الأربعاء، 29 يونيو 2016

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 7

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 7


فتح مكة والهزيمة النفسية لقريش


لماذا لم يقاوم أهـل مكة دخول الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين لمكةعام 8هـ , واستسلموا وأسلموا؟

· النفسية الجماعية الإنهزامية لشعب مكة أمام تعاظم نفوذ الإسلام بعد صلح الحديبية .

الجزء الأول

منذ العام السادس للهجرة بدا أن ميزان القوى قد بدأ بالتحول لصالح الدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن هنا جاءت المحاولة الأولى لفرض الأمر الواقع على أهل مكة , وكان ذلك ممكناً
رغم أنه لم يكن سهلاً على الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه المصاحب أن يدخل مكة معتمرا ً إلا بعد معركة يفرض فيها الرسول هذا الأمر كأمر واقعٍ على قريش التسليم به

وكانت قوة جيش المسلمين المندفعين بشوقهم لمكة بلد المهاجرين التي لم يدخلوها منذ ست سنوات , إلى جانب ما هو أهم بالنسبة لهم وهو آداء فريضة العمرة , وعرض قوة المسلمين الجديدة قادرة على إفهام العرب وخاصة منهم مشركي قريش أن التوازن العسكري بينهم وبين المسلمين قد ولَّى إلى غير رجعة , وأن عليهم أن يتعاملوا مع دولة الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلامية وفق هذا الواقع الجديد .



موقف قريش :



منذ البداية دلت الأحداث أن قريش قد وقعت بين وضعين أوصلاها إلى أزمة في موقفها من عمرة الرسول ودخوله لمكة , الوضع الأول وهو أنها لا زالت تعيش بوهم الماضي فهي القوة الرئيسية التي يحسب لها ألف حساب , وأنها لها كلمتها التي تسجلها في أحداث السياسة في الحجاز على الأقل , أما الوضع الثاني فإنهم يدركون حقيقة أنهم في مأزق حقيقي بالنسبة لميزان القوى , وأنهم لم يعودوا يمتلكون أية تفوق بعد تضعضع موقفهم في حلف الأحزاب في العام الماضي ( الخامس الهجري ) وهزيمتهم في نهاية المعركة(معركة الخندق) , لقد كان وضعهم السياسي والعسكري قد آذن بالانحدار والزوال إلى غير رجعه , فما كان منهم إلا أن يقوموا بعملية إعلامية ضخمة علَّها تخيف محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وجيشه الذي تجرأ على المجيء إلى حدود مكة نفسها يهدد بدخولها سلماً , وبهدف ديني يحرج قريش التي لا يحق لها عرفا أن تمنع من يأتي تعظيما للبيت , كيف لا وهم لم يدافعوا عن البيت عندما غزاه ابرهة الأشرم الحبشي الذي غزا مكة بهدف هدم الكعبة قبل أكثر من أربعين عام ولم يمنعوها منه .

تعاهدت قريش على أن لا يدخل محمداً عليهم مكة أبداً , وكما قال بشر بن سفيان الكعبي أحد موفدي قريش للرسول صلى الله عليه وسلم حين التقاه وهو متوجه لمكة عام 6هـ في عسفان قرب مكة آنذاك , فقال : (( يا رسول الله , هذه قريش قد سمعت بمسيرك , فخرجوا معهم العوذ المطافيل و وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها أبداً, وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم ))(ابن هشام , تهذيب السيرة ,ص 195- 196).والعوذ المطافيل هي الإبل اللبون التي ترضع أولادها والمعنى أنهم خرجوا بها ليتزودوا بها ولا يرجعوا حتى يناجزوا محمداً عليه أفضل الصلاة والتسليم.

ولكن قريش ربما لإدراكها بمدى تغير ميزان القوى فقد كانت على غير عادتها مائلة نحو الصلح والمحادثات التي قد تحفظ لها ماء وجهها وبنفس الوقت تقيها خطورة انكشاف وضعها السياسي العسكري أمام قبائل العرب . ولهذا فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم برده على بشر يؤكد ما ذكرناه (( يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب , ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائرالعرب , فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا بالإسلام وافرين ,وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة , فما تظن قريش ؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني به الله حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة )) (ابن هشام , 196).

لقد كانت إستراتيجية قريش هي مجرد استعراض عسكري أخير وزائف في اللحظات الأخيرة من الحرب كي يحفظوا هيبتهم أمام القبائل , بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من العمرة . وهو ما يؤكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قولين الأول حين قال جملته الأخيرة ((...وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ..)) أي يفترض من قريش أن تدع الرسول عليه السلام لمصيره في حرب قبائل العرب فإن قضت عليه القبائل العربية فهو ما تريده قريش وبهذا وفروا دمائهم , وإن انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم دخلوا بما دخل به العرب موفرين شبابهم ودمائهم , وإلا فيفترض منهم أن يدخلوا الحرب وبهم قوة كافية للنصر على المسلمين , وهو ما هو غير موجود مما يؤكده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله (( ياويح قريش لقد أكلتهم الحرب )), فهو موقف معاند ليس مبنياً على حقائق سياسية أو عسكرية على أرض الواقع , ونجد أن موقف قريش ينكشف أكثر بضعفه وتضعضع تلك القوة المزعومة حين أشاعوا بأنهم قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الذي أوفده الرسول عليه السلام يحمل رسالة لقريش فكان رد الرسول عنيفاً وقوياً حين طلب من المسلمين بيعة الرضوان على الموت , فصعقت قريش فأرسلت سهيل بن عمرو لمفاوضة الرسول وهو الرجل الذي عرفه الرسول عليه السلام كما عرفته قريش بأنه رجل مفاوض قادر على السير بالمفاوضات نحو الصلح وليس نحو الحرب ,فقد قالت له قريش (( ائت محمداً فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً)) إذن هي استماتة الساعات الأخيرة من الحرب ألا يدخل مكة عامه هذا , ولهذا قال الرسول عليه السلام حين رأى سهيل بن عمرو مقبلاً بعد بيعة الرضوان ,(( قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل )) , وما من شك أن شخصية المفاوض لها دور كبير في فشل المحادثات و توتر العلاقات وتوجيهها نحو الحرب , أو تيسير المحادثات وتوجيهها نحو الصلح , ولمعرفة الطرفين قريش الموفدة لهذا الرجل ومحمد عليه الصلاة والسلام المستقبل لهذا الموفد المفاوض كان الاتجاه نحو الصلح .

كانت إستراتيجية الرسول كما رسمها تتكون من شقين , أما الشق الأول ففي قوله أعلاه تقتضي هذه الاستراتيجية أن ينتهي الصراع مع قريش في هذه المرحلة بالصلح والسلام ليتفرغ لقبائل العرب الأخرى , فإذا انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على خصومه من العرب , أجبرت قريش على الاستسلام والدخول بما دخل به العرب , وهو ما يثق به عليه الصلاة والسلام من نصر الله , في الوقت الذي يكون قد وفر دماء قريش من القتل , وهو ما كان يحرص عليه دائماً سواء كانت قريش أو ثقيف وهوازن أو غيرهم فحين طرده أهل الطائف قبل هجرته إلى يثرب وأغروا به سفهائهم وعبيدهم , واستشاره جبريل بأن يطبق عليهم الأخشبين قال عليه الصلاة والسلام (( اللهم إرحم قومي فإنهم لا يعلمون )) .

أما الشق الثاني من هذه الإستراتيجية فقد تقررت بحدث طارئ , وهو النزول عند ما تطلبه منه قريش , وذلك حين طلب عليه السلام من الدليل أن يمشي بجيش المسلمين مع طريق مختلف حيث لا يلتقي جيش المسلمين بفرسان قريش بحكم أنهم قادمون للعمرة وليس للقتال , وكانت مفاجأة لجيش قريش , الذي راع فرسانها قترة جيش الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد خالفوا طريقهم (( فرجعوا راكضين إلى قريش )).ولكن ناقة الرسول حين وصل جيش المسلمين إلى ثنية المرار بالحديبية بركت فقالت الناس (( خلأت الناقة , قال ما خلأت , وماهو لها بخلق , ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة , لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )) . فالمتغير الطارئ باستراتيجية الرسول عليه الصلاة والسلام أنه رأى أن الذي حبس الناقة هو توجيه إلهي له, ينبغي عليه التوقف عنده ,ولذا فقد كان السلام والصلح هو التوجه الذي أصبح سيد الموقف مع أن القوة العسكرية كانت في صالح جيش المسلمين , ولو بشكل طفيف .



يتبع
 
يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق