تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 55
المذاهب الثمانية
هذا وقد انحسرت موجة التاريخ عن ثمانية مذاهب معروفة دُوِّنَت وجُمِعَت، ودُرِسَتْ من التلاميذ في الأماكن التي انتشرت فيها تلك المذاهب، وبعضها كَثُرَ عدد معتنقيه، وبمقدارهم كان الدرس والفحص، وبعضهم تعدَّدت أماكنه، وحيثما حلَّ تأثر بعادات الإقليم وعُرْفِه، وذلك في غير ما ثَبَتَ بالنصِّ كما ترى في المذهب الحنفي، في اختلاف العادات بين فقه أرض الروم، وما وراء النهر، والعراقيين، والاختلاف فيه اختلافُ أعرافٍ لا اختلاف فقه. وتلك المذاهب الثمانية التي سُجِّلَت في التاريخ هي: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، وهذه كما يُعَبِّرُ الفقهاء "مذاهب الأمصار"، أي أنها التي انتشرت في الأمصار الإسلامية، ولا يخلو مصر منها، وقد يخلو من بعضها، ولا يخلو من كلها.
وهناك مذاهب أربعة أخرى هي: مذهب الإمام زيد بن علي زين العابدين المُتَوَفَّى سنة 122هـ، وهو أقرب مذاهب أهل البيت إلى مذاهب الأئمة الأربعة، بل إن المخرِّجين فيه في خراسان كانوا إذا لم يجدوا نصًّا مأثورًا عن الإمام زيد، أخذوا باجتهاد أبي حنيفة رضي الله عنهما، وهو منتشر في اليمن وخراسان.
والمذهب الثاني مذهب الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر، وقد تُوُفِّيَ أبو عبد الله سنة 148هـ، وقد أخذ عنه الإمام أبو حنيفة وروى عنه أحاديث، وقال فيه: ما رأيت أحدًا أعلم باختلاف الناس من جعفر بن محمد. وهو منتشر في شيعة العراق وإيران، وبعض إندونيسيا وباكستان والهند.
والمذهب الثالث مذهب داود الأصفهاني الظاهري، الذي كان تلميذًا للشافعي t، وهو الذي قَصَرَ الاستنباط الفقهي على النصوص، وأقامه على القرآن وعلى السنة دون غيرهما، وقد دوَّن المذهب من بعده ابن حزم، وشدَّد في التمسُّك بالنصِّ أشدَّ من داود، وألَّف في ذلك كتابه (المُحَلَّى)، وإنه وإن كان المذهب لا يُعْلَمُ مَن يَعْمَلُ به بعد عصر الموحِّدين في الأندلس، فهو جامع للفقه الإسلامي، وهو ديوان من دواوينه، كما سمَّاه هو.
والمذهب الرابع هو مذهب الإباضية، ويُنْسَب إلى عبد الله بن إباض، وهو مذهب يقوم على أحاديث رسول الله r ولا يخالِف مذهب السنة إلا في الفروع، والتاريخ الإسلامي يذكر أن عبد الله بن إباض كان من الخوارج المعتزلة، الذين لا يُكَفِّرون المسلمين لما يزعمونه من أخطائهم، بل إنهم يقولون: إنهم كُفَّار نعمة.
ولكن أتباعه الذين يُقِيمُون في بعض الجُزُر والواحات يقولون: إنه كان تابعيًّا، ولم يكن خارجيًّا، ومهما يكن الشأن في أمره فإن له مذهبًا مدوَّنًا خصبًا[44].
يارب الموضوع يعجبكم
المذاهب الثمانية
هذا وقد انحسرت موجة التاريخ عن ثمانية مذاهب معروفة دُوِّنَت وجُمِعَت، ودُرِسَتْ من التلاميذ في الأماكن التي انتشرت فيها تلك المذاهب، وبعضها كَثُرَ عدد معتنقيه، وبمقدارهم كان الدرس والفحص، وبعضهم تعدَّدت أماكنه، وحيثما حلَّ تأثر بعادات الإقليم وعُرْفِه، وذلك في غير ما ثَبَتَ بالنصِّ كما ترى في المذهب الحنفي، في اختلاف العادات بين فقه أرض الروم، وما وراء النهر، والعراقيين، والاختلاف فيه اختلافُ أعرافٍ لا اختلاف فقه. وتلك المذاهب الثمانية التي سُجِّلَت في التاريخ هي: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، وهذه كما يُعَبِّرُ الفقهاء "مذاهب الأمصار"، أي أنها التي انتشرت في الأمصار الإسلامية، ولا يخلو مصر منها، وقد يخلو من بعضها، ولا يخلو من كلها.
وهناك مذاهب أربعة أخرى هي: مذهب الإمام زيد بن علي زين العابدين المُتَوَفَّى سنة 122هـ، وهو أقرب مذاهب أهل البيت إلى مذاهب الأئمة الأربعة، بل إن المخرِّجين فيه في خراسان كانوا إذا لم يجدوا نصًّا مأثورًا عن الإمام زيد، أخذوا باجتهاد أبي حنيفة رضي الله عنهما، وهو منتشر في اليمن وخراسان.
والمذهب الثاني مذهب الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر، وقد تُوُفِّيَ أبو عبد الله سنة 148هـ، وقد أخذ عنه الإمام أبو حنيفة وروى عنه أحاديث، وقال فيه: ما رأيت أحدًا أعلم باختلاف الناس من جعفر بن محمد. وهو منتشر في شيعة العراق وإيران، وبعض إندونيسيا وباكستان والهند.
والمذهب الثالث مذهب داود الأصفهاني الظاهري، الذي كان تلميذًا للشافعي t، وهو الذي قَصَرَ الاستنباط الفقهي على النصوص، وأقامه على القرآن وعلى السنة دون غيرهما، وقد دوَّن المذهب من بعده ابن حزم، وشدَّد في التمسُّك بالنصِّ أشدَّ من داود، وألَّف في ذلك كتابه (المُحَلَّى)، وإنه وإن كان المذهب لا يُعْلَمُ مَن يَعْمَلُ به بعد عصر الموحِّدين في الأندلس، فهو جامع للفقه الإسلامي، وهو ديوان من دواوينه، كما سمَّاه هو.
والمذهب الرابع هو مذهب الإباضية، ويُنْسَب إلى عبد الله بن إباض، وهو مذهب يقوم على أحاديث رسول الله r ولا يخالِف مذهب السنة إلا في الفروع، والتاريخ الإسلامي يذكر أن عبد الله بن إباض كان من الخوارج المعتزلة، الذين لا يُكَفِّرون المسلمين لما يزعمونه من أخطائهم، بل إنهم يقولون: إنهم كُفَّار نعمة.
ولكن أتباعه الذين يُقِيمُون في بعض الجُزُر والواحات يقولون: إنه كان تابعيًّا، ولم يكن خارجيًّا، ومهما يكن الشأن في أمره فإن له مذهبًا مدوَّنًا خصبًا[44].
يارب الموضوع يعجبكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق