الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 53


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 53


الإمام أحمد بن حنبل

أما رابع هؤلاء الأئمة فهو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، الذي وُلِدَ في بغداد سنة 164هـ، وتُوُفِّيَ فيها سنة 241هـ.
ويُعَدُّ الأَثَرُ أساس اجتهاد الإمام أحمد رحمه الله، ولا يَعْدِل عنه إلى القياس حتى يستنفد النصوص، ثم اجتهاد الصحابة، وإذا كان للصحابة رأيانِ رجَّح بينهما أو أقرَّ الرأيين معًا، ولهذا يُروى عنه في المسألة روايتان، وحينًا ثلاث روايات، قال عبد الوهاب الوراق: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل. فقالوا له: وأيُّ شيء بان لك من فضله؟ قال: رجل سُئل ستِّين ألف مسألة، فأجاب فيها: حدَّثنا وأخبرنا". وليس معنى أن يكون جوابه للمسألة بحدَّثنا وأخبرنا أنه كان يُلقي بالأثر من غير فقه، بل كان دقيقًا بما يُفْتِي، عليمًا بما يَأْخُذُ أو ما يَدَعُ، حتى إنه ربما أجاب إجابة فيها من بُعْدِ النظر وشموله ما لا يصل إليه كثير ممن شُهِرَ بالاجتهاد[41].
وهناك قاعدة يُطَبَّق عليها الفقه الحنبلي، اختصرها ابن تيمية في قوله: "توقيف في العبادات، وعفو في المعاملات". وقد فصَّل هذا القول ابن القيم بقوله: "الأصل في العبادات البُطلان، حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحَّة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما أن الله i لا يُعْبَد إلا بما شرعه على أَلْسِنَةِ رسله، فإن العبادة حقُّه على عباده، وحقُّه الذي أحقَّه هو، ورضي به وشرعه، وأمَّا العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يُحَرِّمَها؛ ولهذا نعى الله على المشركين مخالفة هذين الأصلين: وهو تحريم ما لم يُحَرِّمْه، والتقرُّب إليه بما لم يشرعه". وهذا الأصل يُعطي الفقه الحنبلي صفة الحركة والمرونة، اللَّتين تَحِلانِ أكثر مشاكل العصور والأمم[42].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق