الأربعاء، 30 مارس 2016

فن اختلاس الثورات ج1

فن اختلاس الثورات ج1



أنا من المؤمنين بأن الأفق النظري ينبغي أن يكون متقدماً على الواقع العملي ونحن اليوم نعيش وقائع حاسمة وتاريخية، وجزء من هذه الوقائع هو إشكالية اغتيال الثورات، بدأت الثورات بالفعل وليس من شك أنه ستتلوها ثورات ومن المهم أن نؤسس لإنقاذ هذا المسار وإيصاله إلى الشاطئ الآمن.
في عام 1948 كانت هناك محاولة ثورية ضد الإمام في اليمن ولم تنجح الثورة وانقلب إمام اليمن على معارضيه شنقاً وتقتيلاً وكان هناك أسباب منها قصور ذاتي للثورة ومنها ميزان القوى المختل وكتب بعد ذلك الشاعر عبد الله البردوني شاعر اليمن تعليقاً شعرياً يصف ذلك فقال:
والأباة الذين بالأمس ثاروا..
أيقظوا حولنا الذئاب وناموا..
حين قاموا قمنا بثورة شعب..
قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا..
ربما أحسنوا البدايات لكن..
هل يحسون كيف ساء الختام..

مشكلة الثورات ليست في البدايات وإنما كما قال الفقيه السياسي الفرنسي مؤلف كتاب "الديمقراطية في أمريكا" وهو كتاب من أمهات الفكر السياسي في العالم، قال إن الثورة مثل الرواية الأدبية أصعب ما فيها خاتمتها، أصعب ما يفكر فيها كاتب الرواية هو كيف يصل إلى عقدة ونهاية جميلة للقصة، فالثورات نهايتها لا بداياتها تلك النهايات التي أساء فيها ثوار اليمن رغم إحسانهم في البدايات.

تعارض الحق والقوة في المجتمعات
لماذا الثورات أصلاً وما هو أسباب الثورات، هناك أسباب وشروط كثيرة للثورات، أعتقد أنها عدة شروط:
-* ضعف الثقة بين القيادة والشعب، هذا من الشروط السابقة على كل الثورات، وضعف الثقة بين القيادة والشعوب موجودة في مجتمعاتنا ولها جذور قديمة، أقول أنها بدأت منذ عام 38هـ ولم تبدأ اليوم، ابن كثير يروي في البداية والنهاية أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جاء إلى المدينة فتلقته عائشة بنت عثمان رضي الله عنها تشكو وتندب وتبكي حزناً على أبيها الشهيد عثمان وتحرضه على الاستمرار في تعقب قتلة والدها، فقال معاوية: "يا ابنة أخي إن الناس قد أعطونا سلطاننا فأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، وأظهرنا لهم -ما معناه- قبولاً تحته غضب فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا، فإن نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا".
فمشكلة الثقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمعات التي تحكمها سلطة غير شرعية هي شرط من الشروط السابقة على أي ثورة.
-* تخلف القيادة عن الشعب سواء كان تخلفاً فكرياً أو علمياً أو اجتماعياً إذا أصبح المجتمع يرى أن هذه السلطة لا تمثله ولا ينبغي لها أن تمثله وليست على مستوى من يقوم بالتنفيذ فهنالك أزمة قد تقود إلى ثورة.

-* المظالم المزمنة من أسباب الثورات، وجوهر الأمر هنا هو تعارض الحق والقوة في أي مجتمع، وهو الانشطار الذي يهدم المجتمعات ولا يمكن التئامه بدون ثورات، وجوهر الإسلام هذا التلاقي بين الحق والقوة بينما يسميه محمد إقبال نفي الذات وإثبات الذات، ويقول "سجود الجندي أعظم من سجود جنيد"، فسجود الجندي يسميه زهد المقتدر وزهد الملوك كلها مصطلحات لنفس المعنى وهو التلاقي بين الحق والقوة.
القوة المقيدة بالحق، والحق المزود بالقوة هذا الذي تقوم عليه المجتمعات الصحيحة، إذا وجدت الحق في أي مجتمع بجانب والقوة في جانب آخر فهنا انشطار لا يمكن التئامه بدون ثورات، لكن كل هذه شروط سابقة وليست المفجر الحقيقي للثورة.
توجد مجتمعات كثيرة فيها قمع وفيها تخلف وفيها ضعف ثقة بين القيادة والشعب وفيها مظالم لكن لا تقوم ثورات، هنالك مفجر تحتاجه هذه المجتمعات هو الإحياء المعنوي، فالاستبداد يميت الناس مادياً فإذا جاء من يحييهم معنوياً فإن هذه الإماتة المادية وهذا الإحياء المعنوي يؤديان إلى تلاقي الانفجار الثوري، ولذلك قال الفيلسوف الألماني هيجل إن الناس يتحركون حينما يؤثرون الحرية على الحياة، وهذه قاعدة تاريخية، حينما تجد في أي شعب إيثار للحياة عن الحرية فذلك الشعب سيؤثر العبودية، وإذا وجد في الشعب من يؤثر الحرية على الحياة فهو لن يعيش مستبعداً أبداً.
حينما تجد هؤلاء الشباب في القاهرة يلتقون بقوات القمع بصدورهم العارية ويسقطون ولا يغير ذلك من شيء يستميتون، هؤلاء جيل جديد ممن يؤثر الحرية على الحياة وبذلك يستحق الحرية.
كلمة ألقاها محمد بن المختار الشنقيطي في ندوة نظمها موقع إسلام أون لاين
بعنوان: التحركات الشعبية وآثارها على الوطن العربي.


يتبعـــ .....

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق