أوراق ذابلة من حضارتنا 3 -أحفاد " صقر قريش " يسقطون
خلافة ولدت من خلافة .. ولئن كان أبو مسلم الخراساني ، وأبوعبيد الله السفاح قد استطاعا أن يقضيا على دولة الخلافة الأموية بدمشق سنة 132 هـ ،وأن يقتلا مروان بن محمد بحلوان مصر ، فيقتلا بقتله آخر خليفة أموي في المشرقالعربي، فإن هذه الخلافة المنهارة ، قد نبتت لها بذرة غريبة الشكل والتكوين في أرضتفصلها عنها بحار ، وآلاف الأميال .
وقد استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ،أن يكون هو الفارس لهذه النبتة في الأندلس ، بعد مطاردة عنيفة تصلح أن تكون عملاروائيا عظيما ..
ونجح " صقر قريش " العجيب في أن يهرب أمام الجنود العباسيين حتىوصل إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، ثم إلى المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفيعن عيون العباسيين
لقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عنالعباسيين ، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبدالرحمن الداخل ، لكنه هزمأمامه عندما التقيا سنة 139 هـ ، ودخل عبد الرحمن قرطبة ، فتأسس بذلك للأمويينالذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين ، ملك جديد في الأندلس الإسلامية . لم تنجحكل محاولات العباسيين على عهد جعفر المنصور في استرداد الأندلس ، كما لم تنجحمحاولات ملك الصليبيين ( شارلمان ) في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش ،واستتب بذلك الأمر للفرع الأموي الذي تكون في الأندلس .
لقد عاش عبد الرحمن الداخل يبني ويقوي من دعائم دولته أكثر من ثلاثين سنة بعد ذلك .
فلما مات سنة 172 هـ كان قد ترك وراءه دولة قوية البنيان توارثهاأبناؤه من بعده .. تولاها هشام ابنه ، ثم عبد الرحمن الثاني ، إلى أن وصل الأمرإلى عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر ، الذي اعتبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم .
وقد دام حكم الناصر هذا نصف قرن من الزمان . نعمت الأندلس فيهبخير فترات حياتها في ظلال الإسلام ، وطلبت ود الدولة المماليك النصرانية المحيطةبها ، وأصبحت قرطبة ، والمدن الأندلسية الأخرى ، كعبة العلوم ، ومقصد طلاب العلم،وعواصم الثقافة العالمية الراقية ..
وفي سنة 350 هـ مات عبد الرحمن الناصر هذا ، فتربع على عرش الأندلسمن بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليهالحجاب وأبرز هؤلاء الحجاب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر ، الذي حكم باسمالأمويين بمعونة أم الخليفة " صبح " وتمكن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدةقصيرة ، مكونا خلالها الدولة المنسوبة إليه ، والمسماة بالدولة العامرية .
ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قلقة ، إلى أن قضي عليهم قضاء أخيرا في الأندلس سنة 422 هـ ، وعلى أنقاضهم قامت مجموعة دويلات هزيلة فيالأندلس عرف عهدها بعهد ملوك الطوائف ، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلستفككا وضعفا وانحدارا نحو هاوية السقوط .
لقد قضى على الأمويين في الأندلس عاملان بارزان - أولهما : أن هؤلاء الأمويين لم يفهموا طبيعة التكوين الأندلسي ، أو فهموه ولم يقوموا بما تتطلبه طبيعته ، وأبرز سمات هذا التكوين ، وجود النصارى في ترقب دائم لأية ثغرة ينفذون منها ، وتباين الأجناس التي تعيش على أرضهم وتستظل برايتهم ، لا يجمعها إلا أقوىوشيجة في التاريخ وهي الإسلام .
ولم يكن هناك من حل حضاري لمواجهة طبيعة هذاالتكوين إلا تعميق " الإسلامية " وتجديدها بين الحين والحين ، بحركات جهادمستمرة ضد المماليك النصرانية المتحفزة .. ، وفي الوقت نفسه توقف النصارى عند حدودهم وتجعلهم في موقف الدفاع لاالهجوم .
والعامل الثاني البارز كذلك ، هو ترك بعض هؤلاء الخلفاء الأمورلحُجَّابهم أو نسائهم ، مما مكن لرجل كالمنصور بن أبي عامر سرقة الخلافة دون جهد.
ومن حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه ، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها ، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية ، تكونمعرضة للزوال .. وهذا هو الأمر الذي آلت إليه أمور بني أمية في الأندلس بعدحياة دامت قريبا من ثلاثة قرون .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
خلافة ولدت من خلافة .. ولئن كان أبو مسلم الخراساني ، وأبوعبيد الله السفاح قد استطاعا أن يقضيا على دولة الخلافة الأموية بدمشق سنة 132 هـ ،وأن يقتلا مروان بن محمد بحلوان مصر ، فيقتلا بقتله آخر خليفة أموي في المشرقالعربي، فإن هذه الخلافة المنهارة ، قد نبتت لها بذرة غريبة الشكل والتكوين في أرضتفصلها عنها بحار ، وآلاف الأميال .
وقد استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ،أن يكون هو الفارس لهذه النبتة في الأندلس ، بعد مطاردة عنيفة تصلح أن تكون عملاروائيا عظيما ..
ونجح " صقر قريش " العجيب في أن يهرب أمام الجنود العباسيين حتىوصل إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، ثم إلى المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفيعن عيون العباسيين
لقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عنالعباسيين ، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبدالرحمن الداخل ، لكنه هزمأمامه عندما التقيا سنة 139 هـ ، ودخل عبد الرحمن قرطبة ، فتأسس بذلك للأمويينالذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين ، ملك جديد في الأندلس الإسلامية . لم تنجحكل محاولات العباسيين على عهد جعفر المنصور في استرداد الأندلس ، كما لم تنجحمحاولات ملك الصليبيين ( شارلمان ) في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش ،واستتب بذلك الأمر للفرع الأموي الذي تكون في الأندلس .
لقد عاش عبد الرحمن الداخل يبني ويقوي من دعائم دولته أكثر من ثلاثين سنة بعد ذلك .
فلما مات سنة 172 هـ كان قد ترك وراءه دولة قوية البنيان توارثهاأبناؤه من بعده .. تولاها هشام ابنه ، ثم عبد الرحمن الثاني ، إلى أن وصل الأمرإلى عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر ، الذي اعتبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم .
وقد دام حكم الناصر هذا نصف قرن من الزمان . نعمت الأندلس فيهبخير فترات حياتها في ظلال الإسلام ، وطلبت ود الدولة المماليك النصرانية المحيطةبها ، وأصبحت قرطبة ، والمدن الأندلسية الأخرى ، كعبة العلوم ، ومقصد طلاب العلم،وعواصم الثقافة العالمية الراقية ..
وفي سنة 350 هـ مات عبد الرحمن الناصر هذا ، فتربع على عرش الأندلسمن بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليهالحجاب وأبرز هؤلاء الحجاب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر ، الذي حكم باسمالأمويين بمعونة أم الخليفة " صبح " وتمكن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدةقصيرة ، مكونا خلالها الدولة المنسوبة إليه ، والمسماة بالدولة العامرية .
ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قلقة ، إلى أن قضي عليهم قضاء أخيرا في الأندلس سنة 422 هـ ، وعلى أنقاضهم قامت مجموعة دويلات هزيلة فيالأندلس عرف عهدها بعهد ملوك الطوائف ، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلستفككا وضعفا وانحدارا نحو هاوية السقوط .
لقد قضى على الأمويين في الأندلس عاملان بارزان - أولهما : أن هؤلاء الأمويين لم يفهموا طبيعة التكوين الأندلسي ، أو فهموه ولم يقوموا بما تتطلبه طبيعته ، وأبرز سمات هذا التكوين ، وجود النصارى في ترقب دائم لأية ثغرة ينفذون منها ، وتباين الأجناس التي تعيش على أرضهم وتستظل برايتهم ، لا يجمعها إلا أقوىوشيجة في التاريخ وهي الإسلام .
ولم يكن هناك من حل حضاري لمواجهة طبيعة هذاالتكوين إلا تعميق " الإسلامية " وتجديدها بين الحين والحين ، بحركات جهادمستمرة ضد المماليك النصرانية المتحفزة .. ، وفي الوقت نفسه توقف النصارى عند حدودهم وتجعلهم في موقف الدفاع لاالهجوم .
والعامل الثاني البارز كذلك ، هو ترك بعض هؤلاء الخلفاء الأمورلحُجَّابهم أو نسائهم ، مما مكن لرجل كالمنصور بن أبي عامر سرقة الخلافة دون جهد.
ومن حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه ، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها ، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية ، تكونمعرضة للزوال .. وهذا هو الأمر الذي آلت إليه أمور بني أمية في الأندلس بعدحياة دامت قريبا من ثلاثة قرون .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق