الأربعاء، 29 يونيو 2016

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 2

بحوث 00 دراسات 00 مقالات 00 نظريات 00 رؤى تاريخيه 2

كيف بدأت المؤامرة :

كانت اليهودية واليهود قد أصبحت بعد احتلال اليهود للقدس وكأنها مركز الكون ؛ خاصة بعد الفناء الذي تعرضت له الأمة الفرعونية ,وبدا أنها قد سيطرت على مجرى التاريخ في الشرق الأوسط على الأقل ؛ وخاصة في أوج قوتهم في عهد النبي سليمان عليه السلام الذي لا يعترف اليهود بنبوته وإنما يرونه مجرد ملك من أقوى ملوك بني إسرائيل أقام الهيكل المقدس الأول كرمز لسيطرة بني إسرائيل , ولكن بعد وفاة النبي سليمان بن داود عليهما السلام رجع اليهود عن عبادة التوحيد وعبدوا الآلهة الوثنية , وانقسمت دولة بني إسرائيل إلى دولتين مملكة القدس ومملكة نابلس , وضعفت سيطرة اليهود , وهددهم الله سبحانه بالطرد من رحمته إن لم يعودوا لعبادته , وكما تقول المؤرخة البريطانية كارين آرمسترونج (( لكن ملوكا بعد سليمان تلهوا بالوثنية والتمثل الثقافي ؛ فانجذب عامة الناس انجذاباً مهلكاً إلى عبادة الخصوبة الوثنية الكنعانية : فعندما هذذ القحط محاصيلهم الزراعية , لم يجد بنو إسرائيل غضاضة في التحول إلى عبادة الإله بعل كجيرانهم الذين كانوا يؤمنون أن في مقدورهم التلاعب بآلهتهم لحملها على إنزال المطر ))وتضيف كارين (( وأدخل الكهنة جوانب من العبادات الوثنية إلى طقوس اليهودية وشعائرها ...ولم يكونوا بعد مستعدين لعقيدة التوحيد الصارمة )) وأمام ذلك سلَّط الله عليهم جيرانهم الآشوريون الذين أبادوا القبائل الإسرائيلية العشر إلى الأبد وسميت بالقبائل الضائعة من التاريخ .

وتقول كارين (( وبينما كانت أعمال الترميم جارية في الهيكل – في عهد الملك يوشيا - عثر الكاهن الأكبر حلقيَّا على مخطوط عتيق ؛ ربما كان مخطوطاً لأسفار موسى الخمسة ( البنتاتوخ ) كلها أو ربما ببساطة مخطوطاً لسفر تثنية الإشتراع ؛ الذي انتهى بسلسلة من اللعنات الرهيبة , أشاعت الرعب في نفس يوشيا ؛ لأنها بدت وكأنها تحققت جزئياً, وكان الرب قد أخبر موسى بأن احتلال الأراضي المقدسة يتوقف على الالتزام الدقيق بتعاليم التوراة وفي حال ما إذا عصى بنو إسرائيل الرب فسوف يفقدون أرضهم )) .

وأخيراً, و أمام كفرهم بالله وعصيانهم له أرسل الله عيسى بن مريم عليه السلام بمعجزة خارقة للطبيعة البشرية كمجدد لديانة التوحيد, وقد حاولوا قتله وقتلوا وصلبوا شبيهه واضطهدوا أتباعه , ولعل المؤامرة الكبرى ؛ هو ما فعله القديس بولس وهو أسم لأحد اليهود الأذكياء وأسمه الحقيقي شاؤول ؛ حيث غيَّر الديانة المسيحية رأساً على عقب من خلال مؤامرة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً , ويذكر المؤرخ البريطاني الكبير أرنولد توينبي في كتابه تاريخ البشرية ((أن أقدم ما وصل إلينا من أخبار يسوع التي دونها أتباعه المتحمسون الذين كانوا قد قبلوا العقيدة , بأن يسوع مثل الفراعنة لم يكن له أب إنسان بل إنه ولد لأمه من إله وفي حالة يسوع لم يكن الإله رع ( المصري ) بل الله ؛ وبحسب ما ورد في الكتب المقدسة المسيحية ؛ فقد رفض يسوع نفسه فكرة الألوهية بالنسبة إليه في أي معنى كانت وعلى الأقل في قولين له مدونين يرمي يسوع إلى القول بأنه لا يستوي مع الله في الهوية ...)) (توينبي ج1 ص289- 290) .

قام شاؤول اليهودي الذي أصبح ( بولس المسيحي ) بتغيير جذري بالديانة المسيحية التوحيدية فكما تقول كارين آرمسترونج (( ومع أن بولس أنكر التعاليم اليهودية الأساسية إلا أنه بقي يهودياً في أعماق روحه , وقد طبع المسيحية بالتصورات والأساطير اليهودية ؛ فقد علَّم المسيحيين أنهم يمثلون تحقق التاريخ اليهودي , وأنهم هم إسرائيل الجديدة ...وعلّم المسيحيين كذلك أن يسوع هو " فصحهم " أي عبورهم من الموت إلى حياة روحية جديدة , وهم الآن في حالة " نفي " ليس عن الأراضي المقدسة بل عن المسيح وعن ملكوت الرب الوشيك , لقد باتوا ينتمون فعلاً إلى العالم الآخر , ورجال اليهود المقدسون أمثال إبراهيم وداود وموسى هم قدوة للمسيحيين أيضاً ؛ لأنهم كانوا ينتظرون المسيح دون أن يعوا ذلك ...كما سيصعب عليهم الانتباه إلى أن ثمة عناصر خطيرة الشأن في عقيدتهم الجديدة هي في الواقع عناصر يهودية ...)) ص 55-56 .

ويرى توينبي أنه (( بدت المسيحية وكأنها واحد من المذاهب العديدة التي قامت داخل اليهودية ... ومما يدعو إلى الإعجاب بشكل مساو للدهشة الأولى هو أن هذه المسيحية ذات الصبغة اليهودية السابقة نجحت في النهاية في أن تضم إليها جميع سكان الإمبراطورية باستثناء اليهود ومشايعي اليهود من أتباع يهوه ... السامريين . إن المسيحية كما أوضحها القديس بولس نجحت في التغلب على الديانات الإقليمية المنافسة لها بأن امتصتها , ولو أن ثمن ذلك كان التخفيف قليلاً من الوحدانية التي ورثتها من المسيحية )). ويتساءل توينبي بتعجب ربما لينبه القارئ فيقول (( وتحوُّل فريق يهودي إلى كنيسة مسيحية مسكونية أمر يدعو في واقع الأمر إلى الدهشة ! )) ص 293-294.

لقد كانت تلك هي المؤامرة الكبرى من قبل نفر من اليهود على الديانة المسيحية؛ فحين بُعث عيسى عليه السلام ,كان الهدف منه تصحيح مسار الديانة التوحيدية التي أنزلها الله على موسى عليه السلام بعد أن انحرف بها اليهود إلى الوثنية , ولم يتعضوا من التهديدات التي وجهها لهم الله سبحانه بوجوب طاعته وترك معصيته , وحين جاء عيسى بالحق علم اليهود أن عليهم العودة عن غيِّهم أو مواجهة المزيد من غضب الله وعقابه ؛ فقاموا بمحاولة قتلهم لعيسى عليه السلام كآخر حلقة من حلقات معصية الله وقتلهم الأنبياء بغير حق , وهو ما يعني أنه قد قرروا أن يمضوا بعدائهم لربهم إلى نهاية الطريق وآخر المطاف ؛ ولذا قرروا تزوير الديانة المسيحية , وقاموا بتبديل الديانة المسيحية التوحيدية إلى ديانة أخرى جديدة تختلف عما أنزله الله وعما جاء به المسيح عليه السلام .

لقد كان مجيء عيسى عليه السلام الذي أرسله الله بالإنجيل بديانة توحيدية خالصة , وكما يقول المؤرخ الإنجليزي الكبير أرنولد توينبي إن (( المسيحية المنتصرة ورثت عن سابقتها , اليهودية , التوحيد الخالص , لكن المسيحية خرجت عن التوحيد بأنها ابتلعت وتمثلت بالديانات المنافسة المقهورة غير اليهودية , والتي كانت أجمعها , ديانات لا يهودية )), لقد كان تقبل الديانات المحلية - العاجزة عن تلبية قناعات المجتمعات - وامتزاجها بالديانات الأجنبية مقبول على نطاق واسع في القرن الثالث للمسيحية ,من خلال كما يصف توينبي عملية ((الاختيار والنشر والتقبل والتركيب )) ..

ويؤكد توينبي أن المسيحية كانت أمام ضغط هائل من قبل حضارة الإغريق المتطورة لغةً وفناً وفلسفةً , مما جعل القائمون على نشر المسيحية يعملون على إفراغها من محتواها التوحيدي مقابل تحدي الديانات المحلية بجنوب وشرق أوروبا , إلى جانب أهداف خاصة بالقديس بولس الذي اعتنق المسيحية وترك ديانته الأصلية اليهودية كما ترك أسمه الأصلي شاؤول , بيد أنه ركَّب واختار وتقبَّل عقائد الثالوث الكوكبي المحلي في بلاد الرومان واليونان مركبِّاً لهذا الثالوث الكوكبي إلى ثالوث مقدس قرَّب المسيحية للوثنية وخرج بها عن أصلها التوحيدي نحو ديانات أوروبا الوثنية .

لقد كانت الصور البدائية المشتركة دينياً بين الأمم هي الأم , وكذلك جاءت فيما بعد الأم والأب والابن فأحياناً الأم تصبح هي الشمس التي تأتي للناس بالدفء وأحياناً أخرى تكون الأم هي الأرض التي لديه القدرة الإنباتية حسب اعتقادهم , وهنا نجد أن ايزيس وأوزيروس أو الشمس والقمر وصنع المصريون حورس الإبن .

ومن هنا جاء دور شاؤول اليهودي ليحرف الديانة المسيحية عن التوحيد ويركب وينقل ديانات الثالوث الكوكبي إلى الثالوث المقدس ليركب ويضع الله (سبحانه وتعالى عما يصفون علواً كبيراً )مكان أوزيروس أو عشتار , ومريم مكان إيزيس أو ود, واليسوع أو عيسى مكان الإبن حورس أو الزهرة أو نكرح ,ويرى توينبي أن هذا (( النجاح الذي يدعو إلى الدهشة – وقد تم على يد مسيحي يهودي هو القديس بولس – هو انتزاع مسيحية لا يهودية من الدين اليهودي , بحيث كان باستطاعة غير اليهود أن يقبلوا بها بحرية دون أن يلتزموا بمراعاة الشريعة اليهودية , ومما يدعو إلى الإعجاب , بشكل مساو للدهشة الأولى هو أن هذه المسيحية ذات الصبغة اليهودية السابقة , نجحت في النهاية في أن تضم إليها جميع سكان الإمبراطورية الرومانية باستثناء اليهود , ومشايعي اليهود من أتباع يهوه الملتزمين أي السامريين )).

إن ما يريد أن يقوله توينبي ولم يقله هو أن شاؤول كواحد من أذكياء اليهود أراد أن يصرف شعوب العالم عن عبادة اليهودية التي يرى اليهود أنها لهم دون العالمين , كما أنهم حسدوا العالم بأن يكونوا موحدين لله يتبعون ديانة توحيدية هي المسيحية التوحيدية الخالصة التي نزلت على عيسى عليه السلام , فزوروا الديانة المسيحية وركبوها لتتلاءم مع ديانات الثالوث الكوكبي ديانة شعوب البحر المتوسط , من خلال الثالوث المسيحي المقدس الذي ابتكره شاؤول أو القديس بولس .

لذا يؤكد توينبي في تاريخ البشرية (ج1 ص 293) ((إن المسيحية كما أوضحها القديس بولس نجحت في التغلب على الديانات الإقليمية المنافسة لها , بأن امتصتها , ولو كان ثمن ذلك كان التخفيف قليلاً من الوحدانية التي ورثتها عن اليهودية ففي المسيحية كما شرحها القديس بولس , كما كان الحال في زرواسترية المجوس , رفعت صفات الله الحق الوحيد ...إلى درجة التساوي بالمظهر مع الإله فأصبح يسوع الإله المتجسد...وباعتبارها (( أم الله ))أصبحت أم يسوع الإنسانة آلهة في الواقع )).

ومن هنا فقد تم قطع أواصر الصلة تماماً بين المسيحية واليهودية. ويرى البعض أنه بناءً على رفض بولس إجراء عملية الطهارة لمن يعتنق المسيحية، قامت قطيعة لاهوتية مع فكر التوحيد السامي. وهكذا بعد عدة قرون ظهرت _بتأثيرات من فكرة الثالوث في الميثولوجية المصرية والأفلاطونية السكندرية الجديدة _ ظهرت فكرة الثالوث، وأضيف إلى الأب والابن الروح القدس.



يتبع

 
يارب الموضوع يعجبكم

تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق