اليهودية بين النظرية والتطبيق /مقتطفات من التلمود والتّوراة

الرؤية التلمودية لفلسطين:‏

في أسفار التلمود مفاهيم وتصورات عن الأرض المقدّسة " فلسطين " تلعب دوراً بارزاً على صعيد الفكر والعمل الصهيوني، وإليها استند زعماء الصهيونية من العلمانيين والمتدّينين في تبرير أعمالهم ومشاريعهم العدوانية في فلسطين العربية . ولا تزال هذه المفاهيم والتصورات الغيبية تلعب دوراً هاماً في إسرائيل اليوم ، اجتماعياً واقتصادياً وتعلّيمياً وسياسياً.‏

إنّ النقطة الرئيسية التي يستند إليها هؤلاء الصهاينة هي فكرة المسيح المنتظر التي قال عنها " بن غوريون " أنها ضمنت بقاء الشعب اليهودي على مرّ الأجيال ، وخلقت الدولة التي أصبحت أداة لتحقيق هذه الرؤيا المسيائية
هذه الرؤيا، رؤيا الخلاص أو الأمل المسيائي هو الطابع المحوري لليهودية التلمودية ، وهذا الخلاص يرتبط برباط وثيق مع فكرة العودة إلى الأرض المقدّسة " الموعودة" وإعادة بناء الهيكل وطرد العرب.‏

في أسفار التلمود يتجلّى اهتمام الرّبانيين بفكرة المسيا، فتتحّول على أيديهم إلى عقيدة شاملة وأساسية تؤلف الطابع المحوري لفرادة الشعب اليهودي، وتعلقّهم بوطنهم القديم وتحوّل أنظارهم نحو المستقبل وتملأهم بالصبر والعمل لمواجهة جميع الصعوبات التي عانوها.‏

يورد الدكتور أسعد رزّوق مزيداً من الفقرات التي تتحدّث عن الرؤيا المسيائية ونظرة الرّبانيين لها والحديث عن مواقيتها وأسبابها ونتائجها
في سفر سنهدرين نقرأ عن التصورات الرّبانية المتعدّدة والتي منها رؤية " التنائيم " في أنّ هناك دورة السنوات السّبع التي سيأتي بعدها المنتظر من نسل داود، وعلائم ذلك تظهر في كل سنة من هذه السنوات السّبع . ومنها أيضاً أنّ التّوبة شرط الخلاص، وعلائم هذه التوبة هو اشتداد الخصوبة في أرض فلسطين على رأي الرّباني " أبّا" بينما يرى الرّباني" حاما بن حانينا بن داود " أنّ هذا الخلاص لن يأتي حتى يزول تسّلط أصغر الممالك على إسرائيل.‏

وتتراوح مدّة العصر المسيائي بين أربعين سنة وسبعين لدى البعض من الرّبانيين. أو بين 365 و 400 سنة لدى غيرهم.‏

والمسّيا كما يرى الرّبانيون ينحدر من نسل داود وسوف يغلب أعداء إسرائيل ويسحقهم لكي يحرّر إسرائيل ويسترجع فلسطين . وفي سفر " تعانيت " يرد تفسير الرّباني " يوحنان " للعبارة الواردة في سفر هوشع في التوراة الإصحاح الحادي عشر " إنّ الواحد القدّوس تبارك اسمه قال: لن أدخل القدس السماوية حتى يتسّنى لي دخول القدس الأرضية
ويرى الرّبانيون التلموديون ، أنّ جمع اليهود في فلسطين هو من منجزات العصر المسيائي، وفي المجموعة التي تضّم الأقوال الحكيمة للرّباني " أليعازر " نقرأ شيئاً مماثلاً :" الواحد القدّوس تبارك اسمه هو المقّدر له أن يجمع بني إسرائيل من زوايا الأرض الأربع ، وكما ينقل البستاني غرساته من تربة إلى تربة أخرى فإنّ الواحد القدوّس تبارك اسمه سوف ينقلهم من أرض : دنسة إلى أخرى طاهرة ".
فتصورات التلمود للعصر المسيائي ترسم صورة لفلسطين إلى جانب مسألة جمع المنفيين من بني إسرائيل . فيتحّدث الرّبانيون عن اجتماع شمل بني إسرائيل في فلسطين وتقسيم الأرض فيها على / 13/ سبطاً منهم وسوف تمتدُّ حدود فلسطين وتتسّع كلّما ازدادات امتلاءً وكثافة.‏

وفي سفر " بابا بترا " يتحدّث الرابي يوحنان عن تفسير العبارة في المزمور 24/2:" لأنّه على البحار أسّسها وعلى الأنهار ثبتّها ". ويرى يوحنان أنّ المقصود هي أرض إسرائيل ¡ فالبحار هي بحارها السبعة والأنهار هي أنهارها الأربعة" بحيرة طبرية ، بحر سدوم " الميت" بحر إيلات ، بحر حولتا، بحر سيبكابي، بحر أسباميا، البحر الكبير المتوسط". أمّا الأنهار الأربعة فهي " الأردن ، اليرموك، كراميون، ينجاه أوبيجا ". 5)‏

والصورة التي يرسمها الأدب التلمودي لحدود أرض إسرائيل في المستقبل هي حسبما جاء في سفر " دباريم" :" سوف تمتدّ حدود أرض إسرائيل وتصعد في جميع الجهات، ومن المقدّر لأبواب القدس أن تصل إلى دمشق، وسوف تأتي الدياسبورا لتنصيب خيامها في الوسط
وترد اجتهادات وتفسيرات كثيرة على لسان الربانيين في التلمود عن فلسطين وأحقّية بني إسرائيل فيها بسبب الوعد الإلهي ليعقوب الذي منحه أرض الكنعانيين ليمتلكها ونسله وتغدو ميراثهم الأبدي. فهم يشيرون إلى أنّ أرض كنعان من نصيب سام بن نوح وهم أبناء سام بن نوح . بينما الكنعانيون من نسل حام. ووجدوا في أرض كنعان لكي يحرسوا المكان إلى حين مجيء بني إسرائيل، وأنّ الواحد القدّوس تبارك اسمه قاس جميع الأمم فوجد أنّ جيل التيه " بني إسرائيل " وحده يستحق أن يتلقى التوراة، وقاس جميع المدن فوجد القدس وحدها جديرة باحتواء الهيكل، ثم قاس جميع البلدان فرأى أنّ البلد الوحيد الذي يليق بأن يعطى إلى بني إسرائيل هو أرض إسرائيل
فالرّبانيون التلمودّيون يشيرون دوماً إلى أنّ كنعان لهم بحسب ما جاء في التوراة، سفر التكوين الإصحاح التاسع :" ملعونً كنعاة عبد العبيد يكون لاخوته". وهذا يعني كما فسّرها الرّبانيون أنّ العبد ملكٌ لصاحبه وحتى لو أعطيت الأرض إلى الكنعانيين فإنّها ملكٌ لأسيادهم اليهود. وأنّ إبراهيم صرف أبناء أسراري جميعهم وأعطى كلّ ما له لابنه إسحق، وبالتالي فإذا قام أبٌ بتوريث أبنائه خلال حياته ثم صرفهم الواحد عن الأخر ، فهل هناك من حقّ للواحد على الأخر . ويجيب التلمود كلاّ بالطبع
الرؤية التلمودية للأغيار:‏

إنّ النظرة اليهودية التلمودية تميّز اليهود عن الأغيار، الأمم غير اليهودية، فهم الشعب المختار والزرع المقدّس. هم البشر وجميع الأمم حيوانات يستدعي نحرهم.. والنحر غير الذبح . فالذَّبح يتطلب التبريك أمّا النّحر فلا يحتاج إلى تبريك. لأنّ الأمم لايحتاجون إلى التبريك . والوثني الذي يدرس التوراة يستحّق عقوبة الموت في نظر الرابي يوحنان، لأنّ موسى أوصى كما يشرح هذا الرابي بناموس ميراث جماعة يعقوب، أي أنّ التوراة هي ميراثهم وحدهم، فلهم الميّزة والأفضلية إزاء الأغيار، وهو ماتكرسّه أقوال الفقهاء اليهود في التلمود فنقرأ قول الرابي حنينا:" إذا ضرب الوثنّي يهودّياً استّحق الموت". ويقول أيضاً :" من ضرب إسرائيلياً على فكّه كأنّه اعتدى على الحضرة الإلهية
الرؤية التلمودية للأغيار ترى أنّ بني إسرائيل هم البشر وحدهم أمّا ما عداهم من جميع الأمم فإنّهم من أصناف البهائم والحيوانات . ولا يجوز لليهودي أن يسكن في بيت واحد مع أحد من الأمم ، ويجب على اليهودي أن يجتهد بإخراج الساكن معه من الأمم الأخرى ، لأنّ بيوت الأمم الأخرى تشبه خان الحيوانات وليس لهم اسم مسكن على الإطلاق
كما يشير فقهاء التلمود إلى أنّه لايجوز للطبيب " الحكيم " اليهودي الماهر أن يعالج أحداً من بقية الأمم ولو بالأجرة. أمّا إذا كان الطبيب اليهودي غير ما هر بصنعة الطّب فيجب عليه أن يتعّلم بمعالجة بقية الأمم للتعّلم فقط . وحرام عليه أحد من اليهود طالما بقي غير ماهر بصنعة الطب ( 11)‏ .

إنّ طعام النصارى والمسلمين محرّمٌ ولا يجوز لليهودي أن يأكل من منازل النصارى والمسلمين. وعليه أن يتلف خمره إذا ما لمسه نصراني أو مسلم أو من عبّاد الأصنام
ونقرأ أيضاً أنّه لا يجوز لليهودي أن يتعامل بالرّبا مع أخيه اليهودي بينما يباح له أن يمتصّ غيره من الأمم والشعوب، وأن يسرقه وأن يشهد بالزّور عليه وأن يقتله أو يكذب عليه أو يغدر به أو يغصبه أو ينتقم منه أو يشتهي امرأته أو بيته. فالمحرمات التي نجدها في سفر الخروج تخصّ بني إسرائيل وحدهم :" لا تشهد على قريبك شهادة زور ولا تشته بيت قريبك ، لا تشته امرأة قريبك ولا أمته ولا ثوره ولا حماره"،" لا تقرض أخاك بربا للأجنبي تقرض بربا. لكن لأخيك لا تقرض بربا" سفر التثنية
ويتشدّد التلموديون في نظرتهم إلى العرب ، فيرد في سفر " سوكاه " قولٌ للرابي " حانا بن آبا":" هناك أربعة أشياء يندم الواحد القدّوس تبارك اسمه على خلقه إيّاها وهي :" النفي، الكلدانيون، الإسماعيليون، ونزعة الشّر." وينسب الرّبانيون التلموديون إلى العرب كثير من التصرفات السلبية مثل إساءة معاملة الأسرى من النساء، وإساءتهم لجمالهم وخيانتهم وغوغائيتهم
إنّ رؤيتهم بشكل عام إلى الأمم أنّهم وثنيون يعبدون الأصنام ولهذا لا يحقّ لهم كما يحقّ لليهود. فلليهود حقّ بما يحرمونه على سواهم . فلا يجوز لأحد من عباد الأصنام " أي جميع الأمم دون استثناء" أن يستريح يوم السبت، فإذا استراح فينبغي قتله، لأنّ الّله قال حسب رأيهم: لا يستريحوا لا في الليل ولا في النهار، وكذلك إذا قرأ أحد عبّاد الأصنام في التوراة فيجب قتله لأنّ التوراة هي لبني إسرائيل فقط
التلمود في إسرائيل:‏

هناك سلطتان قائمتان في إسرائيل" الدولة من جهة ، ودار الحاخامية من جهة ثانية ... ودار الحاخامية تقوم على تطبيق الشرع التلمودي في شؤون الأحوال الشخصية للإسرائيليين" الزواج، الطلاق ، المواريث،" وهي شديدة التمسّك في تنفيذ أحكام الشّرع بحذافيرها.‏

إنّ الشّرع التلمودي يمارس نفوذه في المجالات التالية:‏

-الأحوال الشخصية: قضايا الزواج والطلاق وتسجيل المواليد وقوانين الميراث.‏

- قوانين الأطعمة: تحليلها وتحريمها والشروحات المتعلّقة بالذّبح الشعائري.‏

- التعليم الديني: وهذا ما يأخذ الأولوية لدى الحاخامين، والتربية التلمودية في المدارس والمعاهد الدينية تلقى اهتماماً متزايداً ويؤلف التلمود محوراً رئيسياً في منهاج الدراسة، وتوجد في إسرائيل مؤسسة خاصّة في القدس للموسوعة التلمودية التي بوشر بإصدارها منذ عام 1947 باللغة العبرية، وهي في متناول كلّ يهودي.‏

والعرب في إسرائيل يواجهون مظاهر التعصّب والانغلاق والتشّدد الدّيني ، وتظهر دائماً كتابات معادية للعرب على الجدران مثل :" الموت للعرب، إسرائيل لنا، لا نريد العرب، هذه المدرسة لنا وليست للعرب، لا تنازل عن الحدود، إلى ما هنالك من جمل وعبارات تلمودية تكرّس النزعة العنصرية والعدوانية واستحضار التاريخ. وتساهم في خلق جيل يهودي منغلق متعصّب شديد التدّين بالغيبيات التوراتية والتلمودية، يسعى لترجمتها إلى واقع ، فالتلمود يفسّر القدس السماوية بمفهومها الرّوحي على أساس القدس الأرضية ، ويشترط لتحقيق القدس الرّوحية عودة اليهود إلى قاعدتها الأرضية.‏

في إسرائيل مئات الآلاف من الشبّان الذين تثقفوا على تلك النزعات الدينية الغيبية، وهم يرفضون أي شيء يسّمى مساواة أو عدالة مع الأغيار ويحاولون دوماً ترسيخ فكرة الاختيار والقداسة، والحدود التاريخية المقدّسة وضرورة التمسّك بالتراث.‏

ويعمل المسؤولون الإسرائيليون بدأب لتشكيل الشخصية اليهودية بناء على نموذج عنصري انطلاقاً من المقولة إنّ اليهود شعب الّله المختار، وهم أسمى الأجناس وأرقاها




يتبع