الأحد، 24 أبريل 2016

أوراق ذابلة من حضارتنا 18- سقوط دولة صلاح الدين

أوراق ذابلة من حضارتنا 18- سقوط دولة صلاح الدين


من أسرة كردية من أذربيجان هاجرت إلى العراق ، انبثق فجر قائد هذهالدولة ـ التي لعبت بقيادته ـ دورا من أروع أدوار تاريخنا ‏.‏

ولعل ‏"‏ صلاح الدين الأيوبي ‏"‏ أروع بطل قدمته الحضارة الإسلاميةعلى امتداد القرنين السادس والسابع للهجرة ، وبه أفلت المسلمون وأفلتت الحضارةالإسلامية من غزو عالمي صليبي كاسح كان يقوده أخبث صليبي عرفته أوروبا الهمجية فيعصورها المظلمة ‏"‏ بطرس الناسك ‏"‏ ‏.‏

وقد كان لاشتراك صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه في الحملاتالعسكرية التي كان يرسلها نور الدين إلى مصر ، أثر كبير في تعميق خبرته وإبرازمواهبه ، وما إن مات عمه أسد الدين سنة 564 هـ حتى أسند إليه الخليفة الفاطمي فيمصر ‏"‏ العاضد ‏"‏ الوزارة ، ولقبه بالملك الناصر ، فظفر صلاح الدين بحب الشعبواحترامه نظرا لحزمه وعدالته‏.‏


ولم تأت سنة 567هـ أي بعد توليته الوزارة بثلاث سنوات ـ حتى ماتالخليفة العاضد ‏"‏ فطويت صفحة الخلافة الفاطمية في مصر وغيرها ، وعادت مصر ـالعاصمة الفاطمية الأولى ـ عاصمة كبرى للعباسيين تحت قيادة الدولة الأيوبية وقائدهاصلاح الدين الأيوبي ‏.‏

كان أمام صلاح الدين تحديات داخلية في مصر ، فإن الآثار الفكريةالتي خلفتها الدولة الفاطمية كانت تحتاج إلى إعلان ثورة فكرية ‏.‏

وكان أمام صلاح الدين خلل اقتصادي منذ أيام المجاعة العظمى ‏.‏‏.‏أيام ‏"‏ المستنصر ‏"‏ وما جر على مصر والعالم الإسلامي الحكم الفاطمي من ويلاتتسلط الوزراء العظام منذ ‏"‏ بدر الجمالي ‏"‏ ‏(‏ 464 هـ ‏)‏ إلى شاور وضرغام ‏.‏

وكان بإمكان صلاح الدين ، لو أنه قائد مخادع ، أن يعلن ثورةاقتصادية واجتماعية ، ويلهي الناس عن حقيقة الخطر الصليبي الذي يواجهونه ‏!‏‏!‏

لكن صلاح الدين لم يكن هذا القائد المخادع ، بحيث يشغل الناس لحسابالأعداء عن معركتهم الحقيقية بمعارك جانبية ‏.‏

وكان بإمكان صلاح الدين أن يبحث عن ‏"‏ اتفاقية جلاء ‏"‏ معالصليبين أو عن ‏"‏ حل سلمي استسلامي ‏"‏ حتى تنتهي فترة تثبيته في الحكم ، ثم يعلنللناس أن الحكام السابقين يتحملون المسؤولية ، وأنه جاء إلى الحكم بعد فوات الأوان، وبالتالي يخضع العالم الإسلامي لهذا الغزو الخبيث ‏!‏‏!‏

لكن صلاح الدين لم يكن هذا القائد المخادع ‏.‏

وفي مواجهة غزو صليبي عالمي أعلن صلاح الدين ثورة إسلامية عالمية ،وأصبح هو رمزها ومحورها ، وكان هذا هو الطريق الوحيد ولا يزال هو الطريق ‏.‏

لقد جاء توحيد العالم الإسلامي جنبا إلى جنب مع الجهاد المستمر ضدالصليبية العالمية الحاقدة ، ولم يكن صلاح الدين بالأبله الذي يبحث عن أي حل بديلللجهاد، فوسط الحروب التي تهز الكيان المادي والمعنوي والفكري للأمة لا يمكن إنجاحأي هدف بعيد عن الهدف الأول ، وكل الأهداف تأتي من خلال هذا الهدف، لأن الجماهيرتعتقد أنها عملية تلهية وخداع ‏.‏‏.‏ وقد دخل صلاح الدين عديدا من المعارك قبل حطينالشهيرة ‏.‏‏.‏ كموقعة ‏"‏ مرج عيون ‏"‏ جنوب لبنان سنة 575 هـ وموقعة ‏"‏ مدينةصفد ‏"‏ في السنة نفسها ‏.‏
وعلى امتداد كل السنوات كانت هناك معارك لا تحصى بين صلاح الدينوالصليبين ‏.‏

قد شن صلاح الدين على الصليبيين حروبا واسعة من أجل استخلاص إماراتإسلامية استولى عليها الصليبيون وأسسوا فيها إمارات صليبية مضى على استيلائهم عليهاقريبا من تسعين سنة كأنطاكية وطرسوس والرها وبيت المقدس وطرابلس ‏.‏‏.‏ لم يكن صلاحالدين ساذجا ضعيفا متهاونا فيدعو إلى حدود ما قبل ‏"‏ معركة ‏"‏ ما ، أو ‏.‏‏.‏ ‏"‏اتفاقية ‏"‏ ما ‏.‏‏.‏ ‏!‏‏!‏

لقد كان الحق الإسلامي في عقيدته مقدسا لا يقبل التفريط والمساومة‏!‏‏!‏
هكذا كان هذا الرجل العظيم ‏.‏ صلاح الدين الذي انتصر في حطينواسترد بيت المقدس ‏!‏‏!‏
وبوفاة صلاح الدين بقيت الدولة الأيوبية التي تنسب إليه تؤدي دورهاقريبا من ستين سنة ‏.‏

لكن هؤلاء الحكام كانوا أقل من صلاح الدين ، فلم يستطيعوا لعب الدورالذي لعبه ‏.‏‏.‏ وكان بعضهم متخاذلا يؤمن بإمكانية المفاوضات مع العدو الصليبيالتاريخي ، كالملك الكامل الذي استجلب سخط العالم الإسلامي كله ، حين قام بتسليمالقدس للصليبيين ، وقد تمكن الصالح أيوب الذي جاء بعده من استردادها ‏.‏

ومن الغريب أن هذه الدولة التي بدأت بعظيم من أعظم الرجال هو صلاحالدين ‏.‏‏.‏ وانتهت بملك عظيم كذلك هو الملك الصالح ، كانت نهايتها على يد امرأةمملوكة من هؤلاء اللائى يظهرن في عصور الضعف ، ويساعدن على سقوط الدول ‏.‏



إنها واحدة من هؤلاء النسوة القويات اللائى يجدن اللعب في خفاءالقصور ودستورها ، متجردات من كل خصائص الأنوثة الحقيقية ، مستغلات مظاهر هذهالأنوثة في القتل والتدمير ‏.‏‏.‏ إنها شجرة الدر ‏.‏‏.‏ التي قتلت ابن زوجها ‏"‏توران شاه ‏"‏ لكي تنفرد بالحكم ، ثم شربت من نفس الكأس حين قتلها المماليك أخذابثأر زوجها منها ‏.‏

وعجبا ‏.‏‏.‏ لقد قضي على الدولة التي قامت على أكتافها واحد منأعظم الرجال على يد مملوكة ـ مهما اختلفنا حولها ـ فإنها كذلك من أبرز نساء العالم‏.‏




يتبع
 
يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق