السبت، 30 أبريل 2016

حياة الزعيم إبراهيم هنانو -1 -

حياة الزعيم إبراهيم هنانو -1 -
 
 
 
في مطلع القرن العشرين، كانت الشعب السوري يخوض ملحمته الوطنية في سعيه للاستقلال الناجز بكل معانيه، فمع هزيمة العثمانيينفي نهاية الحرب العالمية الأولى تداعت القوى الاستعمارية الكبرى لتقاسم تركة الرجل المريض، ووزعت اتفاقية سايكس بيكو منطقة بلاد الشام بين القوتين الأكبر آنذاك، بريطانيا العظمى وفرنسا، وكانت سورية من نصيب المستعمر الفرنسي الذي اجتاح بقواته الأراضي السورية منذ العام 1918، وصولاً إلى احتلالها بالكامل عام 1924 على إثر معركة ميسلون التي خاض فيها البطل التاريخي يوسف العظمة قتالاً دامياً لوقف العدوان أدى إلى استشهاده، وما تلى ذلك من القضاء على المملكة السورية الوليدة وملكها فيصل الأول، واستبدالها بالانتداب الفرنسي.

وما لبثت الأرض السورية أن اشتعلت بثورات متعددة هدفها إخراج المستعمر الفرنسي وإقامة الدولة الوطنية الجامعة لجميع أبناء الوطن، فثار الشيخ صالح العلي في جبال الساحل السوري عام 1919، واستمرت ثورته حتى نهاية عام 1921. وفي الشمال اندلعت ثورةالزعيم المجاهد إبراهيم هنانو عام 1920 واستمرت حتى عام 1926، فيما كان جبل العرب ودمشق وغوطتها وسائر المناطق الجنوبية على موعد مع الثورة السورية الكبرى بقيادة زعيمها سلطان باشا الأطرش عام 1925 والتي استمرت حتى عام 1927. وإن كانت هذه الثورات قد فشلت في الوصول إلى إخراج المستعمر بالقوة العسكرية، إلا أنها كانت الأساس الذي قامت عليه الحركة الوطنية في نضالها الطويل وصولاً إلى يوم الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1947.


مولده ونشأته


ولد إبراهيم هنانو في بلدة كفر تخاريم من أعمال حلب سنة 1869م في شمال سورية، ووالده هو سليمان آغا بن محمد هنانو، الذي تنحدر أسرته من أصول كردية، وكانت من الأسر الغنية، فعنيت بتعليم إبراهيم وتنشئته على أفضل ما يكون التعليم في ذلك الزمن، ووالدته ابنة الحاج علي الصرما من أعيان كفر تخاريم

بعد أن أنهى إبراهيم تعليمه الأساسي، التحق بالمدرسة الملكية للحقوق والإدارة في الآستانة (اسطنبول) وتخرّج منها، لينخرط بعدها في الوظيفة الحكومية، ويتنقل في عدد من الوظائف الإدارية، التي قادت خطاه إلى عدد من المدن العثمانية، بعمل مديراً لناحية من ضواحي اسطنبول ثلاث سنوات، ثم عين قائمقام في أرضروم وبقي فيها أربع سنوات، حيث تزوج إبراهيم هنانو (ولدت له ابنة أسماها نباهت، وولده أسماه طارق، وقد توفيت زوجته على إثر هذه الولادة)، بعد ذلك عين كقاضي تحقيق في كفر تخاريم وبقي فيها ثلاث سنوات، حتى انتهى به الحال عضواً في مجلس إدارة حلب لمدة أربع سنوات، قبل أن يصبح رئيساً لديوان ولاية حلب سنة 1918م. وقد تم انتخابه ممثلاً لمدينة حلب في المؤتمر السوري الأول الذي انعقد في دمشق (1919-1920).


إرهاصات الثورة في المنطقة الشمالية من سورية ودخول إبراهيم هنانو على خط النضال


في ذلك الوقت، كانت نيات فرنسا الاستعمارية باستعمار سورية قد أصبحت واضحة للعيان، فاحتلت الساحل السوري وبدت نواياها للتقدم في عمق الأراضي السورية. 

كانت أعمال التمرد المسلح قد انطلقت في الشمال السوري بقيادة آل بركات في شهر أيار عام 1919 وتكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة، فخاضوا معركة السويدية وغيرها من المعارك مع الجيش الفرنسي، إلا أن علاقة قادة الثوار الوثيقة مع الأتراك أدت إلى توقف الثورة بعد تخلي قادتها عنها على إثر توقيع الهدنة بين فرنسا وتركيا في 30 آذار من عام 1920. وأخذ المجاهدون يعيدون تنظيم صفوفهم من جديد بقيادة الشيخ المجاهد يوسف السعدون. 

وقد دفع حماس إبراهيم هنانو للنضال ضد المحتل الأجنبي والي حلب آنذاك رشيد طليع إلى الاعتماد على إبراهيم هنانو لتوسيع رقعة الثورة – بإيعاز من الحكومة الفيصلية – واستقر رأي هنانو على تشكيل مجموعات قليلة العدد سريعة الحركة تعمل على خلق الفوضى، وإثارة الذعر في نفوس المحتلين.


انطلاق شرارة الثورة



الزعيم إبراهيم هنانو

قام هنانو باستدعاء عدد من أهالي قريته الذين يثق بوطنيتهم وقدراتهم لتشكيل أول حضيرة من حضائر الجهاد في المنطقة الشمالية حيث تمكن الوطنيون من تنظيم أنفسهم في جمعية أطلقوا عليها اسم «جمعية الدفاع الوطني»، وقد تم تقديم السلاح والذخيرة لهذه المجموعة الثورية النواة، وقد كان مردود ذلك جيداً، فقر القرار على زيادة عدد المجاهدين الذي ارتفع إلى أربعين، وكلفت لجنة رباعية بالمهام التشريعية والقضائية للثورة ما زادها تنظيماً وفعالية. 

كان هنانو رجلاً يملك وعياً عالياً، وكان خطيباً مفوهاً وقد ترك خطابه الشهير الذي وجهه لأبناء الشعب السوري صداه الطيب في تجميع المناضلين وتزايد أعدادهم وقد قال فيه: «يا أبناء سورية الأشاوس، يا أباة الضيم، من قمة هذا الجبل الأشمّ أستصرخ ضمائركم، وأقول لكم، إن بلادنا العزيزة أصبحت اليوم محتلة، مهددة من قِبَل المستعمرين، أولئك الذين اعتدوا على قدسية استقلالنا وحرياتنا، فيا أبطال الوغى، ويا حماة الديار، إلى الجهاد، إلى النضال عملاً بقوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم}».

وبعد أن بلغ عدد المجاهدين في قرية كفر تخاريم خمسين رجلاً، بدأت حركة تجنيد مماثلة في القرى المجاورة حتى أصبح عدد المجاهدين 400 مجاهد. وقامت هذه القوة بالهجوم ليلة 18-19 نيسان 1920 على حارم فهزمت الفرنسيين وأجبرتهم على الانسحاب إلى القلعة الرومانية المجاورة قرب القصبة، وبقيت هذه القوة محاصرة حتى سقوط حكومة دمشق في 25 تموز 1920. 

وبعد دخول الجيش الفرنسي لمدينة حلب يوم الجمعة 23 تموز 1920، انسحب هنانو من حلب إلى مسقط رأسه كفر تخاريم، وبدأ بإعادة تنظيم الثورة بالتعاون مع المجاهد نجيب عويد. واستقر رأي الثائرين على تشكل حكومة مدنية مقرها أرمناز وأوكل إليها تنظيم الأمور المالية والاقتصادية للثورة والمجتمع، وعقد اجتماع عام يضم وجهاء نواحي المنطقة الشمالية لمفاتحتهم بإعلان الثورة، وتقرر في هذا الاجتماع الدعوة للثورة، وسفر هنانو إلى تركيا كي يطلب من حكومتها مساعدة الثائرين ضد الاستعمار الفرنسي. 

وهكذا انطلق هنانو في شهر آب 1920 إلى مدينة مرعش ليقابل قائد الفيلق الثاني التركي، حيث عقد معه اتفاقية كي تمد الحكومة التركية الثورة بالأسلحة والذخيرة. وتم توقيع هذه الاتفاقية في 6 أيلول من عام 1920. 


إعلان الثورة


بعد عودة هنانو إلى سورية قام بتقسيم المناطق الشمالية إلى مناطق ثانوية وأوكل كل منطقة برئيس على الشكل التالي:
1- منطقة القصير بقيادة الشيخ يوسف السعدون. 
2- منطقة كفر تخاريم بقيادة نجيب عويد.
3- منطقة جبل الزاوية بقيادة مصطفى الحاج حسين.
4- منطقة جبل صهيون بقيادة عمر البيطار.

وبعد استتباب الأمور التنظيمية قام هنانو بإعلان الثورة في أواسط شهر أيلول 1920 بإذاعة بيان على الشعب حض به على الثورة وطالب قناصل الدول الأجنبية التدخل لوقف مجازر الفرنسيين. على إثر ذلك وصل رسول من الشيخ صالح العلي قائد الثورة في الجبال الساحلية عارضاً على هنانو التعاون بين الثورتين فرحب هنانو بذلك واستقر الرأي أن تقوم قوات الثورة الشمالية باحتلال جسر الشغورلترسيخ وضع كل من الثورتين.


معركة جسر الشغور


وفي أواخر شهر تشرين الثاني 1920 تقدم هنانو باتجاه جسر الشغور ومع ثلاث سرايا من المجاهدين، ولما وصلت الحملة في منتصف ليلة 27 تشرين الثاني 1920 إلى مزرعة الشغارنة التي تبعد حوالي 3 كم عن جسر الشغور تناهى لها وجود سرية فرنسية في المزرعة المقابلة المسماة مزرعة السيجري، ونظراً لاستحكام الفرنسيين في تلك المزرعة، وضع هنانو خطة لوضعهم بين فكي كماشة، فأوعز للمجاهد يوسف السعدون أن يلتف مع عناصر سريته وراء الفرنسيين فيما هاجمهم هنانو من الأمام، وقد نفذت الخطة بشكل جيد ما دفع الفرنسيين للاستسلام في نهاية الأمر، وأسر المجاهدون فصيلة من 25 جندياً يقودهم ضابط، وفصيلتي من المرتزقة عددها 57 رجلاً بإمرة ضابط. وغنموا مدافع رشاشة وبغالاً وكمية كبيرة من الذخيرة. 

بعد هذه المعركة استسلمت حامية جسر الشغور بدون قتال ودخلت قوات المجاهدين المدينة فاستقبلها الأهالي استقبال الأبطال.

مع وصول أخبار انتصارات إبراهيم هنانو إلى الفرنسيين قرروا استعادتها مهما كلف الأمر، فقاموا بتسيير حملة قوامها لواء معزز من 2500 جندي، ولما سمع المجاهدون بقدوم هذه الحملة نصبوا لها فخاً في مدينة إدلب في 29 تشرين الثاني 1920، حيث اختلط المجاهد نجيب عويد مع مجاهدين آخرين بين صفوف الأهالي المتفرجين على الحملة وفور انتهاء مرورها أمطروها بوابل من الرصاص ما تسبب بسقوط 63 قتيلاً فرنسياً، وانسحب المجاهدون بعد استشهاد أربعة منهم. 


الفرنسيون يحتلون كفر تخاريم والثوار يحررونها


بعد معركة إدلب، أدرك الفرنسيون حجم وخطورة الثورة التي اندلعت في الشمال، وصمموا على ضرب مركز الثورة فانطلقوا نحو كفر تخاريم ودخلوها في 30 تشرين الثاني 1920 بعد أن فقدوا 40 قتيلاً في القرى المجاورة ومشارف كفر تخاريم نفسها، وسقط في تلك المعارك ثلاثة شهداء وانسحب البقية إلى الجبل الغربي.

لم يطل الوقت بالمجاهدين حتى استعادوا كفر تخاريم بمعركة بطولية قادها المجاهد نجيب عويد مع نفر من المجاهدين، وحسب رواية المجاهد عويد التي أكدها العديد من الأبطال الذين اشتركوا بها وبقوا على قيد الحياة إلى ما بعد الاستقلال، حيث قسم عويد المجاهدين إلى ثلاثة فرق: فرقة تأتي من الشرق، وأخرى من الجنوب، والبقية ظلت مع القائد عويد، وعند بزوغ الفجر كان رفع الأذان إشارة الانطلاق، فباشر المجاهدون إطلاق النار وقذف القنابل اليدوية على الخيم، وما كاد شروق الشمس يبين حتى توافدت النجدة من القرى المجاورة فازداد عدد المجاهدين وزاد تصميمهم. وفي النهاية حصر المجاهدون القوة الفرنسية في أرض منخفضة نسبياً من ثلاث جهات، ولم يبقَ له منفذ إلا من الشمال، فانسحب شمالاً باتجاه حارم تاركاً ما يزيد على 130 قتيلاً، فيما سقط من الثوار 12 شهيداً. 


حملات الجنرال دي لاموت



حملة ديبيوفر الأولى


بعد معركة كفر تخاريم وجد الجنرال دي لاموت – قائد منطقة حلب العسكرية – نفسه في وضع يضطره إلى القضاء على الثورة مهما بلغت التضحيات، فوجه حملة بقيادة الكولونيل ديبيوفر انقسمت إلى رتلين: الأول انطلق من مخفر الحمام، والثاني انطلق من إدلب في الجنوب. وكانت غاية الفرنسيين من ذلك حصر قوات هنانو بين فكي كماشة. ولكن أياً من الرتلين لم يحقق مهمته، إذ تصدى للأول الشيخ يوسف السعدون ورفاقه عندما حاول الرتل اجتياز نهر العاصي للوصل إلى الضفة الشرقية عند موقع جسر الحديد فمني بخسائر كبيرة قبل ان يتمكن من اجتيازه. أما قوات الرتل الثاني فاصطدمت مع المجاهدين في 7 كانون الأول في منطقة كفر سرجة وفي 8 كانون الأول 1920 اصطدمت معهم في قرية طلينا ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح على رأسهم ضابطان. وبعد التقاء الرتلين قامت الحملة مجتمعة بمهاجمة منبج فلم تقدر على احتلالها إلا بعد معركة عنيفة خسرت بها ضابطاً وعدداً من القتلى.

وفي 29 كانون الأول 1920 كانت الحملة قد خسرت عدداً كبيراً من القتلى ما استدعى إعادتها إلى حلب لتنظيمها من جديد. 


حملة غوبو


بعد إعادة حملة ديبيوفر إلى حلب، سيرت القوات الفرنسية حملة بقيادة الجنرال غوبو في محاولة لتلافي أخطاء الحملة السابقة، وكان قوام الحملة مؤلفاً من فرقة مشاة معززة، فتجنب الثوار مواجهتها في منطقة مكشوفة واعتمدوا أسلوب المباغتة بمجموعات قوية قليلة العدد سريعة الحركة. ولم تكد الحملة تجتاز جسر الشغور حتى وجدت نفسها هدفاً لحرب عصابات لم تستطع معها السير أكثر من كيلومتر واحد دون التعرض لهجمة مفاجئة أو الوقوع في كمين منصوب. 

نتيجة لذلك طلب الجنرال غوبو موافاته بإمدادات على وجه السرعة، فسيرت له القيادة في حلب قافلة مؤلفة من 360 جملاً محملاً بمختلف أنواع الاحتياجات، ولكن هذه القافلة لم تصل، إذ كمن لها الثوار فغنموا الجمال بأحمالها وقتلوا ضابطاً مرافقاً لها تبين أنه ابن الجنرال غوبو نفسه. 

وفي 3 شباط 1921 عادت حملة الجنرال غوبو منهكة إلى إدلب عن طريق جسر الشغور بعد معركة مع الثوار في قرية الرامي في 28 كانون الثاني 1921 فخسرت عدداً كبيراً من القتلى بينهم ضابطان. 


حملة ديبيوفر الثانية


لم تكد حملة غوبو تنتهي حتى عادت حملة ديبيوفر الثانية بعد أن استكملت عددها وعدتها، وكان أول ما فعله ديبيوفر أن طوق قرية كللي بجنوده أواسط شهر شباط 1921 وفتش القرية بحثاً عن المجاهدين، فلما لم يجد أحداً منهم اعتقل 27 من رجال القرية وأعدمهم. وتوجه بعد ذلك بحملته إلى قرية زردنا فحرق بيادرها وبيوتها، وقام بتعذيب مختار القرية حتى الموت لأنه رفض أن يدله على أماكن تواجد الثوار. 


الثورة تنتقل إلى جبل الزاوية



الزعيم إبراهيم هنانو

نتيجة تشدد الحملات الفرنسية، قام الثوار بنقل نشاطاتهم إلى جبل الزاوية بقيادة مصطفى الحاج حسين، فسيرت السلطة الفرنسية حملة إلى الجبل مكونة من كتيبة مشاة معززة للقضاء على تحركات الثوار، فكمن المجاهدون للحملة في أعالي جبل الأربعين وأطبقوا على الحملة من كل جانب ما أدى إلى هزيمة الحملة بعد ثلاث ساعات من القتال المرير، وترك الفرنسيون في ساحة المعركة 70 قتيلاً فيما سقط نصف هذا العدد من بين المجاهدين. 

وفي 7 آذار 1921 تحركت كتيبة من الجند بقيادة الكولونيل أندريه من جسر الشغور إلى دركوش فتصدى لها المجاهدون بقيادة الشيخ يوسف السعدون قرب قرية الدويلة وقتلوا عدداً كبيراً من أفرادها على رأسهم قائد الحملة الكولونيل أندريه نفسه والذي أتت طائرة الجنرال دي لاموت خصيصاً لنقل جثمانه إلى حلب. 

وتعد معركة وادي درعان قرب قرية سرجة أهم معركة لمجاهدي جبل الزاوية والتي جرت في الأيام الأولى من شهر نيسان عام 1921 وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 120 جندي فرنسي قتلى، فيما استشهد فيها 65 من المجاهدين. 


مفاوضات وغدر


بعد أن وجد الفرنسيون صعوبة في القضاء على ثورة إبراهيم هنانو، اقترح الكولونيل فوان على الجنرال غوبو – قائد الفرقة الفرنسية المرابطة في إدلب- إجراء مفاوضات مع هنانو من أجل إنهاء الثورة، ولم يمانع هنانو في إجراء المفاوضات سعياً في تخفيف قبضة الفرنسيين عن السكان المحليين الذين كانوا يتحملون القسط الأكبر من القمع الفرنسي، وتمت المقابلة بين الطرفين في قرية نحلة يوم الجمعة 17 نيسان 1921. وحضر من الجانب الفرنسي الجنرال غوبو والكولونيل فوان، ومن الجانب الآخر حضر الزعيم هنانو وبصحبته عدد من زعماء الثورة. 

وقد عرض الجنرال غوبو على هنانو باسم السلطات الفرنسية تسليمه رئاسة حكومة محلية في أقضية حارم وإدلب وجسر الشغور بشرط أن يتم إنهاء الثورة وأن يسلم الثوار أسلحتهم، فرد هنانو هذا العرض قائلاً: «إن من موجبات نقمة السوريين على سياستكم الاستعمارية إقامة هذه الدويلات، فهل أرضى لنفسي رئاسة دولة أحاربكم من أجل تمزيق البلاد إلى دويلات مثلها؟ إن الفرنسيين دخلوا البلاد السورية رغم رغبة سكانها فلينسحبوا منها إلى خارجها وليعلن في البلاد عن إجراء انتخابات حرة، حتى إذا ما تمت الانتخابات بجو هادئ واجتمع المجلس المنتخب، فإن إبراهيم هنانو سيكون في طليعة الذين يرضخون لمقرراته ولو كانت قبول الانتداب الفرنسي على أن يتعهد الجانب الفرنسي باحترام هذا القرار مهما كان نوعه». 

لم يقبل الجنرال بعرض هنانو ففشل الاجتماع وعاد كل من القائدين إلى مركزه بعد ان اتفقا على هدنة تنتهي بعد 48 ساعة. ولم تكد الهدنة تنتهي (أي في صباح 20 نيسان 1921) حتى كانت الطائرات تلقي بحممها على المجاهدين والمدفعية الجبلية تدك معاقلهم، بينما تسلق الجنود الفرنسيون جبل الزاوية من شرقه مستخدمين مختلف صنوف الأسلحة، واضطر الثوار إلى الانسحاب من الجبل والطائرات تلاحقهم أينما ذهبوا. 

وبما أن نقص الذخيرة كان واحداً من أهم أسباب انسحاب الثوار، فقد أرسل هنانو المجاهد نجيب عويد إلى مناطق حماة لتأمين الأسلحة والذخيرة، فيما أرسل رسولاً آخر إلى تركيا لنفس الغاية. إلا أن عويد عاد خالي الوفاض، فيما رفض قائد الفيلق الثاني تسليم رسول هنانو أية كمية من الذخيرة بناء على أوامر من الخارجية التركية التي كانت قد دخلت في مفاوضات مع فرنسا للاتفاق على سحب القوات العسكرية الفرنسية من كيليكيا. ولم تكتفِ تركيا بذلك فقط بل أوعزت إلى بعض عملائها للقيام بأعمال تخريب ذات طابع طائفي كي تسيء للثورة وقيادتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق