الجمعة، 29 يوليو 2016

البحرين قديما دراسة تحليلية 2/2

البحرين قديما دراسة تحليلية 2/2
 
الجزء الثاني

ولقد ورد في الجزء الثاني من مؤلف الدكتور جواد علي أيضا ما ملخصه أن: مجان هو القسم الشرقي من الجزيرة (جزيرة العرب) من ارض بابل إلى الجنوب وفي رأي "هومل" كذلك أن مجان كانت في المنطقة المسماة كا 22 كاحل وملوخا هو القسم الغربي من جزيرة العرب أو في القسم الشمالي الغربي منها ولكن نفس المصدر يذكر أن ملوخا تقع في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من (البحرين) إلى عمان وقد اشتهرت ملوخا بوجود الذهب فيها وبالخشب الثمين. وبين هذه وتلك يرى "موسل" انه من الصعب جدا الاتفاق على موقعي (مجان) و (ملوخا) (1) لان مدلول الاسمين قد تغير مراراً. فالذي يفهم من النصوص التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد انهما موضعان يقعان في جزيرة العرب(2) على سواحل الخليج وعلى سواحل البحر الهندي.



ويتبين مما تقدم أنه حتى منتصف القرن العشرين كانت مجان في منطقة (البحرين) وان ملوخا في أمكنة مختلفة من جزيرة العرب وبدون تحديد غير أن تنقيبات البعثة الدانمركية للآثار قد استطاعت في السنوات القليلة الماضية أن تعين حدود دلمون التي كانت حاضرتها البحرين، وبذلك بدأت تكشف النقاب عن إمكانية علاقة (البحرين) بكل من مجان Magan و ملوخا Malukha.

وقد كتبت مجلة التايمز الأميركية في عددها الصادر في 18 أبريل 1960 تحت عنوان "المدينة.. موطن السوماريين" ما ترجمته: انه عندما ينظر المؤرخون إلى التاريخ القديم ليحددوا أول شعب متحضر فانهم يذكرون السوماريين الذين شيدوا مدينة ابراهام (في العراق قديما) حوالي 3000 ق. م، غير أن السوماريين حسب أساطيرهم يعودون بنسبهم إلى موطنهم دلمون التي منها نزحوا إلى العراق بعد "الفيضان" وقد قامت البعثة الدنمركية للآثار بتنقيبات في مقابر جزيرة البحرين أثبتت أن دلمون كانت بالبحرين. ودلمون كانت مدينة منيعة بحصونها، كما كانت منذ القديم الوسط التجاري بين حضارة وادي الرافدين وحضارة الاندوس. وفي المدة الأخيرة وجدت البعثة ختماً دائرياً بين بقايا حانوت نقاش قديم.

وهذا الختم الدائري هو المفتاح الذي استعانت به البعثة الدانمركية في التعرف على معالم تاريخ دلمون أي جزر البحرين. بل أن البعثة الدانمركية بمساعدة جوفري بيبي Geofry Bibby قد كشفت النقاب عن حلقات مفقودة من تأريخ البحرين، فأثبتت بصورة قاطعة أن تاريخ حضارة دلمون يرجع إلى عام 2300 ق. م كما بينت الحفريات الأخيرة في جزر البحرين وما جاورها من مناطق في الخليج حدود حضارة دلمون التي كانت تشمل الساحل الشرقي من شبه جزيرة العرب (وقد عرف هذا الساحل فيما بعد بالجرها Garrha والخط والعروض وهجر الممتد من جزيرة فيلكه(1) بالكويت إلى جنوب جزيرة البحرين. وهذا يعني أن مجان عمان حالياً لا تدخل ضمن حدود دلمون وكذلك فان ملوخا تكون خارج تلك الحدود).

واعتماداً على مذكرات هنري رولنسن H. Rawlinsun عن القبور الملكية في اور Ur من نتائج تنقيبات الكابتن ديوراند في جزيرة البحرين، هذا بالإضافة إلى تقارير البعثة الدانمركية في مجموعة Kuml يتبين انه في الألف الثالث قبل الميلاد كانت هناك حضارة خاصة بدلمون البحرين ومتميزة عن حضارة كل من وادي الرافدين بالعراق والاندوس بالهند. والحفريات التي تمت بجزر البحرين خلال الخمسينات الأخيرة تؤكد وجود تلك الحضارة بدليل قرائن رئيسية نذكر منها على وجه الخصوص

1- المقابر المقببة:
من المعروف لدى علماء الآثار أن المقابر الخاصة بحضارة وادي الاندوس توجد عادة في الحقول والمزارع خارج المدن حيث يدفن أو يحرق الناس موتاهم، وأما سكان وادي الرافدين بالعراق فانهم كانوا يدفنون موتاهم داخل البيوت حيث كانت توجد مقابرهم. ولكن سكان حضارة دلمون ومقابر جزر البحرين خاصة اتخذوا مقابرهم تحت التلال المقببة أماكن لموتاهم في غرف حجرية ذات نمط مميز كما سبق وصفه. ولعل آلاف المقابر المقببة التي مازالت قائمة اليوم عند قرية عالي هي ما تختص به دلمون عما جاورها من حضارات كانت الاتصالات بها وثيقة.
2- نوعية الفخار:
من العينات التي حصلت عليها البعثة الدانمركية للآثار بجزر البحرين تبين أن شكل القلل والأواني الفخارية تختلف في نقوشها وأشكالها عن نظيراتها في حضارتي الاندوس ووادي الرافدين. وهذا دليل على أصالة صناعة الفخار في البحرين. ومن الجدير بالذكر أن هذه الصناعة لم تزل من الصناعات التقليدية المحلية في منطقة عالي أيضا وحيث تتمركز اكثر المقابر الأثرية.
3-الأختام الدائرية:
يصف علماء الآثار أختام وادي الاندوس أنها ذات أشكال مربعة بينما أختام وادي الرافدين ذات أشكال أسطوانية. ولكن الأختام الفريدة التي وجدت بقلعة البحرين عند مدينة دلمون الأثرية وبأعداد كثيرة هي ذات شكل دائري خاص. انظر صورة هذا بالإضافة إلى ما عليها من رسوم ورموز مميزة لبيئة البحرين وأهمها نخلة التمر والغزال.

وخلاصة المطاف أن تاريخ البحرين يتأرجح خلال مختلف العصور في حلقات غير متصلة بين أسطورة "ارض حياة الفردوس " وبين بعض أختام دلمونية يرجع تاريخها إلى عهد باربار -المعبد الأول- حوالي 3400 سنة ق. م مصنوعة من حجر الأستيت ترمز إلى تجارة دلمون البحرية بالنحاس، وهى عبارة عن دعاء أو صلاة للآلهة (انان) آلهة الأرض عند سكان دلمون لحماية تجارتهم البحرية والعودة إلى الأرض.

ويرمز الختم الأوسط إلى نخلة وشخصين دلمونيين وهما ممسكان النخلة بيديهما والنخلة رمز (أنان) آلهة الأرض وشجرتها المفضلة. وممسكان النحاس باليد الأخرى وشخصان واقفان على قطعة من النحاس المصقول. وتبدو طريقة الرسم السومرية. كما يبدو الغزال وهو حيوان انان المفضل. والدعاء: أيها الآلهة انان -آلهة الأرض- باركي تجارتنا بالنحاس حتى نرجع إليك.

الختم مصنوع من الطين ومحفوظ في المتحف الوطني بالبحرين برقم 358 ويرجع تاريخه إلى المعبد الثالث والختم يرمز إلى تطور الحياة الموسيقية لدى حضارة دلمون حيث أن الموسيقار الدلموني يلعب على آلة القيثارة ذات الصندوق الموسيقي الكبير مع وجود صور عن الحياة الطبيعية الثور والغزال ويرمز الختم إلى مدى تطور الحياة الاجتماعية وخاصة فكرة الأمن والصداقة والمحبة لديهم انظر بحث. علي حبيب بوشهري 1980

الموجودات الأثرية التي عثر عليها ضمن حفريات البعثة الدانمركية بجزيرة البحرين، وبين تلك الأساطير وهذه النتف المتبقية من قطع العصر الحجري وأدوات العصر البرونزي يمكن القول بان ساكني منطقة البحرين كانوا من الصيادين ثم اصبحوا كذلك مزارعين(1). ومن الزراعة اشتهرت هذه المنطقة وخاصة في عهد الجرها بالتجارة ومقايضة مختلف البضائع مثل الأخشاب والذهب والنحاس، كما كانت تصدر اللؤلؤ إلى ما جاورها من أمصار.

وان البحرين كانت أرضا مقدسة ذات حضارة مستقلة في مقوماتها وخصائصها وأثارها. ومن الطبيعي أن يتمازج ساكنو البحرين قديماً مع غيرهم من شعوب الخليج شماله وجنوبه، وكان من نتيجة ذلك الاختلاط أن وردت إلى البحرين عدة طوائف وشعوب من الأمم التي خلفت وراءها آثاراً متباينة غمر التاريخ بين طياته العديد منها، والقليل الذي بقي طمسته الأتربة والتغيرات التي حدثت في منطقة الخليج. ولقد حاول أعضاء البعثة الدانمركية أن يعينوا معالم تلك الموجات البشرية من حاول ما درسوه من طبقات أرضية في قلعة البحرين الأثرية وما جاورها من قرى.

واستناداً إلى ما وجد من نوعية الفخار في كل طبقة أرضية وضع ترتيب زمني تقريبي يحدد بعض عصور تاريخ البحرين التي نوجز أهم تواريخها قبل الميلاد كالتالي:

1- من 2459 إلى 2304 قبل الميلاد عصر الطبقة الأولى وتمثلها قلل الفخار ذات الأطراف التي على شكل سلاسل.
2- من 2303 إلى 08 31 قبل الميلاد عصر الاكاديين ويمثله فخار قرية باربار ذو الخطوط البارزة حول محيط الجرة.
3- من 1894 إلى 1165 قبل الميلاد العصر البابلي الأول والكيانيين (1) Kassite ويتمثل عصرهم بالقلل المصنوعة من الفخار العادي المحروق.
4- من 500 قبل الميلاد إلى بداية الميلاد وهو عصر الاخمينيين والسلوقيين ويمثله الفخار المصقول ذو الأشكال المختلفة.

ويلي تلك العصور حلقة بل حلقات أخرى مفقودة من تاريخ البحرين قبل الإسلام خاصة وهى الفترة التي كانت تشمل بضعة قرون من الزمان والتي لم يكن نصيب تاريخ البحرين خلالها أوفر مما سبق تحصيله.

ومسألة التمييز بين البحرين وجزر البحرين كما هي اليوم تكررت في كتابات المؤرخين الإخباريين والذين يشير بعضهم إلى تسمية جزر البحرين بأوال خلال القرن الثاني عشر الميلادي.

ومن مطالعاتنا لروايات الإخباريين ومقارنتها برحلات الجغرافيين العرب نستطيع أن نرجح بأن تسمية البحرين بجزرها الحالية قد بدأت قبيل منتصف القرن الثالث عشر الميلادي و كانت جزيرة البحرين بعد ذلك التاريخ تذكر كجزء منفصل عن البحرين الأم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق