الأحد، 24 أبريل 2016

أوراق ذابلة من حضارتنا 17- سقوط دولة الفاطميين

أوراق ذابلة من حضارتنا 17- سقوط دولة الفاطميين


حين تستعين بعدوك التاريخي وتفقد القدرة على الرؤية الصحيحة ‏.‏‏.‏فلا ضير في أن تموت ‏.‏‏.‏ فأنت ـ في البدء ـ إنسان منتحر ‏.‏‏.‏ ‏!‏‏!‏

والتسامح قضية كبرى من قضايا حضارتنا ، ومبدأ عظيم من مبادئ إسلامنا، لكن هذا التسامح ـ بترك الناس يحيون وفق معتقداتهم ـ شيء ، وتسليمك مقاليد الأمورلهذا الذي ينتمي روحيا إلى أعدائك ، ويشعر بتعاطف نحو من تحارب ، وتقل حضانته ـمهما يكن ـ عن أخيك المسلم ‏.‏‏.‏ تسليمك هذا شيء آخر بعيد عن التسامح ‏.‏‏.‏ إنه نوع من الغفلة والحماقة ‏.‏‏.‏ أو بتعبير آخر نوع من الانتحار‏!‏‏!‏

وفي الدولة الفاطمية التي قامت في المغرب العربي سنة 298هـ وانتقلت قيادتها إلى مصر سنة 362هـ ‏.‏‏.‏ كانت ظاهرة الاعتماد على اليهود والنصارى سمة من سمات الحكم في الدولة ، فمن هؤلاء كان كثير من الوزراء وجباة الضرائب والزكاة،والمستشارين في شؤون السياسة والاقتصاد والعلم ، ومنهم الأطباء والثقات لدى الحكام،وإليهم تحال معظم الأعمال الجسام ‏.‏

ولقد أحدثت هذه الظروف انفصاما بين الفاطميين والشعب ـ إلى جانب عوامل أخرى هامة ـ حتى لقد كان الناس يستجيرون من تسلط اليهود في البلاد فلا يجارون، وقد ظهرت في ذلك أشعار كثيرة معروفة ، بل إن الناس قد اضطروا إلى أن يلفتوا نظرالعزيز ‏(‏ الحاكم الثاني في مصر ‏)‏ إلى هذه الظاهرة التي كان يبدي تغافلا عنها ،وقد وضعوا له صورة من الورق لرجل يطلب حاجة أثناء مرور موكبه ‏.‏‏.‏

وقد مد الرجل يدا بورقة مكتوب فيها ‏:‏ ‏"‏ بالذي أعز اليهود بمنشا، وأعز النصارى بعيسى ، وأذل المسلمين بك إلا ما قضيت ظلامتي ‏"‏ وقد لمعت في سماء الدولة الفاطمية أسماء كثيرةمن هؤلاء ، فقد لمع يعقوب بن كلس ‏(‏ وسنورد تفصيلا عنه بعد ‏)‏ ، ومنصور بن مقشرالنصراني الطبيب صاحب الكلمة السامية في قصر العزيز ، وعيسى بن نسطورس الكاتب ،والمنجم ابن علي عيسى ، ويجين بن وشم الكواهي ، ومنشا اليهودي الذي كان نائب العزيزفي الشام ‏.‏‏.‏ وغيرهم كثير ‏.‏ وعندما وصل الحاكم بأمر الله إلى الحكم ‏.‏‏.‏

وهورجل أجمع المؤرخون على اضطراب عقله حتى أنه كان يأمر بالشيء وينهى عنه ـ أمر بهدم الكنائس التي بمصر ، لكنه سرعان ما عاد فأمر ببنائها ، وأطلق من جديد يد اليهود في البلاد ، واستمر أمر اليهود والنصارى في عهد الظاهر ، وعندما قدر للحاكم الفاطمي السادس في مصر ‏"‏ المستنصر بن علي الظاهر ‏"‏ أن يصل إلى الحكم سنة 427هـ كانت الحالة قد بلغت قمتها من التدهور ‏.‏ وفي ظل سياسة اليهود وتحكمهم في مرافق البلاد أصبح قصر هذا الحاكم زاخرا بالدسائس التي يحيكها القواد ورجال البلاط ، ويقف وراء كل هؤلاء هذه الطوائف يديرون المعارك لصالحهم، ويرقبون الفائز،ويفسحون في شقة الخلاف‏.‏

وقد ذاقت البلاد من الجوع والبؤس والنزاع على السلطة ما أحالها إلى فوضى لم يشهد تاريخ مصر مثلها ‏.‏ وقد صور المقريزي هذه الحالة في قوله ‏:‏ ‏"‏ لمتجد البلاد صلاحا ولا استقام لها أمر ، وتناقضت عليها أمورها ، ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته ‏.‏‏.‏ ‏"‏ على آخر كلامه الطويل الذي قال في آخره بأنه ‏:‏ ‏"‏تلاشت الأمور واضمحل الملك ‏"‏ وقد فكر ابن حمدان زعيم الأتراك في مصر في تغييرالخلافة الفاطمية إلى العباسية ، وكانت حال البلاد والفاطميين تسمح بتحقيق كل ذلك‏.‏‏.‏ لولا سوء سياسة ابن حمدان لأتباعه وانقلابهم عليه ‏.‏‏.‏ وفي هذه السنوات أكل الناس بعضهم بعضا ، وبيع الرغيف بمائة دينار ، وأكل الناس لحوم الكلاب والحمير، ولم ينته الأمر إلا بسقوط الدولة الفاطمية السقوط الحقيقي حين ترك حكامها السلطة تماما وقبعوا في قصورهم ، وحمل أمانة الحكم الوزراء العظام الذين كان أولهم وأعظمهم‏"‏ بدر الجمالي ‏"‏ ‏.‏



وقد أصبح بيد هؤلاء الوزراء كل مقاليد الأمور حتى أنهم لم يدعواللخلافة ولا للخليفة في أغلب الأوقات إلا بالاسم ، وكانوا يتحكمون في اختيارالخلفاء وفي عزلهم ، والمؤرخون المنصفون يعتبرون سقوط الدولة هو تاريخ تولية بدرالجمالي أمور مصر سنة 464هـ ‏.‏‏.‏ ولم يفعل صلاح الدين الأيوبي حين أسقط الخطبة للفاطميين دون أية معارضة أو مقاومة حقيقية سنة 567هـ ـ إلا إسقاط عهد الوزراءالعظام الذين كان آخرهم شاور ‏.‏‏.‏ أما الفاطميون فقد سقطوا منذ مدة طويلة أي قبلذلك بقرن ‏.‏

ومن الغريب أن العزيز الفاطمي ‏.‏‏.‏ بلغ من حبه لوزيره يعقوب بنكلس اليهودي أن ترك له أمر الدعوة إلى المذهب الفاطمي ، وكان هذا الأخير يجلس بنفسهيعلم الناس فقه الطائفة الإسماعيلية ، وقد ألف نفسه كتابا يتضمن الفقه على ما سمعه من المعز والعزيز الذي قال له ‏:‏ ‏"‏ وددت لو أنك تباع فأبتاعك بملكي ‏"‏ ولم يدركالعزيز أن ملكه كان قد بيع فعلا بهذه السياسة التي جعلت عهد الفاطميين في مصر عهد شدة وتناطح وبؤس ‏.‏ ووقف هؤلاء يستثمرون كل هذا ويتملقون الغرائز ‏.‏‏.‏ وبقيتعبرة التاريخ عبرة للذين يطلبون النصر من الأعداء ، والذين يطلبون الحياة من السم ،والذين ينسون ‏"‏ الاستراتيجية الإسلامية العالية ‏"‏




يتبع
 

يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق