من جديد - ماذا يجري في بلاد العرب؟ 5
الفكر السياسي عندنا وبعض مشكلاته
أزراج عمر
وجدت الملف الذي خصصته مجلة قضايا فكرية التي يشرف عليها المفكر المصري محمود أمين العالم حول "أزمة الفكر السياسي العربي" يستحق المناقشة من أجل إبراز الأفكار التي يتضمنها وتطوير النقاش حولها؛ ومن بين المساهمات اللافتة للنظر في هذا الملف مساهمة السيد كريم مروة التي تستحق التأمل؛ وقبل الخوض في ذلك أود طرح مجموعة من الأسئلة كالتالي:
اقتباس:
1- هل نتحدث هنا عن سياسات عربية أم أننا نتحدث عن سياسة عربية متكاملة وموحدة؟
2- هل هناك فكر سياسي عربي ما بعد كولونيالي له خصوصيته؟
3- إذا كان الفكر السياسي صورة نظرية لواقع الدولة، أو الدول في الفضاء العربي، فما هي ملامح هذه النظرية؟ وهل توجد لدينا الدولة الحديثة؟
4- هل نستطيع القول بأن أزمة الدولة العربية هي أزمة هوية وخصوصية؟
منذ البداية يعترف السيد كريم مروّة بوجود أزمة في الفكر السياسي العربي، ويرى أنها أزمة عميقة وبنيوية، وليست جزئية، أو سطحية وعابرة. ويحدد مظاهر هذه الأزمة في عدة مستويات: "ازدياد الفجوة بفعل هذه الأزمة، وبفعل تفاقمها وغياب الحلول لها، بين الفكر والواقع، فيبدو الفكر في واد والواقع في واد آخر، يتحول الفكر إلى شعارات تحاكي المشاعر والعواطف والغرائز، وتبتعد عن العلم والمعرفة وعن العقل والمنطق ومن هذه المظاهر للأزمة ما يلاحظ من تولد ظاهرات سياسية واجتماعية من نوع ما نشهد في أيامنا هذه من ظواهر سلفية بمعانيها ومستوياتها كافة، وماضوية وغيبية دينية بمعظمها وغير دينية".
في هذا الإطار يضيف السيد مروّة قائلا: "وتعجز الدولة بسبب طابعها الاستبدادي، وتعجز مؤسسات المجتمع المدني عن فهم هذه الظاهرات، وتحديد أسبابها، وعن مواجهتها ومعالجة النتائج المتولدة عنها بالخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية". بالنسبة للسيد مروّة فإن الأزمة لا تنحصر في الفكر فقط، بل هي شاملة على المستوى الأفقي والعمودي. ومن جهة أخرى فإنه يرى أزمة الفكر السياسي العربي كانعكاس عميق ومأساوي.
وهنا أريد أن ألخص مجمل عناصر هذه الأزمة حسب تصوره؛ فهو يتحدث عن وجود فجوة بين الفكر والواقع، ومن بعد يقدم سلسلة من النماذج لعناصر هذه الأزمة التي يريد تحليلها مثل عنصر الدولة الهشة والمتصدعة، والانقسامات الإثنية والدينية، والأقليات القومية التي تم التعامل معها بالعنف والقمع والتنكر لحقوقها.
ومن النماذج الأخرى التي يذكرها ويعلق عليها بسرعة نظام الحكم الشمولي اللاديمقراطي والعلاقات الخاطئة وغير الصحية مع الجيران والمحيط القومي، أما النموذج الملح الذي يحدده فهو الصراع العربي- الاسرائيلي؛ وهنا يضيف نموذجين اثنين لبانوراما أزمة الفكر السياسي العربي وهما: تراجع الحركات السياسية والأحزاب، وبروز ما يدعوه بفورة الأصولية الدينية وخاصة تلك المتصفة بالتطرف والعنف.
إن هذه التحديدات للأزمة تؤكد عند السيد مروّة المشكلة الكبرى التي لم تجد الحل الجدي في بلداننا، وفي تقديره فإن هذه الأزمة تتجسد أيضا في "الفكر السائد، وهذا الفكر هو فكر برجوازي" وهو يستمد سماته من عدم وجود بدائل له، ولهذا يحاول السيد مروّة تقديم تشخيص في النقاط التالية:
اقتباس:
1" كان الليبراليون يعتبرون أن الحل الحقيقي للأزمة إنما يكمن في إعتماد الطريق الرأسمالي للتطور.
2" يرى السيد مروّة أن الفكر القومي دخل في أزمة بسبب أن "أصحابه اعتبروه الفكر الوحيد الصالح لحل الأزمة في المجتمع، فوضعوه في مواجهة كل التيارات الفكرية الأخرى".
3" التيار الديني الإسلامي الذي "لم يقبل بسوى ذلك، فكان بهذا الموقف في حالة تناقض تناحري مع الفكر السائد بتياراته كلها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ وهذا هو المصدر الأساسي للأزمة.
4" الفكر الماركسي والحركة الشيوعية. ويلخص السيد مروّة أن أزمة هذا الفكر تتمثل في "غربته مع تفاوت الغربة بين بلد عربي وآخر، وبين حزب وآخر عن الواقع الموضوعي.
ويوضح السيد مروّة أن اتّصاف الأحزاب والحركات الشيوعية والماركسية العربية بالتبعية للمركز الشيوعي والماركسي السوفييتي قد أدى إلى عدم فاعلية تلك الحركات، وعدم ترابط تلك الأحزاب بتراث بلادها حيث غلّبت بشكل تعسفي جوانب من الحياة والنضال على جوانب أخرى.
تلك هي بعض أهم الأفكار التي يطرحها السيد مروّة لوصف وتحليل أزمة الفكر السياسي العربي المعاصر. إنه واضح أن ثمة الكثير من التطابقات بين تشخيص السيد مروّة وبين تشخيصات عدد من الدارسين والمفكرين العرب المعاصرين أمثال عبد الله العروي، وسمير أمين، ومالك بن نبي على تنوع واختلاف أطروحات هؤلاء؛ كان بودي أن أرى الباحث كريم مروّة يقدم لنا تحليلا مفصلا للفجوة التي تفصل بين الفكر السياسي العربي وبين الواقع العربي. عندما نقول بوجود فجوة بين شيء وآخر فهذا يعني عدم وجود صلة الرحم والعلاقة بين ذلك الشيء والشيء الآخر.
وهنا ينبغي أن نفكر في المسائل التالية: 1" علاقة الفكر بالواقع. 2" مدى تطابق الشعار مع العمل في الواقع ذاته. 3" علاقة السلطة بالرعية أو الشعب. إن المشكلة الأساسية المتمثلة في الفجوة القائمة بين الفكر والواقع على المستوى العربي يمكن رصدها في مجموعة من الحالات منها: 1" عدم نجاح الدولة العربية المستقلة شكليا في فك ارتباطها بقواعد ومؤسسات الماضي الكولونيالي. 2" الفشل في بناء نظرية ثورية منبثقة من خصائص مجتمعاتنا تكون أساسا أخلاقيا وماديا وفكريا للدولة العربية. 3" الاكتفاء باستيراد الأشكال الايديولوجية والتنظيمية الجاهزة من تجارب الدول الأخرى خاصة الغربية منها دون تمحيص، واختبار نموذجي مصغر لفترة لمعاينة مدى صلاحية أو عدم صلاحية تلك الأشكال المستوردة.
يارب الموضوع يعجبكم
الفكر السياسي عندنا وبعض مشكلاته
أزراج عمر
وجدت الملف الذي خصصته مجلة قضايا فكرية التي يشرف عليها المفكر المصري محمود أمين العالم حول "أزمة الفكر السياسي العربي" يستحق المناقشة من أجل إبراز الأفكار التي يتضمنها وتطوير النقاش حولها؛ ومن بين المساهمات اللافتة للنظر في هذا الملف مساهمة السيد كريم مروة التي تستحق التأمل؛ وقبل الخوض في ذلك أود طرح مجموعة من الأسئلة كالتالي:
اقتباس:
1- هل نتحدث هنا عن سياسات عربية أم أننا نتحدث عن سياسة عربية متكاملة وموحدة؟
2- هل هناك فكر سياسي عربي ما بعد كولونيالي له خصوصيته؟
3- إذا كان الفكر السياسي صورة نظرية لواقع الدولة، أو الدول في الفضاء العربي، فما هي ملامح هذه النظرية؟ وهل توجد لدينا الدولة الحديثة؟
4- هل نستطيع القول بأن أزمة الدولة العربية هي أزمة هوية وخصوصية؟
منذ البداية يعترف السيد كريم مروّة بوجود أزمة في الفكر السياسي العربي، ويرى أنها أزمة عميقة وبنيوية، وليست جزئية، أو سطحية وعابرة. ويحدد مظاهر هذه الأزمة في عدة مستويات: "ازدياد الفجوة بفعل هذه الأزمة، وبفعل تفاقمها وغياب الحلول لها، بين الفكر والواقع، فيبدو الفكر في واد والواقع في واد آخر، يتحول الفكر إلى شعارات تحاكي المشاعر والعواطف والغرائز، وتبتعد عن العلم والمعرفة وعن العقل والمنطق ومن هذه المظاهر للأزمة ما يلاحظ من تولد ظاهرات سياسية واجتماعية من نوع ما نشهد في أيامنا هذه من ظواهر سلفية بمعانيها ومستوياتها كافة، وماضوية وغيبية دينية بمعظمها وغير دينية".
في هذا الإطار يضيف السيد مروّة قائلا: "وتعجز الدولة بسبب طابعها الاستبدادي، وتعجز مؤسسات المجتمع المدني عن فهم هذه الظاهرات، وتحديد أسبابها، وعن مواجهتها ومعالجة النتائج المتولدة عنها بالخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية". بالنسبة للسيد مروّة فإن الأزمة لا تنحصر في الفكر فقط، بل هي شاملة على المستوى الأفقي والعمودي. ومن جهة أخرى فإنه يرى أزمة الفكر السياسي العربي كانعكاس عميق ومأساوي.
وهنا أريد أن ألخص مجمل عناصر هذه الأزمة حسب تصوره؛ فهو يتحدث عن وجود فجوة بين الفكر والواقع، ومن بعد يقدم سلسلة من النماذج لعناصر هذه الأزمة التي يريد تحليلها مثل عنصر الدولة الهشة والمتصدعة، والانقسامات الإثنية والدينية، والأقليات القومية التي تم التعامل معها بالعنف والقمع والتنكر لحقوقها.
ومن النماذج الأخرى التي يذكرها ويعلق عليها بسرعة نظام الحكم الشمولي اللاديمقراطي والعلاقات الخاطئة وغير الصحية مع الجيران والمحيط القومي، أما النموذج الملح الذي يحدده فهو الصراع العربي- الاسرائيلي؛ وهنا يضيف نموذجين اثنين لبانوراما أزمة الفكر السياسي العربي وهما: تراجع الحركات السياسية والأحزاب، وبروز ما يدعوه بفورة الأصولية الدينية وخاصة تلك المتصفة بالتطرف والعنف.
إن هذه التحديدات للأزمة تؤكد عند السيد مروّة المشكلة الكبرى التي لم تجد الحل الجدي في بلداننا، وفي تقديره فإن هذه الأزمة تتجسد أيضا في "الفكر السائد، وهذا الفكر هو فكر برجوازي" وهو يستمد سماته من عدم وجود بدائل له، ولهذا يحاول السيد مروّة تقديم تشخيص في النقاط التالية:
اقتباس:
1" كان الليبراليون يعتبرون أن الحل الحقيقي للأزمة إنما يكمن في إعتماد الطريق الرأسمالي للتطور.
2" يرى السيد مروّة أن الفكر القومي دخل في أزمة بسبب أن "أصحابه اعتبروه الفكر الوحيد الصالح لحل الأزمة في المجتمع، فوضعوه في مواجهة كل التيارات الفكرية الأخرى".
3" التيار الديني الإسلامي الذي "لم يقبل بسوى ذلك، فكان بهذا الموقف في حالة تناقض تناحري مع الفكر السائد بتياراته كلها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ وهذا هو المصدر الأساسي للأزمة.
4" الفكر الماركسي والحركة الشيوعية. ويلخص السيد مروّة أن أزمة هذا الفكر تتمثل في "غربته مع تفاوت الغربة بين بلد عربي وآخر، وبين حزب وآخر عن الواقع الموضوعي.
ويوضح السيد مروّة أن اتّصاف الأحزاب والحركات الشيوعية والماركسية العربية بالتبعية للمركز الشيوعي والماركسي السوفييتي قد أدى إلى عدم فاعلية تلك الحركات، وعدم ترابط تلك الأحزاب بتراث بلادها حيث غلّبت بشكل تعسفي جوانب من الحياة والنضال على جوانب أخرى.
تلك هي بعض أهم الأفكار التي يطرحها السيد مروّة لوصف وتحليل أزمة الفكر السياسي العربي المعاصر. إنه واضح أن ثمة الكثير من التطابقات بين تشخيص السيد مروّة وبين تشخيصات عدد من الدارسين والمفكرين العرب المعاصرين أمثال عبد الله العروي، وسمير أمين، ومالك بن نبي على تنوع واختلاف أطروحات هؤلاء؛ كان بودي أن أرى الباحث كريم مروّة يقدم لنا تحليلا مفصلا للفجوة التي تفصل بين الفكر السياسي العربي وبين الواقع العربي. عندما نقول بوجود فجوة بين شيء وآخر فهذا يعني عدم وجود صلة الرحم والعلاقة بين ذلك الشيء والشيء الآخر.
وهنا ينبغي أن نفكر في المسائل التالية: 1" علاقة الفكر بالواقع. 2" مدى تطابق الشعار مع العمل في الواقع ذاته. 3" علاقة السلطة بالرعية أو الشعب. إن المشكلة الأساسية المتمثلة في الفجوة القائمة بين الفكر والواقع على المستوى العربي يمكن رصدها في مجموعة من الحالات منها: 1" عدم نجاح الدولة العربية المستقلة شكليا في فك ارتباطها بقواعد ومؤسسات الماضي الكولونيالي. 2" الفشل في بناء نظرية ثورية منبثقة من خصائص مجتمعاتنا تكون أساسا أخلاقيا وماديا وفكريا للدولة العربية. 3" الاكتفاء باستيراد الأشكال الايديولوجية والتنظيمية الجاهزة من تجارب الدول الأخرى خاصة الغربية منها دون تمحيص، واختبار نموذجي مصغر لفترة لمعاينة مدى صلاحية أو عدم صلاحية تلك الأشكال المستوردة.
يارب الموضوع يعجبكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق