الاثنين، 29 أغسطس 2016

تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 41


تاريخ حضارة أجدادنا الصالحين 41




مجددو السنة النبوية

ومن العلماء البارزين الذين اهتمُّوا بتجديد السُّنَّة النبويَّة، والإسهام فيها بما يخدم الإسلام: الأستاذ الدكتور عبد الفتاح أبو غدة الحلبي السوري؛ فقد خدم السُّنَّة النبويَّة بمجموعة من المؤلَّفات المهمَّة، منها كتابه "لمحات من تاريخ السُّنَّة وعلوم الحديث"، حيث اهتمَّ الدكتور عبد الفتاح فيه على مقام السُّنَّة المطهَّرة من كتاب الله، وموقعها من الشرع الحنيف، وهو حديث كرَّره في أكثر من كتاب؛ ليَرُدَّ على الحملة الكاذبة التي شكَّكت في حُجِّيَّة السُّنَّة التي قادها المستشرق اليهودي المجري "جولد زيهر"، وقد اهتمَّ في هذا الكتاب إلى تمحيص طائفة من الأحاديث الضعيفة مُبَيِّنًا وَهنها الرَّكيك، والخلوص لأهمِّ أسباب الوضع في الحديث ونتائجه، منتهيًا إلى حديث شافٍ عن الإسناد، وتاريخ الرُّواة والرجال، ونقد الرُّواة وبيان حالهم، وعلم الجرح والتعديل، وعلم مصطلح الحديث، وأمارات الحديث الموضوع.

وللشيخ الجليل كتاب آخر هو "الإسناد من الدين"، ويتحدَّث فيه عن الإسناد باعتباره خصيصة للأُمَّة الإسلاميَّة، لا يجوز التهاون فيها[58].

ومن العلماء المجدِّين والمحدِّثين البارزين المعاصرين، محدِّث الديار الشامية محمد ناصر الدين الألباني، المولود في عام 1914م في ألبانيا، والمُتَوَفَّى عام 1999م في الأُرْدُنِّ، ومما استهوى الألباني بالاهتمام بعلم الحديث ما يقوله عن نفسه: أنه اضطلع على بحث بقلم الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار، يَصِفُ فيه كتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالي، مشيرًا لمحاسنه ومآخذه، وكانت هذه هي المرَّة الأولى التي يُوَاجه فيها مثل هذا النقد العلمي، وهو ما جذب الألباني إلى مطالعة الجزء كله، ومقدِّمة تحقيقه.

وللألباني الكثير من المؤلَّفات في علم الحديث، حتى قال عنه الشيخ عبد العزيز بن باز: الألباني مجدِّد هذا العصر في علوم الحديث، وللشيخ الألباني أكثر من مائتي كتاب ما بين تأليف وتحقيق؛ منها: "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيِّئ في الأُمَّة"، و"نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق"، و"منزلة السُّنَّة في الإسلام"، و"وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة"، وغيرها[59].

وقد تميَّزت كتب الألباني بالتحقيق العلمي، والإحاطة بالأسانيد والشواهد، وتتبُّع أقوال المحدِّثين آخذًا منها وناقدًا لما يستحقُّ النقد في وقت كانت فيه الكتب قليلة، وكان جُلُّ اعتماده على المخطوطات في الظاهريَّة، فأفاد منها الكثي
ر؛ لذا كان منهجه في الدعوة يقوم على
:

1) الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة الصحيحة، وفهمها على النهج الذي كان عليه السلف الصالح.

2) تعريف المسلمين بدينهم الحقِّ، ودعوتهم إلى العمل بتعاليمه وأحكامه، والتحلِّي بفضائله وآدابه التي تكفل لهم رضوان الله وتُحَقِّق لهم السعادة والمجد.

3) تحذير المسلمين من الشرك على اختلاف مظاهره من البدع والأفكار الدخيلة والأحاديث المنكرة والموضوعة التي شوَّهت جمال الإسلام، وحالت دون تقدُّم المسلمين.

4) إحياء التفكير الإسلامي الحرِّ في حدود القواعد الإسلاميَّة، وإزالة الجمود الفكري الذي رَانَ على عقول كثير من المسلمين، وأبعدهم عن مَنْهَل الإسلام الصافي[60]
.

وهكذا كانت جهود العلماء المسلمين في خدمة السُّنَّة النبويَّة المطهَّرة، وقصتهم في حفظها وتدوينها، والتي اتَّسمت بالجدِّ والابتكار الذي يناسب كل عصر وظروفه ومستجدَّاته، وكذلك بالتكامل والتلاحم فيما بين هذه الجهود؛ بما يُظهِر أن علماء السُّنَّة كانوا في كلِّ العصور هم المنقِذُ للأُمَّة ممَّا تَتَرَدَّى فيه من البدع والانحرافات عن منهج رسول الله r

.
[58] محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية 4/219.
[59] عبد الله العقيل: محمد ناصر الدين الألباني محدِّث العصر وناصر السنة، مجلة المجتمع، عدد 1706، 17 يونيو 2006م.
[60] المصدر السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق