أوراق ذابلة من حضارتنا 25 - سقوط المرابطين بالمغرب
بدأت دولة المرابطين بالمغرب العربية بداية طيبة قوية .. كانتهذه الدولة بحق انبثاقة فكرة إسلامية عظيمة الأثر في حياة الدعوة الإسلامية ..هذه الفكرة تقوم على إبراز دور محدد قيادي للمسجد الإسلامي ، فالمسجد ليس مجرد دارلأداء صلوات خمس مبتوتة الصلة بالحياة ، وإنما المسجد الإسلامي دار تنطلق منها قيادة البشرية وتربيتها في كل مرافق الحياة .. فهو إلى جانب كونه دار عبادة هوكذلك دار علم ، وهو دار قضاء وهو مكتبة ، وهو مجلس شورى ..
أي أن المسجد في الحقيقة نموذج لكل الوزارات والدواوين التي تقود شؤون الناس وتوجه مصالحهم ، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الأربطة التي أنشأها المرابطون والتي من خلالها تكونت طليعة إسلامية استطاعت أن تنشئ دولة المرابطين التي حمت المغرب الإسلامي والأندلس قرابة قرن من الزمان .
ومضت فترة القوة في هذه الدولة عندما مات أكبر شخصية مرابطة هي شخصية يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة ، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة .
وبعد يوسف ، ومع الجهود الضخمة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول .
وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب .. كان ذلك لأن علي بن يوسف هذاقد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير ، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس ، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهما مغلوطا للإسلام بلإنه وقع في خطأ كبير .. حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين فيدولته ، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم .
ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا ، وانصراف الفقهاء إلى تكفير الناسوجمع الثروات ، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة .
كانت الخمر تباع علنا في الأسواق ، وكان النبيذ يشرب دون حرج ،وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام ، واستولى أكابر المرابطين على إقطاع اتكبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها ، واستولى النساء على الأحوال " وصارت كل امرأة تشتمل على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور " .
وكان ثمة مظهر آخر من مظاهر الفساد انتشر على عهد الخلفاء الضعافالمرابطين .. هذا المظهر هو تحجب الرجال ، حتى إن الرجل لا تبدو منه إلا عينه ،وبروز النساء وظهورهن في الأسواق العامة سافرات ، واختلاطهن بالرجال . لكن مفتاح المصائب الكبرى على المرابطين كانوا هم الفقهاء
لقد ذهبوا إلى تكفير كل من يحاول تأييد القواعد والأصول الشرعية ،لا سيما العقائد بأدلة عقلية . وقد يكونون على خطأ أو على صواب ، فلسنا نعرضلآرائهم أو لآراء غيرهم ، وإنما الذي نقصده أن نظرية التكفير هي دلالة إفلاس وتحجر، وليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر .. إذ ليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر .. إذ ليس الكفر مفتاحا يملكه الناس ما لم تظهر أدلتهالمادية التي لا تقبل الشك .. أما الخلاف على رأي فليس مجال تكفير.
وقد ذهب هؤلاء الفقهاء في استرسالهم التكفيري هذا إلى تكفير أعظم شخصية إسلامية أنجبها القرن الخامس والسادس الهجري .. وهي شخصية الإمام " أبيحامد الغزالي " المعروف بحجة الإسلام بل إنهم ذهبوا في غلوائهم أبعد مذهب ، فحرصاعلى امتيازاتهم التي يكتسبونها من جدلياتهم في علوم الفقه التي تمثل الفروع ..أفتوا بإحراق كتب الإمام الغزالي لا سيما كتابه الشهير " إحياء علوم الدين "وكانت حجتهم في ذلك اشتمال الكتاب على بعض المسائل الفلسفية الكلامية .. ممااضطر السلطان علي بن يوسف الخاضع لتأثيرهم إلى إصدار أمره بوجوب إحراق الكتاب "إحياء علوم الدين " في جميع أنحاء مملكته تنفيذا لفتوى الفقهاء ، ثم أنذر بالوعيدالشديد ... بل بالقتل واستلاب مال كل من يوجد عنده الكتاب !! .
وكان هذا الحادث أبرز ألوان الجمود والتحجر والخوف على الامتيازاتالشخصية التي أظهرها الفقهاء .
وقد بلغ الحنق بالإمام الغزالي مبلغه ، فدعا على علي بن يوسف بنتاشفين المرابطي أن يمزق الله ملكه .. حين علم بالأمر ! .
لقد كان منهج الفقه الذين تصدروا شؤون الدولة المرابطية يقوم على الابتعاد عن المصدرين الرئيسيين للتشريع وهما القرآن والسنة ، والتمسك الشديد بآراءالفقهاء .. حتى ولو لم يعرفوا لها سندا من الكتاب والسنة .. وقد بلغ الأمربهم في هذا الأمر مبلغه ، حتى أن أحد الناس قال لرجل وهما في الطريق : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا .. فرد عليه الآخر .. لكني أعتقد أنالإمام مالكا يقول كذا ( !! ) وهكذا ذهبت آراء الفقهاء في نظرهم مذهب التقديس والغلو المبالغ فيه .
وقد أمات الفقهاء واجب " الحسبة " .. وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة ، وكانب إمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها .. لكنهم جاروا العامة فيغرائزها وبحثوا عن أنفسهم ، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهمب التكفير والمروق .
بقي أن نقول : إن الفقيه أبا القاسم بن حمدين زعيم الفقهاء في هذهالفوضى .. وأكبر المكفرين للإمام الغزالي ، بل المكفر لكل من قرأ كتاب الإحياء كان يمثل نموذجا لكثير من الدجالين المتاجرين بالإسلام ، والإسلام منهم براء .
ومع ألسنة النار المندلعة من نسخ كتاب الإحياء التي أحرقت في مشهدعلي بجامع قرطبة ، كانت ألسنة نيران حركة التاريخ التي تقودها سنة الله التي لاتتخلف ، تأكل دولة المرابطين التي تركت أمرها لمجموعة من ضيقي الأفق ومرتزقة الكلمة، هؤلاء الذين لا يفهمون أصول الإسلام ولا روح الإسلام .. ولا أصول الحكم فيالإسلام .. ولا روح الحكومة الإسلامية الحقيقية ...
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
بدأت دولة المرابطين بالمغرب العربية بداية طيبة قوية .. كانتهذه الدولة بحق انبثاقة فكرة إسلامية عظيمة الأثر في حياة الدعوة الإسلامية ..هذه الفكرة تقوم على إبراز دور محدد قيادي للمسجد الإسلامي ، فالمسجد ليس مجرد دارلأداء صلوات خمس مبتوتة الصلة بالحياة ، وإنما المسجد الإسلامي دار تنطلق منها قيادة البشرية وتربيتها في كل مرافق الحياة .. فهو إلى جانب كونه دار عبادة هوكذلك دار علم ، وهو دار قضاء وهو مكتبة ، وهو مجلس شورى ..
أي أن المسجد في الحقيقة نموذج لكل الوزارات والدواوين التي تقود شؤون الناس وتوجه مصالحهم ، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الأربطة التي أنشأها المرابطون والتي من خلالها تكونت طليعة إسلامية استطاعت أن تنشئ دولة المرابطين التي حمت المغرب الإسلامي والأندلس قرابة قرن من الزمان .
ومضت فترة القوة في هذه الدولة عندما مات أكبر شخصية مرابطة هي شخصية يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة ، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة .
وبعد يوسف ، ومع الجهود الضخمة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول .
وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب .. كان ذلك لأن علي بن يوسف هذاقد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير ، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس ، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهما مغلوطا للإسلام بلإنه وقع في خطأ كبير .. حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين فيدولته ، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم .
ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا ، وانصراف الفقهاء إلى تكفير الناسوجمع الثروات ، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة .
كانت الخمر تباع علنا في الأسواق ، وكان النبيذ يشرب دون حرج ،وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام ، واستولى أكابر المرابطين على إقطاع اتكبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها ، واستولى النساء على الأحوال " وصارت كل امرأة تشتمل على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور " .
وكان ثمة مظهر آخر من مظاهر الفساد انتشر على عهد الخلفاء الضعافالمرابطين .. هذا المظهر هو تحجب الرجال ، حتى إن الرجل لا تبدو منه إلا عينه ،وبروز النساء وظهورهن في الأسواق العامة سافرات ، واختلاطهن بالرجال . لكن مفتاح المصائب الكبرى على المرابطين كانوا هم الفقهاء
لقد ذهبوا إلى تكفير كل من يحاول تأييد القواعد والأصول الشرعية ،لا سيما العقائد بأدلة عقلية . وقد يكونون على خطأ أو على صواب ، فلسنا نعرضلآرائهم أو لآراء غيرهم ، وإنما الذي نقصده أن نظرية التكفير هي دلالة إفلاس وتحجر، وليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر .. إذ ليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر .. إذ ليس الكفر مفتاحا يملكه الناس ما لم تظهر أدلتهالمادية التي لا تقبل الشك .. أما الخلاف على رأي فليس مجال تكفير.
وقد ذهب هؤلاء الفقهاء في استرسالهم التكفيري هذا إلى تكفير أعظم شخصية إسلامية أنجبها القرن الخامس والسادس الهجري .. وهي شخصية الإمام " أبيحامد الغزالي " المعروف بحجة الإسلام بل إنهم ذهبوا في غلوائهم أبعد مذهب ، فحرصاعلى امتيازاتهم التي يكتسبونها من جدلياتهم في علوم الفقه التي تمثل الفروع ..أفتوا بإحراق كتب الإمام الغزالي لا سيما كتابه الشهير " إحياء علوم الدين "وكانت حجتهم في ذلك اشتمال الكتاب على بعض المسائل الفلسفية الكلامية .. ممااضطر السلطان علي بن يوسف الخاضع لتأثيرهم إلى إصدار أمره بوجوب إحراق الكتاب "إحياء علوم الدين " في جميع أنحاء مملكته تنفيذا لفتوى الفقهاء ، ثم أنذر بالوعيدالشديد ... بل بالقتل واستلاب مال كل من يوجد عنده الكتاب !! .
وكان هذا الحادث أبرز ألوان الجمود والتحجر والخوف على الامتيازاتالشخصية التي أظهرها الفقهاء .
وقد بلغ الحنق بالإمام الغزالي مبلغه ، فدعا على علي بن يوسف بنتاشفين المرابطي أن يمزق الله ملكه .. حين علم بالأمر ! .
لقد كان منهج الفقه الذين تصدروا شؤون الدولة المرابطية يقوم على الابتعاد عن المصدرين الرئيسيين للتشريع وهما القرآن والسنة ، والتمسك الشديد بآراءالفقهاء .. حتى ولو لم يعرفوا لها سندا من الكتاب والسنة .. وقد بلغ الأمربهم في هذا الأمر مبلغه ، حتى أن أحد الناس قال لرجل وهما في الطريق : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا .. فرد عليه الآخر .. لكني أعتقد أنالإمام مالكا يقول كذا ( !! ) وهكذا ذهبت آراء الفقهاء في نظرهم مذهب التقديس والغلو المبالغ فيه .
وقد أمات الفقهاء واجب " الحسبة " .. وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة ، وكانب إمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها .. لكنهم جاروا العامة فيغرائزها وبحثوا عن أنفسهم ، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهمب التكفير والمروق .
بقي أن نقول : إن الفقيه أبا القاسم بن حمدين زعيم الفقهاء في هذهالفوضى .. وأكبر المكفرين للإمام الغزالي ، بل المكفر لكل من قرأ كتاب الإحياء كان يمثل نموذجا لكثير من الدجالين المتاجرين بالإسلام ، والإسلام منهم براء .
ومع ألسنة النار المندلعة من نسخ كتاب الإحياء التي أحرقت في مشهدعلي بجامع قرطبة ، كانت ألسنة نيران حركة التاريخ التي تقودها سنة الله التي لاتتخلف ، تأكل دولة المرابطين التي تركت أمرها لمجموعة من ضيقي الأفق ومرتزقة الكلمة، هؤلاء الذين لا يفهمون أصول الإسلام ولا روح الإسلام .. ولا أصول الحكم فيالإسلام .. ولا روح الحكومة الإسلامية الحقيقية ...
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق