الأربعاء، 29 يونيو 2016

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 8

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 8

النفسية الجماعية للمسلمين كما رآها موفدو قريش :

بعثت قريش بعدة رسل كل منهم يأتي بوجه فيه التأييد لموقف قريش ولكنه يخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تخلى أو انقلب عن تأييده لقريش ,فهذا زعيم خزاعة المتعاطفة أصلاً مع الرسول والمعادية لقريش يلومهم لمعاداتهم محمداً الذي لم يأت إلا زائراً للبيت . وأرسلت قريش آخرين منهم الحليس بن علقمة وهو زعيم الأحابيش , والذي قال الرسول عليه السلام (( إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي ...رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى , فقال لقريش ذلك فقالوا له : اجلس فإنما أنت إعرابي لا علم لك , فغضب عند ذلك وقال يا معشر قريش , والله ما على هذا حالفناكم , ولا على هذا عاقدناكم , أيُصَدُّ عن بيت الله من جاء معظماً له ! والذي نفس الحليس بيده لتُخلُّن بين محمد وبين ما جاء له أو لانفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ! فقالوا له : مه , كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .)) ( إبن هشام ص197-198).

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدهش المفاوضين القرشيين برغبته بالسلام والعمرة , ووحدة المسلمين وتفانيهم بطاعته , فحين جاء الموفد الرابع وهو عروة بن مسعود الثقفي ,(( قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ...وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً, وأبوبكر خلف رسول الله عليه السلام قاعد , فقال : أمصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه ؟ ... ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه ,والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله بالحديد فجعل يقرع يده إذا تناول لحية الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول : ويحك أكفف يدك عن وجه رسول الله قبل أن لا تصل إليك , فيقول عروة : ويحك , ما أفظك وأغلظك ! ... وأبلغه الرسول أنه لم يأت يريد حرباً , فقام من عند رسول الله وقد رأى ما يصنع به أصحابه , لا يتوضأ إلا إبتدروا وضوءه , ولا يبصق بصاقاً إلا إبتدروه , ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه , فرجع إلى قريش فقال : يا معشر قريش , إني قد جئت كسرى في ملكه , وقيصر في ملكه , والنجاشي في ملكه , وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ! ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً , فروا رأيكم .)) (ابن كثير , البداية والنهاية ج4 , ص166- 167).



النفسية الجماعية لزعامات قريش :



لقد عملت هذه الصور من تفاني أصحاب رسول الله عليه السلام فعلها الكبير في تحطيم نفسية زعماء قريش المخلخلة أصلاً , لقد كانت قريش في وضع من فقد القدرة على تصرفاته , ففي الوقت الذي كان رسول الله يتعامل مع موفديها بكل كياسة وسياسة وتقدير إلى الدرجة أن يتجرأ أحدهم وهو يخاطبه على أن يتناول لحيته عليه الصلاة والسلام , وفي الوقت الذي كان يغضب أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم من لمسة اليد من كافر للحيته صلى الله عليه وسلم كان الرسول يبتسم بهدوء لمضيفه , فنجد في المقابل أن قريش قد أصبحت من التشنج أن قابلت موفد الرسول إليهم وهو خراش بن أمية الخزاعي بأن عقروا بعير رسول الله المسمى بالثعلب والذي حمله الرسول عليه , فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأرادوا قتله لولا أن الأحابيش قاموا بحمايته وأعادوه سالماً , كما قاموا بحبس موفد الرسول الثاني عثمان بن عفان مع أنه من أسرة زعامات قريش من بني أمية , مما جعل المسلمين يبايعون الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان .

والذي نريد تأكيده هنا هو إبراز صورة الإرتياح والتفاؤل رغم الحذر في معسكر المسلمين والهدوء في اتخاذ القرارات إلا عندما أشيع أن موفد الرسول صلى اله عليه وسلم قد قتل على خلاف العرف العربي والعالمي من أن الرسول لا يقتل مما يعني الثقة والقوة التي تسيطر على النفسية الجماعية في معسكر المسلمين , في المقابل نجد أن النفسية الجماعية في معسكر المشركين (قريش) تعاني من روح انهزامية حقيقية , فحين رأى فرسان قريش قترة جيش المسلمين وقد تجاوزوهم لم يهجموا على مؤخرة المسلمين بل هرعوا إلى قريش ليبلغوهم بتقدم محمد وهو ما يعني أن كل مظاهر العسكرية القرشية المعلنة ما هي إلا استعراض أجوف , ثم أن كل قراراتهم تدل على التشنج بما في ذلك كثرة عدد الموفدين ورفض النتائج التي تتمخض عنه خلاصة ما يراه الموفد الذي أرسلوه لمفاوضة محمد عليه الصلاة والسلام , كما حصل مع بديل بن ورقاء الخزاعي وبشر بن سفيان والحليس بن علقمة , بل وصل من تشنجهم أن خلقوا عداوة كانت متأصلة في نفوس خزاعة ثم كادوا أن يخلقوا مشكلة وصلت إلى تهديد حلفائهم الأحابيش أن يقاتلوا قريشاً إلى جانب المسلمين , ثم حين علموا ببيعة الرضوان وأن المسلمين عزموا على الحرب اختاروا رجلاً يعرف الجميع مدى قدراته على إنهاء المشكلة وعقد الصلح , وقد أعطوه تفويضاً مطلقاً للصلاحيات عدا شرط واحد وهو (( ائت محمداً فصالحه , ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا , فو الله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها عنوة أبداً )) ( ابن هشام , ص200).

واختيارهم لسهيل بن عمرو هذا قرأه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه موفد صلح حين قال عليه السلام حين رأه مقبلاً ((قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل )) .

لقد كان موقف قريش في منتهى الضعف رغم انه يبدو على العكس من ذلك , كما كان موقف المسلمين في منتهى القوة رغم أنه يبدو على العكس من ذلك , والذي يمكن لنا أن نفسر به ذلك هو أن قريش رغم ضعفها غير أن دخول المسلمين هذا العام سيبدو أمام العرب أن ذلك حصل عنوة مما يقضي على ما تبقى لقريش من مكانة بعد هزيمتها العام السابق في غزوة الخندق رغم كل ما أعدته في غزوة الخندق عام 5هـ من تحالفات وقوة للقضاء على المدينة المنورة , كما أن إستراتيجية الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية هو إقامة الصلح أو الهدنة مع قريش والتفرغ لقبائل العرب والقوى الأخرى بجزيرة العرب, كما حدث فيما بعد مع خيبر , إضافة إلى الإستراتيجية الطارئة الجديدة والتي قررها عليه الصلاة والسلام حين بركت ناقته على غير عادتها وهو ما فسره بأنه توجيه إلهي فقرر (( ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة , لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )) .

وبهذا فكل ما حدث ليس من ضعفٍ في موقف المسلمين كما يتراءى للقارئ للأحداث , وإنما إستراتيجية قررها الرسول من معرفة دقيقة بموازين القوى , وجدولة للأولويات , حتى يظن البعض أن شروط الصلح كانت تدل على عكس ما ذكرناه من ميزان للقوتين .




يتبع
 
يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق