الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 21


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 21



معماريو المسلمين


كان المعماري في الإسلام يطلق عليه المهندس أو الحاسب، أما رئيس المعماريين فيلقب بالأستاذ أو الشيخ أو المعلم تقديراً واحتراما، وكان المعماريون كالأطباء يدرسون في الجامعات مثل جامعة (بيت الحكمة) التي أنشئت في بغداد سنة 830م أما مواد الدراسة فتشمل: الرياضيات والحساب والجبر وعلم الحيل (أي الميكانيكا) والرسم إلى جانب العمارة والهندسة، هذا إلى جانب العلوم الطبيعية كالفلك والطبيعة والعلوم النظرية كالدين والحكمة..

وهذا الإلمام الشامل بالعلم قد ظهر أثره واضحا في المباني والآثار الخالدة التي طبقوا فيها الكثير من العلوم كالضوء والتهوية، وكان المعماري يضع تصميما للمبنى على لوحة من الجلد.. وبعد اكتشاف الورق استعملوا ورقا هندسيا عليه مربعات، وهذه طائفة من أبرز معماري المسلمين:

ابن الهيثم:


من أعظم المعماريين المسلمين عالم الفلك والبصريات ابن الهيثم، الذي كان أول من وضع فكرة السد العالي على النيل في أسوان سنة 1000م، وقد كلفه الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي بتنفيذه، ووضع تحت أمره السفن وفريقا من المهندسين والفنيين وذهب إلى الموقع الذي اقترحه على النيل حيث أمضى شهوراً في دراسات على الطبيعة، ولكنه وجد أن مثل هذا السد الهائل يحتاج إلى إمكانيات تفوق تكنولوجيا وإمكانيات عصره فعدل عن تنفيذها، ثم نفذت سنة 1961 م أي بعده بتسعة قرون (7).

سنان باشا:

وُلِدَ المعماري سنان باشا في عام 1489م في إحدى قرى الأناضول التركي من عائلة مسيحية، ولأن طموحه كان عاليا جدا فقد التحق بالجيش العثماني، ليحصل على فرصة للتعليم والحصول على وظيفة كبيرة في الدولة، وشارك في الغزوات الحربية التي قام بها السلطان بايزيد الثاني، وتدرّج في عدة وظائف عسكرية خلال حكم السلطان سليم الأول (1512-1520م)، وقد توفي في عام 1580م.

ويُعد سنان باشا أبرز وأشهر البنائين المسلمين في القرن السادس عشر الميلادي، سواء في الدولة العثمانية أو على مستوى العالم الإسلامي؛ فقد تميّزت أعماله البنائية والمعمارية بالكثرة والقوة والمتانة والضخامة المصحوبة أيضا بمظاهر من الجمال والرّوعة، ومن ثم فقد أطلق عليه الأتراك لقب "أبو العمارة التركية".

ولقد كان من أهم أعماله المعمارية جوامع: الفاتح، ونور عثمانية، وشَهرزاده (إستانبول)، والسليمية (أدرنة)، وجامع خسرويه /1545م-953هـ (مدينة حلب السورية).. وقد نالت هذه الأعمال الثناء الكبير والمديح العظيم من الناس وخاصة المتخصصين في فن العمارة والبناء.

وإن مجموعة السليمانية لتعد أبرز أعماله المعمارية على الإطلاق، والتي كانت تشمل - بالإضافة إلى المسجد - دارًا لتعليم الحديث، وداراً للشِفاء، وحماماً، وداراً لرعاية وإطعام الفقراء، وست مدارس دينية وتعليمية، ومجموعة من الدكاكين والمحلات التجارية، وجامعا وسبيلا للماء ومقبرة لحرم السلطان (روكسلانا الروسية) زوجة السلطان سليمان القانوني، والكلية مقامة على مساحة من الأراضي تقارب 60 دونمًا (الدونم يعادل ألف متر مربع) على شكل مستطيل.

هذا وقد حفظ لنا التاريخ أسماء الكثير من كبار المهندسين منقوشة على المنشآت الفخمة، فمن ذلك: (ثابت) مهندس قصر الحير في سوريا (القرن 8م)، وهناك أيضا (علي بن جعفر) مهندس قصر الزهراء في قرطبة، والمهندس (فتح الدين) الذي أنشأ جامع الزيتونة سنة 804م وغيرهم كثيرون (8).

معماريو المسلمين في العصر الحديث:

استكمالا للمسيرة وإتماما للعطاء، فهناك علماء مسلمون معاصرون أفذاذ، لهم باع ليس بالهين في فن العمارة، والذي هو امتداد لسبق الأجداد وحضارتهم، فكان من أشهرهم: حسن فتحي وعبد الباقي إبراهيم من مصر، ومحمد مكية ورفعت الجادرجي من العراق، وسباشبر من الكويت... وهذه نبذة تنوه ببعضهم وبعض أعمالهم:

حسن فتحي.. سيد البنَّائين:


يقول الأديب جمال الغيطاني في تقديمه للطبعة العربية من كتاب "عمارة الفقراء": "أصبح فكر سيد البنائين المصريين حسن فتحي مِلكًا للإنسانية كلها، أفكاره المعمارية تتجسد في مصر وأمريكا وأوروبا وآسيا.. إنها ليست مجرد أفكار هندسية.. ولكنه بحث أصيل ودؤوب في الشخصية والهوية والتراث المعماري والفكري والحضاري للشرق".

وقد وُلِدَ المهندس حسن فتحي عام 1900م، وتخرج في "المهندسخانة" بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1959م، وجائزة الدولة التقديرية سنة 1969م، وتُوفي سنة 1989م دون أن يتزوج، لكنه أعطى حياته كلها لأفكاره.

وتكمن الأهمية الحقيقية لحسن فتحي في كونه مهندسًا له وجهة نظر خاصة مرتكزة على تراث أمته ومستفيدة في الوقت نفسه من إنجازات الآخرين، فالبناء عنده لم يكن مجرد جدران وسقف، بل كان حياة وحضارة، وتراثًا لم يمت، بل ما زالت روحه حية، وإعدادًا جيدًا لمستقبل متواصل مع هذا التراث تواصلاً جديًّا في غير انقطاع.

وكان من أهم ما ميَّز أعمال حسن فتحي أنه عمل على إخضاع علوم الهندسة والتكنولوجيا الحديثة لاقتصاديات الأهالي ذوي الدخول شديدة الانخفاض، بما يسمح بإيجاد مسكن يتفق مع هذه الدخول، وكذلك أيضا اهتمامه بمراعاة مناسبة البناء للمكان (وادٍ - صحراء - جبل) حتى لا يكون قبيحًا وغير متناسب مع البيئة، وهو يرفض أن يصبح الطابع الفرعوني أو القبطي أو البابلي أو الآشوري أو الإسلامي مجرد حلية زائفة في بناء معماري على النمط الغربي، وهو يعبر عن سعة أفقه وذكاء فهمه بقوله: "إن ثَمَّة عناصر قديمة بائدة في العمارة التقليدية لا تصلح اليوم، مقابل عناصر أخرى فعالة متطورة هي التي يجب استخلاصها وإثراؤها بوحي من مواد البناء المحلية".. فالفن المعماري عند حسن فتحي "ليس صيغة ثابتة لكل العصور، بل هو مرهون بالملامح والقوى والسمات السائدة، وبالظروف الخاصة دائمة التغير".

ولقد طبق حسن فتحي فلسفته المعمارية في قرية القرنة في البر الغربي - جنوب وادي النيل - في مواجهة الأقصر، وشرحها تفصيليًّا في كتابه "عمارة الفقراء" الذي نُشِرَ بعدة لغات أجنبية وأعطى حسن فتحي الشهرة العالمية، كما طبق أفكاره المعمارية أيضًا في قرية "مشربية" (9).

عبد الباقي إبراهيم:

يُعدّ من الرواد الأوائل للعمارة العربية، وقد أمد المكتبة بالعديد من المؤلفات في مختلف المجالات العمرانية، مرتكزا على المنهج الإسلامي في منظوره للعمارة والعمران، وقد أصبح مرجعا للدارسين والباحثين من كل الأرجاء، وهو ما أشار إليه الكثير من الكتب، والرسائل العلمية، والمجلات، والصحف العالمية.

ومنذ تخرج الدكتور عبد الباقي إبراهيم عام 1949م وهو يثري الحقل المعماري والعمراني بالعديد من الإنجازات في مجال التعليم والتأليف والنشر والممارسة المهنية والمشاركة الإيجابية في المؤتمرات والندوات في مصر والخارج داعيا إلي تأصيل الفكر المعماري من خلال الواقع الحضاري والبيئي للعالم الإسلامي والعربي، وخلال دراساته العليا في إنجلترا للحصول علي درجة الماجستير من جامعة ليفربول عام 1955م، والدكتوراه من جامعة نيوكاسل عام 1959م كانت القرية والفلاح نصب عينيه في دراساته وأبحاثه.

في بداية الستينات شاركَ المهندسَ حسن فتحي في لجان الإسكان الريفي بوزارة البحث العلمي واستمرت العلاقة وطيدة معه إلى أن أوصاه رحمه الله في أواخر عمره أمام زملائه بحمل رسالته الإنسانية من بعده في إسكان الفقراء.

وقد انتقل كخبير للأمم المتحدة في تخطيط مدينة الكويت (1968-1970م) وبعد ذلك عمل كبيرا لخبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني بالمملكة العربية السعودية (1973-1979م) حيث تمكن من العمل علي إنشاء إدارات للتنمية والتخطيط العمراني بكل مدينة على أن يتولى إدارتها والعمل بها أبناء المملكة، وأن يقتصر عطاء الخبرات الأجنبية علي الجانب التنظيمي والفني بها.
وفي نفس الفترة تمكن من وضع صيغة بديلة لتخطيط المجاورة السكنية مستنبطة من التراث الحضاري للمدينة الإسلامية.

وخلال السنة النهائية لعمله في الأمم المتحدة وضع تصورا للمجالات المختلفة التي يمكن أن يواصل العمل بها؛ فكان افتتاح مركز الدراسات التخطيطية والمهارية عام 1980م خير معبر عن أفكاره واتجاهاته، وأصدر مجلة (عالم البناء) الشهرية، وقام بتنظيم دورات شهرية في مختلف المجالات التخطيطية بالمركز بالإضافة إلى مجال التأليف والنشر والدعوة إلي أمسيات معمارية شهرية، بحيث تتجه كل هذه المجالات إلي بناء الفكر المحلي النابع من الشخصية العربية والإسلامية، فأنشأ جمعية (إحياء التراث التخطيطي والمعماري)، وأخذ المركز مكانته العلمية والمهنية في مصر والعالم العربي، بل وفي عديد من دول العالم، كما بدأت الممارسات المهنية للمركز تتجه نحو تأصيل القيم الإسلامية في التخطيط والعمارة.

وبينما أتاحت له الظروف مقابلة "لوكربوزييه" من باريس، و"رودجرز" و "ألبيني" من إيطاليا و "كاتزوتنج" من اليابان و "لزلي مالاتن" و "سمثن" و "فرادرك يرد" و "مالاشال جونسون" من بريطانيا و "لوي كان" من أمريكا وغيرهم من معماريي ومخططي الغرب، كانت اللقاءات متواصلة مع معماريي الشرق من أمثال: حسن فتحي في مصر، و محمد مكية ورفعي الجادرجي من العراق، وراسم بدران من الأردن، وعلي الشعيبي من السعودية، و عبد الحليم إبراهيم من مصر وغيرهم كثيرون.

وقد عارض استناد معظم المعماريين المسلمين في كتاباتهم إلي المرجعية الغربية فيما يخص الفكر والنظرية وكأن ليس لهم تاريخ حضاري طويل يضرب بجذوره في عمق التاريخ، وقد بدأ مشواره في البحث عن الذات وتحقيق المنهج الإسلامي في العمران المعاصر، وظهرت مبادئه واضحة جلية في تصميمه المسكن الخاص له في إطار عمارة سكنية بمصر الجديدة تعكس المقومات الحضارية والإسلامية في العمارة عام 1967م. وقد استخلص وصمم وحدة الجوار في المدينة الإسلامية التي تطبق فيها المباديء الإسلامية في العمران، والمعايير التخطيطية لمتطلبات المجتمع الإسلامي من خدمات رئيسية وفرعية تنمو فيه وحدات الجوار في إطار النمو العضوي للكائن الحي كما تنمو الشجرة متكاملة بكل أغصانه، وقد ألف كتابا بهذا المضمون وهو كتاب (المنظور الإسلامي للتنمية العمرانية).

ومن أعماله الرائدة مشروع إسكان الفقراء الذي يشتمل على توفير الوحدات السكنية المناسبة مع الخدمات اللازمة لها للفقراء، كما يشمل التأهيل الاجتماعي للسكان مع توفير فرص العمل لهم في المجالات الحرفية والخدمية، وذلك من خلال جمعية أنشأها لهذا الغرض وهي "الجمعية المركزية لإيواء المحتاجين" وقد سجلت في وزارة الشئون الاجتماعية عام 1996م.

وقد شغل الدكتور عبد الباقي إبراهيم العديد من المناصب الأكاديمية فكان رئيسا لقسم الهندسة المعمارية بجامعة عين شمس 1983-1986م، كما كان عضوا باللجنة الاستشارية بنقابة المهندسين وعضوا باللجنة الاستشارية العليا بوزارة الإسكان، كما شغل العديد من عضويات اللجان و المنظمات المهنية مما يصعب حصره.

وقد حصل علي العديد من الجوائز العلمية منها: جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال العمارة الإسلامية (ديسمبر 1992م) - نوط الامتياز من الطبقة الأولى من رئيس جمهورية مصر العربية (يوليو 1991م) - جائزة الدولة التشجيعية للعمارة (1989م) - جائزة المعماري العربي من منظمة المدن العربية (1988م) - جائزة أحسن مؤلف معماري عن كتاب "بناء الفكر المعماري والعملية التصميمية " من نقابة المهندسين المصرية.. وغيرها الكثير.

أما عن المؤلفات العلمية فله أربعة عشر مؤلفا رائدًا يحوي خلاصة فكرة وخبرته، كما حضر كمشارك ومحاضر في العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية على امتداد أكثر من أربعين عامًا من عطائه الفكري الخلاق. كما كان - رحمة الله - غزير الإنتاج في نشاطه العلمي والمهني والمعماري؛ فعمل كاستشاري في العديد من المنظمات الدولية والبلديات العربية بالإضافة إلي عمله في مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية حيث شهد فيه قمة عطائه ونجاحاته المهنية حيث تم إنتاج قائمة طويلة من الأعمال المعمارية القَيِّمة التي نُفِّذَت بمصر والدول العربية التي تشهد بعظمة إبداعه وعُمْق أفكاره.

وقد انتقل إلي رحمة الله في أكتوبر عام 2000م تاركا وراءه تلاميذه و محبيه، ومَعينًا لا ينضب من إنتاجه المعماري والتخطيطي والفكري (10).

تعليق بعض المنصفين من الغربيين:


على الرغم من الهجمة الوحشية التي يشنها كثير ممن لا يروق لهم تقدم المسلمين في أي مجال، إلا أن عدداً من المنصفين في الغرب لا زالوا يذكرون الحقائق ويؤكدون على سبق المسلمين وفضل حضارتهم، خاصة هنا في فن العمارة.

يقول ريسون: " إن استبحار عمران العرب مع سرعة انتشار سلطتهم في المعمور عرّفنا إلى مكانة المدينة العربية، فكانت هذه الحضارة الباهرة في القرون الوسطى مزيجًا من المدينة البيزنطية والفارسية، وقد تم هذا المزيج المدني بأمرين: عشق العرب التجارة وغرامهم بالتعمير، وأصبحوا لذكائهم الوقاد ولما غرس فيهم من حب الإطلاع على كل شيء يخوضون غمار العلوم الطبيعية والرياضية، ولهم المنة على جميع الأمم بأرقامهم العربية وباستنباطهم فن الجبر والمقابلة وتهذيبهم الهندسة" (11


مراجع ملف العمارة فى الاسلام

________________________________


مصادر الدراسة:

(1) موقع إسلام ست.

(2) موقع كنانة.

(3) موقع إسلام ست.

(4) موقع الأزهر.

(5) انظر أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي شيء من الماضي أم زاد للآتي؟ ص39 – 47.

(6) موقع إسلام إست.

(7) المصدر السابق.



(8) موقع إسلام أون لاين، وموقع إسلام إست.

(9) موقع إسلام أون لاين.

(10) انظر هذا الرابط

(11) محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، ص231.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق