الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 48


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 48



نشأة المذاهب الإسلامية





ولا شكَّ أن التابعين تفرَّقوا في الأمصار بعد اتساع الرقعة الإسلامية، وقد لاقَوْا أوضاعًا وأحداثًا وأمورًا لم تَعْرِض للصحابة من قبلُ، وكان عليهم أن يبحثوها ويُفْتُوا فيها، وبذلك ازداد نطاق الفقه اتِّساعًا؛ الأمر الذي اختلفت بسببه أقوال التابعين، وكان من وراء ذلك أن صار لكل فقيه من التابعين جملة آراء مستقلَّة نستطيع أن نسميها مذهبًا، واشتهر من هؤلاء: سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمر في المدينة، ويحيى بن سعيد، وربيعة بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح في مكة، وإبراهيم النخعي، والشعبي في الكوفة، والحسن البصري في البصرة، وطاوس بن كيسان في اليمن، ومكحول في الشام... إلخ[26].
والذي ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن الصحابة اختلفوا، وفي زمن الرسول r نفسه، وأن التابعين كذلك اختلفوا على نحو ما أشرنا، وأن هذا الاختلاف الذي هو في الفروع الفقهية -كما يقول الإمام أبو زهرة- لا ضرر فيه على المسلمين، ولا على الحقائق الإسلامية ما دام القصد الوصول إلى الحقِّ، وليس في واحدٍ من الآراء هدم لنصٍّ، أو نقض لأصل، أو مصادمة لمقصد من المقاصد الشرعية، ويُروى في ذلك أن عمر بن عبد العزيز قال: "ما يسرني باختلاف أصحاب رسول الله r حُمْرُ النَّعَمِ، ولو كان رأيًا واحدًا لكان الناس في ضيق"[27].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق