الأحد، 27 مارس 2016

إدعاء رمسيس الثاني الألوهية 2

إدعاء رمسيس الثاني الألوهية 2
وتصرف فرعون من بناء صرح للصعود عليه للتدليل على عدم وجود إلهي يذكرنا بما قاله جاجارين – أول رائد فضاء – وهو سوفيتي ملحد: إذ قال بعد نزوله من دورانه حول الأرض: لم أر الإله الذي يقول بوجوده المؤمنون !

يبدو أن فرعون وقد أقنع نفسه بهذه الطريقة الساذجة – بناء الصرح والصعود فوقه – بعدم وجد إله فأرسل رسله في البلاد ينادون أن فرعون هو الرب الأعلى.

{فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 23-24].

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [القصص: 38].

وقد سبق أن ذكرنا في التحليل النفسي لشخصية رمسيس الثاني إشراك والده له في الحكم في سن العاشرة والمديح الذي كان المحيطون به يكيلونه له بلا حساب وفي كل وقت، كل هذا خلق في نفسه شعوراً بالتعاظم، فإذا أضفنا إلى ذلك طول مدة حكمه التي بلغت حتى ذلك الوقت 63 سنة لأدركنا لماذا ظن نفسه إلهاً، فالآلهة هم المخلدون.

ولا بأس من أن نتطرق قليلاً لموضوع العلاقة بين الملوك والآلهة في مصر القديمة.

لقد تم اندماج المقاطعات التي كانت تتكون منها مصر إلى مملكتين مملكة الدلتا أو مملكة الشمال ولها ملك يلبس تاجاً أحمر وعاصمتها بوطو ( حاليا إبطو، إحدى قرى مركز دسوق ) والأخرى في الصعيد أو مملكة الجنوب وعلى رأسها ملك يلبس تاجاً أبيض وعاصمتها نخب (حالياً عزبة الكاب مركز إدفو ) وكان لكل مملكة إلهها الخاص بها إلا أن المعبود ( حوريس) (ورمز له بالصقر ) كان يُعبد في كل من المملكين، وكان ملوك هاتين المملكتين يقلبون بـ(خدام حوريس) وقد صبغهم المصريون بصبغة دينية إذ اعتقدوا أن أرواحهم بعد الموت تكون واسطة بين الناس والآلهة، وبمرور الزمن اعتبر هؤلاء الملوك أشباه آلهة، ومن هذا يمكن أن نتصور مدى ما كان لملوك هاتين المملكتين من نفوذ وسلطان ( مصر في العصور القديمة، راجعه محمد شفيق غربال. ص 19) ثم جرت محاولات أولية لتوحيد المملكتين إلى أن تحقق التوحيد على يد الملك (نارمر ) أو (مينا) وأقام الأسرة الأولى وتلتها الأسرة الثانية.

كان الملك يعيش في قصر على ربوة يشرف منه على رعاياه ولذلك عرف المصريون القدماء قصره باسم ( برعو) أي البيت العالي ويرجع أن لفظ ( فرعون) – ومعناه صاحب البيت العالي اشتق من ذلك الاسم كما كان يطلق على سلاطين آل عثمان ( الباب العالي ) وكان لقصر الفرعون بابان عظيمان يمثلان الملكية المزدوجة – الصعيد والدلتا، وكانت الملكية – كما ذكرنا- مطلقة أساسها قدسية الملك، ويلقب بأنه (حوريس الحي) هو ليس إلهاً مثل حوريس ولكنه صورة له وهذا يعني وجوب الخضوع التام له، فالملك هو ( صورة حية للإله تعيش على الأرض ) و(الإله هو الذي يتحدث من فمه ).

ثم جاءت الأسرة الثالثة وقام الملك (زوسر ) وكان وزيره (أمحوتب) مضرب الأمثال في الحكمة وبارعاً في الهندسة فوضع تصميم الهرم المدرج وبناه في سقارة، وهو يعد أول بناء حجري كبير عرفه التاريخ وذاع صيت أمحوتب في الطب كذلك وأصبح أعظم أطباء عصره وعين في وظيفة رئيس الكهنة ومهمته خدمة الآلهة في المعبد وتلاوة الصلوات نيابة عن الملك. ثم جاءت الأسرة الرابعة ومن ملوكهما سنفرو وخوفو وخفرع ومنقرع وكل منهم بنا لنفسه مقبرة على شكل هرم. أعظمها جميعاً هرم خوفو أو الهرم الكبر وكان ارتفاعه عند بنائه 146 متراً. وجاء بعده ابنه خفرع وبنى الهرم الأوسط وارتفاعه 143 متراً. إلا أنه يبدو أكثر ارتفاعاً من الهرم الأكبر لأنه بنا على جزء من الهضبة أكثر ارتفاعاً. كما نحت تمثال(أبى الهول) المشهور. وجاء بعده منقرع (منكاورع) وبنى الهرم الصغر وارتفاعه 66 متراً. ثم توالى ملوك آخرون وبنى كل منهم لنفسه هرماً أصغر من سابقه. وكان بجوار كل هرم معبد تقام فيه الطقوس الجنازية للملك المتوفى.

من المرجح أن الكهنة بدؤوا يشعرون بعدم الرضا إذ أن فراعنة هاتين الأسرتين سخروا الشعب كله في بناء الأهرامات وهي عبارة عن مقابر للملوك. ولم يهتموا ببناء معابد تقام فيها تماثيل الآلهة وتقدم لها القرابين الكثيرة والتي تؤول في النهاية إلى الكهنة فينعمون بها. ورأى الكهنة يتهدد أرزاقهم من استمرار هذا الاتجاه لدى فراعين الأسرة الرابعة. فأزمعوا تغيير الأسرة الحاكمة. وتزعم هذه الحركة كهنة(رع) بمدينة عين شمس فأشاعوا: (أن رع ) كان غير راض عن الملك خوفو الذي بنا الهرم الكبر. وكذلك سمح لابنه وحفيده ببناء الهرمين الثاني والثالث وان(رع) أراد أن يحكم مصر من بعدهم ملوك يفوق تقديسهم للإله تفكيرهم في تشييد مقابرهم الضخم ملوك يشيدون المعابد ويقدمون القرابين على المذابح ويكدسونها ويجعلونها كثيرة وافية). ورأى كهنة رع أن يقوموا هم أنفسهم بتأسيس الأسرة التي تحكم البلاد. ولكنهم اصطدموا بالشرعية التي تقضى بأن يكون الملك من سلالة ملك. وهنا تفتق ذهنهم عن حيلة ذكية تكسب الملك الجديد ـ منهم ـ شرعية أقوى. وهو أن يكون الملك من سلالة الآلهة! وقد أصبحت هذه الأسطورة ذات أثر كبير في علاقة الملوك بالآلهة في كل الأسرات التالية وأشار كهنة هليوبوليس: ( أن الإله (رع) قد اختار زوجة كبير الكهنة وجعلها تحمل منه وتلد بمساعدة الآلهة ثلاثة أبناء هم باكورة جيل جديد من الملوك أعطاهم ختوم أعضاء قوية وأعطتهم إيزيس أسماءهم وجعلهم الآلهة ملوكاً حقيقيين سيتقلدون الملك في هذه البلاد بأجمعها، وهكذا تولى هؤلاء الملوك الثلاثة الواحد تلو الآخر الملك باسم ( أوسركاف) و(سحورع) و(كاكاي) وهم أول ملوك الأسرة الخامسة.

يتبع إن شاء الله

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق