الجمعة، 29 يوليو 2016

تاريخ ومجتمع 21 الطريق إلى الأقصى - الاستعراض الرياضي -

تاريخ ومجتمع 21 الطريق إلى الأقصى - الاستعراض الرياضي -



الكشفي (14 تموز 1935) صفحات منسية في تاريخ فلسطين....



للمرة الأولى استطاعت الحركة الرياضية والكشفية أن تستخدم العروض الرياضية و الكشفية في مهرجان 14 تموز عام 1935 ضمن نظامها الأيديولوجي من أجل أهداف وطنية سياسية كما كانت تستخدمها الحركة الصهيونية.[-*]

رداً على مهرجاني المكابياد الذين نظمتهما الوكالة اليهودية في نيسان عامي 1932 و 1935 فقد قرر الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931 بالتنسيق مع مؤتمر الشباب إقامة مهرجان رياضي كشفي على ملعب البصة في مدينة يافا في 14 تموز (أي بعد حوالي أربعة أشهر فقط على إقامة المكابياد الثاني الذي أقيم في نيسان 1935 في تل أبيب).[1] وقد شكل الاتحاد لجنة خاصة لتنظيم هذا الاستعراض وكانت تتألف من الدكتور داود الحسيني سكرتير الاتحاد الرياضي العام والدكتور حقي مازين والأساتذة إبراهيم مراد ومصطفى الطاهر وممدوح النابلسي وحسين حسني – استمرت هذه اللجنة تشتغل بجد وصمت طيلة ثلاثة أشهر حتى نضج المشروع وقد لاقت صعوبات كثيرة جداً من دوائر مختلفة ولكنها تخطتها بعزيمة وهمة وإخلاص. [2]

بالطبع كان على القائمين على هذا المهرجان أن يأخذوا السماح من سلطات الانتداب التي كانت دائما متخوفة من عقد هذا النوع من المهرجانات والتجمعات الشبابية. ففي 29 حزيران 1935 أرسل قائمقام يافا إلى سكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام كتابا يطلب فيه أن يقدم طلباً يذكر فيه برنامج الاستعراض الرياضي وكل ما يتعلق به. فأجابه بكتاب مؤرخ في 30 حزيران 1935 يعلمه فيه أن الاتحاد الرياضي قرر إقامة هذا الاستعراض بين الأندية الرياضية التابعة له والرياضيين الآخرين، والفرق الكشفية في فلسطين وأن الفرق ستخرج بلباسها الكشفي والرياضي للمعلب من دار مكتب الشباب مارة بساحة الشهداء فشارع إسكندر عوض فشارع بسترس فالملعب.[3]

كان ينبغي أن يقام هذا المهرجان على ملعب البصة بيافا وكانت لجنة الألعاب الرياضية للاتحاد الرياضي ترغب رغبة صادقة ومن صميم فؤادها أن تتخذ من البصة مكاناً للاستعراض، وعزمت على تسويره مؤقتا ريثما تنتهي الحف ل ة غير أن البلدية والحكومة عارضتا في ذلك كل المعارضة، حتى كادت هذه الفرق تمنع من أداء تمريناتها الأولية، وهكذا اضطرت اللجنة لاستئجار الملعب من صاحبه (أبو غوص) العربي بصورة استثنائية جداً لأنه كان مؤجر للهابوعيل (منظمة يهودية عمالية رياضية)، وقد حاول أعضاء الهابوعيل منع أبو غوص من تأجير الملعب لكي يعرقلوا إقامة المهرجان إلا أن (أبو غوص) أصر على رأيه وأنذرهم بإخراجهم من أرضه فرضخوا للتهديد وسلموا له بما أراد. [4]

قرر الاتحاد أن يكون اللباس الرياضي لكل الفرق المشتركة الأبيض، وأن يرفع كل نادٍ علم ناديه الخاص وعلم آخر لتعليقه حول الساحة مع أعلام الأندية العربية.[5] ويشير عيسى السفري إلى أن خمسة آلاف شاب اشترك في هذا الاستعراض وتنافسوا في العدو والوثب وتباروا في ألعاب القوى.[6]

قسم الاتحاد الرياضي الألعاب التي جرت إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ألعاب النوادي العامة ضمت:

أولاً ركض 100 ، 200 ، 400 ، 800، 1500 متر.

ثانياً: الوثب – القفز العالي والقفز العريض.

ثالثا: قذف الرمح والجلة والصحن (القرص)

رابعاً: سباق الدراجات لمسافة عشر كيلومترات.

القسم الثاني: ألعاب المناطق وهي ركض المواصلات وشد الحبل.

القسم الثالث: ألعاب النوادي الخاصة وهي: عرض قدمه النادي الرياضي الإسلامي بيافا في المصارعة والملاكمة وشيش ورفع أثقال، كما وقدم نادي الروضة في القدس لعبة الكلتش وألعاب رياضية فنية أخرى.[7]

هذا بالإضافة إلى فرقة الخيالة البدوية بقيادة الشيح شاكر أبو الكشك وقد كان لمنظر عرض الخيالة أبلغ الأثر في النفوس.[8]



كما وشاركت (بأعلامها وموسيقاها) الفرق الكشفية والرياضية التالية: فرقة كشافة مجدل عسقلان بقيادة السيد رشيد محمود الشريف وفرقة كشافة أبي عبيدة بطولكرم بقيادة السيد توفيق عبد الرازق وفرقة سعد ابن أبي وقاص بقيادة السيد عوني بسيسو وفرقة كشافة عمر الفاروق المتجولة بغزة بقيادة السيد خضر الجعفراوي. وجاء من القدس نادي الروضة والفرقة الرياضية لكلية روضة المعارف ومن حيفا نادي شباب العرب بالإضافة إلى النادي الرياضي الإسلامي في يافا، ومن الرملة الفرقة العباسية بقيادة محمد علي الغصين ومن يافا فرقة مدرسة الإصلاح الإسلامية بقيادة السيد هاشم السبع وفرقة نسور الجزيرة بقيادة السيد شفيق الأنصاري وفرقة مدرسة النهضة الإسلامية بقيادة السيد إسماعيل الطوباسي.[9]

وقد اعتذرت فرقة مدرسة النجاح الوطنية في نابلس عن الحضور بسبب عطلتها المدرسية وسفر قائدها إلى بيروت. وللأسف فإن الكثير من الفرق والأندية وخاصة الرياضية لم تشارك في هذا المهرجان ولا تعرف الأسباب بالضبط ولكن ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك هو ضعف في الاتصال والتنسيق مع الأندية من قبل الاتحاد الرياضي الفلسطيني ومؤتمر الشباب، ومن المرجح أيضاً أن الكثير من الأندية تخوفت من أن يكون هذا المهرجان ذا طابعا سياسياً فهي لم تكن تسعى لمناوشة الانتداب، فمن الملاحظ أن درجة الانتماء الوطني كانت متفاوتة بين الأندية في تلك الآونة. إلا أن هذا الاستعراض بشكل عام كان إنجازا عظيما يستحق التقدير والثناء، حتى أن الصحف اليهودية بعد هذا المهرجان أعربت عن تخوفها حيث وصفت محاولة تنظيمه بأنها "تنظيم لحركة شباب قوية من مختلف المدن والقرى الفلسطينية".[10]

وحول العراقيل التي وضعتها سلطات الانتداب أمام هذا المهرجان تشير صحيفة (فلسطين) "لما فكر مؤتمر الشباب منذ أشهر مضت بإقامة استعراض عام لفرق الكشافة العربية في فلسطين، اعترضته الحكومة المنتدبة، وحظرت عليه ذلك، وقد جرى يوم الأحد الماضي استعراض كشفي نظمه الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام، لم يقصد منه شيء مما فكر به مؤتمر الشباب. فلقد كان الأول مقصودا منه إقامة معسكرات كشفية تستغرق نحو أسبوع وتضطلع بمظاهرات وطنية من طراز مظاهرات المكابي، أما الآخر فلقد كان على روعته، استعراضا مدرسيا بسيطاً، لم يستغرق غير ساعات ثلاث أو نحو ذلك، وحضره كثيرون من كبار موظفي الحكومة، ولكن على الرغم من تقييد هذا الاستعراض وعدم تطلع المسئولين عنه إلى القيام بمظاهرات وطنية عن سبيله، فلقد قاومته الحكومة المنتدبة أشد المقاومة. فحظر البوليس أن تسير الفرق جماعات جماعات، وإنما أباح لها أن تسير إلى الميدان فرقة بعد أخرى من أماكن مختلفة ولما انتهى الاستعراض حظر عليها كذلك أن تنصرف جماعات، وإنما حتم انصرافها أفراداً. هذا ما تفعله الحكومة المنتدبة مع الكشافة العربية، وما تمنع به قيامها بأية مظاهرة وطنية، لا يقصد منها سوى إثارة الروح الرياضية والحماسة لفضائلها واليقظة للوعي الوطني العربي. وللقارئ أن يقارن هذا التعنت مع العرب بما تبديه الحكومة المنتدبة من التسامح مع المكابي اليهود، وأولئك أقوام يأتون من مشارق الأرض ومن مغاربها ليجتمعوا في (أرض إسرائيل) ... جنوداً مستكملي التدريب على الأساليب العسكرية ومتشجعين بفكرة بناء الوطن القومي على أنقاض مجد العرب وعلى حساب حياتهم ومستقبل أبنائهم". [11]

وحول أهمية هذا المهرجان وبكلمة جريئة تتحدى سياسة الانتداب في فلسطين وتوجه النقد لها جاء في اليوم الذي تلى هذا المهرجان في (كلمة العدد) في صحيفة (الدفاع) "كل ما نرمي إليه ، إنماء روح الرياضة والتربية العسكرية في الشباب والناشئة. الروح التي تصعد بأصحابها من مستوى منخفض كالذي نعيش فيه – مع الأسف – إلى دنيا من السمو الخلقي والجسمي، ووثوب الروح نحو المعالي، ومعارج الرجولة والكمال،...... حرموا علينا التعليم العسكري، وحللوه لأنفسهم. أوصدوا دون ناشئتنا أبواب الرجولة، والحياة المشرفة. هذه هي سياسة ستخرج لكم بعد ربع قرن أمة ليس فيها من يقول: أنا...... رجل! وغداً يودع الجيل الذي شاهد كثيراً مما لم نشاهده، جيل الحياة التي دربت أبناءها على السير مع سنن الزمن، ومقتضى الطبيعة الإنسانية. أنصرح أكثر؟ غدا يموت جيل الحرب العظمى..... ويبقى لنا جيل السواعد الناعمة، والأجسام اللدنة، والنفس المذابة. وفتاة يهودية من هؤلاء المدربات تستطيع عندئذ هزيمة ابن الصحراء!".[12]

بعد عشر سنوات كتب حسين حسني أحد المنظمين لهذا المهرجان ومحرر الزاوية الرياضية في صحيفة (فلسطين) في حزيران عام 1945 حول هذا المهرجان "وكان هذا المهرجان رائعا وما زالت ذكراه عالقة في الأذهان إلى اليوم، فهل يعيد التاريخ القريب نفسه". [13]

ومما لفت الأنظار حضور السيدات وكان عددهن غير قليل ولم يكن تشجيعهن للاعبين بأقل من تشجيع الرجال.[14] وقد خصص لهن جناحاً خاصا بين الحضور. وكان من بين الحضور الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وجمال الغزي وراغب أبو السعود والشيخ شاكر أبو الكشك وتوفيق الدجاني عضو محكمة مركزية حيفا وموسى نمر حاكم صلح يافا وجودت بيبي مدير البنك العربي ونظمي العنبتاوي القائمقام الإداري وجميل الخالدي وعلي الدباغ والدكتور نصوح النابلسي، كما كان أيضا بين الحضور أعضاء بلدية يافا وأعضاء من مؤتمر الشباب وشخصيات ووجوه اجتماعية أخرى.[15]

بالإضافة إلى العقبات التي وضعتها سلطات الانتداب وعدم مشاركة كافة الأندية في هذا المهرجان ظهرت مشكلة أخرى تثير التعجب وهي أن اللجنة المشرفة على هذا المهرجان أو قيادة مؤتمر الشباب قامت بدعوة شخصيات سياسية اجتماعية دون غيرها، فتحت عنوان (الاتحاد الرياضي والحزبية) كتب خليل مازين في صحيفة (فلسطين) "سمع الناس أن الاتحاد الرياضي قد وجه الدعوة لكل من سماحة الحاج أمين أفندي الحسيني وسعادة راغب بك النشاشيبي رئيس حزب الدفاع لحضور الاستعراض الكشفي العظيم الذي أقيم في يافا يوم الأحد الماضي فسروا لابتعاد رجال الاتحاد عن النعرة الحزبية وتمكنهم من المحافظة على الروح الرياضية الحقة ولكن دهشة الناس كانت عظيمة عندما علموا أن سعادة راغب بك لم يحضر هذا الاستعراض. وقد قصدت يوم أمس إلى القدس واجتمعت بالسيد رشاد الشوا مدير حزب الدفاع وسألته هل تلقى سعادة راغب بك بطاقة دعوة فنفى لي ذلك نفيا باتاً وفي المساء اجتمعت براغب بك في يافا فكرر لي نفي مدير الحزب فما قول الاتحاد في ذلك؟". [16]

وفي نفس العدد تحت عنوان (الاتحاد الرياضي والحزبيات) ظهر في الصفحة الأولى لصحيفة (فلسطين) هذا التعليق "الاتحاد الرياضي في فلسطين، أو في أي بلد آخر من بلدان العالم أولى الهيئات بالتجرد من أية صبغة حزبية، لأن الغاية الأخلاقية من الحركات الرياضية تتنافى وهذه الصبغة وأنت تجد أن أشد الأمم تمسكا بالألعاب الرياضية كالانكليز مثلاً، هم أبعد الناس عن الحزبية. ولما دعا الاتحاد الرياضي الفلسطيني إلى استعراضه العام الذي جرى يوم الأحد الماضي استقبلته البلاد على أنه مظهر رياضي، بعيد عن الاتجاهات الحزبية، ورحبت به الصحف كلها على اختلاف نزعاتها. ولكن الجامعة العربية خرجت للناس عدداً جامعياً .. في مساء الاثنين أوقفته على الدعاية للمهرجان المجلسي ... الذي أقيم في يافا بعد ظهر الأحد للترحيب برئيس المجلس، والتصفيق له، وتمزيق الحناجر بالهتاف باسمه، ولا يكاد يتبين فيه القارئ شيئا عن المهرجان الرياضي... بعد جهد، وإرهاق نفس. وقد نشرنا في غير هذا المكان من الجريدة كلمة وجهها السيد خليل مازين إلى الاتحاد الرياضي يأخذ فيها عليه اختصاصه بدعوة بعض رؤساء الأحزاب دون البعض الآخر، ويسأل عن أسباب هذا التمييز الصادر عن هيئة مفوض فيها البعد عن التورط في مثل هذه الاتجاهات الحزبية. وإنا لنرجو أن تعني هيئة الاتحاد العليا بعد الآن بهذه المطالعات ، وأن تتقبلها على أنها صادرة عن أناس يهمهم تجرد اتحادهم من أية نزعة حزبية، إذ ليس في ذلك ما يعود على الاتحاد بخير". [17]

نحن ليس بصدد علاقات مؤتمر الشباب والاتحاد الرياضي الفلسطيني مع الحاج أمين الحسيني أو مع راغب النشاشيبي بل نوجه اهتمامنا إلى أمرين هو النجاح النسبي لهذا المهرجان وإلى عدم مشاركة ومساهمة الكثير من الأندية في هذا المهرجان وهذا ما سنسعى للتمحيص فيه في المستقبل من خلال بحث تاريخي وافٍ رغم صعوبة الوصول إلى الوثائق التي لها علاقة بهذا الموضوع ، لكن من الواضح أن فكرة هذا المهرجان كانت مؤشرا لهذا الرقي في الوعي الذي وصل إليه قادة الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تعزز وجوده وتنظيمه بوجود قيادة حكيمة ومؤثرة مثل مؤتمر الشباب ، فالاتحاد ومؤتمر الشباب رأيا أنه يمكن أن تستخدم الرياضة والكشافة لتكونا قوتين فعالتين في إبراز الحس الوطني والتصدي للهيمنة الصهيونية على الساحة الرياضية والكشفية والثقافية في فلسطين.

قرر الاتحاد الرياضي الفلسطيني إجراء استعراض مشابه في عام 1936، إلا أن الظروف التي كانت تمر بها فلسطين واندلاع ثورة 1936 المجيدة لم تسمح بذلك ، حيث تعرضت الأندية إلى مضايقات واعتقالات من قبل سلطات الانتداب وتوقف نشاط الأندية الرياضية كاملا، وبقيت الحركة الرياضية شبه مشلولة حتى إعادة تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في أيلول عام 1944.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق