الثلاثاء، 26 أبريل 2016

المميزات العامة للعصور الوسطى

المميزات العامة للعصور الوسطى

- سيطرة الكنيسة: لم تأت سنة 1054 ، التي شهدت الإنفصال المذهبي بين الغرب الكاثوليكي والشرق الأرثذكسي البيزنطي، سوى بتكريس إنقسام سنة 395 الذي أفضى إلى ظهور شطرين للإمبراطورية: شرق إغريقي وغرب لاتيني. وسواء تحدثنا عن شرق أوروبا أو غربها، فإن كلا شطري الإمبراطورية الرومانية، في ظل سيطرة الكنيسة، لم يكونا سوى إمتدادا شاحبا لتلك الإمبراطورية العظيمة. فقد تطور كل شطر بكيفية مغايرة للشطر الآخر، غير أن التخلف كان طابعا عاما لذلك التطور.

ورغم ما سلف، فإن الكنيسة الكاثوليكية هي التنظيم الأقوى الذي تمكَّن من إيجاد آليات لبسط سلطته على المجتمع. فالسلطة الدينية الكاثوليكية، التي تنظَّمت حول البابوية، ورثت عن الإمبراطورية الرومانية شغفها بالوحدة وتطلعها إلى العولمة، وذلك ما سيجعلها تعمل جاهدة لبسط سيادتها على جميع الأمراء والأمم ويجعل أيضا من الإمبراطورية والكنيسة العالميتين التصور الذي سيهيمن على العصور الوسطى كلها تقريبا. ورغم ذلك، فإن تلك "الوحدة، وحدة المعتقدات الدينية، التي أوجدتها جماعة المؤمنين بواسطة تدرج الإكليروس الكاثوليكي، سهلة وشفوية فقط.



- الأرض أساس البنية السياسية والإجتماعية للمجتمع: أوجدت غزوات البرابرة للإمبراطورية الرومانية وضعا جديدا، فقد نجم عن كونهم أقواما زراعية، لا تعرف ركوب البحر، أن تراجعت العلاقات المتوسطية تدريجيا وأخذت الأرض تتحول إلى مصدر الثروة الوحيد، بل لقد إنتقل ثقل أوروبا من جنوبها إلى شمالها. الإقطاع، الذي نشأ عقب تفسخ تنظيمات البرابرة السياسية، شكَّل أهم مظاهر تحولات مجتمعات العصور الوسطى، حيث تفككت السلطة العمومية لتفسح المجال أمام تطور علاقات التبعية والإخلاص الشخصي. ففي البداية، ظهرت الإقطاعية كتعبير عن حاجة النبلاء إلى من يحميهم من الغزوات البربرية والحروب، وذلك ما أوجد نظاما مبنيا على تعهد كل سيد بحماية سيد أقوى منه، أي ما يجعل منه مُقطَّعا vassal يتحصل لقاء إلتزامه على إقطاع خاص به feodum . لقد أدى ذلك بالدولة إلى أن تنبني على علاقات التبعية وإلى تشتت سلطة الملك بين أيادي من فَوَّض لهم حق ممارسة الكثير من سلطاته. إن الكلمات اللاتينية الثلاث: (الخطباء) oratores ( المحاربون ) bellatores ( الفلاحون ) laboratores ، التي ألِفَ المؤرخون وصف طبقات المجتمع الإقطاعي بها، بنوع من التعميم، تخفي في الحقيقة الطابع العام لبنية المجتمع، التي تستند إلى طبقتي السادة والأقنان.



- التخلف العام: لا مبالغة في وصف المؤرخين للعصور الوسطى بالمظلمة، وهي الصفة التي تعكس بعمق حجم التخلف الذي آلت إليه الحياة برمتها في ظل هيمنة الكنيسة. ف إلى النهضة وفي المجال الثقافي مثلا، "لم يكن التاريخ الفكري في أوروبا سوى فصلا من فصول تاريخ الكنيسة، إذ نادرا ما نجد تفكيرا لائكيا، لدرجة أنه حتى أولئك الذين قاوموا الكنيسة لم يجدوا بُدًّا من التفكير في تغييرها نتيجة لما لها من تأثير كبير عليهم. أما الأوضاع العامة من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية السادس عشر، فتُظهر لنا أوروبا "طحنتها الحروب والطاعون، معظم الوطنيات في غليان وتبحث لنفسها عن مكانة تحت الوحدة السطحية للملكية الإسبانية العالمية، نزاعات دينية ومعارك وفوضى بين الناس والأمور، ديانة ناشئة تقف ندًّا لأخرى أتى عليها تعسفها، غرب أوروبي جاهل يقاوم أنوار إيطاليا، فترة قديمة تخرج من قبرها، إنبعاث لغات ميتة، نشأة تقليد أدبي كبير أخذ يعطي أمور العقل معناها لصالح أجيال بلَّهَتْهَا دقائق الجدل الديني، صخب في كل مكان ولا وجود لأية سكينة، الناس كالحجيج، في أيديهم عصي، يعيشون هائمين بحثا هنا وهناك عن وطن لهم [...] وفوضى يحبل بها المجتمع الحديث.

ومثلما سلفت الإشارة، فإن الحديث عن حالة التعليم والفكر وحده، كافٍ للإنتهاء إلى صورة عامة عن أوضاع أوروبا أواخر العصور الوسطى. فإذا تناولنا الجامعات مثلا، فإننا نجد أنها ظهرت وانتشرت في أوروبا، إبان القرون الثلاثة الأخيرة من العصور الوسطى، وجاء ظهورها ذلك كمظهر ينم عن:

- حاجة إلى التحرر من السلطة الكنسية، وكرد فعل ضد الأساقفة الذين سيطروا على التعليم، الذي يمارس في المدارس الملحقة بكاتدرائياتهم؛

- كما جاءت الجامعات أيضا لتكشف عن رغبة فئة معتبرة من الأوروبيين في التحرر من السلطة العلمانية والزمنية التي تباركها الكنيسة؛

- محاولة بلوغ مستوى معرفي عام، يتعارف عليه الجميع.

وقد ساهمت الجامعات في إختفاء التفكير والتأمل الدينيين، وفي تجديد التفكير العلمي، والتفتح في النهاية على الروح الإنسانية .

التعليم ما قبل الجامعي لا يختلف عن نظيره الجامعي، فقد كان من الصعب على المدارس، التي أنشئت في البداية بأمر من شارلمان عام 789 ، أن تُخَرِّجَ فئات غير تلك التي عرفتها أوروبا العصور الوسطى، ذلك أنها لم تكن تقدم للأطفال سوى دروسا في القراءة والكتابة ومعرفة مواعيد المناسبات الدينية والإطلاع على كل ما يساعد على المعرفة العميقة للكتاب المقدس وبآباء الكنيسة.

في المراكز الثقافية والمدارس، التي عرفتها أوروبا العصور الوسطى، والتي تركز نشاطها أساسا على نسخ المخطوطات في ورشات النسخ --SS--oria ،لم يتعد التعليم حدود معرفة الفنون الثلاثة: التريفيوم trivium (القواعد والبلاغة والفلسفة [ الجدل ] أو وسائل التفكير والفهم والتعبير) والكوادريفيوم quadrivium (وسائل معرفة العالم كالحساب والهندسة والفلك، الموسيقى [ أو دراسة إنسجام وتناغم الأشياء ] .)

لقد كان من الصعب التوفيق بين العلم والإيمان، في مجتمعات يهيمن عليها رجال الدين ويسودها التعصب الديني؛ بل لقد صار الإيمان معرفة في ذاتها. وبتعبير آخر، كان من المنطقي جدا للتعليم، الذي يهدف إلى إثبات الحقائق الدينية والبرهنة على صدقها وصحتها، أن يجعل من العقل خادما وفيا للإيمان وأن يرد الجدل إلى مستوى لعب بالألفاظ، إن لم يكن إلى غاية، ويؤكد بذلك أسبقية الإيمان على العقل. ذلك ما عُرِف بالفلسفة السكولائية، "التي ظهرت مع القرن الثاني عشر، حين عرفت أوروبا إضطرابا في العقول وتوقا متزايدا إلى الحرية. والسكولائية محاولة لتقنين المعرفة كلها على ضوء بعض الشرائع والصيغ، ومن ثمة مصالحتها منطقيا مع الحقيقة. ومثلما ترجع جميع الحقوق إلى الحق الواحد، تُردُّ أيضا بعض المبادئ العامة للعدل. طبعا الحقيقة المذكورة هنا هي تلك التي كرستها الكنيسة، ومن ثمة فالسكولائية ليست ثورة ولا قطيعة.



العوامل الخارجية للنهضة:

"كان البيزنطيون هم أوائل معلمي إيطاليا، فقد كانت لهم يد في شؤونها حتى عقب سقوط الإكسرخية [الحكومة العسكرية البيزنطية] وأفول رافان Ravenne السياسي. لقد ظل هؤلاء، وإلى القرن العاشر، سادة مباشرين لمعظم المدن الإيطالية. أما البندقية فكانت التابع الأكثر طاعة من غيرها من المدن الإغريقية الأصل، حيث تحولت مع القرن العاشر إلى حليف وفي للإمبراطورية العريقة. لقد كانت تقلد معالم القسطنطينية في هندسة قصورها وكنائسها وملابسها وأعرافها الشرقية. غير أن البندقية كانت وقتئذ شبه معزولة حتى عن إيطاليا نفسها.

التأثير الإسلامي كان أكثر شمولية من نظيره البيزنطي ومَسَّ حتى مجموع الحضارة الإيطالية؛ فقد ظل المسلمون سادة لصقيلية بين القرنين التاسع والحادي عشر، وحين إنتزعها منهم النورمان، فإنهم إستمروا يؤثرون عليها بعلمهم وفنهم وشعرهم إلى أن بلغوا ذروتهم في عهد فريدريك الثاني Frédéric II ، خلال القرن الثالث عشر.

كانت المسيحية تكرههم ولكنها تحترمهم وتغار منهم بسبب حضارتهم العظيمة. أوروبا كلها كانت تتحسس إغراء هذا العرق الوسيم، الذي سمحت الحروب الصليبية برِؤية عاداته الغريبة والرفيعة. لقد كان العالم السكولائي والهمجي يعرف حجم تجاوز الشرقيين له في الثقافة العارفة إنطلاقا من مدارسهم في إسبانيا. لقد كانوا سادة علوم الطبيعة ومعكري سبات المعلمين المسيحيين، لأنهم كانوا يعرفون أسرار أرسطو، وربما ذلك ما لم يعط دانتي Dante الشجاعة لحرق ابن رشد بنفسه، فاكتفى بتصنيفه بين هوراس Horace وأفلاطون Platon .

غير أنه بدون التمييز بين المعرفة التي اكتسبها المسلمون أو ساهموا في إنتقالها إلى أوروبا، وبين الطريقة التجريبية الإستنتاجية التي كانت وراء ميلاد العلوم الحديثة، فإنه لا يمكننا إغفال قدر من المبالغة في تعظيم علوم المسلمين وقيمة مساهمتهم في الثقافة العلمية. ..



2 ـ تباشير حضارة جديدة:

كان التصور الذي هيمن على العصور الوسطى يتمثل في الإمبراطورية والكنيسة العالميتين. وسوف يشكل التقهقر التدريجي لهذه الفكرة، بين النصف الثاني من القرن الثالث عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر، المظهر الخارجي والواضح الدال على إرهاصات تغير هائل بدأ يحوم في سماء العالم؛ ذلك أنه مع القرن الثاني عشر عرفت أوروبا إضطرابا في العقول وتوقا متزايدا إلى الحرية، أفضى إلى ظهور الفلسفة السكولائية ..



نشأة البورجوازية -* : "كان لابد من إنقضاء قرون عديدة قبل الإنتقال إلى الفترة التي يُرد فيها الإعتبار للعبد ويتحرر نهائيا، ذلك أن المساواة بين النفوس لم تؤد إلى إحلال مساواة في الفرص الإجتماعية: ففي الظواهر المتعلقة بالعدد الكبير [الجماهير] يتقدم الجسد بخطى أسرع من خطى العقل. لقد حالت الظروف ما قبل التقنية prétechnique للحقبة الإقطاعية دون تمكن أناس العصور الوسطى من التحرر من أغلال العمل والجوع الثقيلة، وإرساء وحدة مدنية فوق الظروف الإجتماعية.



"مع مطلع القرن الثالث عشر، صارت الطبقة الريفية في أوروبا الوسطى والغربية، أو أنها في طريقها لأن تشكل، جمهورا من الفلاحين الأحرار. وقد تم ذلك التحول الهائل دون مطالب عنيفة أو مساعدة مبادئ ونظريات، بل كنتيجة حتمية لنهضة التجارة وظهور المدن، التي بتوفيرها أسواق لتصريف الغلال الزراعية، التي ظلت في حاجة إليها إلى ذلك الوقت، تكون قد أجبرتها على تعديل تنظيمها التقليدي وتبني أشكال إستثمار أكثر حرية ومرونة. لقد أخذ التقدم الإقتصادي يقضي على الرعاية الإجتماعية التي ظل السيد الإقطاعي يمارسها على الناس إلى ذلك الوقت. وهكذا كلما أخذت الحرية مكان السخرة والقنانة تجرد المالك تدريجيا من طابعه العائلي وإتجهت المصلحة المادية لأن تصبح المعيار الوحيد المحدد لعلاقاته مع المرتبطين معه.

الملاحظ أن ما سلف مكثف وينم عن مظاهر في حاجة إلى قدر من الشرح الذي يسهل لاحقا فهم الحديث عن ميلاد الروح الفردية والدولة الحديثة (العنصران اللذان سيستند إليهما نظام



-* ظهر مصطلح burgensis (الذي غالبا ما كان مرادفا لكلمة mercator التي تعني: تاجر)في نصوص القرن 11 (في حدود 1007 )، ويجب انتظار القرن 13 لكي يدل على الطبقة المتكونة من الحائزين على الملكية المنقولة (التجار، الصناع، السماسرة) وعلى أصحاب المهن الحرة. وفي هذه الفترة بدأ نفوذ البورجوازية السياسي، حيث ستتحالف مع العائلات المالكة -التي ستجد فيها (في البورجوازية) أوائل موظفيها- وتقف ضد النبلاء. وطبعا ستستفيد البورجوازية من تدخل الملكية في السياسة الإقتصادية.

يضرب تاريخ البورجوازية بجذوره إلى نهضة التجارة وتوسع المدن ونشأة النظم البلدية خلال الفترة الممتدة من نهاية القرن العاشر إلى نهاية القرن الثالث عشر، أي الفترة التي عرفت نضج المجتمع الإقطاعي .


 

يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق