الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 24


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 24


تابع::::::::::::::::


سلسلة :الفنون



المدارس في العصر المملوكي.. تخصص وجدارة


اشتهر العصر المملوكي بكثرة المدارس التي بنيت فيه، فقد تسابق أمراء وسلاطين المماليك في بناء المدارس الشرعية والعلمية، فتفننوا في بنائها وعمارتها، بل اهتموا بتعيين أفاضل العلماء وكبرائهم في هذه المدارس.

إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.


المدرسة الصالحيةفقد "درَّس الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام[1] بالمدرسة الصالحية بين القصرين"[2] وذلك في عام 650هـ، كما درّس في هذه المدرسة تقي الدين بن بنت الأعز[3] في عام 680هـ، وسراج الدين البُلقيني[4] في المدرسة الناصرية 779هـ، والعلامة المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون في المدرسة القمحية في سنة 786هـ، وغيرهم من كبار العلماء على مدار تاريخ المماليك[5].


الاحتفال بافتتاح المدارس
افتتاح المدرسة الظاهرية


إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.


المدرسة الظاهريةوقد كان العلماء والفقهاء والرعية ومعهم السلاطين، يحتفلون غاية الاحتفال عند افتتاح مدرسة من المدارس، ففي عام 661هـ افتتح الملك الظاهر بيبرس المدرسة الظاهرية، فاجتمع أهل العلم في هذه المدرسة بين القصرين عند تمام عمارتها، "وحضر القُرّاء وجلس أهل كل مذهب في إيوانهم. وفوض تدريس الحنفية للصدر مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين بن العديم، وتدريس الشافعية للشيخ تقي الدين محمد ابن الحسن بن رزين، والتصدير لإقراء القرآن للفقيه كمال الدين المحلِّي، والتصدير لإفادة الحديث النبوي للشيخ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي. وذكروا الدروس ومدت الأسمطة، وأنشد جمال الدين أبو الحسين الجزار[6]...، وأنشد عدة من الشعراء أيضًا، ومنهم السراج الوراق، والشيخ جمال الدين يوسف بن الخشاب، فخلع عليهم، وكان يومًا مشهودًا، وجعل السلطان بهذه المدرسة خزانة كتب جليلة، وبنى بجانبها مكتبًا للسبيل، وقرر لمن فيه من أيتام المسلمين الخبز في كل يوم، والكسوة في فصل الشتاء والصيف"[7].





وكان هناك من أمراء المماليك من يبني المدارس بجوار بيته؛ حبًّا فيها، ورغبة في نشر العلم بين أهله وجيرانه، ففي عام 730هـ بنى الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي[8] مدرسة بجوار داره، قريبًا من درب ملوخيا بالقاهرة، ووقف عليها أوقافًا جليلة[9].



وقد كانت هناك وظيفة أخرى لبعض المدارس المملوكية، بجوار التدريس، فقد كانت بعض هذه المدارس بمنزلة دار للقضاء والمحاكمة، والنظر في الجرائم الكبرى، كما حدث مع أحد المجرمين العتاة ويُسمى بابن سبع، حينما حكم عليه فقهاء الشافعية بحقن دمه، ومن ثَمَّ سجنه، خلافًا لما ارتأه المالكية بإراقة دمه وقتله، وقد حدثت هذه المحاكمة في المدرسة الصالحية بين القصرين في عام 791هـ[10].


المدارس التجريبية


وقد كانت هناك مدارس متخصصة للعلوم التجريبية والتطبيقية: كالمدارس المخصصة لتدريس الطب وعلومه، مثل المدرسة الظاهرية البرانية في دمشق، التي كانت تستقطب أعظم العلماء المتخصصين في هذه الصنعة؛ ففي عام 724هـ استوفد عالم الطب الشهير في عصره نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي[11]، للتدريس في المدرسة الظاهرية البرانية بعدما تعلَّم الطب وفنونه من بلاد الأزبك[12] عبر رحلة علمية استغرقت بضع سنين[13].

إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.


وكانت المدرسة الدخوارية -كانت قبلي الجامع الأموي في دمشق- من أشهر مدارس وكليات الطب في الشام، وقد أنشئت في عام 621هـ، أنشأها الطبيب الدمشقي الشهير المهذب الدخوار عبد الرحيم بن علي حامد[14]، شيخ الطب، وواقف هذه المدرسة، وقد مدحه الطبيب الشهير ابن أبي أصيبعة[15]فقال: "كان أوحد عصره، وفريد دهره، وعلاّمة زمانه، وإليه انتهت رئاسة الطب على ما ينبغي، أتعبَ نفسه في الاشتغال؛ حتى فاق أهل زمانه، وحظي عند الملوك"[16].


المدرسة المنصورية



المدرسة المنصوريةأما عن المدرسة المنصورية فكانت بمنزلة جامعة متعددة الفروع والأقسام، والمدرسة المنصورية أنشأها سلطان مصر المنصور قلاوون الألفي بين القصرين في القاهرة، فكانت مقسمة لتدريس المذاهب الفقهية، لكل مذهب مدرس مخصص، ومكان معين، كما خُصص فيها قسم لتدريس العلوم الطبية، وقسم لدراسة الحديث النبوي، وقسم لتفسير القرآن الكريم، "وكانت هذه التداريس لا يليها إلاّ أجلُّ الفقهاء المعتبرين"[17].


حصر المدارس الإسلامية


وقد اهتمت بعض المؤلفات التاريخية بحصر المدارس المذكورة في كل بلد على حدة، فقد ألف عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي (ت 927هـ) كتابه الشهير "الدارس في تاريخ المدارس" وتناول هذا الكتاب الأبواب التالية: دور القرآن - دور الحديث - ثم دور القرآن والحديث معًا - المدارس ومنها مدارس الطب - الخوانق - الرباطات - الزوايا - الترب - المساجد والجوامع. وأما أسلوبه، فكان يذكر اسم المدرسة مثلاً ويحدد موقعها ويذكر ترجمة بانيها، ويعدِّد ما أوقف عليها، ثم يذكر المدرِّسين الذين تعاقبوا فيها إلى زمن المؤلف وسيرهم، ومن المعلوم أن هذا الكتاب قد خُصّص لمدارس مدينة دمشق فقط.‏



وقد فعل المقريزي مثل ذلك في موسوعته الشهيرة "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"، فقدم للدارسين خدمة كبيرة، حيث ذكر مدارس القاهرة في العصرين الأيوبي والمملوكي[18].



إن اهتمام المسلمين بإنشاء المدارس في كافة أنحاء المجتمع الإسلامي، ليُدلل على أن هذه الحضارة، قد أخذت بعين الاعتبار أن العلم أساس كل تقدُّم، بل قدمت للعالم نموذجًا فريدًا في نشر العلم بين الفقير والغني، والكبير والصغير، والرجل والمرأة حتى أصبحت الحضارة الإسلامية متربّعة على قمة التطور العلمي طوال قرون متعددة.


المراجع::


_________________________________


[1] العز بن عبد السلام: هو عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي (577- 660هـ/ 1181- 1262م)، ولقبه عز الدين، وهو المعروف بسلطان العلماء، فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد، ولد ونشأ في دمشق، وتولى القضاء في مصر. من كتبه: التفسير الكبير. انظر الزركلي: الأعلام 4/21.
[2] المقريزي: السلوك 5/485.
[3] تقي الدين بن بنت الأعز: محمد بن أحمد بن عبد الوهاب بن خلف العلائي (ت 695هـ/ 1296م) القاضي شهاب الدين ابن القاضي علاء الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين، المعروف بابن بنت الأعز المصري الشافعي. انظر: الفاسي: ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد 1/52.
[4] سراج الدين البلقيني: هو أبو حفص عمر بن رسلان بن صالح الكناني (724- 805هـ/ 1324- 1403م)، مجتهد حافظ للحديث، وُلِدَ في بلقينة من غربية مصر، وتعلم بالقاهرة. وولي قضاء الشام سنة 769هـ، وتوفي بالقاهرة. انظر: الزركلي: الأعلام 5/46.
[5] المقريزي السلوك 4/347، 5/163.
[6] الجزار: هو يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد (601- 679 هـ / 1204- 1280م) شاعر مصري ظريف. انظر: الزركلي: الأعلام 8/153.
[7] المقريزي السلوك 2/3..
[8] مغلطاي: هو أبو عبد الله علاء الدين مغلطاى بن قليج بن عبد الله المصرى الحنفي (689- 762هـ/1290- 1361م) كان نقادة، له مآخذ على المحدثين وأهل اللغة. صنف أكثر من مائة مؤلف، منها (شرح البخاري). انظر: الزركلي: الأعلام 7/275.
[9] المقريزي: السلوك 3/133.
[10] المصدر السابق 5/241.
[11] عبد الرحيم بن الشحام الموصلي: هو نجم الدين بن الشحام الشافعي (653 - 730هـ) تعلم الفقه، ثم قدم دمشق سنة 724هـ، وولي مشيخة خانقاه القصرين، وكان يعرف الفقه على مذهب الشافعي والطب. انظر الحافظ العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 3/150.
[12] بلاد في آسيا الوسطى، موقعها الآن دولة أوزبكستان.
[13] النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 1/261.
[14] مهذب الدين الدخوار: هو عبد الرحيم بن علي بن حامد الدخوار (565- 628هـ/ 1170- 1230م)، ولد ونشأ في دمشق، واتصل بالملك العادل الأيوبي. من كتبه: "الجنينة" في الطب، و"مختصر الأغاني" للأصفهاني. انظر: الزركلي: الأعلام 3/0347
[15] ابن أبي أصيبعة: هو أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة (596- 668هـ / 1200- 1270م) الطبيب المؤرخ، صاحب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء". توفي في صَرْخد بسوريا. انظر: محمد الخليلي: أدباء الأطباء 1/52.
[16] ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء 4/318.
[17] المقريزي: المواعظ والاعتبار 3/480.
[18] انظر: فتحية النبراوي: تاريخ النظم والحضارة الإسلامية ص224.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق