الجمعة، 29 يوليو 2016

تاريخ ومجتمع10 الطريق إلى الأقصى - ماذا يعني السابع والعشرون من رجب??

تاريخ ومجتمع10 الطريق إلى الأقصى - ماذا يعني السابع والعشرون من رجب??



من نعم الله على الأمة الإسلامية أن تتالت أحداث متلاحقة في ثلاثة أشهر فضيلة هي رجب وشعبان ورمضان، في السابع والعشرين من رجب حدث الإسراء والمعراج، وفي النصف من شعبان جاء الأمر الإلهي بتحويل القبلة، وفي الآحاد من شهر رمضان نزل القرآن على قلب رسول الله في ليلة مباركة هي ليلة القدر التي هي خير من شهر رمضان.

ومن نعم الله أيضاً أن الأحداث الثلاثة نزلت فيها آيات قرآنية واضحة فقطعت باب الاجتهاد والتخمين إذ جاءت الآيات قاطعة لا لبس فيها، يقول تعالى:

(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله). {الإسراء}.

ويقول تعالى:

(قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون). {البقرة:144}

ويقول تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر). {القدر :1}.

ولكل شهر من هذه الأشهر الثلاثة فضائله ونعمه على أمة الإسلام.

لكننا نتوقف عند شهر رجب الذي يفرض على الأمة تذكر حدث عظيم في تاريخ فلسطين والمسجد الأقصى بل وفي تاريخ الأمة الإسلامية، هذا الحدث هو تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي ومجاهدي الأمة، لعل كل عربي ومسلم يعرف أن معركة حطين كانت فاصلة بين المسلمين والصليبيين ويعرف أيضاً أن تحرير بيت المقدس جاء بعد انكسار هؤلاء الصليبيين في حطين بعد أقل من ثلاثة أشهر.

وبالعودة إلى هذا الحدث العظيم بشكل دقيق ينفتح أفق دراسة التاريخ بشكل تحليلي لا يكتفي بإيراد الخبر وسرده، يورد أبو شامة المقدسي أن صلاح الدين جمع في جيشه الأعراب والأعاجم والأتراك وسار بهم إلى الكرك وحاصرها ثم إلى الشوبك وحاصرها وأخذ يغير على محيط طبرية، ويقول اجتمع الإفرنج بخمسين ألف مقاتل وكان مع السلطان صلاح الدين ما بين اثني عشر ألفاً وعشرين ألفاً، وحاصر طبريا وراح ينقب سورها إلى أن فتحها الله عليه، وتحرك الصليبيون من صفورية، والتفت الجموع عن قرني حطين وهناك دارت الدائرة على الإفرنج وانكسروا انكساراً عظيماً لم يروا مثله من قبل، وأسر في المعركة ملك الصليبيين جفري والذي كان ملكاً على القدس وأسر معه شقيقه وأمير الكرك أرناط وأمير جبيل وأمير إسكندرونة وعدد من الأمراء الصليبيين الذين حضروا من كل المدن الساحلية المحتلة.



ويعلق أبو شامة المقدسي (ومنذ استولى الفرنج على ساحل الشام ما شفي للمسلمين كيوم حطين غليل).

وقال المؤرخ بهاء الدين بن شداد: كان الواحد منهم العظيم يخلد إلى الأسر خوفاً على نفسه، أما أرناط صاحب الكرك فكان السلطان قد نذر دمه إن ظفر به وسبب ذلك أنه غدر بالحجاج المسلمين وهم يقصدون الحج فقتل منهم خلقاً عظيماً.

وقبل الفتح العظيم للقدس حرر صلاح الدين مدينة عكا وحرر من كان فيها من أسرى المسلمين وعددهم أربعة آلاف، ثم فتح حيفا ونابلس وقيسارية وصفورية والناصرة، وعندما فتح عكا رتب فيها المنبر والقبلة وصلى الجمعة فيها، والملاحظ أن العادل أخا صلاح الدين قدم بجيش من مصر ففتح المجدل ويافا ودبورية وجنين وزرعين والطور واللجون وبيسان القيمون والزيب ومعليا والبعنا ومنواث وأرسوف.

ويقول ابن شداد (ثم أرسل السلطان إلى تبنين ابن أخيه فأمهل الصليبيين خمسة أيام ثم أطلقوا الأسارى، وهذا دأبه في كل بلد يفتحه أنه يبدأ بالأسارى فيفك قيودها فخلص في تلك السنة أكثر من عشرين ألف أسير).

ثم تسلم السلطان عسقلان وصرفند وبيروت وجبيل وكان صاحبها في الأسر، يقول ابن شداد: لما تسلم السلطان عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمّر عن ساق الجد والاجتهاد في قصده وأبلغ جميع الناس والعساكر في الساحل الشامي فتوافد إليه المجاهدون من كل صوب وحدب حتى بلغ عددهم الستين ألفاً ما عدا النساء والصبيان.

وبدأ حصار القدس حتى اشتد، وكان فيها ما يقارب الستين ألفاً من الصليبيين وخمسة آلاف أسير مسلم، ثم فتحت القدس وكان يوم جمعة وفي السابع والعشرين من رجب ذكرى الإسراء والمعراج، فكانت فرحة المسلمين مضاعفة، وكانت هذه الفتوح إحدى نعم الله على المسلمين، فتح يوم جمعة، وفي السابع والعشرين من رجب ذكرى الإسراء إلى بيت المقدس.

قال المؤرخ العماد: تسلم المسلمون القدس يوم الجمعة أوان وجوب صلاتها، وضاق وقت الفريضة وتعذر أداؤها وللجمعة مقدمات وشروط لم يمكن استيفاؤها وكان المسجد الأقصى ولا سيما محرابه مشغولاً بالخنازير مغموراً بالنجاسات والأبنية فأمر السلطان بكشف ذلك كله وتنظيفه وتطهيره، فاجتمع الخلق حتى كشفوه ونظفوه ورشوه وفرشوه، وأمر باتخاذ المنبر الذي كان قد صنعه نور الدين الشهيد رحمه الله فنجروه وركبوه فخطب عليه في الجمعة التالية القاضي محي الدين محمد بن علي القرشي.

وأمر السلطان بكشف الصخرة المباركة وتطهيرها ثم صانها بشبابيك من حديد وحمل إليها وإلى محراب الأقصى مصاحف ومربعات ورتب الأئمة، وقد تولى ابنه تقي الدين كنس تلك الساحات وغسلها بالماء مراراً حتى تطهرت ومن ثم عطرها، وأمر السلطان بعمارة جميع المساجد في كل البلاد والقرى التي حررها.

وأهم ما يلاحظه المرء وهو يقرأ تفاصيل معركة حطين وفتح القدس، أن الجيش الصليبي الذي اجتمع في صفورية كان أكبر جيش يجتمع للفرنجة.

أما المسألة الهامة التي تستوقفنا هي أن الفرنج لما اجتمعوا في صفورية جمع صلاح الدين أمراءه واستشارهم فأشار أكثرهم بترك اللقاء بالإفرنج وأن يضعف الإفرنج بشن الغارات وإخراب الولايات، لكن صلاح الدين عارض أكثر مستشاريه وقال حسب ما ورد في الكامل لابن الأثير (الرأي عندي أن نلقى بجمع المسلمين جمع الكفار فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا ولا ينبغي أن نفرق هذا الجمع إلا بعد الجهد والجهاد).

ففي ظل التفوق العددي والتسليحي للصليبيين كان صلاح الدين سيهزم، ومن ناحية أخرى كان اختيار الانسحاب معناه التخلي عن خطة الجهاد لاسترداد القدس وفلسطين والواقع أن الجيش الذي جمعه صلاح الدين لم يكن كافياً لتأمين نصر أكيد في معركة كهذه.

لكن الملفت للنظر أن صلاح الدين عندما شرع بحصار القدس تقاطر على معسكره حشد من علماء الشام جاؤوا متطوعين للجهاد ولنيل شرف تحرير بيت المقدس بعد تسعة عقود على احتلالها.

ومن غرائب ما ورد من أخبار (أن بعض المنجمين قال لصلاح الدين إنك تدخل بيت المقدس وتذهب عين واحدة منك فقال: رضيت أن أعمى وآخذ القدس).

وفي منظورنا الإسلامي لم تكن القضية مرتبطة بالعدد والعدة بقدر ما هي مرتبطة بتأييد الله سبحانه للمجاهدين وبنفوس مقبلة على الجهاد والاستشهاد لأجل بيت المقدس ومكانته لدى المسلمين.

لقد كان الحدث- تحرير بيت المقدس- من أعظم أحداث تاريخ الإسلام والمسلمين وشكل يوم السابع والعشرين من رجب علامة فارقة في تاريخ القدس، فهي منذ البدء كانت اختيار الله سبحانه لإسراء رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت زمن صلاح الدين تحرير القدس من نير الصليبيين الذي دام أكثر من تسعين عاماً.

لقد كان تحرير القدس على يد صلاح الدين وما يزال الحافز الكبير لمواصلة المسلمين والعرب جهادهم لتحريرها من نير الصهاينة الذين يحاولون اليوم أن يقلبوا المسجد الأقصى أو ينسفوه ليصار مكانه هيكلهم المزعوم، تماماً مثل ما حاول الصليبيون أن يقلبوه إلى حظيرة خنازير أو كنيسة صغيرة حسب ما ذكرت مصادرهم، ولكن عزة الإسلام وجهاد المسلمين متواصلان حتى يحرر الأقصى من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق