الثلاثاء، 26 أبريل 2016

الدعـ،ـوة الاسلاميـ،ـة فـ،ـي الهنـ،ـد - الجزء الثاني

الدعـ،ـوة الاسلاميـ،ـة فـ،ـي الهنـ،ـد - الجزء الثاني


ويتقرر مستقبل الدعوة الإسلامية في جمهورية الهند بعاملين رئيسيين :

العامل الأول : إحساس المسلمين في الهند بواجبهم في نشر دعوة الإسلام في هذه البقعة وفي تنمية الميراث الإسلامي الضخم، وإحساسهم أيضاً بمسئولية حراسة هذا الميراث وبها يؤدون أعظم الأمانات التي حملوها من آبائهم وأجدادهم إلى أبنائهم وأحفادهم.

العامل الثاني : إن جمهورية الهند قد اتخذت لنفسها دستوراً علمانياً لا يقوم على أساس ديني رسمي ويخول الحرية لجميع المواطنين في الإحتفاظ بعقيدتهم والدعوة إلى مبادئهم ونشر ثقافتهم، ففي وسع المسلمين نشر الدعوة الإسلامية وتنوير قلوب الملايين بها بذلوا في سبيلها من جهود واتخذوا لها من وسائل مدروسة ومناهج سليمة وطرق مشروعة بإخلاص وصدق نية مع أداء ما عليهم من واجبات نحو وطنهم كمواطنين صالحين.

وأيضاً فإن مستقبل الدعوة الإسلامية في الهند المرتبط بماضيها فيها فقد عرفنا أن هذه لم تنتشر في هذه البقاع بفضل حكومات المسلمين التي قامت فيها، ولا بواسطة منظمات وهيئات قامت بنشرها أو وضعت خططه أو أنفقت فيه الأموال، بل يعود الفضل فيه إلى أسباب أخرى عديدة، ومنها : يتعلق بطبيعة هذه الدعوة من فطريتها وملاءمتها لكل زمان وظروف، وكذلك خصائص أنظمتها الإجتماعية حيث يجد فيها كل مجتمع متنوع الأجناس ومتفرق الطبقات، عناصر صالحة منقذة من المضار الكامنة في نظام الطبقات والعصبيات المناوئة للفطرة الإنسانية السليمة. ومنها : ما يتعلق بطبيعة الأمة الهندية كالنزعة الدينية المتأصلة فيها وروح التسامح التي اتسعت بها الثقافة الهندية منذ القدم، وكذلك حضارتها العريقة القائمة على الروحانيات. ومنها أيضاً ما يتعلق بصفات الدعاة ووسائلهم في نشر الدعوة، من الوعظ والإرشاد والقدوة الحسنة والسلوك السليم وابتعادهم عن المآرب السياسية والمطالب الشخصية.

وأن هذه الأسباب التي ارتبط بها انتشار الدعوة الإسلامية في الهند طوال العصور الماضية لم تتغير بعد، وأما تغير الدول الحاكمة أو أنظمة الحكم فيها، فليس له دخل في تلك الأسباب فما دام القائمون على مهمة الدعوة متمسكين بهذه الأسباب فسيجدون في الهند أرضاً خصبة لتترعرع فيها الدعوة الإسلامية ويستطيعون أن يؤدوا واجبهم في حراسة أثمن وأقدس ما يعتز به المسلمون في كل مكان، وهو المحافظة على دينهم وتعليمه لأبنائهم وصيانته في قلوبهم وبيان محاسنه لبني وطنهم جميعاً.

وأول ما نستفيده من العبرة من تاريخ انتشار الدعوة الإسلامية في الهند، أن الإسلام دين الفطرة التي فطر الناس عليها، وأن تعاليمه تتمشى مع جميع البيئات والظروف، ومبادئه صالحة لكل زمان ومكان، فإن عناصر الخلود متوفرة في أصوله وقواعده، وأن فطرة الإنسان ونواميس الطبيعة لا تتغير ولا تتبدل مهما حاول المزيفون وسعى المخرفون ليبعد الناس عن فطرتهم. وهذا هو السر الكامن وراء الإنسياق الفطري الذي رآه تاريخ الدعوة الإسلامية في مختلف البلدان المتأصلة في الوثنية والشرك والإلحاد أو في الخرافات والخزعبلات، وكل هذا وذاك إلى جانب محاولات جمة بذلت لصد تيار هذه الحركة الإلهية العالمية وتشويه أهدافها ومقاصدها، أو تزييف كتابها.

والعبرة الثانية من تاريخ هذه الدعوة في تلك البقعة من الأرض، هو دور العلماء الصادقين في سبيل نشرها ومدى أثر جهودهم في توطيد دعائم العالم الإسلامي وتوحيد صفوف المسلمين وإزالة الوهن والضعف من قلوبهم. ونستفيد أيضاً أن حلقات سلسلة الدعوة الإسلامية لن تنقطع إلى يوم القيامة وهي تستمر في مد وجزر حسب تقلبات الزمن وتطورات العصر، فهي خير مصداق لقوله تعالى :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

ويتجلى مدى انتشار الدعوة الإسلامية في الهند وتوطد أركانها في أرجائها من الملامح الخالدة التي نراها في هذه البلاد. ومنها :

1- انتشار مراكز الثقافة الإسلامية والعربية في أرجائها، ولا تزال هذه المركز تتدفق حماساً ونشاطاً للمحافظة على مسلمي الهند في نشر الدعوة الإسلامية وتطويرها، التي ورثها منذ أن استنارت الهند بنورها عقب انبثاق فجرها وتحمسوا لخدمتها بعدين عن مآرب الحكم السياسي أو الفتح العسكري أو جاه أو مال.

2- انتشار اللغة العربية وأثرها في اللغات الهندية وآدابها وكذلك التراث العلمي والإسلامي الخالد لعلماء الهند المسلمين. ويبدو أثر هذا الإنتشار في حركة التأليف والنشر باللغة العربية التي قام بها هؤلاء العلماء في فترات التاريخ وفي شتى فروع العلوم الإسلامية والعربية. وكان شعار المسلمين في الهند منذ العهد الأول الإعتناء باللغة العربية والتمسك بها لكونها لغة القرآن الكريم وعلوم الدين الحنيف، وفضلاً عن أنها كانت من العوامل الرئيسية التي ساعدت على توثيق عرى التعارف والتفاهم بين الأمتين العظيمتين الهندية والعربية.

وجدير بالذكر أن كثيراً من المؤلفات العلماء الهنود قد تخطت شهرتها جدود الهند واحتفي بها علماء العرب والعجم واعترفوا لها بالدقة والإتقان وغزارة المادة والنفع العام. ونرى علماء الهند في بعض فترات التاريخ في مقدمة المؤلفين في العلوم الدينية وانتهت إليهم رئاسة التدريس والتأليف في فنون الحديث وشروحه وكذلك في السيرة النبوية وحكم التشريع الإسلامي.

3- انتشار معالم الحضارة الإسلامية في جميع أرجاء الهند المتمثلة في الآلاف المؤلفة من المساجد والقلاع الفخمة التي بناها المسلمون والتي تنطق بروعة الفنون العربية الإسلامية وبراعتها.

4- أثر الفن العربي الإسلامي، فمن أبرز الملامح لنفوذ المسلمين في الهند الأثر الذي تركوه في ميادين الفنون المختلفة، وأما الفن المعماري فهو من أعظم مميزات عهود الحكام المسلمين فيها، ونرى الآن في شتى أنحائها قلاعاً شامخة ومساجد فخمة وأبنية ضخمة من القصور والمنائر التي تمثل النبوغ الفني العربي الإسلامي.

 


يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق