الخميس، 31 مارس 2016

كتاب تاريخ العالم-الفصل السابع-صنع أوروبا 7-18

كتاب تاريخ العالم-الفصل السابع-صنع أوروبا 7-18


التبعيات الإقطاعية


كانت كل من التقاليد الرومانية والجرمانية تحبذ مبدأ التبعية، وفي المراحل الأخيرة من الإمبراطورية والأيام المضطربة في غاليا الميروفية صار من الشائع أن يلتزم الناس بسيد كبير لحمايتهم، وأن يؤدوا له بالمقابل أشكالاً خاصة من الولاء والخدمة، وقد اندمجت هذه العادة في تقاليد المجتمع الجرماني بسهولة كبيرة. وعلى عهد الكاروليين بدأت عادة أن يؤدي أتباع الملك الولاء له، أي أن يعترفوا له في احتفالات خاصة كثيراً ما تجري أمام الملأ بما يترتب عليهم من مسؤوليات تجاهه، فيصبح هو سيدهم ويصبحون هم رجاله. كما أن للأتباع بدورهم أتباع آخرون، بحيث يكون الرجل التابع لأحد السادة سيداً على رجل آخر، وعلى هذه الصورة كانت هناك سلسلة من الالتزامات والخدمات الشخصية تمتد نظرياً من الملك عبر كبار رجالاته وأتباعهم حتى أدنى الرجال الأحرار. وقد يؤدي هذا الترتيب بالطبع إلى متطلبات معقدة ومتضاربة، فحتى الملك نفسه قد يكون تابعاً لملك آخر في بعض أراضيه، وفي أسفل الهرم الاجتماعي كان العبيد، وربما كان عددهم أكبر في جنوب أوروبا منها في شمالها، ولكن أعدادهم كانت تميل للانخفاض في كل مكان، بينما كانت مرتبتهم ترتفع قليلاً إلى مرتبة العبد المرتبط بالأرض، وهو رجل غير حر يولد مرتبطاً بأرض العزبة التي يعمل فيها، ولكن له مع ذلك بعض الحقوق القليلة. كان قسم كبير من أرض أوروبا مقسماً إلى إقطاعيات إذاً، وهي كما قلنا أراض يستثمرها صاحبها مقابل التزامات نحو سيده. ولكن مع ذلك بقيت هناك دوماً مناطق هامة في جنوب أوروبا، لم تكن إقطاعية بهذا المعنى، وكان هناك أيضاً بعض أصحاب الأراضي الأحرار الذين تختلف أعدادهم من بلد إلى آخر، وهم غير مدينين بأي خدمة مقابل أرضهم بل يملكونها بصورة مباشرة. ومع هذا فإن تلك الالتزامات المعقودة بين الناس على أساس الأرض كانت هي التي تحدد نمط حضارة العصور الوسطى. وقد تكون الجمعيات أيضاً مثل الأفراد سيدة أو تابعة، إذ قد يؤدي المستأجر الولاء لرئيس دير رهبان أو رئيسة دير راهبات، مقابل العزبة التي يديرها في أراضيهم، وقد تشكل جماعة من كهنة الكاتدرائية أو من الرهبان وحدة تابعة للملك.وكان هناك مجال كبير للتعقيد والالتباس في هذا الترتيب، إلا أن الحقيقة الأساسية المتمثلة بتبادل الالتزامات بين السيد وتابعه كانت تتخلل بنية المجتمع برمتها، وهي من مفاتيح فهم مجتمع العصور الوسطى.



لقد كان هذا الترتيب حجة لابتزاز الفلاح من أجل إعالة المحارب وبناء قلعته، وعلى هذا الأساس قامت الأرستقراطيات الأوروبية ونمت، وظلت الناحية العسكرية هي الناحية الأهم والأعلى في هذا النظام فحتى عندما زالت الحاجة للخدمة الزراعية بقي السيد بحاجة للمحاربين العاملين لدى أتباعه، ثم صار بحاجة لأموالهم من أجل استئجار المحاربين. وكانت أكثر المهارات العسكرية أهمية هي قتال الفارس المدرع من على ظهر الخيل، وعندما استخدم الركاب في القرن السابع أو الثامن صار الخيال المدرع هو المهيمن في ساحة المعركة، وقد ظل كذلك إلى أن ظهرت فيما بعد أسلحة أقوى منه. ومن هذا التفوق التقني نشأت طبقة الفرسان، وهي مكونة من خيالة محترفين يعيلهم سيدهم إما بصورة مباشرة أو عن طريق منحهم عزبة لإطعامهم وإطعام خيولهم، فكان هذا مصدراً آخراً من مصادر الأرستقراطية المحاربة في العصور الوسطى، ومن مصادر القيم الأوروبية أيضاً لقرون طويلة قادمة؛ ولم يكن الانضمام إلى طبقة الفرسان بالأمر العسير.



يتبع


يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق