الأحد، 27 مارس 2016

النصـرانيـة

النصـرانيـة

التعريف:
تطلق النصرانية على الدين المنـزل من الله تعالى على عيسى(ع)، وكتابها الإنجيل، وأتباعها يقال لهم النصارى نسبةً إلى بلدة الناصرة في فلسطين، أو إشارة إلى صفة، وهي نصرهم لعيسى(ع)، وتناصرهم فيما بينهم، وكانت هذه الصفة تخصّ المؤمنين منهم في أول الأمر، ولم يلبث أن أطلقت عليهم كلهم على وجه التغليب.

كان النصارى يجمعون على أن مريم حملت بالمسيح(ع) وولدته في بيت لحم في فلسطين، وأنّه تكلم بالمهد، وأنكر عليها اليهود ذلك، ففرّت به إلى مصر ثم عادت به إلى الشام وعمره آنذاك اثنتا عشرة سنة، فنـزلت به القرية المسماة ناصرة، وبقي فيها إلى أن ألقى الرومان القبض عليه وسعوا به إلى عامل قيصر ملك الروم على الشام.

كان له اثنا عشر حوارياً بعثهم رسلاً إلى الأقطار للدعاية إلى دينه، أشهرهم أربعة الذين تصدوا لكتابة الإنجيل، وهم بطرس ومتى ولوقا ويوحنا، تعرضوا فيها لسيرة المسيح(ع) من حين ولادته إلى حين رفعه، وكتب كل منهم نسخة على ترتيب خاص بلغة من اللغات.

بين النصرانية والمسيحية

وقد جاء في إحدى القراءات: أنه بعد ارتفاع يسوع حياً إلى السماء، ونزول الروح القدس على رسله وصحابته، اندفعوا بالدعوة للإنجيل، وطالما بقيت الدعوة محصورة في فلسطين كانو يسمون "نصارى"؛ فلما انتشرت الدعوة المسيحية في سوريا أخذ الناس يسمونهم "المسيحيين".

فصحابة المسيح ورسله في بيئتهم اليهودية يجمعون في ألقاب يسوع اللقب النبوي "المسيح" الذي يؤمنون به، واللقب القومي الذي به يعرفون "الناصري"، وقد سمى اليهود الجاحدين مسيحية يسوع أتباع السيد المسيح بالناصريين أو نصارى.

وهذا ما يكشف عنه في نص عند تقديم بولس الرسول في أورشليم للمحاكمة المدنية لدى الوالي الروماني فيلكس، فرفع الدعوة عليه باسم المجلس اليهودي الأعلى المحامي ترتلس الشهير عندهم، قال: "إننا إذ وجدنا هذا الرجل مفسداً ومهيج فتنة بين جميع اليهود الذين في المسكوفة ومقدام شيعة الناصريين، وقد شرع أن ينجس الهيكل أيضاً، أمسكناه وأردنا أن نحكم عليه حسب ناموسنا، فأقبل ليسياس الأمير بعنف شديد وأخذه من بين أيدينا وأمر المشتكين عليه أن يأتوا إليك، ومنه يمكنك إذا محصت أن تعلم جميع هذه الأمور التي نشتكي بها عليه، ثم وافقه اليهود أيضاً قائلين: إن هذه الأمور هكذا". أعمال 24: 1ـ10.

ثم انتشرت الدعوة المسيحية خارج فلسطين، وقام بها كطلائع للرسل، صحابة المسيح، اليهود الهلينيون الذين ولدوا في المهاجر ونشأوا على الثقافة اليونانية، ثم آمنوا بالمسيح.

وبسبب ثقافتهم والحرية الدينية التي تعوّدوا عليها في مهاجرهم، كانوا أجرأ الناس دعوةً للمسيحية، حتى في أورشليم، فثارت عليهم السلطات اليهودية وقتلت زعيمهم اسطفان (اع7:54ـ60)، وشتتوهم خارج فلسطين، "فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط، ولكن كان منهم قوم وهم رجال قبرصيون وقيروانيون الذين لما دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع، وكانت يد الرب معهم، فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب". أعمال 11:19ـ21.

وهنا يذكر سفر أعمال الرسل، وهو تاريخ تأسيس المسيحية: (وفي أنطاكية أولاً دعي التلاميذ مسيحيين) اع11:27.

ومنذئذ شاع هذا الاسم مع الدعوة في أقطار الدولة الرومانية، ثم في أقطار الأرض كلها. فالمسيحيون هم من الأمميين، وهكذا صار اسم تلاميذ المسيح من بني إسرائيل (نصارى)، وصار اسمهم من الأمميين (مسيحيين)، وهذا الانقسام في الاسم بسبب البيئة سيجر إلى انقسام في العقيدة. أما الرأي الآخر، فيردُّ أن سبب الاختلاف في التسمية بين المسيحية والنصرانية إنما يعود إلى الاختلاف في البيئة والثقافة في الأمة الواحدة.

وكما كان المسيح مع دعوته بالإنجيل يمارس الشريعة الموسوية، كان الرسل صحابته في دعوتهم للمسيحية يمارسون الشريعة الموسوية، فيتردّدون على الهيكل، ويحفظون الأعياد اليهودية ويحافظون على الختان والصوم وسائر أحكام التوراة، لأنها أمست جزءاً من قوميتهم.

كان أتباع المسيح من اليهود، وعلى رأسهم آل البيت، يقيمون التوراة والإنجيل معاً؛ وينادون بالإيمان بموسى وعيسى معاً؛ ويرفعون شعار العماد والختان معاً.

ولكن المسيحية ما لبثت أن انتشرت بين الأمميين، وتكاثر عدد المسيحيين من الأمم حتى فاق عدد أهل الكتاب من اليهود المتنصرين، وكان هؤلاء يهتدون دون أن يتهوّدوا ويخضعوا لشريعة موسى والختان، ما أدى إلى إيجاد حالة من السلوك المتعارض بين الفريقين، فالنصارى اليهود يقولون بإقامة التوراة والإنجيل، والمسيحيون من الأمميين يقولون بالإنجيل وحده من دون الشريعة الموسوية والختان.

وتزعم مقالة النصارى آل بيت المسيح وعلى رأسهم أبناء قلوبا عم المسيح بحسب البشرية، الذين يسمونهم لهذه القرابة "أخوة الرب"، وكان زعيمهم يعقوب (أخو الرب) أول أسقف على أورشليم، بوجود الرسل أنفسهم، وبدأ يظهر هؤلاء تشيعهم للشريعة ولآل بيت المسيح، على حساب المسيحية العامة عند هداية جماعة الفريسيين (أعمال 15:5).

وتزعم مقالة المسيحيين من غير أهل الكتاب بولس، رسول الأمم، منذ هدايته وبعثته. فكان في رسالاته ورسائله، إيلافاً للدعوة المسيحية بين الأمم غير الكتابية، يدعو إلى المسيحية من اليهودية وشريعتها وختانها.

قال السيد المسيح "أول الوصايا هي: إسمعوا يا إسرائيل، الرب ربنا إله واحد" (مرقس 12ـ29).

التثـليث

ولكن المسيحية خرجت عن مفهوم وحدة الإله واتبعت بدلاً منه معتقداً غامضاً صيغ خلال القرن الرابع الميلادي، وهذا المعتقد الذي لا يزال حتى الآن موضع خلاف داخل الديانة المسيحية وخارجها، هو معتقد التثليث، وببساطة، فإن معتقد التثليث ينص على أن الله هو اتحاد بين ثلاث أشخاص مقدسين، الأب والإبن والروح القدس في كيان مقدس واحد.

ويجمع النصارى أن الله تعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقنومية ويفسرون الجوهر بالذات والأقنومية بالصفات، كالوجود والعلم والحياة ويعبرون عن الذات مع الحياة بروح القدس، ويعبرون عن الإله باللاهوت وعن الإنسان بالناسوت ويلقون العلم على الكلمة التي ألقيت إلى مريم(ع) فحملت منها بالمسيح(ع) ويخصونه بالاتحاد دون غيره من الأقانيم.

واجتمع منهم نفر من ثلاثمائة وثمانية عشر، وقيل وسبعة عشر أسقفاً من أساقفتهم بمدينة نيقية من بلاد الروم بحضرة قسطنيطين ملك الروم عند ظهور أريوش الأسقف وقوله: إن المسيح مخلوق، وإن القديم هو الله تعالى وألّفوا عقيدة استخرجوها من أناجيلهم لقّبوها بالأمانة، من خرج عنها خرج عن دين النصرانية، ونصّها على ما ذكره الشهرستاني في "الملل والنحل" وابن العميد ما صورته: "نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد أيشوع المسيح ابن الله بكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بروح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام بيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد الحي الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثيليقية وبقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين"، ووضعوا معها قوانين لشرائعهم سموها الهيمانوت.

ثم اجتمع منهم جمع بقسطنطينية عند دعوى مقدونيوس المعروف بعدو روح القدس وقوله: إن روح القدس مخلوق وزادوا في الأمانة المتقدمة الذكر ما نصّه: "ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من الأب"، ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلام الأمانة أو ينقص منها.

كان النصارى، كما جاء في قانون الإيمان الأثناسيوسي يعبدون "إلهاً واحداً في ثلاثة وثلاثة في واحد هو الأب، وآخر هو الإبن، وثالث هو الروح القدس، وهم جميعاً شخص واحد، وليسوا ثلاثة آلهة، وإنما إله واحد والثلاثة معاً خالدون ومتساوون، ويجب عل كل من يأمل في الخلاص أن يؤمن بالتثليث على هذا النحو..".

يمكن القول بأن الإشارات التي وردت في الإنجيل إلى التثليث غامضة، وربما أمكن القول بأن الإنجيل لا يشير في حقيقة الأمر إلى ذلك مطلقاً. ففي إنجيل متى (28ـ19)، نرى المسيح(ع) يطلب من حوارييه أن يبلغوا رسالته لجميع الأمم، وفي هذا التكليف الذي يسمى "التكليف العظيم"، يمكننا أن نرى أن عبارة "معمدين إياهم باسم الأب والابن والروح القدس" هي إضافة للنص التوراتي ولم يقلها المسيح(ع)، وذلك للسببين التاليين:

1 ـ كان التعميد خلال الفترات الأولى من التاريخ الكنسي، حسبما وصفه بولص في رسائله، يتم باسم المسيح (وليس باسم الأب والابن الروح القدس).

2 ـ ورد "التكليف العظيم" في أول إنجيل تمّ تدوينه، وهو إنجيل مرقص، دون ذكر لأسماء الأب أو الابن أو الروح القدس. (مرقص، 16ـ15).

أما الإشارة الأخرى الوحيدة للتثليث في الإنجيل فهي في الرسالة الإنجيلية الأولى (يوحنا:5ـ7). غير أن الباحثين المعاصرين يعترفون بأن هذه العبارة التي تقول بأن "هناك ثلاثة يسجلون في السماء: الأب والكلمة والروح القدس، وهم الثلاثة واحد"، هي إضافات تمّت في فترة تالية، ولا توجد في أي من نسخ الإنجيل الموجودة اليوم.

ومن هنا يمكننا أن نرى أن مفهوم التثليث لم يذكره المسيح(ع) أو أي من الرسل، وأن هذا المعتقد، الذي يؤمن به جميع المسيحيين في العالم، إنما هو من اختراع البشر.

إرساء القواعد

بينما نجد أن بولس الطرسوسي الذي يمكن اعتباره المؤسس الفعلي للديانة المسيحية، قد صاغ الكثير من معتقداتها، فإن معتقد التثليث لم يكن من ضمن المعتقدات التي صاغها، غير أنه أرسى أسس هذا المعتقد عندما نادى بفكرة أن المسيح (ابن مقدس). فالابن يحتاج الأب، ومن الأفضل أن تكون هناك وسيلة يوحي من خلالها الله إلى البشر، ويمكننا القول أو بولس قد ذكر الأسماء الرئيسية، ثم قام رجال الدين المسيحي بعد ذلك بتجميع هذه الأفكار في معتقد واحد.

وكان أول من استخدم كلمة "تثليث" هو ترتوليان، وهو محام وكاهن عاش في قرطاجة خلال القرن الثالث الميلادي، عندما أعلن نظريته التي تقول بأن الابن والروح القدس يشتركان في كينونة الإله، وإن كانا هما والأب عبارة عن كيان واحد.

وهنا بدأت صياغة معتقد رسمي واحتدم النـزاع حول موضوع التثليث في عام 318 بين رجلي دين من الاسكندرية، هما آريوس شمّاس كنيسة الاسكندرية وألكسندر مطرانها، وتدخل الإمبراطور قسطنطين في النـزاع.

ورغم أن العقيدة المسيحية كانت تمثل لقسطنطين لغزاً لا يقدر على فهمه، إلا أنه أدرك أن وجود كنيسة موحدة أمر ضروري لكي تحافظ مملكته على قوتها، وعندما فشلت المفاوضات في حسم الأمر، دعا قسطنطين إلى عقد المجلس الكنسي الأول في تاريخ الديانة المسيحية لحسم هذا النـزاع.

وبعد ستة أسابيع، في عام 325، اجتمع ثلاثمائة من المطارنة في نقوسيا، وانتهى المجلس الكنسي الأول إلى فرض مبدأ التثليث، وبدءاً من ذلك الحين، أصبح الإله الذي يؤمن به المسيحيون يتكوّن من ثلاثة كيانات، أو طبائع، في هيئة الأب والابن والروح القدس.

الكنيسة ترمي بثقلها

ولكن الموضوع ظلّ أبعد ما يكون عن الحسم، بالرغم مما كان يأمل فيه الإمبراطور قسطنطين، وبدأ آريوس يتناقش مع مطران الاسكندرية الجديد، وهو أثناسيوس، حتى أثناء توقيع القانون الإيماني النيقوسي، ومنذ ذلك الحين أصبحت "الآريوسية" صفة لكل من لا يؤمن بالتثليث.

غير أن القانون الإيماني النيقوسي ـ القسطنطيني لم يكتسب صفة الرسمية إلا في عام 451 بموافقة البابا، خلال انعقاد المجلس الكنسي في تشالسيدونيا، واعتبر التفوّه بما يعارض التثليث كفراً وهرطقة، وكان نصيب من يفعلون ذلك أحكاماً تتراوح بين التشويه الجسدي والموت، وأخذ المسيحيون يقتلون ويشوّهون الآلاف من إخوتهم المسيحيين بسبب اختلاف الرأي.

ويستمر النقاش غير أن العقوبات الوحشية وأحكام الموت لم تُنْهِ الخلاف على التثليث، ولا يزال هذا الخلاف مستمراً حتى الآن واستمرّ أتباع مذهب الموحّدين المسيحي على إيمانهم بآراء آريوس في القول بأن الله واحد، ولا يؤمن أتباع هذا المذهب بالتثليث، ولذلك فإن غالبية المسيحيين يحتقرونهم، ولم يوافق المجلس القومي للكنائس على قبولهم، ويعتقد أتباع هذا المذهب أن هناك أملاً في أن يعود المسيحيون إلى تعاليم المسيح الحقة، التي نراها في الإنجيل في الآية التالية: "أعبد الرب إلهك، اعبده وحده" (لوقا، 4ـ8).

تشعّبت المسيحية إلى فرق كثيرة عرفت التناحر فيما بينها، وادّعت كل منها احتكار الحقيقة المسيحية، ونفت غيرها. وحصرت بكنيستها وحدها الفهم السليم للدين، والمسيح والثالوث وما إلى ذلك.

ومن أشهر الفرق النصرانية القديمة:

الملكانية:

قيل سموا كذلك لأنهم أيدوا القرار الذي نصره قسطنطين في المجمع الذي جمعه، وقيل لأنهم أيدوا القرار الذي اتّخذه مجمع خلقدونية عام 451م، ضد بدعة أوطيخا المونوفيزية القائلة بطبيعة واحدة للمسيح، فلقبهم مخالفوهم بالملكيين لوقوفهم في مرقيانوس الذي كان يعاضد المجمع.

وكِلا القولين مؤداه أن هذه الفرقة تابعت القول الذي نصره الملوك فنسبوا إلى ذلك، ومعتقدهم أن جزءاً من اللاهوت حلّ في الناسوت وقد ذهبوا إلى أن الكلمة وهي أقنوم العلم عندهم اتّحدت بجسد المسيح وتدرّعت بناسوته ومازجته ممازجة الخمر للّبن أو الماء للّبن لا يسمون العلم قبل ترعه إبناً، بل المسيح وما تدرع به هو الابن، وكما يقولون إن الجوهر غير الأقانيم كما في الموصوف والصفة مصرّحين بالتثليث قائلين بأن كلاً من الأب والإبن وروح القدس إله".

كما يقولون "إنّ المسيح قديم أزلي من قديم أزلي وإن مريم ولدت إلهاً أزلياً فيطلقون الأبوة والبنوة على الله تعالى وعلى المسيح حقيقة"، ويقولون: "إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي، وإن القتل والصلب وقعا على الناسوت واللاهوت معاً"، كما نقله الشهرستاني في "الملل والنحل".

انتشرت طائفتهم في سوريا ومصر والأردن وفلسطين ويتكلم معظمهم العربية.

النسطورية:

فرقة نشأت في عهد المأمون العباسي، ينسبون إلى نسطور الحكيم بطريرك القسطنطينية. وذكر الشهرستاني: إنه تصرف في الأناجيل بحكم رأيه وقال: إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة، وإن هذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولا هي هو، وأن الكلمة اتحدت بالجسد لا على سبيل الامتزاج كما قالت الملكانية، ولا على طريق الظهور كما قالت اليعقوبية، لكن كإشراقة الشمس في كوة على بلورة، وكظهور النقش في الشمع إذا طبع بالخاتم.

وقالوا إن مريم لم تلد إلهاً وإنما ولدت إنساناً، وأن الله تعالى لم يلد الإنسان وإنما ولد الإله، واللاهوت والناسوت عندهم جوهران أقنومان وإنما اتحدا في المشيئة.

يخالفون في القتل والصلب مذهب الملكانية واليعقوبية جميعاً، فيقولون: إن القتل والصلب وقعا على المسيح من جهة ناسوته، لا من جهة لاهوته، لأن الإله لا تحله الآلام.

وهؤلاء ينكرون قتل المسيح(ع) وصلبه، ويعتقدون أن ذلك كان سبباً لخلاص اللاهوت من الناسوت، فمن أنكر عندهم وقوع القتل والصلب على المسيح خرج من دين النصرانية بل إنكار رؤيته مصلوباً عندهم ارتكاب محظور.

وعندما اعترض نسطور الحكيم على تسمية مريم العذراء بوالدة الإله، وقد كان بطريركاً بالقسطنطينية، اجتمع مجمع البطاركة وردّوا قوله ولعنوه، وقرروا أن مريم ولدت إلهاً هو يسوع المسيح. هذه الفرقة انتشرت بين نصارى المشرق من الجزيرة الفراتية والموصل والعراق وفارس.

اليعقوبية:

اختلفت الآراء والأقوال في سبب تسمية اليعقوبية. يقول ابن العميد في تاريخه: "إنهم أتباع ديسقرس بطريرك الاسكندرية، وإنما سموا بذلك لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب". وقيل، بل نسبوا إلى يعقوب البردغاني تلميذ سويسرس بطريرك أنطاكية وكان راهباً بالقسطنطينية، فكان يطوف في البلاد ويدعو إلى مذهب ديسقرس، وغير ذلك من الأقوال.

ويدور مذهبهم على القول إن المسيح هو الله، وقالوا بالأقانيم الثلاثة، إلا أنهم قالوا إن الكلمة انقلبت لحماً ودماً، فصار الإله هو المسيح وهو الظاهر بجسده، بل هو هو، فهم يقولون باتحاد الله بالإنسان في طبيعة واحدة هي المسيح، فالله باعتقادهم هو المسيح، فمات وصلب وقتل، وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر.

ومنهم من يقول ظهر اللاهوت بالناسوت فصار ناسوت المسيح مظهر الحق لا على طريق حلول جزء فيه ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان وظهر الشيطان بصورة حيوان، وكما أخبر التنـزيل عن جبريل(ع) بقوله تعالى. وأكثرهم يقول إن المسيح جوهر واحد إلا أنّه من جوهرين، وربما قالوا طبيعة واحدة في طبيعتين.

وهكذا جمعوا بين الخالق والمخلوق، أو كما قال بعض أهل العلم "جمعوا بين القديم والمحدث".

فهم يعتقدون أن اللاهوت والناسوت اتحدا وامتزجا كامتزاج الماء والخمر، فهما جوهر واحد وأقنوم واحد وطبيعة واحدة.

عاش اليعاقبة في مصر والسودان والنوبة والحبشة.

أما أهم الفرق الحديثة:

الكاثوليكية:

ولها اعتقاداتها الخاصة في العديد من المسائل:

مريم: هي مريم العذراء، بريئة من الشهوة ومن الخطيئة الأصلية (الخطيئة المميتة)، ومن كل خطيئة. وقد أعلن مجمع الثلاثين 1545 - 1563 براءتها الكاملة، وطهارتها التامة؛ ووضَعَها فوق كل القديسين، وكرّس حقها في نوع من التعبّد الخاص (عبادة العذراء/هيبَّردوليا). وقد أُدخلت عقيدة الحبل بلا دنَس، التي تبرىء مريم من الخطيئة الأصلية، في العام 1854.

الملائكة: خُلقوا قبل البشر؛ وهم كائنات روحانية، ينتظم الملائكة في تمَرتبات أولاها: (السيرافيون) ثم القروبيون، ثم العروش. هناك تمرتبات أخرى تُذكِّر بالاقطاع، وتتوازى مع تقسيمات الأرض والسلطة في أوروبا إبان بعض العصور (زيعور، أوغسطينوس، الفصل السادس).

الأسرار الإلهية: مبدأ محوري في المسيحية، فالالتجاء إلى ما هو سرّ، أي غامضٍ أو كامن ومقدّس، ظاهرة بارزة في المسيحية. هناك دائما إحالةٌ إلى الأسرار أو إلى تقديم هذه كمعتقداتٍ فوق العقل وخارجه. قد يقال أحياناً إنها ليست ضده ولا نقيضاً له؛ هي فقط من نطاق خاص أو لها منطق خاص بها قد لا يفهمه البعض؛ ولكنها في حد ذاتها قابلة لأن تُشرح وتُكْتنه، ما هي الآن أسرار البيعَة (الكنيسة)؟

تُقِر الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، منذ القرن الميلادي الثاني عشر ومع مجمع الثلاثين، سبعة أسرارٍ كنَسية هي: المعمودية، التثبيت، القربان المقدّس، التوبة، المسحة الأخيرة، الكهنوت، الزيجة. والسر البيعيّ صلاةٌ، أو هو نوع من الحياة ينالها الكاثوليكي بواسطة علامة؛ فيتطهر وتزكو نفسه، ويأخذ النعمة التي يمنحها الله له.

المعمودية: هي السر الكنَسي الذي يعيد بالماء والكلام الحياة التي أماتتها الخطيئة. وهي تُزيل الذنوب، والعقوبات التي تترتب على تلك الذنوب. تسمّى المعمودية، وهي واحدةٌ لا تتكرر، بسر الأموات. ويجب أن تتمّ قبل أي سر آخر. لها حلة خاصة، وتعطي المعمّد إسماً؛ ويُصرَف ماؤها على الأرض الزراعية النظيفة، يديرها أُسقف، أو أي كاهنٍ مجاز.

التثبيت: يُقصد به تعزيز الحياة الروحية في المعمَّد (المعمود)، وأن يُقَوي النفس على إتمام ما بدأ به السر الأول، وأن يَستنـزل مواهب الروح القدُس على ذلك المعمّد، ويتم التثبيت للطفل بعد بلوغ العاشرة، في حفلة خاصة على يد أُسقف المدينة: يَدهن الجبهة بدهن الميرون (مزيج من البلسم وزيت الزيتون سبقت مباركته في يوم الخميس السابق لعيد الفصح) ويرسم صليباً عليها قائلاً: "أَسِمُك بوسم الصليب، وأُثبّتك بميرون الخلاص باسم الأب والابن والروح القدس". ثم يضربه على وجهه صفعةً لطيفة خفيفة، تذكيراً بما قد يعترض المثبَّت من أجل محبة المسيح، ثم يمنح الأسقف تبريكاً للعموم.

القربان: هو سرّ أسرار؛ أو سرّ الافخارستيا. يحتوي جوهريا وفعلياً روح المسيح وألوهيته داخل الخبز والخمر. به يُدخِل المسيح ذاته إلى جسد المتناوِل تحت أعراض الخبز والخمر. القربان يغذي الروح كما أن الخبز العادي يغذي الجسد. إنه يغفر الخطايا؛ وواجبٌ على الكاثوليكي تناول القربان على الأقل مرة في السنة في موسم عيد الفصح أو إذا كان في خطر الموت. من شروطه: التوبة، والصوم عن الطعام والكحول ـ قبل ثلاث ساعات ـ إلا في حالة المرض. أسَّسه المسيح ذاته، وأوصى به. مادته الخبز اللامخمَّر، ونبيذ الكرمة دون اشتراط لونٍ معين. والاحتفال به غير مبسّط، وتحكمه عدة حركات أو رسومٍ ترمز إلى حركاتٍ تعاد إلى حياة المسيح أو تدل عليه. ويتولاه فقط الأساقفة والكهنة...

التوبة: هو سرّ اعتراف الخاطئ. يُعترف أمام الكاهن، في خلوة، بالخطايا المرتكبة ضد وصايا الله والكنيسة. ويحظى المعترف بالحلة من مرتكباته تلك، وبالغفران، بعد أن يفي بالمفروض عليه من الكاهن بشكل تعويضٍ من مثل الصدقات والإماتات الجسدية والأصوام. تعطي الكنيسة الكاثوليكية أهمية كبيرة لسر التوبة، فهو والمعمودية يعتبران الطريقين الوحيدين للخلاص. وللسر هذا تفصيلات، وشروط، وأوضاع، ولحلّ المعترف من خطاياه درجات. والمسيح هو الذي أعطى لتلاميذه سلطة الحل تلك، فقد قال لبطرس: "ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وما تحله يكون محلولاً". والمسيح أيضاً بعد قيامته قال لتلاميذه: "من غفرتم خطاياهم غُفرت".

المسحة الأخيرة: سُميت بذلك لأنها الأخيرة التي ينالها المتدّين. تعطى للمحتضر، أو عند خطر الموت، تعزية للنفس وتعزيزاً للبدن. قوامها أن المريض أو هذا الممسوح _ الذي يكون في غرفة نظيفة وعلى سرير مغطى بخوان أبيض، وبالقرب من طاولة عليها عدة أشياء ـ يعترف أمام الكاهن الذي يزوِّده بعدئذ بالزاد الروحاني (القربان)، ويمسح بزيت الزيتون (زيت خالص، بلا بلسم ولا خمر، مبارك من الأسقف في يوم الخميس المقدس) مناطق حواسه الخمس مع تلاوة نصوص خاصة، ثم يمنحه غفراناً بابوياً كاملاً. لا تسمح الكنيسة لمن هم في مرتبة سفلى منح هذا السر لأحد.

الكهنوت: سر به تمنح السلطة الكهنوتية ـ التي سلّمها المسيح إلى تلاميذه ـ إلى البعض كي يقوموا بخدمةٍ روحية للكنيسة. ويستمر ذلك النقل للسلطة إلى حين عودة المسيح في آخر الزمان. تتم الرّسامة بوضع اليد على رأس المرسوم مع تلاوة نصوص مخصصة، وشرط أن يكون هذا في حال النعمة، مولوداً من زواج كاثوليكي، غير مرتبط بزواج، راشداً، حائزاً على الثقافة المطلوبة، ناذراً النفس للتبتل والفقر والطاعة على مدى العمر. قام القطاع الكهنوتي بدور بارز في تطوير الوعي الديني والتاريخي المسيحي، وفي تمرتبه المتنوع المتفاعل باستمرار مع الشروط الاجتماعية الاقتصادية، وفي تنظيم دقيق للشعائر والأزياء ونُظم كثيرة كالرهبنات والأعياد (عن الأعياد في المسيحية، را: زيعور، أوغسطينوس، ص:47).

الزيـجـة: سرّ يربط بين معمدين بالغين لمدى الحياة بزواج شرعي، وينالان به نعمة مزاولة الواجبات العائلية، لا تقر الكنيسة الكاثوليكية للطلاق بشرعية. يتم بحضور الخوري أو الكاهن، في احتفال يسمى بالإكليل...، ويخضع لبعض الشعائر، ولتنظيمات أو قواعد تحكم تأسيسه، وبطلانه، وأوقاته المناسبة، الخ...

الأورثوذكسيـة:

تشكو الكنيسة الأورثوذكسية (أورثوس = مستقيم، دوكسا رأي) من ظلم الغرب الكاثوليكي لها، ومن جهله بتعاليمها، ونفوره أو كرهه لها. تقول إنها المحافظة الأمينة على اللاهوت منذ قرونه الأولى، وواحدة غير منقسمة، ولم تضف أو تحذف أي معتقد متمسكة بالتعاليم الصافية القديمة التي ورثتها عن الحواريين والآباء الأول. لذا فهي تُتهم، ـ وترفض التهمة ـ، بأنها متعض جامد وكنائس مشتتة ذات شعائر عتيقة غير متطورة.

نهوضاً من المبدأ الشمّال في الأرثوذكسية، رفض الاضافة أو الإلغاء داخل المعتقد العام، لا تقر هذه الكنيسة بتعديل العقيدة المركزية، الثالوث المقدس، من قبل الغرب الكاثوليكي، تعديلاً تأتي من زيادة كلمة والابن (فيلوك/ الابنية). إذا كانت الكاثوليكية تعتقد بأن الروح القدس انبثق، فاض عن، صدر عن، من الأب والابن قبل كل الدهور. فالأرثوذكسية هنا تنبذ إضافة كلمة والابن التي ضمتها الخوصة Symbole توليدو في السنة584م. كذلك لا تؤمن الأرثوذكسية بعقيدة الحبل بلا دنس التي أدخلتها الكاثوليكية في سنة 1854، مخالفة بذلك العقيدة التي تحدَّدت بموجب المجامع المسكونية السبع والخوصات نيقية ـ القسطنطينية وبإسم المبدا عينه الذي يرفض كل تعديل، لا تعترف الأورثوذكسية بأسسٍ دينية أو بنصوصٍ مقدسة تثبت الإيمان بالمَطْهر (وحتى بالجحيم). ولا تعترف بسلطة البابا، ولا بعصمته إذ العصمة للكنيسة كلها، ولا بالغفرانات الكنسية..

ومن الفروقات التي تعود إلى الشروط التاريخية والعبقريات الخاصة عند الأمم، يذكر: شكل إشارة الصليب إذ هو عند الأرثوذكسية. بثلاثة أصابع ومن اليمين إلى الشمال، وسر الاعتراف (والحلّة) يختلف نوعاً ما. وكذلك الحال في المعمودية، وفي سر الزواج إذ يسمح أحياناً بالطلاق، وفي الأصوام، والأعياد والاحتفالات الدينية أو الطقوس والشعائر... وتقوم أيضاً فجوة هي تباعد في الأزياء، والرتب الكهنوتية، والمناصب، وتنظيم الرهبنات والأديرة. أما بنية الكنيسة أو تقسيماتها، وخدمها، فهي عند الأرثوذكسية تخلو من المقاعد، يركع المؤمنون في عيد العنصرة، ومن الآلات الموسيقية.


البروتستانتيـة

حركة إصلاح؛ لكنها بنظر كنيسة روما، وفي أعين الكاثوليكي التاريخية، رفض وتمرد ثم انشقاق، ففي فرنسا، على سبيل المثال، يشعر البروتستانتي، الرافض، المحتج، إنه غير معروف؛ وأن فرنسا ـ البنت المدللة للكنيسة البابوية ـ طردت أفضل أبنائها بسبب معتقدهم وأنها أيضاً اضطهدت، وأبادت بل وما تزال تتغذّى فيها فكرة سيئة عنهم كي تبرر القسوة القديمة المفرطة ضدهم... والقضية، في نظر البروتستانتي، كانت قضية صفوة أرادت إصلاح الأوضاع، ورفض المزالق أو الفضائح التي غرقت في خضمّها الكنيسة الكاثوليكية، ما هدّد وحدتها بالتصدّع.

وجاء تصدّع الكنيسة الرومانية بحصول الانشقاق الكبير في الشرق 1054م؛ وكانت الهيمنة وبعض المسائل الأخلاقية المحيطة بسمعة رجال الكهنوت والبابوات، والامتيازات الجمّة أو الثروات المفرطة اللاصقة بالأساقفة، مع عوامل أخرى عديدة، أسباباً ظاهرة في احتدام الصراع داخل الكنيسة الكبرى الواحدة. ثم أتى سبب مباشر هو إقامة عقائد مفروضة من المجامع على المؤمن بلا أدنى نقاش، وحتى بلا سندٍ من الكتاب المقدّس أو غير موجودة في الأناجيل.

ومن المعروف أن من العقائد التي تميز حركة الاصلاح الديني المتعددة الأصوات والكنائس، هي فهمها لعقيدة الإيمان بالسيد المسيح، ومواقفها من سلطة الكتب المقدسة، والموحاة منها بشكل خاص، وحرية تأويل تلك الكتب أو بذل الجهد الشخصي في فهمها واستخراج قواعد الإيمان والحياة منها وحدها (راجع: مجمع سينودوس 1938؛ وخاصة فعل الإيمان الموضح هناك).

ليست الحركة البروتستانتية واحدة، فهي متعددة. نذكر منها سريعاً: الكنائس الويسلية، نسبة إلىWesley(ت 1791)؛ المنتشرة في انكلترا والمنتقلة إلى أميركا في 1784؛ والمعروفة بإسم الكنيسة الحرة. وهناك أيضاً الكنيسة الفالدوية أو الفودوازيةVaudoise في فرنسا، والكنيسة الفرنسية المصلّحة (المستصلحة) التي تجمع بين احضانها منذ 1938 ـ دون إذابة أو إزالة التنظيمات الخاصة لكل منها ـ الكنائس الكالفينية، والاسكوتلندية، والكنيسة الحرة.

ومن الضروري أيضاً الإشارة إلى كنائس أخرى مثل: الكنيسة اللوثرية، والكنيسة الانكليكانية ذات الأصول العائدة للقرن السادس عشر، مع الملك هنري الثامن. فقد أعلن هذا، في العام 1534، إبطال سلطة أسقف روما في إنكلترا، وأن الملك هو وحده بعد المسيح رئيس الكنيسة. ثم أعلنت في أيام أدوار السادس، خليفة الملك المذكور، القطيعة النهائية، على شكل 42 ثم 39 بنداً في سنة 1563، تحت حكم الملكة اليزابيت.

ومنها أيضاً الكنيسة المعمدانية التي تقول بأن لا وجوب لتعميد المولد، وتدعو أتباعها إلى إعادة تعميد الراشدين، وهي تعمد بالتغطيس لا بالسكب، ولا تقيم فرقاً بين راعي الكنيسة والمؤمن، ولا تقول بالمناولة الأولى... وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية أشهر الكنائس المعمدانية. وتجعل الكنيسة السبتية Adventiste، كاليهود، يوم السبت يوم الراحة إذ تقول إن الله قدّس اليوم السابع من الأسبوع، وليس يوم الأحد. وهي تنتظر الآتي أي المسيح الذي تتوقع مجيئه الثاني من خلال إشارات تسقطها على الوقائع. ترفض تعميد المولودين الصغار، ولا تعترف بأي يوم عيد؛ تكرس العبادة لله وحده، وتقر بسلطة الكتاب المقدس وحده. فهي عارية من أي ليتورجيا. ولدت هذه الكنيسة المجيئية (المنتظرية، أدفنشتية) في أميركا؛ ومعترف بها هناك منذ العام 1860، ومركزها العالمي في واشنطن.

وفي السنة 1829، نشأت في دبلين، ومن داخل الكنيسة الانكليكانية، الكنيسة الدربيةDarbyste أو كنيسة الأخوة. فحول منشئها غرفز Groves أشهر الأتباع بقولهم، إنّ الرسل لم يعيّنوا خلفاء لهم، وإنّ لا أحد له الحق في أن يكون راعياً في الكنيسة. وحول دربي Darby في السنة 1832 ترسخت، وتوضحت. وهم اليوم شديدو الانصباب على قراءة الأسفار المقدسة، والنبوءات التوراتية حول نهاية العالم.

ثم الكويكرز Quakers، أو الجمعية المسيحية للأصدقاء، لمؤسسها جورج فوكس Fox الذي نال لقب كويكر، أي المرتجف، يرفضون كل قَسَم، ولا يحيون أحداً، ويتصفون بالزهد، ويشجبون الغناء والرقص، والألعاب والتدخين، ويرفضون حمل السلاح، ويتصفون بحسن الأخلاق ومحمودية السيرة. ومن المحموديات في هذه الجمعية الاعتناء بالمحروم، وبكل عرق أو لون: وهنا تتميز نظرتهم ـ داخل الولايات المتحدة ـ إلى الهنود الحمر، السكان الأصليين، وإلى السود. ومن الكنائس الأخرى، جيش الخلاص. ويقول أتباعها إنّ مهمتهم هي أن يجعلوا البشرية، كلها تخضع لله وتنال خلاصه...

وتزداد الانشقاقات، أو تقوم بين الحين والحين كنائس جديدة داخل الحركة الإصلاحية، في الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص. لكن البروتستانتية تجتمع حول توجهات عامة أو تتصف بخصائص: الاستناد إلى الكتب المقدسة وحدها، الاعتراف بالمسيح وحده معلماً، نفي ضرورة توسط الكنيسة بوزرائها وتمرتبها في العلاقة بين الله والمؤمن، إقتبال العبادة باللغة الوطنية للمتعبد، اهتمام بقراءة الكتب المقدسة، رفض لعبادة القديسين وعبادة مريم وللغفران أو الدهن بالزيت والأصوام والعزوبية والتثبت، عدم الإيمان بوجود المسيح فعلياً في خبز وخمر القداس، الإيمان بحرية الفكر عند المتعبد، رفض الصور والتماثيل والآلات الموسيقية والمقاعد داخل المعبد، التحرر من أزياء وطقوس ومراسم وتمرتبات بيعية، عدم رسم شارة الصليب... وهكذا!!! حيث السعي إلى البساطة، والفعل الحر، والتساوي بين الشعب والإكليروس.



يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق