الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 38


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 38



تابع:::سلسلــــــــــــــــــــــــــه العلـــــــــــــــــــــوم الشــــــــرعيــــــــــــــــه

قصة السنة



ظهور مدرسة تخريج الأحاديث

لا يشكُّ أحدٌ في فائدة التخريج؛ إذ لا يسوغ لطالب العلم، ولا سيما المتخصِّص في الحديث، أن يروي حديثًا إلاَّ بعد معرفة مَن أخرجه من الأئمة، ومرتبته من الصحَّة أو عدمها.

والحقيقة أن العلماء قديمًا لم يكونوا يحتاجون إلى التخريج، وخاصَّة في القرون الخمسة الأولى؛ لما حباهم الله من الحفظ وسعة الاطلاع على الكتب المسندة التي جمعت أحاديث رسول الله r، وبقي الحال على ذلك عدَّة قرون، حتى ضعف الحفظ وقلَّ الاطلاع على كتب السُّنَّة ومصادرها الأساسيَّة، فصعُب على كثير من الناس معرفة مواضع الأحاديث التي استَشْهَد بها المصنِّفون في علوم الشريعة وغيرها، كالفقه، والتفسير، والتاريخ، والسِّيَر.

عند ذلك نهض بعض العلماء لتخريج أحاديث بعض الكتب المصنَّفة في غير الحديث، كالفقه والتفسير وغيرها، وعزو تلك الأحاديث إلى مصادرها من كتب السُّنَّة الأساسيَّة، وذكروا طُرُقَها وتكلَّموا على أسانيدها ومتونها بالتصحيح والتضعيف حسب ما تقتضيه القواعد، وعند ذلك ظهر ما يُسَمَّى بكتب التخريج، وكان من أوائل تلك الكتب: الكتب التي خرَّج الخطيب البغدادي (ت 463هـ) أحاديثها، ومن أشهرها: "تخريج الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب" لأبي القاسم المِهْرَوَانِيِّ، و"تخريج الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب" للحسيني.

ثم تتابعت بعد ذلك كتب التخريج حتى شاعت وكثرت، وبلغت عشرات المصنفات، وخاصَّة في القرنين الثامن والتاسع؛ وبذلك قدَّم علماء الحديث في القرون المتأخِّرة خدمة كبيرة لتلك الكتب التي خرَّجوا أحاديثها، كما قدَّموا أيضًا خدمة جليلة للسُّنَّة المطهَّرة ولطلبة علم الحديث الشريف.

ومن أشهر كتب التخريج: "نصب الراية لأحاديث الهداية" لعبد الله بن يوسف الزَّيْلَعِيِّ (ت 762هـ)، وله أيضًا: "تخريج أحاديث كشاف الزمخشري"، و"البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي"، لابن الملقن (ت 804هـ)، و"المُغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في إحياء علوم الدين من الأخبار" للحافظ العراقي (ت 806هـ).

7- كتب الزوائد: وهي الكتب أو المصنفات التي تُعنى بجمع زوائد كتب مُعَيَّنة كالمسانيد والمعاجم على كتب مخصوصة من أُمَّهات كتب الحديث، كالكتب السِّتَّة، ومسند أحمد، وصحيح ابن حبان، وغيرها، وتكمن أهمِّيَّة كتب الزوائد في أنها تُكَوِّن موسوعة حديثيَّة إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض، كما أنها تفيد في معرفة المتابَعات والشواهد، والوقوف على طرق بعض الأحاديث التي لولا كتب الزوائد لما تمكَّنَّا من معرفتها، إمَّا لضياع أصولها، أو لصعوبة الوصول إليها.

ويُعْتَبَر الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ) صاحب فكرة جمع الزوائد ومبتكرها، وإن كان لم يُؤَلِّف في ذلك، ثم جمع الهيثمي بإشارة من شيخه العراقي أيضًا زوائد هذه الكتب الستة في كتاب واحد محذوف الأسانيد سمَّاه: "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، وكان له أيضًا: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، وبُغْيَة الباحث عن زوائد مسند الحارث.

وكان هناك أيضًا: المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية، وزوائد البزار على الكتب الستة وزوائد مسند أحمد لابن حجر، وإتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، و"مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه على الخمسة" للبُوصِيرِيِّ (ت 840هـ).

8- كتب الجوامع: ويُراد بها في مصطلح الحديث ما يُوجد فيه جميع أقسام الحديث؛ أي أنه يضمُّ أحاديث العقائد، وأحاديث الأحكام، وأحاديث الرقائق، وأحاديث الآداب، والأحاديث المتعلِّقة بالتفسير، والأحاديث المتعلِّقة بالتاريخ والسير، وأحاديث الفتن والملاحم، وأحاديث المناقب والفضائل[51].

والمراد هنا بالطبع تلك الكتب التي قصد مصنِّفوها جَمْعَ الأحاديث النبويَّة فيها مطلقًا، كالجامع الكبير والجامع الصغير للسيوطي، أو جمع أحاديث كتب مخصَّصة[52]، كجامع الأصول لابن الأثير للكتب السِّتَّة، وجامع المسانيد لابن كثير للكتب العشرة.

ومن أهمِّ كتب الجوامع: بحر الأسانيد في صحيح المسانيد للسمرقندي (ت 491هـ)، قال عنه الذهبي: "جمع في هذا الكتاب مائة ألف حديث، وهو ثمانمائة جزء، لو رُتِّب وهُذِّب لم يقع في الإسلام مثله"[53].

وهناك أيضًا: "جامع الأصول لأحاديث الرسول r" لأبي السعادات ابن الأثير (ت 606هـ)، و"جامع المسانيد" لابن كثير (ت 774هـ)، و"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي (ت 807هـ)، والجامع الكبير المعروف بجمع الجوامع لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ).


المراجع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





[51] المباركفوري: مقدمة تحفة الأحوذي ص34.

[52] المصدر السابق ص40.

[53] تذكرة الحفاظ 4/1231
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق