الأحد، 31 يوليو 2016

الصراعات السياسية في القرن العشرين روسيا نموذجاً..2

الصراعات السياسية في القرن العشرين روسيا نموذجاً..2


بسم الله الرحمن الرحيم


بسم الله و الحمد لله
و الصلاة و السلام على رسول الله خاتم الأنبياء و المرسلين .



إن العناصر العامة في تنظيم الحياة الاجتماعية، والتي تتميز بها الحضارة الأوروبية طيلة فترة وجودها، جعلت النقاشات والآراء في السياسة ثابتة ومستقرة والتي تعود بجذورها إلى الأيام الموغلة في القدم، إن العلم الحديث، مثله مثل أرسطو، يرجع السياسة إلى مجال أنشطة الدولة.‏
ففي قاموس ف. دال(1) لشرح المفردات نجد أنه ينظر إلى السياسة على أنها علم إدارة الدولة، أشكال، أمزجة، وأهداف الحاكم، طريقة أفعاله الخ، وحسب القاموس الحديث لشرح المفردات الإنكليزية تفهم السياسة على أنها نشاط وجهود الحكومة الوطنية، وخططها وإجراءاتها، خصوصاً ما يتعلق بتحقيق مصالحها الخاصة، أما قاموس لاروش لشرح المفردات في اللغة الفرنسية فإنه ينظر إلى السياسة على أنها فن، ونهج في إدارة الدولة، وكذلك نشاط أولئك الذين يديرون أو يرغبون في إدارة شؤون الدولة، ومعروف جيداً في هذا الخصوص رأي ف. إ. لينين، الذي كان على قناعة في أن السياسة تعني المشاركة في إدارة شؤون الدولة، توجه الدولة، وتحدد صيغة مهام ومضمون نشاط الدولة.‏
كل ذلك هو بالتأكيد صحيح ومبرهن عليه من خلال مؤشرات التطور، الذي سلكته الحضارة الأوروبية، ومع ذلك، إن الفهم المعاصر للسياسة يتجه أكثر فأكثر نحو تجاوز التفسير الكلاسيكي للظاهرة باعتبارها مجرد مشاركة في شؤون الدولة، في توجهات نشاطها وفي البحث عن أشكال جديدة للدولة.
وقد ساعدت في ذلك الاكتشافات العلمية، التي أنجزها عالم الاجتماع والخبير في شؤون الإثنيات، الباحث الفرنسي كلود لوي شترواس، وكذلك أفكار الخبير في القانون وشؤون السياسة الألماني كارل شميدت في الاختلاف بين ما هو سياسي وما هو حكومي، وأيضاً الخصائص العملية لتطور المجتمع السياسي الحديث.
يمتاز زماننا بأنه غني بالأحداث، التي يصعب فهمها من منظور الفهم العادي البسيط للسياسة، حيث ما هو سياسي لا يتطابق بشكل واضح مع ما هو شأن حكومي، على سبيل المثال كان الفيلسوف الثاقب الفكر مامارداشفيلي يؤكد أنه لا وجود للسياسة في ظل السلطة السوفيتية، في حين أننا اليوم نرى كيف أنه مع غياب الدولة فعلياً تسيطر السياسة بالكامل في المجتمع، وما يؤكد على أنه لا يجوز اختصار ما هو سياسي بما هو حكومي ( حكومي بمعنى شأن الدولة ـ المترجم) والعكس ـ هو أن السياسة لا تعبر عن نفسها في الصراع من أجل السلطة فقط، بل ومن أجل تحديدها والتضييق عليها وحتى التحرر من هذه السلطة.‏
إن تطور النظرية والممارسة السياسية يكشف عن آفاق أخرى لظاهرة Phenomena السياسة، قبل كل شيء، السياسة هي عبارة عن سمة متأصلة في طبيعة الإنسان والمجتمع، وهي موزعة على مجمل فضاء الحياة المجتمعية، ولا تقتصر بشكل قطعي على الدولة، أو على أجهزتها والأشخاص القائمين أو على خدمة مصالح الدولة فقط، وأكثر من ذلك إن العمليات السياسية، التي تتشكل "تحت" عند قاعدة الهرم الاجتماعي، في خضم الحشود الجماهيرية هي الأكثر أهمية والأكثر راهنية من وجهة نظر احتمالية التغيرات المستقبلية.
وفي نهاية المطاف إن مصير أي نظام سياسي واستقرار أية دولة يتوقف إلى حد كبير على ماهية تفكيره، وعلى ماذا يخطط، وما هي المثل والآمال التي يتطلع إليها الناس البسطاء ، بهذه الطريقة تصبح السياسة من هذا المنظار تابعاً دائماً وغير قابل للزوال لعملية التطور المجتمعي، محتفظة في كل مرة بجذرها الخاص مع تحولها في المظهر فقط.‏
بالإضافة لذلك، إن فضاء السياسة ـ عبارة عن مجال لتأثير المصالح الخاصة بصورة دائمة ، إن السعي للتغلب على الآثار السلبية لتظاهر الجوهر السياسي، كان قد أدى في حينه إلى نشوء مؤسسة الدولة (الدولتية)، وهي قائمة اليوم في أشكال الدولة الحديثة في صيغة التناقض الرئيس بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة المتواجدة على أرض الواقع، وهذا ما يؤكده بشكل مباشر الافتراق بين النوايا وبين النتائج في السياسة، هذا الافتراق الذي صار بمعنى ما قانوناً في الممارسة السياسية.‏
إن القيادة السياسية بطبيعتها تواقة بصورة قاتلة إلى درجة معقولة للأخطاء التاريخية وللحسابات الخاطئة والضلالات، فمن صميم السياسة أن تكون السلطة، التي تعبر عنها ميالة بشكل دائم نحو الابتعاد بالتطور السياسي عن التطور الذاتي وعن التطور العام، وهي تفرض في كل مرة أفكاراً مثالية، بحيث إن السعي نحو تحقيقها سيؤدي ـ حتماً ـ إلى إخفاق دوري، وإلى أزمة أو صراع شامل ، حتى عندما تشتغل السلطة السياسية على اتجاهات ونزعات متشكلة تاريخياً، فإنها تعمل، في نهاية المطاف، بما يلحق الضرر، لأنها تسلك طريقاً زلقاً في تجاهل الخيارات البديلة، ذلك الطريق الذي يؤدي إلى تشكل منظومة القهر والعنف.‏
إن قرينة الخطيئة التاريخية للسلطة السياسية تتحدد بشكل موضوعي على أساس المواصفات الفطرية للعلاقات السلطوية:‏
تتسم هذه العلاقات بالميل الدائم نحو مركزة السلطة وتحويلها إلى سلطة فردية، ومقاومة هذه النزعة فقط يمكنها أن تؤدي إلى أشكال تاريخية محددة للسلطة أو الحكم.‏
لا يتطابق مفهوما الشعب والسلطة من حيث التعريف، طالما أن العلاقات المتبادلة بينهما تجري في إطار منظومة سياسية من الإحداثيات.‏
لم يحدث أنه كانت توجد يوماً ولا في أي مكان صيغة مثالية لسلطة الشعب، وأما الإشكالية المتعلقة بآلية تحقيقها، فما زالت حتى الآن دون حل مقنع ولو نظرياً.‏
يمكن لأية مجموعة تستلم السلطة أن تتحول إلى بداية لخط سياسي جديد، لنظام، بل لمنظومة كاملة من المؤسسات السياسية، ويمكنها أن تستبدل مصالح الشعب بتصوراتها الذاتية الخاصة بهذا الشأن.‏
إن غرابة السلطة السياسية تكمن في أنه يحق للسلطة الشعبية المثالية أن تراهن على الثقة بها، إلا أن الشعب يمكنه المراهنة على السلطة المثالية فقط في حال غياب دائم للثقة بالحكام.‏
إن مبدأ القرينة بالنسبة لمسؤولية السلطة السياسية يعتبر أخلاقياً ، عندما يتم النظر إلى أي من ممثليها بطريقة نقدية منذ البدء، وعندما يبعث السعي إلى السلطة بحد ذاته شكوكاً متزايدة من قبل المجتمع، ولا يجوز النظر إلى هذا المبدأ على أنه موقف منافٍ للدولتية، فالدولة باعتبارها مؤسسة سياسية حديثة برهنت بدرجة كافية على جدوى نشوئها ووجودها، وعلى الرغم من النظرية القائلة بموات الدولة طرداً مع تطور المجتمع، فإن الواقع يؤكد زيادة التعقيدات في وظائفها الداخلية وتعاظم دورها على المستوى الدولي.‏
ليس هناك في الأفق التاريخي القريب أية علامات أكيدة لموات الدولة، ولكن في الوقت نفسه تبدو واضحة للعيان الضرورة المتنامية للنشاط الإشرافي للجهاز الحكومي.
إن الموقف النقدي من الدولة، وغياب الثقة نوعاً ما تجاه البيانات السياسية للدولة وتجاه ممارستها العملية تسمح بتحييد التيارات السلبية، التي تميز تطور الطبيعة الخاصة للدولة، كما تسمح في الوقت المناسب بتصويب، وبتصحيح أو بتغيير مضمون النهج السياسي، من الطبيعي أن يكون المجتمع الأهلي، قبل كل شيء، هو الحامل لمثل هكذا موقف من الدولة، فعلى مستوى نضجه السياسي العام ودرجة تطور مؤسساته تتوقف في نهاية المطاف قابلية السلطة الحكومية للرقابة.‏
ليس من الصعب أن نلاحظ أن التفاعل بين الدولة وبين المجتمع الأهلي في الصيغة المقترحة يستوعب بشكل كامل قيامه بالدور في إطار الصراع المكشوف أو المحتمل ، إن الصراع والسياسية مترابطان؛ بعضهما ببعض بصورة وثيقة للغاية ، فمن حيث النشوء، ومن حيث عملية التطور، ومن حيث الآثار الاجتماعية الأساسية والكثير من العوامل الأخرى كل منهما يكمل الآخر، وهما يفقدان المغزى في كل مرة يكونان منعزلين ، وبالفعل، ماذا كانت ستعني السياسة في حال انتفت الصراعات الممكنة من حياة المجتمع؟ فالسياسة الفاقدة للإرادة وغير المتبلورة، لا بد من أن تفقد المغزى الداخلي لوجودها ، وسوف تنطفئ بالتدريج، دون أن تجد المسوغ لبقائها ، أي أن الصراعات المستمرة فقط هي التي تبقي السياسة دوماً محافظة على حيويتها، وعلى استعداد دائم لأن تتدخل على الفور في حل المشاكل الاجتماعية التي يقوم النزاع الوشيك بتسليط الضوء عليها.
"إن السياسة ـ حقل العلاقات السياسية ـ هو ذلك العالم حيث لا يوجد السلم ولا يمكن أن يوجد ، إذ إن عالم السياسة هو المجال المحفوف بالنزاعات وبالصراعات ليس بشكل دائم فحسب، بل بدرجة أعلى من أي مجال آخر من مجالات الحياة الاجتماعية الأخرى".‏
لكل شعب ملامح خاصة به من ملامح السلوك المجتمعي ، فطريقة الاتصال الانفعالية والمتأججة، التي يتصف بها أهالي الجنوب، يمكن أن تبدو كما لو أنها أقرب للنزاع أو لحالة الصراع الوشيك بالنسبة لأهالي الشمال ، ففي الحياة المجتمعية لبعض الشعوب تكون النزاعات الاجتماعية المكشوفة ظاهرة شائعة إلى حد كبير، في حين أنها قد تكون نادرة بالنسبة لشعب آخر، وينظر إلى كل من هاتين الحالتين باعتبارها حدثاً وطنياً ، كما هو الحال بالنسبة لطباع شخص، يمكن أن يتمتع مجتمع قومي معين بالميل نحو النزاع إلى هذه الدرجة أو تلك.
ولكن في تاريخ كل شعب وكل مجتمع قد تنشأ مراحل بدرجات متفاوتة من النزعة نحو الصراع الاجتماعي، من التواتر المتفاوت والتأزم المختلف الحدية من التآكلات والتصادمات الاجتماعية ، بمعزل عن الثقافة القومية، عن التقاليد التاريخية والسلوك الاجتماعي، عن التركيبة النفسية لمكونات مجموعة من الأفراد، فإن سمة النزوع نحو الصراع في المجتمع قد تتعاظم أو تتراجع، أن تكتسب هذه الأشكال أو تلك من ظهورها وبلورتها ، أما العامل الحاسم الذي تتغير تحت تأثيره جميع مقاييس النزوع نحو الصراع في المجتمع، فهو النظام السياسي المسيطر في اللحظة المحددة، نوعية تنظيم وممارسة السلطة السياسية، وبشكل عام، النظام السياسي في المجتمع.‏
فالنظام السياسي يترك أثره في الحياة السياسية من زاوية الانضباط المؤسساتي، العلاقة المتبادلة وتراتبية تلك العناصر فيها، التي تعبر قبل كل شيء عن المصالح الاجتماعية وعن عملية ممارسة السلطة السياسية.
إن كل تنوع الحياة السياسية للمجتمع يتخذ في النظام السياسي صفة الحركة المنتظمة المشروطة تبادلياً للعمليات والظواهر السياسية، ففي النظام السياسي يتحقق فرز عناصر محددة، وفيه يتفاعل تطورها ونشاطها المستقل، وكذلك تنشأ علاقات متبادلة وجسور في سياق التطور المتكامل والكلي لمجمل النظام السياسي للمجتمع، فالنظام السياسي يمنح لوحة منظمة ومنضبطة لحركة العمليات السياسية، يكشف أن الظواهر السياسية تعتمد على تطور الأساس الاقتصادي والبنية الاجتماعية للمجتمع، ومن ناحية ثانية، يؤكد التأثير النشط للسياسة على جميع نواحي الحياة المجتمعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق