الثلاثاء، 26 أبريل 2016

عظيمات في التاريخ 11 سعيدة المنبهي

عظيمات في التاريخ 11 

سعيدة المنبهي




في احدى الليالي " الدسمبرية " الباردة .. في فجر يوم 11 دجنبر 1977 ، كانت سعيدة المنبهي المناضلة الصامدة ضد القهر الانساني تلفظ انفاسها الاخيرة وتكتب بدمها " سأموت مناضلة " استشهدت سعيدة عندما كانت تخوض نضالا الى جانب رفيقاتها ورفاقها من اجل انتزاع مطالبهم المشروعة والعادلة ، كانت سعيدة وقتها تحترق من اجل كرامة الانسان وحقه في العيش الكريم .
قدمت حياتها ضريبة لقناعتها من اجل جلاء الظلم الى الابد . من اجل ان يسعد الاطفال ويعم الحمام الابيض ، وغصن الزيتون ربوع وطننا . . .

حياة امراة مناضلة .

ولدت سعيدة المنبهي باحد الاحياء الشعبية ، رياض الزيتون ، بمدينة مراكش ، في شتنبر 1952 ، وقضت طفولتها بنفس الحي ، ودرست بمدارس الشهداء ، ثم تابعت دراستها بثانوية ابي العباس السبتي كانت جد دينامية بالقطاع التلاميذي الى ان حصلت على الباكالوريا سنة 1971 .
قضت هذه المرحلة في كنف عائلتها وتقول عنها والدتها : « لم اجد صعوبة في تربيتها – كانت سعيدة متواضعة نشيطة ، تدرس باجتهاد ، تطالع باستمرار ، تحب الاطفال ، وكانت دائما وهي في طريقها الى البيت ، تصحب معها الاطفال الرعاة قصد اطعامهم وكسائهم وبدورهم كانوا يعترضون طريقها ليقدموا لها الورد » .
وبعد حصولها على الباكالوريا انتقلت الى الرباط لتدرس بكلية الاداب شعبة الانجليزية ، حيث قضت بها سنتين وفي هذه الفترة تشكل وعيها السياسي والنقابي . .
وتم ارتباطها بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمناضلة ومسؤولة بتعاضدية كلية الاداب .
بعدها التحقت بالمركز التربوي الجهوي ، شعبة الفرنسية ، وعملت كأستاذة باحدى ثانويات دوار الحاجة بالرباط لمدة اربعة اشهر ، ثانوية الخوارزمي .
وخلال هذه المرحلة كانت تناضل في صفوف الاتحاد المغربي للشغل وتنتمي الى الحركة الماركسية اللينينة .
في هذه الاثناء كانت حملات القمع السوداء قد شملت شرات المناضلين التقدميين بالبلاد. .
وامتدت لتشمل المناضلة سعيدة حيث اعتقلت من منزلها يوم 16 يناير 1976 ، بعدما داهم زوار الليل – المجهولون- المعروفون بيتها ، كبلوا يديها ، وضعوا عصابة على عينيها ، وساقوها الى احدى المراكز السرية للاستنطاق والتعذيب بالدار البيضاء حيث تعرضت لاصناف التعذيب الجسدي والنفسي .
تقول والدتها التي عانت الكثير اثناء الاعتقال والسجن والاستشهاد : « أنا اعرف جيدا ان ابنتي سعيدة كانت معتقلة كباقي رفاقها من اجل ارائها ، واعرف انها كانت مؤمنة بقضايا شعبنا ومن اجل الغد الافضل لان لها افكارا تحررية تعرضت للتعذيب الهمجي واللامبالاة من طرف المسؤولين عندما كانت تقاوم المرض ، وتستقبل الموت بشجاعة ؟ . . .
وفي نهاية مارس من نفس السنة نقلت الى السجن المدني بالبيضاء بعدها حكمت بسبع سنوات سجنا وفي السجن كانت ظروف الاقامة جد قاسية ولا تتوفر على الشروط الدنيا للحياة وقاومت سعيدة الزنازن والارهاب النفسي الممارس عليها ، وفي تلك الظروف العصيبة بقيت متشبثة بمبادئها ونضالها كامراة ضد الاوضاع المتعفنة السائدة وكان اختيارها المبدئي ان تحرر المراة لايمكن ان يتم الا اذا اختارت النساء المشاركة العضوية في النضال التحرري العام وفي عملية تغيير الاسس القائمة على الاستغلال والاضطهاد وسلب انسانية الانسان .
وفي المزار ، عبر لقاء الأحبة كانت سعيدة تلتقي بامها بثقة ومعنويات عالية وتردد رغم كل الحواجز المفروضة :
« انني امي هنا من اجل العيش الكريم لشعبي ان معنوياتي عالية باستمرار .. ان المستقبل لضحايا الاضطهاد الطبقي والاستبداد السياسي انني لااخاف القمع . . انني اومن بالكثير . . بقضيتي ، قضية كل الجماهير » .
وفي المعتقل القسري كتبت سعيدة مذكراتها الى والديها ومن رسالة اليهما نقتطف مايلي :
" أبواي الاعزاء " في الوقت الذي ساقضيه بعيدة عنكما ارجوكما ألا تتألما من اجلي ، ان حياتي كما قلت لكما في رسالتي السابقة تستمر وتستمر ، لاشيء يخيفني .. ان شعوري نحوكم يزداد تأججا ، الا انني لاحظت لدى امي لحبيبة في الزيارة شيئا من القلق واريد من جديد ان اتوجه اليها لكي تعيد ثقتها بي ، وبالمستقبل المشرق ، امي يجب ان تثقي ان وجودي في السجن لايعني بالضرورة حرماني من االحياة ، ان حياتي لها عدة معان ، ان السجن مدرسة وتكملة للتربية ، لهذا اريد منك وكما عهدناك دائما ان تكوني شجاعة ، قادرة على مواجهة كل متاعب الحياة ... " .
ونظرا للاوضاع العامة المتدهورة التي كان يعاني منها المعتقلون السياسيون بالسجون المغربية . قرر المعتقلون بكل من سجن البيضاء والقنيطرة الدخول في اضراب لامحدود عن الطعام من اجل فرض شروط انسانية دنيا للاعتقال ، وللمطالبة بمجموعة من الحقوق العادلة من بينها قانون المعتقل السياسي وايضا لفك الحصار عنهم وفي اليوم العاشر من شهر نونبر 1977، قررت ثلاث مناضلات ومن بينهم سعيدة المنبهي الدخول في الاضراب اللامحدود عن الطعام بعدما بداه المعتقلون بالسجن المركزي بالقنيطرة يوم 8 نونبر 1977 .
وفي صباح ذلك اليوم خرجت سعيدة ورفيقتيها الى ساحة السجن يستنشقن اخر نفحات الهواء النقي ويغذين اجسامهن باشعة الشمس ، وفي زوال نفس اليوم جاء المسؤولون عن السجن واخرجوهن من الزنزانة – فتشوها – بعثروا الملابس والكتب والافرشة البالية واخذوا بعض امتعتهن ، واقفلوا باب الزنزانة المظلمة الباردة ، تبادلت المناضلات نظرات معبرة وتعانقن عناقا حارا ملؤه التحدي ثم قمن بتهيئ فراش ما تبقى من الأغطية واضفن ملابسهن الصوفية فوقها حتى خففن من قساوة البرودة وقضين عشرة ايام على تلك الحالة دون ان يفتح الباب – ودون مقابلة احد . وعن هذه المعاناة تقول والدة الشهيدة : « كما نحن عائلات المعتقلين السياسيين نقوم بتحركات نضالية من اجل فك الحصار عنهم ، وتلبية مطالبهم العادلة ، كان المسؤولون يطاردوننا من اجل افراغ باب السجن ، كنت كباقي العائلات امنع من زيارة ابنتي سعيدة طيلة الاضراب .. وقمنا وقتها باحتجاجات الا ان مصيرنا كان الاعتقال التعسفي ، والاهانات والتهديد بالاعتقال والتعذيب ..» .
وفي اليوم التاسع عشر من شهر نونبر زارهن ممرض السجن ، وقام بفحصهن فحصا عاديا ، دقات القلب الضغط الدموي ، واكتشف ان حالة سعيدة الصحية في تدهور ، وفي المساء احضر بعض المقويات التي رفضنها ، وفي اليوم التالي تم نقلهن الى المستشفى وبما ان تلك الايام كانت عطلة عيد الاضحى فضلت ادارة السجن التملس من المسؤولية .
وفي المستشفى – المستنقع- عرفت الشهيدة معاناة جديدة . . . حيث تدهورت وضعيتها الصحية ، الام في المعدة ، قيء متواصل ، إغماءات .. وبقيت على هذه الحالة حتى يوم الخميس 8 دسمبر حيث اصبحت في حالة شبه تامة من الغيبوبة .. ونقلت الى قاعة الانعاش ، وهناك دخلت في صراع مرير مع الموت ، الاستشهاد في فجر يوم الاحد 11 دجنبر حين استشهدت وكلها صمود وتحدي .
وتقول امها الصامدة عن هذه المرحلة :
« كنت احاول لقاءها بالمستشفى طيلة وجودها هناك ، لكن دون جدوى رغم ذلك أصررت على رايي في لقائها .. واستعطفت المسؤولين .. الى ان سمح لي بعضهم بلقائها من شباك صغير . . .
اذكر لقاءها الأخير ليلة استشهادها . . كانت اثار الاضراب واضحة على وجهها ، بادية على ملامحها وضحتها ، لكن معنوياتها ظلت كما هي عالية .. قالت لي سعيدة الزهرة التي تفتحت وارادوا اقتلاعها . .
تشجعي امي ، انني لن اتنازل عن ايماني وقناعاتي لقدج اتفقت مع رفاقي على حل الاضراب لان وضعيتي الصحية لاتسمح لي الان بالاستمرار فيه .
قبلن سعيدة يدي .. وقلت لها سأحاول لقاءك غدا صباحا .
وتستمر الام العظيمة تقول :
« عدت في الغد ومعي ما هياته لسعيدة من اكل وملبوس ، لكن وجدت الخبر / الاستشهاد كانت لحظة صعبة عاينتها وعانيتها ، ، لقد اغتصبت ابنتي من حياتها وشبابها ونضالها » .
أرادوا اقتلاعها . . لكن للتاريخ وللانسان نقول سعيدة المتاضلة في جذور تربة وطنها نبتت ونمت .. وستستمر ، وفي ذاكرة الشرفاء قائمة باستمرار . . الى الابد . .

?
في المعتقل كانت سعيدة المنبهي على اتصال بالنساء المعتقلات ، ضمن الحق العام ، للتعرف على اوضاعهن واسباب وجودهن هناك ، وفي هذا الإطار قامت بتحقيق حول السجينات العاهرات ندرج تلخيصا له فيما يلي لإعطاء صورة عن كتاباتها .
وللتعرف على أوضاعهن عن قرب اجرت عدة مقابلات تستفسرهن فيها عن وضعيتهن العائلية المادية والمعنوية ، وعن اسباب احترافهن الدعارة ومن النتائج التي خلصت اليها ان 70 في المائة من النساء اللواتي يوجدن داخل السجن يمارسن الدعارة وان عمرهن يتراوح ما بين 17 سنة و40 سنة ، كلهن اميات الا بعض الاستثناءات وقد لاحظت ان هناك صنفين من العاهرات :
الصنف الاول: يمارس الدعارة في سن مبكرة ( 12—14سنة ) وينتمين الى اوساط اجتماعية جد فقيرة ، الاب عاطل والأم هي التي تسهر على رعاية الابناء مما يضطر بنات هذه العائلات الى الخروج عن البيت وممارسة الدعارة او السرقة .
الصنف الثاني : من العاهرات ينحدر من اوساط بورجوازية صغيرة ، والعاهرات من هذا الصنف سكون لهن مستوى الشهادة الابتدائية ، وامام عدم متابعة دراستهن يظل الحل الوحيد هو الزواج وغالبا ما يكون هذا الاخير بدون رضاهن نظرا لإرغامهن على الزواج من رجال مسنين واغنياء ، ولاحظت سعيدة ان غالبيتهن مطلقات او هاربات من البيت الزوجي بالاضافة الى وجود اطفال تحت رعايتهن ، فالحاجة المادية للعيش تدفعهن الى الدعارة لكن من مستوى عال حيث يترددن على الفنادق والمقاهي الفخمة ، وكان من ضمن التساؤلات التي طرحتها سعيدة عليهن لماذا يتعاطين الدعارة ؟ وكان جواب الأغلبية هو انغلاق سوق العمل أمامهن ويبقى المنفذ هو تعاطي الدعارة حتى بالنسبة لذوات الدخل المحدود


 

يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق