الجمعة، 29 يوليو 2016

فرنسا والأسلام في افريقيا

فرنسا والأسلام في افريقيا

الإسلام الأسود

عندما استوطن الفرنسيون مدينة اندر السنغالية –سين الويس اليوم- و اتخذوها دار تجارتهم و ذلك أول القرن التاسع عشر بعد إجلائهم الانجليز عنها سعوا إلى استكشاف القارة الإفريقية لعلهم إن ساعد أن يقيموا أسواقا لهم بأرجائها و يستغلوا ما يرونه من خيرات بها. و لم تكن تلك المهمة بالسهلة إذ أنهم محاطون في جل نواحيهم بشعوب مسلمة تتقرب إلى الله , و من أشد تلك الشعوب عداء لهم الفلان الذين قد أقاموا لأنفسهم دولة على شواطئ النهر السنغالي تطبق الشريعة و يختار الخليفة –الإمام فيها مجلس شورى مكون من أهل العلم و كبار القوم. و كان لهذه الدولة موقفا محادا من الفرنسيين. و ذلك منذ عصر تجارة العبيد. إذ أصدر الإمام عبد القادر مرسوما يمنع قوافل العبيد من المرور من بلاده, ثم لما أن استولى الفرنسيون على معظم تلك المنطقة بدهاء و حنكة الحاكم فضرب تزايد عدد تلك البعثات الاستطلاعية و أصبحت ذات هدف عسكري جلي. فالمبعوث يقدم بعد عودته لمرسليه معلومات دقيقة عن عدد رجال القبيلة و عن نوع سلاحهم و عن الصراعات الداخلية التي قد يستغلها المستعمر لإضعاف شوكة عدوه. هكذا فإن أغلب كتابات المستكشفين في تلك الفترة ذات منحى عسكري نفعي يبدو اليوم لنا غير ذي جدوى. و قل منها ما يتحدث عن عادات الناس أو أخبارهم و من أحسن الكتب التي نحت هذا المنحى كتاب فيضرب لغات السنغال و الذي احتوى على معلومات قيمة عن اللغة الصنهاجية و من قبله كتاب آن رفنل الذي أتى فيه بمعلومات دقيقة عن غرب إفريقيا و درسه دراسة بشرية و اقتصادية مفيدة,
ومع تزايد الأمن في البلاد السودانية و إحكام السيطرة الفرنسية عليها بدأ العلماء و الباحثون الفرنسيون يهتمون بهذه البلاد المستعمرة الجديدة, فكان أول ما جذب المستشرقين أن الضابط الفرنسي أرشنار عندما هزم الفلان وجد عندهم مكتبات ضخمة تضم تراثا إسلاميا ذا طابع عربي ومن أجل ألئك المستشرقين الفرنسي هُداس Houdas أستاذ العربية بمدرسة اللغات الشرقية الحية بباريس فهو الذي ترجم مجموعة التواريخ السودانية ([glow=CCFF33]تاريخ السودان للسعدي و تاريخ الفتّاش و تذكرة النسيان[/glow]) التي تعتبر أهم مرجع لتاريخ المنطقة خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر. كما ترجم تلميذه دلافوصDelafosse كتاب حوليات الفوته من تأليف ‘ [light=00CCFF]سيره عباس صُو[/light]‘ و كذلك اعتنى كادنGaden بترجمة مؤلفات محلية أخرى عن المجتمعات السودانية. و حظيت منطقة القبلة الموريتانية باعتناء الفرنسي باسيه فجمع في كتابه البعثة السنغالية أول تاريخ مفصلا بعض الشيء عن إمارات الترارزه و البراكنه.
و لقد تزامن صدور تلك المؤلفات مع تزايد الحديث في الوسط السياسي الاستعماري حول أجدر السياسات بالإتباع في إدارة شؤون المستعمرة. فذهب بعضهم إلى تفضيل انتهاج سياسة الإدماج أي الاعتناء بتثقيف نخبة من أبناء البلاد يعتمد عليها بينما دافع الآخرون عن سياسة الإدارة غير مباشرة أو [blink]Indirect Rule[/blink] المنتهجةفي المستعمرات البريطانية و التي تعتمد على اعادة الاعتبار الى شيوخ القبائل و القرى. و كان سبق للفرنسيين أن سلكوا هذا المسلك من قبل في الجزائر أيام ولاية كانْبُنْهCambon الذي كلف كبلاني Coppolani و دبونه Depont باعداد بحث مفصل عن الطريقة الصوفية وهو بحث كان له أكبر أثر في السياسة الاستعمارية. فانه أزال بعض الوجل الذي كان لدى الفرنسيين من الطرق الصوفية و هو نفس الهدف الذي عمل من أجله مارتي Martyفي ما بعد في منطقة السودان. و في مطلع القرن العشرين أرسل الحاكم كانبنه Cambon طائفة من الاداريين من من تخرجوا في الجزائر و أتقنوا العربية بها, ككبلاني Coppolaniو تلميذه ربير أرنو Robert Arnaud ليعينوا زملائهم في مستعمرة غرب إفريقيا.
و على الرغم من العلاقة الوطيدة بين ذين الرجلين –اذ ألف أرنو كتابا عن سيرة كبلاني اعتبره فيه أباه الروحي-فإن هناك اختلافا جذريا بينهما فبينما يعتبر الأول الاسلام واحدا لا يختلف من منطقة الى أخرى الا بقدر ما يتأقلم مع مختلف أنماط العيش,جعل الثاني أرنو من التفريق بين الاسلام بافريقيا و الاسلام بباقي العالم ركيزة سياسته ابان ادارته لمصلحة الشؤون الاسلامية فهو يقول غير محتشم : لنا أكبر مصلحة أن يتكون و يتطور بافريقيا الغربية اسلام افريقي خالص...بل من المأمل أن لا نظل غير مبالين بتكون أثيوبية مسلمة بغرب افريفيا. وهو يشير هنا الى مملكة الحبشة النصرانية التي لا يكاد يربطها بباقي النصرانية سوى الاسم . و على غرار أرنوArnaud سار خلَفُه في ادارة المصلحة المذكورة بول مارتي Paul Marty الذي كان يعتبر الطريفة المريدية ( القادرية السنغالية) إسلاما ولفيا بل يصفها بأنها تشرد إسلامي .
إن هذا التشنج و الانفعال ينم بلا ريب عن مدى خوف الفرنسيين من الإسلام و ضيقهم ذرعا به و الحق أن المقاومات الشرسة التي قرتهم بها الشعوب الإسلامية في المنطقة كجهاد الفلاني الحاج عمر تال و المندنق ساموري توريه جعلت المستعمر يعامل المسلمين بحذر . و لكن بغض النظر عن ذلك فإنه يمكن القول إن سياسة أرنو و مارتي تمتُّ بصلة وثيقة إلى ما كان يجري في الجزائر حيث دأب الإداريون الفرنسيون على اعتبار مجموعة القبائل نصارى قدامى دخلوا الإسلام كرها و لم يأخذوا منه إلا بالقشور , و منه قياسا على ذلك فإن الإفريقي وثني دخل الإسلام سطحيا و لم يبارح اعتقاداته. و انطلاقا من هذه الرؤية للأشياء أخذ الفرنسيون في إحياء مَوات الثقافة الوثنية ال ماقبل إسلامية و إقناع الناس أن الإسلام دين غريب مستورد, و كان من نتائج هذه السياسة أن ضرب بالتراث الإفريقي المكتوب بالعربية عرض الحائط و تمَّ إبداله بالحكايات و الأساطير الشعبية و مع ذلك فقد ظل الإنتاج العربي مستمرا فألف الشيخ موسى كمرا كتابه الضخم زهور البساتين في تاريخ السوادين, غير أن هذا الفكر الجديد قد تمكن في عقول بعض أبناء المنطقة فكان من أسس أفكار الخطاب الزنجي الافريقاني. لقد انتهجت فرنسا إذن سياسة واضحة تجاه الإسلام في إفريقيا و هو أن تعزل العرب عن سواهم و أن تجعل المسلمين شيعا كل قوم له دين و مذهب. و لقد استعملت للوصول إلى هذا وسائل محكمة لا يسعني هنا ذكرها و لكن اقتصر على أن الإدارة الاستعمارية كانت مثلا تمنع الناس من الحج. (يتبع إن شاء الله)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق