الفساد ويزعم أنه يعالج الفساد، ويقاومه عندما يرمي فاسداً ما بحجر، ويترك المفسدين يجولون في عرض البلاد وطولها!!.‏

وإذا كنا حتى الوقت الحالي نفكر بالانتقال من عصر الحضارة الزراعية، والنمط الإقطاعي والاستهلاك المتصاعد للمنتجات الصناعية التي يقدمها الغير، والصناعات البدائية، أو الأولية التي تعلمناها، إذا كنا نفكر بالانتقال إلى عصر الصناعات الكبرى والمركَّبة والتجميعية المعقدة، فإن هذا يجعل الفارق المنظور بيننا وبين الآخرين فارقاً ضخماً يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم لأن التقدم في مجالات الذرة وعلوم الفضاء والهندسة والحواسيب يمكِّن من تحقيق تقدم سريع جداً في حين نبقى على سلحفائيتنا في التعامل مع معطى العلم وتطبيقاته، ومعطى العصر وتطبيقاته.‏

ثانياً: التحدي السياسي الثقافي الاجتماعي الاقتصادي الذي يطرحه الغرب الاستعماري، والكيان الصهيوني المتحالف معه على أمتنا ووطننا وثقافتنا، وتتجلى نتائجه السلبية علينا بشكل عام في تفتت الأمة أو تفتيتها، وفي تعزيز القدرة الشاملة للكيان الصهيوني في مجالات: عسكرية ومدنية واقتصادية ومالية، وحتى هيمنة وتطبيع علاقات معه، واختراق لجسم الأمة الذي يمكن أن يكون متماسكاً في وجه هيمنة الكيان الصهيوني مستقبلاً ليس فقط على القرار وإنما على سبل التقدم جميعاً، حيث لن نمنح فرصة أن نملك علماً وتطبيقاً له، في ظل امتداد نفوذ قوةٍ تزعم أن أي تقدم علمي نحققه، وأي مشروع وحدوي نتطلع إليه أو نعمل من أجله، هو تهديد لها وخطر عليها، ومن ثم فهي تعاجله بالضربات الواقية أو الوقائية، من قبل أن يصبح موجوداً.. والحوادث التي تقدم أدلة على ذلك ودروساً تستقى منه، كثيرة في هذا المجال.‏

ثالثاً: تعزيز نمو قيم المجتمع الاستهلاكي، ذلك التحدي الذي علينا أن نواجهه في الوطن العربي ونحن نستهلك أكثر مما ننتج، ونستهلك تلبيةً لشهوة الاستهلاك وليس تلبية لحاجة وضرورة، ونستهلك أحياناً ليقال إننا نقدر على أن نستهلك، في نوع من التظاهر الاجتماعي السلبي الذي يسيطر على أسرنا؛ والمسؤولة عنه بدرجةٍ أولى هي المرأة.‏

رابعاً: التحدي الآخر هو موضوع ضمان المساواة والحرية والممارسة الديموقراطية، للإنسان العربي في وطنه وتحت سقف الدستور والقانون باحترام تام لكل منهما، ليكون المواطن قادراً على ممارسة حقوقه وواجباته في آن معاً في تفاعل وتكامل، وقادراً على أن يتبيَّن ما يؤذي الوطن في شخصه وما يؤذي شخصه في الوطن. فهل يمكن الالتفات إلى حقيقة أن المجتمعات لا تتقدم إلا بالتنمية، وأن التنمية لا تتقدم إلا بتنمية الإنسان، وأن تنمية الإنسان لا تكون إلا بالوعي المعرفي الشامل عبر الاحترام العميق لحرياته وخصوصياته ولدوره في المجتمع، وأن احترام الإنسان لا يتم فقط باحترام حقوقه وحرياته وبمساواته مع الآخرين وباحترام انتمائه للوطن، بل بتحميله مسؤولية عن كل ما يجري من حوله مما يتعلق بشأنه وشأن المجتمع والوطن، وإشعاره بأنه شريك، وعليه أن يرتفع إلى مستوى تلك الشراكة ومسؤولياتها. وعندما يشعر المواطن منا أنه غير معني، بشكل ما، بالقرار والممارسة وبالنتيجة التي ينتهي إليها كل من القرار والممارسة، أو بكيفية انعكاس نتائجهما عليه في كل مناحي حياته الخاصة والعامة، فإنه يصبح مستأجراً في الوطن وليس مواطناً كامل الشعور بالمواطنة وحقوقها وواجباتها، وعندما يستقر في أعماق نفسه ذلك الشعور ويستكين له، يسهل عليه أن يستهين بمواطنته وأن يفكر بمواطَنَة أخرى وأن ينتقل إليها، و أن يأخذ منحى لانتماء آخر حين يفسد الوطن وتفسد الحياة الاجتماعية فيه. وهذه قضية من أكبر القضايا التي علينا أن نواجهها في أثناء تصدينا لتحدٍ داخلي خارجي في آن معاً، إذ أننا لسنا مستأجرين في الوطن بل نحن مواطنون فيه، والمواطن عليه أن يقوِّم شؤون حياته بكل الوسائل، ومنها الوعي المعرفي بما يدور حوله والمسؤولية عن ذلك الذي يدور من حوله.‏

خامساً: من جملة التحديات المطروحة أيضاً: ألا نبقى ضمن دائرة الإحباط تأثراً بما وصل إليه المد القومي، والعمل القومي على أيدي الأنظمة العربية، التي تحافظ على وجودها القطري على حساب الأمة، ويحافظ النظام في كل قطر من أقطارها على نفسه ونفوذه على حساب القطر، ويحافظ فيها الحاكم في كل قطرٍ على نفسه وحكمه على حساب النظام!!. نحن بحاجة ماسة إلى أن نأخذ بالاعتبار بقاء التطلع القومي والفعل القومي والمشروع القومي وحياتهما وحيويتهما وفاعليتهما في الوجدان وفي الذاكرة معاً. فإذا قتلنا هذا على أرضية ما نرى من تهميش لكل طروحات القومية العربية وتطلعاتها وأهدافها، وإذا ربينا الأجيال على هذه الوقائع والمعطيات والأوضاع، فإننا سنصل إلى استهجان كل كلمة تطرح على أرضية الوعي القومي والعمل القومي، والفكر القومي والتطلع القومي. وإذا أدركنا أن هناك تركيزاً من العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، بوصفهما حليفين، ومن الغرب الاستعماري المناصر لهما أو المتواطئ معهما بشكل عام، على ضرورة أن يغيب نهائياً كل وعي بالعمل القومي العربي، وكل تطلع نحوه وكل ذكر له، تبيَّن لنا مقدار الخطر الكامن في الآتي من زمن على أمتنا. وقد قيل قبيل انعقاد مؤتمر مدريد، وبعد حرب الخليج الثانية مباشرة: وداعاً للأمة العربية وداعاً للقومية العربية، وقال هذا أمريكي صهيوني في بلدٍ عربي وبلسان إنكليزي.‏

وبعد فإنني أبدأ بمقاربة موقع المرأة في هذا الحديث، لأنتقل بعد ذلك إلى ما يهمني أن أشير إليه في نهاية حديثي حول ما ينتظرنا في إطار ما يمس صلب المشروع القومي، الذي هو الصراع العربي الصهيوني والقضية المركزية قضية فلسطين، لأنها هي معطى العمل القومي، والمشروع القومي وأساس تطلع العرب للوحدة والقوة والنهضة وتحقيق وجود يقاوم الوجود الاستعماري والمشروع الصهيوني؛ فالمشروع العربي النهضوي يتصادم مع المشروع الصهيوني الاستعماري، ويتضاد معه نهائياً وكلياً، وما لم نلتفت إلى هذه الناحية، ونعد لها من أسباب القوة ما هو ضروري لها، فإننا نقبل بأن نكون ما يرضى لنا الآخرون أن نكون!؟!.‏

أبدأ مقاربة موقع المرأة في المشروع القومي ودور المرأة في ذلك المشروع ومسؤولياتها حياله ببعض الأسئلة، التي قد تبدو مثيرة:‏

هل المرأة شريك في المشروع القومي من حيث أهدافه ووسائل تحقيقه والتطلع إليه والدفاع عنه والعمل من أجله؟؟‏

هل هي موجودة في التخطيط والتنفيذ، وفي التفكير والتدبير؟ وإذا لم تكن كذلك فهل هي جادة في السعي إلى موقع وموقف ودورٍ في ذلك المشروع بكل أبعاده وتفاصيله؟! أم أنها وجدت طريقاً إليه فمشت فيها من دون أن تدري كيف وجدت الطريق، وكيف مشت عليها وإلى أين تصل، مرددةً مع أبي ماضي قوله:‏



ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت كيف جئت، كيف أبصرت طريقي لستُ أدري!‏



وهل اكتشفت المرأة، حتى وهي منساقة في طريق المشروع القومي وعند عتبة التحديات الكبرى العصرية التي تواجهه، هل اكتشفت لها دوراً فيه وموقفاً منه أو فيه، وهل وقفت على خطأ تصححه وثم تضيفه، وإمكانية تحققها باقتدار!؟.‏



لا تنطوي أسئلتي على نفيٍّ لنصف المجتمع بل أكثر من ذلك، فالمرأة، في تقديري واعتقادي واقتناعي، أكثر من نصف المجتمع بكثير، لأنه وهذا خارج سياق جدية الموضوع: " سئل شخص، كما يروي أحد القدماء، : هل النساء أكثر أم الرجال فقال : النساء أكثر. وعندما قال له السائل لماذا وكيف تبرهن على ذلك قال: لأن المرأة امرأة ومن يطيع المرأة امرأة.. وعلى هذا فالنساء أكثر من الرجال. "، وهو سؤال شبيه بذاك السؤال الذي طرح في زمن ما: هل الأموات أكثر أم الأحياء، وكان الجواب: الأموات أكثر لأن الميت ميت وميت الحي ميت، والنائم ميت على نحو ما... وما أكثر النيام.."!؟!.‏

أعود إلى سياق الموضوع فأؤكد على أن أسئلتي لا تنطوي على نفيٍّ لنصف المجتمع، فأنا أرى إلى النصف الممتلئ من الكأس وآمل أن أبقى على تلك الرؤية، كما أنها لا تنطوي على تسليم بأن المرأة تعي ما ينبغي أن تعيه في هذا المجال وتقوم بما ينبغي أن تقوم به من دورٍ في كل المستويات وعلى الصُّعد التي يهمها أن تكون حاضرةً فيها؛ وإذا كان يشوب أداءها نقصٌ أو قصورٌ، وهناك شيء من هذا فيما أقدِّر وأرى، فالرجل شريك في المسؤولية عن ذلك، والمجتمع العربي لم يكن ليسمح بانطلاقةً سليمةً وقويةٍ للمرأة تشارك من خلالها مشاركةً تليق بمكانتها في الأسرة والمجتمع والدولة وشؤون الأمة في الماضي، ولهذا تجلياته في الحاضر وانعكاساته المستمرة فيه وعليه.(1)‏

أنا أحمِّل المرأة مسؤولية ولكنني أدرك في الوقت ذاته أنه لا توجد مسؤولية من دون حرية ولا يوجد فهم صحيح وممارسة سليمة للحرية من دون مسؤولية وعي معرفي معافى ومواطنة تامة، وانتماء قومي سليم لأمة في واقعها، وبيئة في مكوناتها وإمكاناتها واحتياجاتها، وهوية تاريخية عبر تجذُّرها وتطورها ونموها في محيط أصالتها الثقافي.‏

المرأة العربية كانت في حدود دورٍ فرضه التخلف والجهل وفرضته التقاليد وفرضته ظروفٌ ومعطياتٌ اجتماعية في مرحلة مضت، والمرأة اليوم في مناخٍ مغاير تماماً لذلك الذي ساد في الماضي؛ صحيح أنه ليس كاملاً ولا شاملاً ولا قادراً على أن يتيح لها كل ما تحتاج إليه ليكون بين يديها، ولكنه أفضل بما لا يقاس مما كان عليه المناخ الذي كانت تتحرك فيه منذ عقودٍ قريبةٍ من الزمن.‏

والمرأة في تقديري معوقٌ للمشروع القومي وأساسٌ في تقدم المشروع القومي في آن معاً، فإذا كانت لا تعي أبعاد ذلك المشروع ولا تؤمن بتلك الضرورات التي تستدعيه، فهي حاجزٌ في وجه الرجل إذا تقدم في هذا الاتجاه؛ وإذا كانت تعي تلك الأبعاد وتلك الضرورات وتؤمن بها، فهي حافزٌ ومحرض للرجل على أداء يضاف إلى أدائها في هذا المجال. والمرأة فاعلةٌ في كل اتجاه، سلباً وإيجاباً، فهي سيدةُ الرجل ، في البيت وفي مجالات كثيرة؛ فهي، فيما أزعم، تحكم الرجل ولا يحكمها بالشمول ذاته، لأنها بالودِ والكلمة الطيبة تصل منه إلى ما تريد، ولأنها تبدأ الحياة وتختمها في حياة الرجل، وتستطيع أن تصنع عالم إلهامه وأطر طموحاته وأحلامه.‏

المشروع القومي، من حيث هو ضرورة حيوية للأمة ووسيلة عصرية للنهوض بها وهدف أسمى يمليه تاريخها وواقعها والتحديات المطروحة عليها، يحتاج إلى أداء في مستواه، كما يحتاج أولاً إلى استمرار الإيمان به والعمل من أجله، عبر منظور جديد تقود إليه حركة تجديد عميقة وجريئة وواعية، لا تلغي الثوابت ولا تأتي على الأهداف كما أسلفت، ولا تؤدي إلى انحرافات قتَّالة. والعمل القومي يحتاج إلى رموز ومرجعيات ومثابات إن صحت الرؤية وصح القول والعمل. والمرأة اليوم، لا سيما بعد تأنيث التعليم، تملك الأسرة والمدرسة ومراحل التكوين الرئيسة في الحياة وتقف رمزاً من الرموز الاجتماعية: فالمعلم قدوة ويبقى تأثيره في نفس التلميذ والطالب إلى مدى قد لا يكون محدوداً. ولم يعتد مجتمعنا على أن تكون قدوة الرجل امرأة؛ فإذا أريد للمرأة أن تقوم بهذا الدور، دور القدوة ، وأرادت المرأة أن تقوم به، فإن ذلك يتطلب تغيير الكثير مما يرتبط بتربية وقيم وتقاليد وأوضاع اجتماعية، وربما بطبيعة بشرية وتكوين بشري. في الأسرة. الأب أنموذج القدوة للأبناء ، وفي المدرسة كان المعلم الرجل قدوة تتكامل مع رجل الدولة والبطل والفقيه والمقاتل والمنتج الكبير والعامل الماهر...إلى آخر الرموز الذكورية!؟ فهل من السهل مجاوزة هذا الوضع، وهل هو توجه صحي علمياً وعملياً واجتماعياً؟! إنها أسئلة ملقاة على قارعة رصيف التفكير والتأمل.‏

المرأة تملك مستقبلنا على نحوٍ ما فكيف تؤسس له وترسم صواه وتقود إليه!؟ وبأيةُ وسائل وآفاق وقدرات وإمكانيات تؤسس لذلك المستقبل!؟ وأنا أزعم أن رجال الجيل القادم هم أساساً أولئك الذين خرَّجتهم وتخرِّجهم النساء في المدرسة والأسرة معاً، وهذا يطرح على المرأة موضوع العلم والعمل به كما يطرح عليها موضوع القدوة بكل قيمه ومقوماته وأبعاده، وهو يدخل في جوهر التربية.‏

وهنا يرتفع السؤال: هل تعد المرأة نفسها لمهمة التربية والتكوين والريادة والقدوة، وهل يساعدها المجتمع ، بوضعه الحالي ، على تحقيق ذلك!؟ وهل تعد نفسها لمهمة مجابهة ما يحتاج إليه العصر من معرفة علمية ومن تطبيقات، أو حض على التطبيقات للمعرفة العلمية في ميادين الحياة!؟ وهل تؤهلها قدراتها ويؤهلها تكوينها ووظائفها الطبيعية والاجتماعية لذلك كله، والاستثناء في أي مجال لا يشكل قاعدة في أي مجال!؟‏

أنا أقول إن في هذا نقص كبير عند رجالنا ونسائنا، ويتجلى عند نسائنا بصورةٍ أكبر.‏

ثانياً: المرأة في موقعها مربية ومعلمة، ومن ثمة قدوة، تحتاج إلى كفايتين على الأقل: كفاية مادية تجعلها لا تهمل واجباتها الأساس لكي تنصرف إلى تأمين ما تستهلك، وكفاية روحية معنوية عالية من الوعي المعرفي والقومي والقيم الخلقية، والإيمان العقيدي تؤهل هذه المرأة، أو تلك لقيادة المجتمع نحو المستقبل، ولحمل معيار سليم، وتطبيقه بما يضمن سير المجتمع في طرق سليمة تؤدي به إلى التقدم والنهوض وتحقيق أهدافه.‏

الثقافة القومية بالمعنى النقدي لها، ثقافة تحتاج إلى مراجعة وتصحيح، وأنا أقول إن ما يدرَّس عندنا في إطار الثقافة القومية تلقين قد لا يرضى عنه جيل الملقنين الذي كتب الكتاب الذي يدرَّس، فكيف يمكن أن تكون المرأة معلماً ومفسراً وموجهاً في الفكر القومي عندما تغرس مقومات الشخصية في الطفل رجل المستقبل، وفي الفتاة امرأة المستقبل، كيف يمكن أن تكون قائدة ورائدة في هذا الاتجاه وتخدم المشروع القومي وتؤسس له في عمق التكوين، وهي لا تعي جيداً أبعاد ذلك المشروع ومشكلاته، وتغرق في تناقضات داخل ما يؤدى في إطار منهج الفكر القومي وتقديمه لطالبيه، أو المفروض عليهم طلبه!؟ ولا تستطيع أن تجد لذلك حلاً ولا تجرؤ على أن تطرح على المسؤولين في المستوى الأعلى مشكلة معقدة من هذا النوع!؟.‏

المرأة في هذا الموقع أو المجال، وهي تشرف على تربية المجتمع ولا أقول على تربية الرجل، تحتاج إلى الصلابة الروحية في كل المجالات، وهذه لا تبنى إلا على أرضيةٍ من المعرفة عميقة، والإيمان أعمق، والثقة أكبر، والحرية المسؤولة بشكل أشمل وأمتن، فهل أعطيت المرأة تلك الحرية لتُسأل؟ وهل تمارس دورها باقتدار ومسؤولية وباطمئنان إلى ذينك الاقتدار والمسؤولية، وهناك من يفرط بها من الرجال الذين انغمسوا في تجارب الحياة في مجتمعنا منذ وقت طويل!؟... السؤال مطروح على الجميع وليس على النساء فقط.‏

هل تملك المرأة القدرة على بناء منظومات قيم ومعايير وحوافز في الميدان التربوي، وهي التي تقدم أنموذجاً لمن تربيهم، وهي الآن التي ينبغي أن ترفع الأنموذج القدوة في المجتمع، فهل تسيطر على تفاصيل ذلك وتعي تلك التفاصيل؟ وهل تملك أدواتها؟ وهل هي فعلاً تقوم بهذا الواجب الذي لا يبنى مجتمع من دونه؟. وهل تدير بيتاً ومدرسةً تساعدان على خلق جيل مؤمن بعروبته تماماً. معتز بعقيدته تماماً. عن وعي تام بذلك؛ وهل ينتمي لأمته بعمق ويعرف لماذا ينتمي إليها وكيف يقوم بواجباته حيالها؟ وما يرتبه الانتماء والواجب من تبعات؟ وهل يضحي من أجل ذلك!؟ هل تقول المرأة لمن تربيه، لا سيما إذا كان ابناً لها، اذهب وقاتل ومت لكي يعيش الآخرون في الوطن بأمان ويبقى الوطن عزيزاً...؟! أم تقول له ابق في البيت، ولا يوجد سواك، ولا أعز منك حتى الوطن ذاته!!؟ ونحن نعرف أنه عندما يذهب الوطن يذهب البيت ويذهب الولد!؟ هل تعي المرأة الأم أبعاد ذلك حقاً وتذهب في الأمر إلى مداه!؟ هل هي قادرة على التحدي عبر استشفاف ما يترتب على غياب القدرة على التحدي؟ هل تساعدها طبيعتها وتربيتها وتكوينها وعاطفتها على ذلك؟! وأنا هنا أتطلع إلى أن أطرح السؤال في إطار رغبةٍ في المقارنة بين المرأة العربية ضمن مشروعها، والتحديات المطروحة عليها والبيئة التي تواجهها، والصعوبات التي تمزق أحياناً شمل أسرتها، وبين المرأة العدو أو المرأة الممتحَنَة بهذا النوع من الامتحان في مواقع أخرى من العالم؛ بل بين موقع المرأة العربية اليوم، والمرأة العربية في أيام عز الأمة ومواجهاتها الرائعة للتحديات!؟‏

هل هي قادرة على التحدي في مجال معطيات العصر مع امرأة من مجتمع آخر في العصر ذاته، ولا أقول المجتمع المعادي!؟ هل تملك هذه المعطيات لتبني وتحرر وتقود المشروع القومي وتنميه؟! وأنا أقول إنها تقود المشروع القومي على نحو ما بعد أن أصبح هناك تأنيث للتعليم، والبعث، الذي تبنّى المشروع القومي أو الطرح القومي، أو الفكر القومي بدأ في المدارس وفي الجامعات وبين المثقفين، أي في مساحة الفكر وساحاته بالدرجة الأولى؛ والآن لا أعرف كيف، ولماذا أعطى ظهره، ولو نسبياً، للثقافة ولهذه القضية الفكرية والنضالية الهامة!؟.‏

يجب أن تكون المرأة العربية قادرة على التحدي، فهي التي تواجه الصعوبات في البيت وفي الشارع، وهي التي تدفع الرجل إلى التحدي وتقف خلفه عندما يتحدى، وإذا ضعف سنده الذي في ظهره انهزم وانهزمت هي معه وانهزم المشروع والتحدي والمستقبل. والمشروع القومي العربي أصلاً مشروع يتأسس الآن على التحدي: تحدي التخلف، تحدي الجهل، تحدي التجزئة، تحدي الأعداء، تحديات العصر وعلومه ومعارفه وأساليبه، إلى جانب تحديات روحية ومادية كثيرة هي في صلب الفرد وفي البنية الفكرية والاجتماعية وفي البنية الاقتصادية وفي بنية التنمية ذاتها.‏

هل المرأة كيان معطل القدرات والملكات، أم أنه على نحوٍ ما معطل للقدرات والملكات!؟ بمعنى هل تستطيع من خلال منهج تربوي دقيق أن تفتح آفاقاً أمام من تربيهم في المدرسة والبيت ليشقّوا طريقاً من دون خوف وليكتسبوا ثقةً لا حدود لها، وليقبلوا على العلم والعمل معاً وعلى الإيمان بالعروبة والإسلام معاً، بتفاؤل واطمئنان!؟ أم أنها تخشى أن تمس هذا الموضوع فتتركه لمن يمسه؛ ومن يمسه الآن هو أجهزة إعلام معادية تقريباً تربي أطفالنا، فـ "والت ديزني وكلينتون" وسواهم يدخلون بيوتنا وعقول أطفالنا أكثر مما ندخلها نحن بكثير، يفعلون ذلك من خلال التلفاز واللعبة المبرمجة في الكمبيوتر، واللعبة التي نشتريها في الشارع وسوى ذلك من الوسائل والأدوات. والأحلام التي ترسم أمام الطفولة، هي أحلام تتصل: إمَّا بحياةٍ فيها تدنٍ لأفق الرؤية والرغبة والقيمة والتطلع على المستويين الروحي والقومي، أو هي مجرد نزوع للاستهلاك، أو تعلق بنمط حياة فيه انصراف عن الأهداف القومية والإنسانية العليا، التي تحتاج إلى همة قعساء، وجهدٍ وجهاد طويلين، نمط يحول دون تطبيق قول الشاعر:‏

تعبت في مرادها الأجسام وإذا كانت النفوس كباراً‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق