تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 34
تابع:::سلسلــــــــــــــــــــــــــه العلـــــــــــــــــــــوم الشــــــــرعيــــــــــــــــه
قصة السنة
ازدهار حفاظ السنة النبوية
على أنَّ العصر الذهبي -الذي يُعَدُّ من أزهى عصور السُّنَّة النبوية- هو ما كان في القرن الثالث الهجري؛ إذ نشطت فيه الرحلة في طلب العلم، ونشط فيه التأليف في عِلْمِ الرجال، وتُوُسِّع في تدوين الحديث، حتى ظهرت كتب المسانيد والكتب السِّتَّة (الصحاح والسُّنَن) التي اعتمدتها الأُمَّة، واعتبرتها دواوين الإسلام.
وقد برز في هذا العصر كثير من الحُفَّاظ، والنُقَّاد، والعلماء الثقات: كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المَدِينِيِّ، ويحيى بن مَعِينٍ، وأبي عبد الله البخاري، ومسلم بن الحَجَّاج، وأبي زُرْعَة، وغيرهم كثير ممن كان على أيديهم تأسيس كثير من علوم الحديث عمومًا، وعلم الجَرْحِ والتعديل خصوصًا[36].
كما ظهر على أيدي هؤلاء الأعلام نوعٌ جديد من التأليف، وهو ما عُرِفَ بكتب العقيدة، وكان التأليف في ذلك على نوعين: الأوَّل: ما جمع فيه مؤلِّفوه النصوص الواردة في العقيدة من الكتاب والسنة مع بيان منهج السلف من الصحابة والتابعين في فَهْمِ هذه النصوص، وموقفهم من أصحاب الأهواء، وكان أغلب هذا النوع بعنوان: "السُّنَّة"، وذلك مثل: (السُّنَّة) لأحمد بن حنبل، و(السُّنَّة) لأبي نصر المروزي وغيرها. والنوع الثاني: هو ما سلك فيه مؤلِّفوه مسلك الردِّ على المبتدِعَة؛ وذلك لهَتْكِ أستارهم، وفضح أسرارهم، وتحذير المسلمين منهم، فكان من ذلك – على سبيل المثال -: (الردُّ على الجهميَّة) لأحمد بن حنبل، و(خلق أفعال العباد) للبخاري[37].
وبصفة عامَّة فقد تميَّز التدوين في هذا القرن بما يلي:
1- تجريد أحاديث رسول الله r، وتمييزها عن غيرها.
2- الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحَّة والضعف.
3- تنوُّع المصنَّفات في تدوين السُّنَّة؛ فظهرت كتب المسانيد التي تعتني بجمع أحاديث كل صحابي على حِدَة، وكتب الصحاح والسُّنَن التي تعتني بتصنيف أحاديث رسول الله r على الكتب والأبواب مع العناية ببيان الصحيح من غيره، كالكتب السِّتَّةِ وغيرها، ثم كُتُب مختلِف الحديث ومشْكِلِهِ، ككتاب اختلاف الحديث لعَلِيِّ ابن المديني، وتأويل مختلِف الحديث لابن قُتَيْبَة، وغيرها[38].
ابتُدِئ التأليف في القرن الثالث على طريقة المسانيد، وأوَّل مَن فعل ذلك عبد الله بن موسى العَبْسِيُّ الكُوفِيُّ، ومُسَدَّد البَصْرِيُّ، وأسد بن موسى، ونُعَيْمُ بن حمَّاد الخُزَاعِيُّ، ثم اقتفى أثرهم الحُفَّاظ؛ فصنَّف الإمام أحمد مسنده المشهور، وكذلك فعل إسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة، وقد أَفْرَدَ هؤلاء العلماء حديث رسول الله r دون مَزْجِهِ – كما كان يحدث سابقًا - بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وهو ما جعل إمام المحدِّثين في عصره محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) أن ينحُوَ في التأليف منحًى جديدًا، وهو الاقتصار على الحديث الصحيح فقط دون غيره، فألَّف كتابه (الجامع الصحيح)، وتبِعَه في طريقته تلميذه الشهير مسلم بن الحجاج القُشَيْرِيُّ (ت 261هـ)، وكان لهما الأثر الكبير في أن يتَّبِعَهما في السير على منهجيَّة واحدة: أبو داود (ت 275هـ)، والنَّسائي (ت 303هـ)، والترمذي (ت 279هـ)، وابن ماجه (ت 273هـ)، وقد جمع هؤلاء الأئمة في مصنَّفاتهم كل المصنفات السابقة عليهم؛ فقد كانوا يَرْوُونها عنهم كما كانت عادة المحدِّثين[39].
تابع:::سلسلــــــــــــــــــــــــــه العلـــــــــــــــــــــوم الشــــــــرعيــــــــــــــــه
قصة السنة
ازدهار حفاظ السنة النبوية
على أنَّ العصر الذهبي -الذي يُعَدُّ من أزهى عصور السُّنَّة النبوية- هو ما كان في القرن الثالث الهجري؛ إذ نشطت فيه الرحلة في طلب العلم، ونشط فيه التأليف في عِلْمِ الرجال، وتُوُسِّع في تدوين الحديث، حتى ظهرت كتب المسانيد والكتب السِّتَّة (الصحاح والسُّنَن) التي اعتمدتها الأُمَّة، واعتبرتها دواوين الإسلام.
وقد برز في هذا العصر كثير من الحُفَّاظ، والنُقَّاد، والعلماء الثقات: كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المَدِينِيِّ، ويحيى بن مَعِينٍ، وأبي عبد الله البخاري، ومسلم بن الحَجَّاج، وأبي زُرْعَة، وغيرهم كثير ممن كان على أيديهم تأسيس كثير من علوم الحديث عمومًا، وعلم الجَرْحِ والتعديل خصوصًا[36].
كما ظهر على أيدي هؤلاء الأعلام نوعٌ جديد من التأليف، وهو ما عُرِفَ بكتب العقيدة، وكان التأليف في ذلك على نوعين: الأوَّل: ما جمع فيه مؤلِّفوه النصوص الواردة في العقيدة من الكتاب والسنة مع بيان منهج السلف من الصحابة والتابعين في فَهْمِ هذه النصوص، وموقفهم من أصحاب الأهواء، وكان أغلب هذا النوع بعنوان: "السُّنَّة"، وذلك مثل: (السُّنَّة) لأحمد بن حنبل، و(السُّنَّة) لأبي نصر المروزي وغيرها. والنوع الثاني: هو ما سلك فيه مؤلِّفوه مسلك الردِّ على المبتدِعَة؛ وذلك لهَتْكِ أستارهم، وفضح أسرارهم، وتحذير المسلمين منهم، فكان من ذلك – على سبيل المثال -: (الردُّ على الجهميَّة) لأحمد بن حنبل، و(خلق أفعال العباد) للبخاري[37].
وبصفة عامَّة فقد تميَّز التدوين في هذا القرن بما يلي:
1- تجريد أحاديث رسول الله r، وتمييزها عن غيرها.
2- الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحَّة والضعف.
3- تنوُّع المصنَّفات في تدوين السُّنَّة؛ فظهرت كتب المسانيد التي تعتني بجمع أحاديث كل صحابي على حِدَة، وكتب الصحاح والسُّنَن التي تعتني بتصنيف أحاديث رسول الله r على الكتب والأبواب مع العناية ببيان الصحيح من غيره، كالكتب السِّتَّةِ وغيرها، ثم كُتُب مختلِف الحديث ومشْكِلِهِ، ككتاب اختلاف الحديث لعَلِيِّ ابن المديني، وتأويل مختلِف الحديث لابن قُتَيْبَة، وغيرها[38].
ابتُدِئ التأليف في القرن الثالث على طريقة المسانيد، وأوَّل مَن فعل ذلك عبد الله بن موسى العَبْسِيُّ الكُوفِيُّ، ومُسَدَّد البَصْرِيُّ، وأسد بن موسى، ونُعَيْمُ بن حمَّاد الخُزَاعِيُّ، ثم اقتفى أثرهم الحُفَّاظ؛ فصنَّف الإمام أحمد مسنده المشهور، وكذلك فعل إسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة، وقد أَفْرَدَ هؤلاء العلماء حديث رسول الله r دون مَزْجِهِ – كما كان يحدث سابقًا - بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وهو ما جعل إمام المحدِّثين في عصره محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) أن ينحُوَ في التأليف منحًى جديدًا، وهو الاقتصار على الحديث الصحيح فقط دون غيره، فألَّف كتابه (الجامع الصحيح)، وتبِعَه في طريقته تلميذه الشهير مسلم بن الحجاج القُشَيْرِيُّ (ت 261هـ)، وكان لهما الأثر الكبير في أن يتَّبِعَهما في السير على منهجيَّة واحدة: أبو داود (ت 275هـ)، والنَّسائي (ت 303هـ)، والترمذي (ت 279هـ)، وابن ماجه (ت 273هـ)، وقد جمع هؤلاء الأئمة في مصنَّفاتهم كل المصنفات السابقة عليهم؛ فقد كانوا يَرْوُونها عنهم كما كانت عادة المحدِّثين[39].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق