الأربعاء، 30 مارس 2016

فن اختلاس الثورات ج3 والاخيرة

فن اختلاس الثورات ج3 والاخيرة




خماسية اغتيال الثورات

الصراع الذي يؤدي إلى اغتيال الثورات هو صراع على خمس جبهات: صراع إرادة، صراع وعي، وصراع صورة، صراع تسديد، وصراع وحدة.
أما صراع الإرادة فهو الجبهة الأولى بين الثورة والقوة المضادة للثورة، وفي الغالب تبدأ ردة الفعل على الثورة بالقمع لأنها مسألة إرادة ولا تحتاج إلى تفكير أو تخطيط، وإنما تحتاج في هذه المرحلة إلى صلابة الإرادة، وقد حاول زين العابدين بن علي في تونس ويحاول حسني مبارك في مصر كسر الإرادة للمصريين وفشل في ذلك.
هنالك جبهة الوعي، فالثورة المضادة تتصارع مع الوعي لأنها قائمة على تزييف وعي الناس بما يحدث ولا بد من انتصار الوعي.
الصورة هي الجبهة الثالثة لأن الثورة لها سمعتها ولا بد أن تبقى ناصعة في أذهان الناس، فإذا لم تبق ناصعة في أذهان الناس فإنها لن تنجح، وتسعى القوة المضادة للثورة إلى تلطيخ سمعة الثورة بأي وسيلة دعائية أو أشخاصها أو مبادئها.
ثم تأتي جبهة التسديد وسوء التسديد هو أسوأ ما يصيب الثورات، في تاريخنا الإسلامي هنالك حركة ثورية تسمى الخوارج، وكانوا أشجع الناس في التاريخ الإسلامي إذ لا يوجد أعبد ولا أشجع ولا أصدق من الخوارج، لكن مشكلتها كانت في سوء التسديد، وهذه حركة تحولت من الثورة ضد النظام إلى الثورة ضد المجتمع وتكرر هذا النموذج مع بعض الجماعات، تحاول قوة الثورة المضادة أن تسحب الثورة إلى سوء التسديد وإلى أن توجه ضربتها إلى الهدف الخطأ.
أخيراً الوحدة، فعندما تقوم كتلة اجتماعية هائلة فإن القوة المضادة للثورة تسعى إلى التمزيق والتفريق داخل الكتلة، تجد مثلاً الإعلام الرسمي المصري يقول إن الناس كلهم غادروا ميدان التحرير ولم يبق سوى الإخوان المسلمون وهذا نوع من محاولة الدعاية للتفريق.

اغتيال الثورات يكون أحياناً بسرقة ثمرة الثورة، تبدأ معركة الإرادة فإذا ما انتهت تبدأ معركة التزييف والتلطيخ وسوء التسديد فإذا فشلت كل هذه تبدأ الجولة الأخيرة وهي قطاف الثمرة، تحاول القوى المضادة للثورة أن تحرم الذين نجحوا في الثورة من قطاف ثمرة ثوراتهم، وأحياناً تتحول بقدرة قادر القوى التي كانت تحارب الثورة إلى قوى ثورية نفاقاً من أجل أن تحصل على الغنائم، ولذلك تجد الآن في تونس ومصر من كانوا في النظام يبدؤون يتبرؤون، أحد القادة المرموقين في الحزب الوطني الحاكم بمصر يقول أنا تركت الحزب منذ 18 سنة فيبدأ التملص، ومن أسباب هذا محاولة أخذ نصيبهم من الحرب التي خاضوها في المعسكر الخطأ.
مقترحات إستراتيجية لقادة الثورة الشبابية المصرية
نظام حسني مبارك بدأ بإستراتيجية احتواء الثورة حاول بالقمع وفشل فيه ثم بدأ بإستراتيجية الاحتواء، وإستراتيجية الاحتواء والتخذيل بدأها من خلال رسائل مطمئنة مفادها أنه لن يكون هناك عنف ضدهم وحصرهم في حيز جغرافي واحد، ولذلك أرى أنه ورغم أهمية ميدان التحرير للثورة المصرية لكن تركزها في مكان واحد أصبح خطراً عليها الآن، بدأ ببث الفوضى طبعاً هو أمام الخارج لا يمكن أن يقمع الثورة ولكن حاول وبتنسيق مع حلفائه الغربيين أن يضربها ضربة غير واضحة حتى لا تحسب عليه ضربة أمنية مركبة ومخططة، ولذلك لما فشلت جاء رئيس الوزراء وكرر الاعتذار المعروف، فالفشل لا أبا له لكن النجاح فآباؤه كثر.

الثورة كما هي في مصر كانت قائمة على أساس الاستنزاف في الأيام الماضية، أما الآن فلا بد عليها أن تنتقل لإستراتيجية الحسم، لأن إستراتيجية الاستنزاف يمكن لها أن تستمر إذا كان هناك ضمان بعدم انجرارها للعنف وعدم رجوع القوى القمعية إلى الساحة، لكن التجارب أثبتت أن القوى القمعية يمكن لها أن ترجع، ولذلك لا بد من الانتقال إلى مرحلة الحسم، لأن مرحلة الاستنزاف قد لا يسمح بها الوقت طويلاً.

وبالطبع المعركة الكبرى لم تبدأ بعد في مصر، نظام حسني مبارك والحزب الوطني انتهى والجهاز الأمني انتهى، لكن المعركة الكبرى هي على ثمرات الثورة فتحضير شخصيات عسكرية لها صلات وثيقة أمنية ومالية وسياسية مع أمريكا وإسرائيل ومحاولة وضعهم محل حسني مبارك هذه هي المعركة القادمة في مصر، وأعتقد أنها ستكون المعركة الكبرى، معركة حسني مبارك حسمت وهي مسألة وقت، والمعركة الكبرى ستكون حول عمر سليمان ومن على شاكلته من الناس، وهنا ستكون معركة الوعي ومعركة الوحدة والنضج السياسي هي التحدي الكبير في المستقبل.

لن يستسلم الغرب بفقدان دولة بوزن مصر ولن يستسلم الإسرائيليون لذلك وإنما تؤخذ الدنيا غلابا كما قال الشاعر. ونرجو التوفيق لمن يقفون وراء هذه الثورة المجيدة، ولا شك أن الثورة التونسية والثورة المصرية إلهام لكل الشعوب العربية، والمعركة ليست داخل تونس ومصر فقط وإنما القوى الغربية تسعى ألا يظهر نموذج ناجح في هذه المنطقة لأن النماذج الناجحة تلهم والنماذج الفاشلة تؤدي إلى خيبة الأمل والإحباط، وهم يريدون إحباطاً ولا يريدون انبعاثاً معنوياً في بلداننا.
ومن الواضح أخيراً أن هذه الثورات التي بدأت ستستمر في الدول العربية التي يحكمها عسكريون في العديد منها على الأقل، وإن من الحكمة أن تبدأ قيادات الدول العربية من الآن بمصالحة تاريخية بينها وبين شعوبها فقد آن الأوان أن تردم الهوة بين الحاكم والمحكوم وكل ما تشطر حياتنا وحضارتنا وثقافتنا وأن نعود أمة مؤمنة بذاتها قادرة على بناء مستقبلها والإمساك بمصيرها.
كلمة ألقاها محمد بن المختار الشنقيطي في ندوة نظمها موقع إسلام أون لاين
بعنوان: التحركات الشعبية وآثارها على الوطن العربي.



يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق