السبت، 30 أبريل 2016

قيام وسقوط دولة مهاباد الكرديه

 قيام وسقوط دولة مهاباد الكرديه
 
 
انطلقت الحرب الباردة في مرحلتها الأولى بين حلفاء الأمس من كردستان, راحت ضحيتها جمهورية مهاباد الديمقراطية الكوردية التي أعلن عن قيامها الشهيد قاضي محمد في 22 كانون الثاني من عام 1946 في ميدان جوار جرا ( ciwar cira) , التي لم تعش سوى مايقرب إحدى عشر شهرا.
تعد جمهورية مهاباد أول جمهورية إلى جانب أذربيجان في نطاق حركات التحرر وشعوب المستعمرات تنبثق في مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية , ولذلك دلالة عميقة على مدى النهضة القومية المتقدمة والمتأججة في صفوف الشعب الكوردي آنذاك .

جاءت ميلاد هذه الجمهورية الفتية امتدادا لنضال الشعب الكوردي في كردستان الشرقية في مرحلة مابين الحربين العالميتين وخلال الحرب العالمية الثانية . فقد شهد هذا الجزء من كوردستان كفاحا متواصلا من أجل الاستقلال ونيل الأماني القومية , وتشكل انتفاضة أورمـية بقيادة إسماعيل أغا الشكاكي الملقب بـسمكو 1920 ــ 1925 ذروة الفكر الاستقلالي الكوردي المعبر عن النهضة القومية الهادفة إلى تشكيل دولة كوردية مستقلة .

ولمدة عشر سنوات قاتل سيمكن كافة أشكال الاحتلال والسيطرة الأجنبية , وأصبح زعيما كوردي بإمتياز يقود جزءا مهما من حركة شعبه التحررية ونجح في إقامة علاقات كفاحية وإستراتيجية مع ملك كوردستان شيخ محمود الحفيد في السليمانية عام 1923 الأمر الذي يشير إلى تطلعات هذا الزعيم في إنشاء كوردستان الكبرى .

وعندما بات سمكو الشكاكي يشكل خطرا على المصالح القومية للشعب الإنكليزي في المنطقة , لجأت الدوائر الإنكليزية إلى شق الخلاف بين الكورد والآشوري وانتهت اللعبة بقتل الزعيم الآشوري مار شمعون , وهذه من أكبر الأخطاء التي اتهمت فيها إسماعيل أغا الشكاكي , حيث استغلت هذه المسألة ضده .

ومنذ أن تعين رضـا خـان شاهنشاه على إيــران عام 1925 مارس سياسة الصهر القومي ضد الأقليات القومية في إيران وشن حملة عسكرية قوية ضد الشعب الكوردي , فلجأ سموك أغا إلى العمق الكردستاني , حيث أتخذ من شمال روانـدوز ملجأ لقواته. وواصل نضاله محرزا الانتصارات تلو الانتصارات على القوات الإيرانية والعراقية والتركية إلى أن دعي في 21 حزيران عام 1930 إلى مدينة شـنو , للتفاوض مع الجانب الإيراني , حيث دبر قتله بمؤامرة خسيسة . وفي سنة 1931 شهدت همذان انتفاضة قادها جعفر سلطان هورامان .

وشهدت كوردستان إيران منذ بداية الحرب العالمية الثانية تطورات سياسية واجتماعية مهمة .ففي عام 1941 قاد شيخ يحمه رشيد خان انتفاضة تمكن من الاستيلاء على
Mehabat و Seqiz و Bane ولجأ بعد تعقيد الأمور لديه في عام 1942 إلى كوردستان العراق. والحدث الأكبر هو تأسيس كو مه له ى ز يا نه وه ى كوردستان Comely Ziyanewey Kurdistan أي ( جمعية بعث كوردستان ) في 6 من أيلول عام 1942 كأول تنظيم سياسي كوردي وتركز نشاطها في مهابات وتحول اسمها إلى البارتي الديمقراطي الكوردستانى في 15 آب 1945 يتزعمه قاضي محمد .

دخلت قوات الحلفاء إيران في 25 آب لوضع حد للنفوذ الألماني في المنطقة, فقد سيطرت القوات السوفيتية على المناطق الشمالية بما فيها إقليمي كوردستان وأذربيجان , بينما سيطرت القوات الإنكليزية على ماتبقى من البلاد , ووقعت طهران تحت النفوذ الروسي. وتعود بنا هذا التقسيم إلى الاتفاقية الروسية ــ البريطانية في 30 آب 1907 التي نصت على وضع النصف الشمالي من إيران تحت سيطرة روسيا والنصف الجنوبي تحت سيطرة بريطانيا في حين ترك وسط البلاد تحت حكم الشاه.

وأمام تدخل قوات الحلفاء تنازل الشاه عن العرش مجبرا لصالح أبنه الشاه محمد رضا عام 1941 الذي شكل حكومة موالية للحلفاء , والتي راحت توقع معاهدة تحالف مع الإتحاد السوفيتي وبريطانيا.

نصت المعاهدة الثلاثية 1942 الروسية ـ البريطانية ـ الإيرانية على أن وجود الجيوش الحليفة في البلاد لايشكل احتلالا عسكريا , وعلى هذه الجيوش الانسحاب من الأراضي الإيرانية في خلال فترة ستة أشهر من تاريخ انتهاء الحرب .

شكلت إيران كالجارة تركيا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها منطقة صراع بين الدول الكبرى إلا أنه لم ينظر إلى المسألة الكوردية كميراث الحرب العالمية الأولى التي حملت بذور الصراع إلى المستقبل . فالحلفاء في مؤتمراتهم خلال سنوات الحرب العالمية الثانية 1943 ــ 1945 وما بعدها كمؤتمر طهران ويالتا وبوتسدام , تجاهلوا كليا القضية الكوردية كمسألة مستقلة , وإن نظر إليها كانت نظرة شمولية كجزء من الكل لإعطاء الصبغة الشرعية على الاحتلال الاستعماري لكردستان منذ الحرب الأولى .

خلال سنوات الحرب توفرت مجموعة عوامل موضوعية وذاتية , داخلية وخارجية , ساهمت في إنشاء أجواء ديمقراطية . ففي منطقة النفوذ السوفيتي أعلن في عام 1945 عن إنشاء جمهورية أذربيجان الديمقراطية المستقلة ذاتيا بقيادة جعفر بيشواري . وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة قاضي محمد عن إنشاء جمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية الكوردية في 22 من كانون الثاني عام 1946 في الجزء الشمالي من كوردستان الإيرانية بعاصمته مهاباد , حيث إنحصرت السلطة الكوردية التي تشمل فقط 30% من المساحة الإجمالية لكردستان الشرقية . وفي 23 نيسان عام تم عقد معاهدة تحالف بين الجمهوريتين الديمقراطيتين الأذرية والكردية .

قدمت الحكومة الإيرانية وبدعم المعسكر الغربي في 19 كانون الثاني عام 1946 شكوى إلى هيئة الأمم ضد الإتحاد السوفيتي متهمة إياها بالتدخل في شؤونها الداخلية وعدم تنفيذ بنود معاهدة 1942 بالانسحاب من إيران. وقد دعا مجلس الأمن الطرفين اللجؤ إلى المفاوضات لحل الخلاف .

كان من نتيجة فشل الحكومة الإيرانية حل الخلاف مع القوات السوفيتية , استقالة حكومة حكيم, وشكلت حكومة جديدة في 27 كانون الثاني عام 1946 برئاسة " قوام السلطنة " , عمد هذا الأخير إلى استخدام الأسلوب السياسي لحل خلاف بلده مع موسكو , لذلك فقد مكث الوزير الجديد في العاصمة السوفيتية حوالي شهر , لكنه فشل في إقناع القيادة في الكرملين بسحب قواتها. عندئذ قدمت حكومة كل من طهران وواشنطن ولندن مذكرات احتجاج إلى مجلس الأمن لعرض هذه المشكلة على بساط البحث .

ويبدو أن الحكومة السوفيتية حققت في الخفاء نجاحا دبلوماسيا مع لأنجلو ـ سكسون من جهة ومع النظام الإيراني من جهة ثانية , حيث حصلت على موافقة الحكومة الإيرانية بالحصول على امتيازات نفطية , لهذا فإن الجانب السوفيتي أعلن عن استعداده للانسحاب من الأراضي الإيرانية خلال ستة أسابيع شـريطة امتناع مجلس الأمن عن مناقشة القضية .

وفي الوقت الذي انسحبت القوات الروسية من منطقة نفوذها في إيران , فإن العلاقات الإيرانية ـ الأنكلو ـ سكسونية ازدادت وثوقا , إذ سمحت حكومة طهران للأنكلو ـ سكسون باستعمال الأراضي الإيرانية قاعدة للعدوان على الدولة السوفيتية , فقد وقعت حكومة طهران معاهدة تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في 20 حزيران من عام .

ففي هذه اللعبة من الحرب الباردة بين القطبين , انتصرت الدبلوماسية الغربية وبالتالي فإن تصفية جمهوريتي مهاباد وأذربيجان , كانت الهزيمة الأولى لروسيا في المرحلة الأولى من الحرب الباردة.

وباعتقادي كان بإمكان ستالين رفض الانسحاب وحماية الإنجاز الديمقراطي في كوردستان وأذربيجان , لولا رضوخه للضغوطات الغربية وربما نتيجة امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية للسلاح النووي الذي لن تتورع عن استخدامه في حال تعرض مصالحها للخطر , ولاسيما أن موسكو لم تمتلك القنبلة الذرية إلا في عام .

وفي هذه الأجواء بدأت المفاوضات بين قوام السلطنة رئيس الحكومة والزعماء السوفييت إنتهت بتوقيع معاهدة 4 نيسان 1946 والتي نصت على انسحاب الجيش الأحمر من الأراضي الإيرانية وإنشاء شركة بترول إيرانية ـ سوفيتية .

باءت الدبلوماسية السوفيتية في هذه اللعبة السياسية بالفشل لأنها خسرت مواقعها الإستراتيجية دون أن تحقق أيضا مكسـبا إقتصاديا , إذ صوت المجلـس النيابي الجـديـد ضد إتـفاقية البترول مع الـسـوفيات بأغلبيـة 102 ضد صـوتين .

وعندما تأكد قوام السلطنة من حقيقة الموقف الأنكلو ــ الأمريكي الداعم لإيران , وبإنسحاب القوات السوفيتية , فكر بتصفية الحركة الديمقراطية في البلاد والتنكيل بها بمساعدة القوات الأمريكية والإنجليزية .

ففي العاشر من كانون الأول عام 1946 وبأمر من رئيس الحكومة أحمد قوام تحركت القوات باتجاه أذربيجان الإيرانية, حيث أعلنت الأحكام العرفية فيها وتصفية القوى الديمقراطية في المنطقة . ومن ثم توجهت الحملات العسكرية إلى كوردستان الإيرانية , حيث أقمعت بوحشية الحركة الديمقراطية في كوردستان , وقضت على جمهورية مهابات الكوردية بدعم بريطاني ـ أمريكي.

وفي 31 آذار 1947 أعدم وبشكل صوري رئيس الجمهورية قاضي محمد وشقيقه صدر عضو البرلمان الإيراني وإبن عمه سيف وزير الدفاع في الجمهورية وعشرات آخرون من قادة ومناضلي الكورد البررة .

وعلى أثر سقوط جمهورية مهابات الكوردية واصل البارزانيون بقيادة المناضل مصطفى بارزاني رئيس الأركان في حكومة مهابات قتال القوات الإيرانية, وتعرضت قواعد وبيوت الأسر البارزانية بأمر من الشاه نفسه في آذار عام 1947 إلى القصف الجوي والأرضي.

ونجح البارزانيون في الانتقال إلى كوردستان العراق , حيث اشتبكوا مع القوات العراقية التي كانت بانتظارهم . وبعد أن أمنوا أسرهم في بارزان , اجتازت القوات الكوردية المؤلفة من خمسمائة مقاتل بقيادة مصطفى بارزاني الحدود التركية ومنها العودة ثانية إلى كوردستان إيران , حيث اشتبكت هذه القوات في رحلتها الأسطورية الصعبة مع قوات ثلاثة دول محتلة لكردستان وهي القوات الإيرانية والعراقية والتركية وبعد أن نجحت في صد هجماتها , اجتازت القوات الكوردية يقودهم المناضل المتمرس مصطفى بارزاني نهر آراس ليدخلوا الأراضي السوفيتية , ولم يعد الزعيم الكوردي إلى الوطن إلا بعد أن دعاه الزعيم عبدالكريم قاسم مؤسس الجمهورية الأولى عام .

شكل سقوط جمهورية مهابات بهذا الشكل المأسوي بداية مرحلة تاريخية جديدة في النضال القومي الكوردي , حيث كرست سيطرة الدول القومية الجديدة على كوردستان , وإذا كانت حركة التاريخ تبين أن الحروب الشاملة على الأغلب تنتهي بإنشاء كيانات جديدة , فإنها بالنسبة للكورد أضيفت مآس أخرى إلى تاريخه , فالحرب العالمية الأولى إنتهت بتجزئة القسم العثماني من كوردستان إلى ثلاثة كيانات منتدبة والثانية إنتهت بالتآمر على الجمهورية الكوردية وتكريس سيطرة قوميات متخلفة غير حرة محكومة من قبل حكومات مستبدة على الكورد , الأمر الذي عقد حل القضية الكوردية إلى يومنا هذا .

إن جمهورية مهابات الكوردية لم تعش سوى عشرة أشهر , لكنها تركت جرحا في صميم الشعب الكوردي . لقد كانت رغم عمرها القصير ثرية بإنجازاتها الحضارية والفكرية محققة خطوات إصلاحيةواسعة عملية في كافة المجالات السياسية والإجتماعية والثقافية والاقتصادية. فإليها يعود الفضل في إنشاء أول مسرح كوردي وإستعمال اللغة الكوردية في التعليم وجعلها اللغة الرسمية في الجمهورية وإنشاء جيش كوردي وإذاعة كوردية وتكوين نقابات مهنية و في إغناء الصحافة الكوردية والإصلاحات الزراعية والإدارية وفي إعطاء الدور للمرأة وتطوير الفن الكوردي وتحريك القضية الكوردية دوليا .... إلخ .

لو كتب البقاء للجمهورية الكوردية لكانت اليوم مركزا حضاريا مشعا ومتقدما تتميز عن غيرها من دول المنطقة , ولكانت قد غيرت توازن القوى السياسية لصالح حركات التحرر وقوى السلام وشعوب المنطقة , ولكانت سندا قويا للمظلومين والمقهورين والمضطهدين من شعوب إيران التي ترزح منذ عقود تحت نير الآلة العسكرية المتسلطة ..
.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق