النبي العربي رسول الإنسانية الخالد
للأستاذ محمد المبارك
عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق
في بيئة هي أقرب البيئات إلى الفطرة الإنسانية السليمة نشأ رسولُ الإنسانية العظيم بعد أن توالى في كل قوم رسول وظهر في كل شعب نبي أو أنبياء.
لقد أراد اللهُ أن تجتمع تعاليم النبوات المتفرقة ومبادئ الرسالات التي جاءت موافقة لشعب أو فترة من الزمن في رسالة جامعية وقواعد عامة تصلح للإنسانية وتوافق البشر ويشترك الناس في الأخذ بها، وفي جعلها هدفاً لحياتهم وغاية لتطويرهم وارتقائهم، فقدّر اللهُ أن تنتهي الحوادث في أسبابها ونتائجها إلى البيئة التي يختار منها رسوله إلى الإنسانية بحيث كانت أسلمها من الفساد وأبعدها عن التردي وأقربها إلى سلامة الفطرة في طبيعتها ومزاجها وتفكيرها وخلُقها.
سر اختيار العرب لرسالة الإسلام
فلقد كان العرب منزّهين عما وقع فيه الفرس من شهوات غالبة حين كان همهم الطعام الأنيق والشراب العتيق وغير ذلك من مناعم الحياة ومتع العيش، حتى انصرفوا عن كل روح مثالية أو خلق نضالي أو ثورة تستهدف العدل، وأغمضوا عيونهم على ظلم الدهاقة وذلة العامة. وكان العرب كذلك بعيدين عن نظرة الرومان إلى الناس على أنهم محكومون وأنهم وحدهم السادة والحاكمون، وعن صورة دراويش الهند والصين الغارقين في خيالاتهم وأوهامهم وعزلتهم.
لقد كان العرب الذي اختار الله منهم رسوله إلى الإنسانية يحبون المكارم ويسودونها بينهم، ويترفعون عن إسفاف أبناء الحضارات الأخرى وشهواتهم، ويبذلون في سبيل مكارم الأخلاف ومعالى الأمور أموالهم ونفوسهم، فكانوا في رأينا أرقى من الفرس والرومان واليونان والهنود خلُقاً ونفساً، وإن كانوا من جهة المظاهر المادية للحضارة ومن ناحية التنظيم السياسي والإداري أقل شأناً وأدنى مرتبة.
على أن هؤلاء العرب كانوا قوة في الوجود مضيَّعة، وكانوا يعيشون في إطار القبيلة لا ينظم مجموعهم ناظم، ولا تقودهم قيادة، وليسوا بمعزل عن تأثير من حولهم من الدول والأمم، وليس لهم فكرة جامعة أو رسالة هادية، ولكن حكم مبعثرة ومكارم مشتتة.
تكامل العظمة في شخصية الرسول
من هذا المعدن الجيد غير المستثمَر، وفي تلك التربة الصالحة غير المستنبتة، اختار اللهُ الإنسانَ الذي جمع فيه من مكارم قومه أعظمها وأرفعها وأبعدها عن إسرافهم ونقائصهم، فكان بين الناس جميعاً المعدن الخالص من كل شائبة ومجمع الخصال الكريمة المصفاة.
إن البطولة والعظمة في البشر أنواع، أرفعها وأرقاها ما تجلى في القدرة على السمو بالنفس في جميع المواقف الإنسانية والقدرة على قيادة البشر في أوسع نطاق وإلى أرفع هدف وأنبل غاية وأصدق حقيقة.
إن أشكال الحياة تتبدل، ومغريات الشهوة تتنوع، ومطامع البشر تتعدد، فألوان الأطعمة والأشربة وصنوف اللذائذ وفنون النعيم والترف وأنواع الرتب والمناصب والرياسات كثيرة متبدلة متنوعة كلما تقدم الزمنُ، ولكنها كلها تتضمن مواقف يظهر فيها طمع النفس واشتداد الإغراء ولعب الأهواء وظروف الإثراء والثأر والانتقام أو الإيثار والصبر وتحمل المشاق وحب الخير والمعروف والإحسان.
ومقياس الرقي الإنساني ليس في مظاهر الغنى وأنواع الانتاج وضروب الصناعة وفنون التفكير ونظم الحكم وتنوّع الوظائف البشرية، بقدر ما هو في موقف النفس الإنسانية أمام المظاهر المادية للحياة مهما اختلفت من ناحية القدرة على ضبط النفس وغرائزها وشهواتها ومطامعها، وعلى توجيهها وجهة الخير والمثل الأعلى والحق والعدل والإيثار والرحمة والإحسان والقدرة على إيصال هذه الروح الخيرة إلى أكبر عدد من البشر وجعلها هي السائدة الغالية فيهم أطول مدة من الزمن.
ولو أننا قسنا الناس بهذه المقاييس لوجدنا أن لكل عظيم، سواء أكان فيلسوفاً كبيراً أو كاتباً مبدعاً، نواحي من الضعف الإنساني في إغراء نفسه وتحرك الهوى، سواء أماما المال أو الجاه أو الملذات أو حب الذات أو الشعور بالزهو أو تطلب المديح أو الثأر للنفس على ما يكون فيه من نبوغ فكري أو ابداع الراي أو قدرة على التوجيه الصالح أو النضال الشعبي أو حسن التنظيم أو القيادة.
كما أن لكل عظيم أثراً يتحدد في دائرة معينة من المكان وفي عمق محدود، ويمتد إلى زمن محدود، ولو ذهبنا ننظر بهذه النظرة إلى النبي العربي العظيم رسول الإنسانية الخالدة محمد بن عبد الله، صلوات الله عليه، لوجدنا أنه بلغ القمة التي لم يقترب منها أي عظيم في هذه المجالات كلها، سواء من جهة تنزه النفس تنزها مطلقاً عن الشهوة والهوى أو القدرة على ضبطها والسمو بها في جميع المواقف والظروف والمناسبات الخاصة والعامة، أو من جهة سعة الأثر الذي تركه في آفاق البشرية ومجتمعاتها وعمق هذا الأثر وعظيم نتائجه وفوائده وشموله لنواحي الحياة واستمرار صلاحه وخلوده. لقد كان الرسول الكريم إنساناً بلغ من طاقات الإنسانية وإمكانياتها في الكمال والسمو منتهاها وغايتها، فكان بذلك فوق البشر، مع أنه بشر، وكان قدوة لكل إنسان مهما علت منزلته يبلغ بالاقتداء به الكمال الإنساني، بل كان أفراد من صحابته وتلامذته في عدد من النواحي قدوة للإنسانية لا تلحق.
لقد جعل اللهُ محمدَ بن عبد الله في قمة البشرية جميعاً، في ماضيها ومستقبلها، وهيأه بذلك ليكون مستعداً بروحه السامية بالقدرة الإلهية من جانب، فآتاه القدرة على تلقي الوحي، وعلى أن تكون نفسه مسرحاً لأعظم الحوادث الروحية، ويتلقى من الجهة الأخرى باعتباره إنساناً بالبشرية التي هو منها ليبلغها رسالة ربه وينقل إليها المثل الأعلىالذي اختاره الله لها وليقدم لها من نفسه النموذج المثالي والقدرة الكاملة.
الرسول قدوة لكل عظيم
إن كل عالم ومفكر وكل زعيم وقائد وكل قاض وحاكم وكل عامل في هذا الحياة ينبغي له أن يتخذ من محمد رسول الله القدوة النموذجية في التجرد الخالص والتنزه عن الهوى، والإيثار وحب النفع للناس والرحمة بهم والجهاد وتحمل أقسى المشاق في سبيل الحق ونصرته وتفضيل الخير والحق والعدل على عاطفة القرابة أو صلة الرحم ورابطة النسب والعرق ولو أراد أن يكون ملك أمة أو رئيس دولة أو صاحب ثروة كبرى أو المتمتع بملاذ الدنيا لكان له ما أراد، ولكنه فضل أن ينفذ أمر الله وأن يكون حامل رسالة ومبلغ دعوة وداعية عقية ومبادئ ونظام تقلب المجتمع الذي ظهر فيه وكل مجتمع يأتي من بعده من أساسه وجذوره في ثورة مستمرة على الأوضاع الفاسدة في النفس والمجتمع تستهدف التسامي المطرد نحو الغايات الكبرى وتحل المشكلات جميعاً حلاً جذرياً يربط الإنسان بالله وإزالة ما بينه وبينه من حواجز.
أثر رسالة الرسول أثر خالد
إن عمل الرسول العظيم هذا وأثره في البشرية لا تعدله الفتوحات العظيمة ولا إقامة الإمبراطوريات ولا اختراع المخترعات ولا الثورات المحلية ولا الانتصارات السياسية ولا الابتكارات الفكرية، لأنها ثورة أفقها الإنسانية كلها، ومداها الزمن الذي ستعيشه البشرية، وأهدافها أبعد الأهداف وأجمعها لجميع الغايات الإصلاحية الأخرى، وهي أبعد الثورات غوراً وعمقاً، وأعمقها لأنها تبدأ من قلب الإنسان وتنتهي إليه.
لقد كانت نقطة انطلاق هذه الثورة، التي هي أكبر ثورة وأوسعها وأعمقها في حياة البشر، بلاد العرب، وكان المكلف من الله بالقيام بها من هذه الأمة العربية، فكأن الله أعد مكارمها وخصالها واستعدادها لتكون المادة الأولية الصالحة والأداة التنفيذية لتلك الرسالة وتلك الثورة، لا لتكون أداة استعلاء وحجة للأثرة والأنانية ووسيلة للغرور والكبرياء وذريعة لاستعمار الشعوب. فجعلت هذه الرسالة التي جاء بها النبي العربي الكريم من العرب قادة إنسانيين وهداة محررين وطلائع لإنسانية جديدة تقيم أسسها على عمارة الأرض وعبادة الله، ورابطتها على الأخوة الإنسانية والعدالة والإحسان ونظامها على الشورى والمساواة بين عباد الله.
فضل الرسول على العرب
لقد نقل محمد بن عبد الله العرب برسالته بقفزة واحدة من القبلية إلى الإنسانية، ومن مجموع قبائل يعوزها نظام سياسي جامع إلى دولة شورية هدفها قيادة الإنسانية في ثورة تحريرية شاملة، ومن المكارم المشتتة إلى النظام الكامل في الحياة الشامل لجميع نواحيها، ومن أمة يتناوشها من أطرافها نفوذ الفرس والرومان واليهود وتأثيراتها السيئة إلى أمة يمتد نفوذها المصلح إلى شعوب الأرض وأممها.
الرسول مصدر الخير الكامل للعرب وللإ نسانية
عناصر ثلاثة جمعها الله من أجل إيصال البشرية بجميع شعوبها إلى الغاية المثلى، إلى الأخوة أساساً يرتكز عليها تنظيمها، وأخلاقها والتعاون والمساواة والعدل يقوم عليها تشريعها، والإيمان بالله والشعور بالمسؤولية أمامه ضماناً لتلك الأسس والأنظمة والأخلاق، وهذه العناصر الثلاثة هي: رسالة أوحى بها، وإنسان في مستوى هذه الرسالة والاستجابة لمبادئها والإنبات لبذورها وهي البيئة العربية. لقد كان محمد صلوات الله عليه مصدر الخير الكامل ووسيلة السعادة المثلى لقومه وللأقوام جميعاً، لعصره ولعصور الإنسانية جميعاً.
لذلك كان جديراً بنا وحقاً علينا أن يحتل الرسول العظيم من قلوبنا ونفوسنا المحل الذي لا يحتله أحد في الحب والتعظيم.
للأستاذ محمد المبارك
عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق
في بيئة هي أقرب البيئات إلى الفطرة الإنسانية السليمة نشأ رسولُ الإنسانية العظيم بعد أن توالى في كل قوم رسول وظهر في كل شعب نبي أو أنبياء.
لقد أراد اللهُ أن تجتمع تعاليم النبوات المتفرقة ومبادئ الرسالات التي جاءت موافقة لشعب أو فترة من الزمن في رسالة جامعية وقواعد عامة تصلح للإنسانية وتوافق البشر ويشترك الناس في الأخذ بها، وفي جعلها هدفاً لحياتهم وغاية لتطويرهم وارتقائهم، فقدّر اللهُ أن تنتهي الحوادث في أسبابها ونتائجها إلى البيئة التي يختار منها رسوله إلى الإنسانية بحيث كانت أسلمها من الفساد وأبعدها عن التردي وأقربها إلى سلامة الفطرة في طبيعتها ومزاجها وتفكيرها وخلُقها.
سر اختيار العرب لرسالة الإسلام
فلقد كان العرب منزّهين عما وقع فيه الفرس من شهوات غالبة حين كان همهم الطعام الأنيق والشراب العتيق وغير ذلك من مناعم الحياة ومتع العيش، حتى انصرفوا عن كل روح مثالية أو خلق نضالي أو ثورة تستهدف العدل، وأغمضوا عيونهم على ظلم الدهاقة وذلة العامة. وكان العرب كذلك بعيدين عن نظرة الرومان إلى الناس على أنهم محكومون وأنهم وحدهم السادة والحاكمون، وعن صورة دراويش الهند والصين الغارقين في خيالاتهم وأوهامهم وعزلتهم.
لقد كان العرب الذي اختار الله منهم رسوله إلى الإنسانية يحبون المكارم ويسودونها بينهم، ويترفعون عن إسفاف أبناء الحضارات الأخرى وشهواتهم، ويبذلون في سبيل مكارم الأخلاف ومعالى الأمور أموالهم ونفوسهم، فكانوا في رأينا أرقى من الفرس والرومان واليونان والهنود خلُقاً ونفساً، وإن كانوا من جهة المظاهر المادية للحضارة ومن ناحية التنظيم السياسي والإداري أقل شأناً وأدنى مرتبة.
على أن هؤلاء العرب كانوا قوة في الوجود مضيَّعة، وكانوا يعيشون في إطار القبيلة لا ينظم مجموعهم ناظم، ولا تقودهم قيادة، وليسوا بمعزل عن تأثير من حولهم من الدول والأمم، وليس لهم فكرة جامعة أو رسالة هادية، ولكن حكم مبعثرة ومكارم مشتتة.
تكامل العظمة في شخصية الرسول
من هذا المعدن الجيد غير المستثمَر، وفي تلك التربة الصالحة غير المستنبتة، اختار اللهُ الإنسانَ الذي جمع فيه من مكارم قومه أعظمها وأرفعها وأبعدها عن إسرافهم ونقائصهم، فكان بين الناس جميعاً المعدن الخالص من كل شائبة ومجمع الخصال الكريمة المصفاة.
إن البطولة والعظمة في البشر أنواع، أرفعها وأرقاها ما تجلى في القدرة على السمو بالنفس في جميع المواقف الإنسانية والقدرة على قيادة البشر في أوسع نطاق وإلى أرفع هدف وأنبل غاية وأصدق حقيقة.
إن أشكال الحياة تتبدل، ومغريات الشهوة تتنوع، ومطامع البشر تتعدد، فألوان الأطعمة والأشربة وصنوف اللذائذ وفنون النعيم والترف وأنواع الرتب والمناصب والرياسات كثيرة متبدلة متنوعة كلما تقدم الزمنُ، ولكنها كلها تتضمن مواقف يظهر فيها طمع النفس واشتداد الإغراء ولعب الأهواء وظروف الإثراء والثأر والانتقام أو الإيثار والصبر وتحمل المشاق وحب الخير والمعروف والإحسان.
ومقياس الرقي الإنساني ليس في مظاهر الغنى وأنواع الانتاج وضروب الصناعة وفنون التفكير ونظم الحكم وتنوّع الوظائف البشرية، بقدر ما هو في موقف النفس الإنسانية أمام المظاهر المادية للحياة مهما اختلفت من ناحية القدرة على ضبط النفس وغرائزها وشهواتها ومطامعها، وعلى توجيهها وجهة الخير والمثل الأعلى والحق والعدل والإيثار والرحمة والإحسان والقدرة على إيصال هذه الروح الخيرة إلى أكبر عدد من البشر وجعلها هي السائدة الغالية فيهم أطول مدة من الزمن.
ولو أننا قسنا الناس بهذه المقاييس لوجدنا أن لكل عظيم، سواء أكان فيلسوفاً كبيراً أو كاتباً مبدعاً، نواحي من الضعف الإنساني في إغراء نفسه وتحرك الهوى، سواء أماما المال أو الجاه أو الملذات أو حب الذات أو الشعور بالزهو أو تطلب المديح أو الثأر للنفس على ما يكون فيه من نبوغ فكري أو ابداع الراي أو قدرة على التوجيه الصالح أو النضال الشعبي أو حسن التنظيم أو القيادة.
كما أن لكل عظيم أثراً يتحدد في دائرة معينة من المكان وفي عمق محدود، ويمتد إلى زمن محدود، ولو ذهبنا ننظر بهذه النظرة إلى النبي العربي العظيم رسول الإنسانية الخالدة محمد بن عبد الله، صلوات الله عليه، لوجدنا أنه بلغ القمة التي لم يقترب منها أي عظيم في هذه المجالات كلها، سواء من جهة تنزه النفس تنزها مطلقاً عن الشهوة والهوى أو القدرة على ضبطها والسمو بها في جميع المواقف والظروف والمناسبات الخاصة والعامة، أو من جهة سعة الأثر الذي تركه في آفاق البشرية ومجتمعاتها وعمق هذا الأثر وعظيم نتائجه وفوائده وشموله لنواحي الحياة واستمرار صلاحه وخلوده. لقد كان الرسول الكريم إنساناً بلغ من طاقات الإنسانية وإمكانياتها في الكمال والسمو منتهاها وغايتها، فكان بذلك فوق البشر، مع أنه بشر، وكان قدوة لكل إنسان مهما علت منزلته يبلغ بالاقتداء به الكمال الإنساني، بل كان أفراد من صحابته وتلامذته في عدد من النواحي قدوة للإنسانية لا تلحق.
لقد جعل اللهُ محمدَ بن عبد الله في قمة البشرية جميعاً، في ماضيها ومستقبلها، وهيأه بذلك ليكون مستعداً بروحه السامية بالقدرة الإلهية من جانب، فآتاه القدرة على تلقي الوحي، وعلى أن تكون نفسه مسرحاً لأعظم الحوادث الروحية، ويتلقى من الجهة الأخرى باعتباره إنساناً بالبشرية التي هو منها ليبلغها رسالة ربه وينقل إليها المثل الأعلىالذي اختاره الله لها وليقدم لها من نفسه النموذج المثالي والقدرة الكاملة.
الرسول قدوة لكل عظيم
إن كل عالم ومفكر وكل زعيم وقائد وكل قاض وحاكم وكل عامل في هذا الحياة ينبغي له أن يتخذ من محمد رسول الله القدوة النموذجية في التجرد الخالص والتنزه عن الهوى، والإيثار وحب النفع للناس والرحمة بهم والجهاد وتحمل أقسى المشاق في سبيل الحق ونصرته وتفضيل الخير والحق والعدل على عاطفة القرابة أو صلة الرحم ورابطة النسب والعرق ولو أراد أن يكون ملك أمة أو رئيس دولة أو صاحب ثروة كبرى أو المتمتع بملاذ الدنيا لكان له ما أراد، ولكنه فضل أن ينفذ أمر الله وأن يكون حامل رسالة ومبلغ دعوة وداعية عقية ومبادئ ونظام تقلب المجتمع الذي ظهر فيه وكل مجتمع يأتي من بعده من أساسه وجذوره في ثورة مستمرة على الأوضاع الفاسدة في النفس والمجتمع تستهدف التسامي المطرد نحو الغايات الكبرى وتحل المشكلات جميعاً حلاً جذرياً يربط الإنسان بالله وإزالة ما بينه وبينه من حواجز.
أثر رسالة الرسول أثر خالد
إن عمل الرسول العظيم هذا وأثره في البشرية لا تعدله الفتوحات العظيمة ولا إقامة الإمبراطوريات ولا اختراع المخترعات ولا الثورات المحلية ولا الانتصارات السياسية ولا الابتكارات الفكرية، لأنها ثورة أفقها الإنسانية كلها، ومداها الزمن الذي ستعيشه البشرية، وأهدافها أبعد الأهداف وأجمعها لجميع الغايات الإصلاحية الأخرى، وهي أبعد الثورات غوراً وعمقاً، وأعمقها لأنها تبدأ من قلب الإنسان وتنتهي إليه.
لقد كانت نقطة انطلاق هذه الثورة، التي هي أكبر ثورة وأوسعها وأعمقها في حياة البشر، بلاد العرب، وكان المكلف من الله بالقيام بها من هذه الأمة العربية، فكأن الله أعد مكارمها وخصالها واستعدادها لتكون المادة الأولية الصالحة والأداة التنفيذية لتلك الرسالة وتلك الثورة، لا لتكون أداة استعلاء وحجة للأثرة والأنانية ووسيلة للغرور والكبرياء وذريعة لاستعمار الشعوب. فجعلت هذه الرسالة التي جاء بها النبي العربي الكريم من العرب قادة إنسانيين وهداة محررين وطلائع لإنسانية جديدة تقيم أسسها على عمارة الأرض وعبادة الله، ورابطتها على الأخوة الإنسانية والعدالة والإحسان ونظامها على الشورى والمساواة بين عباد الله.
فضل الرسول على العرب
لقد نقل محمد بن عبد الله العرب برسالته بقفزة واحدة من القبلية إلى الإنسانية، ومن مجموع قبائل يعوزها نظام سياسي جامع إلى دولة شورية هدفها قيادة الإنسانية في ثورة تحريرية شاملة، ومن المكارم المشتتة إلى النظام الكامل في الحياة الشامل لجميع نواحيها، ومن أمة يتناوشها من أطرافها نفوذ الفرس والرومان واليهود وتأثيراتها السيئة إلى أمة يمتد نفوذها المصلح إلى شعوب الأرض وأممها.
الرسول مصدر الخير الكامل للعرب وللإ نسانية
عناصر ثلاثة جمعها الله من أجل إيصال البشرية بجميع شعوبها إلى الغاية المثلى، إلى الأخوة أساساً يرتكز عليها تنظيمها، وأخلاقها والتعاون والمساواة والعدل يقوم عليها تشريعها، والإيمان بالله والشعور بالمسؤولية أمامه ضماناً لتلك الأسس والأنظمة والأخلاق، وهذه العناصر الثلاثة هي: رسالة أوحى بها، وإنسان في مستوى هذه الرسالة والاستجابة لمبادئها والإنبات لبذورها وهي البيئة العربية. لقد كان محمد صلوات الله عليه مصدر الخير الكامل ووسيلة السعادة المثلى لقومه وللأقوام جميعاً، لعصره ولعصور الإنسانية جميعاً.
لذلك كان جديراً بنا وحقاً علينا أن يحتل الرسول العظيم من قلوبنا ونفوسنا المحل الذي لا يحتله أحد في الحب والتعظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق