الجمعة، 25 مارس 2016

السلوك لمعرفة دول الملوك الجــــزء2

السلوك لمعرفة دول الملوك الجــــزء2


موضــــوع

السلوك لمعرفة دول الملوك



أما بعد، فإنه لما يسر الله وله الحمد، بإكمال كتاب عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط، وكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء، وهما يشتملان على ذكر من مَلَكَ مصر من الأمراء والخلفاء، وما كان في أيامهم من الحوادث والأنباء، منذ فحت إلى أن زالت الدولة الفاطمية وانقرضت، أحببت أن أصل ذلك بذكر من ملك مصر بعدهم من الملوك الأكراد الأيوبية، والسلاطين المماليك التركية والجركسية، في كتاب يحصر أخبارهم الشائعة، ويستقصي أعلمهم الذائعة، ويحوى أكثر ما في أيامهم من الحوادث والماجريات، غير معتن فيه بالتراجم والوفيات، لأني أفردت لها تأليفاً بديع المثال بعيد المنال، فألفت هذا الديوان، وسلكت فيه التوسط بين الإكثار الممل والاختصار المخل، وسميته كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك. وبالله أستعين فهو المعين، وبه أعتضد فيما أريد وأعتمد، فإنه حسبي ونعم الوكيل.
سنة ثمان وستين وخمسمائة
فيها خرج السلطان صلاح الدين بعساكره يريد بلاد الكرك والشوبك ، فإنه كان كلما بلغه عن قافلة أنها خرجت من الشام تريد مصر خرج إليها ليحميها من الفرنج ، فأراد التوسيع في الطريق وتسهيلها، وسار إليها وحاصرها، فلم ينل منها قصدا وعاد. وفيها جهز صلاح الدين الهدية إلى السلطان نْور الدين ، وفْيها من الأمتعة والآلات الفضْية والذهبية والبلور واليشم أشياء يعز وجود مثلها، ومن الجواهر واللآلىء شيء عظيم القدر، ومن العين ستون ألف دينار، وكثير من الغرائًب المستحسنة، وفيل وحمار عتابي، وثلاث قطع بلخش فيها ما وزنه نيف وثلاثون مثقالا، وكان ذلك في شوال . وفيها خرج العبيد من بلاد النوبة لحصار أسوان ، وبها كنز الدولة، فجهز السلطان الشجاع البعلبكي في عسكر كبير فسار إلى أسوان ، وقد رحل العبيد عنها، فتبعهم ومعه كنز الدولة، وواقعهم وقتل منهم كثيرا، وعاد إلى القاهرة .
وفيها سار الملك المعظم شمس الدولة فخر الدين تورانشاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين ، إلى بلاد النوبة، وفتح قلعة إبريم وسبى وغنم ، وعاد إلى أسوان ، وأقطع إبريم رجلا يعرف بإبراهيم الكردي، فسار إليها في عدة من الأكراد، وانبثوا يشنون الغارات على بلاد النوبة، حتى امتلأت أيديهم بالأموال والمواشي بعد فقر وجهد فوافى كتاب ملك النوبة إلى شمس الدولة وهو بقوص مع هدية، فأكرم رسوله وخلع عليه ، وأعطاه زوجين من نشاب ، وقال له : " قل للملك مالك عندي جواب إلا هذا " وجهز معه رسولا ليكشف له خبر البلاد، فسار إلى دمقلة وعاد إليه ، فقال : " وجدت بلادا ضيقة، ليس بها من الزرع سوى الذرة ونخل صغير منه أدامهم ، ويخرج الملك وهو عريان على فرس عرى، وقد التف في ثوب أطلس ، وليس على رأسه شعر. فلما قدمت عليه وسلمت ضحك وتغاشى، وأمر بي فكويت على يدي هيئة صليب ، وأنعم علي بنحو خمسين رطلا من دقيق وليس في دمقلة عمارة سوى دار الملك ، وباقيها أخصاص " . وفيها عظم هم السلطان نور الدين بأمر مصر، وأخذه من استيلاء صلاح الدين عليها المقيم المقعد، وأكثر من مراسلته بحمل الأموال ، ثم بعث بوزيره الصاحب موفق الدين خالد بن محمد بن نصر بن صغير القيسراني إلى مصر، لعمل حساب البلاد، وكشف أحوالها، وتقرير القطيعة على صلاح الدين في كل سنة، واختيار طاعته ، فقدم إلى القاهرة وكان من أمره ما يأتي ذ كره إن شاء الله .
وفيها مات أيوب بن شادي بن مروان بن يعقوب نجم الدين الملقب بالملك الأفضل أبي سعيد الكردي، والد السلطان صلاح الدين يوسف وذلك أنه خرج من باب النصر بالقاهرة، قألقاه الفرس إلى الأرض يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي الحجة، فحمل إلى داره في تاسع عشره وقيل لثلاث بقين منه، فقبر عند أخيه أسد الدين شيركوه، ثم نقلا إلى المدينة النبوية في سنة ثمانين وخمسمائة.
سنة تسع وستين وخمسمائة
فيها وصل إلى القاهرة موفق الدين أبو البقاء خالد بن محمد ين نصر بن صغير المعروف بابن القيسراني من عند السلطان الملك العادل نور الدين ، مطالبا لصلاح الدين بالحساب عن جميع ما أخذ من قصور الخلفاء وحصل من الارتفاع .


تتبع السلسة

يتبع




يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق