الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

واقع الطفل الفلسطيني في ظل اتفاقية حقوق الطفل والانتهاكات الاسرائيلية


واقع الطفل الفلسطيني في ظل اتفاقية حقوق الطفل والانتهاكات الاسرائيلية




أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في 20 تشرين ثاني 1989, اتفاقيه حقوق الطفل, والتي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من شهر ايلول 1990, وقد اكدت السلطة الوطنية الفلسطينية في ديباجة النظام الاساسي الصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني عن التزامها بمبادىء القانون الدولي العام ومبادئ حقوق الانسان , وبالتالي الالتزام بنصوص اتفاقيه حقوق الطفل , كما عقدت الجمعية العامه للامم المتحدة عام 2001 اجتماعا شارك فيه معظم رؤساء العالم وعدد كبير من المنظمات الدولية والعاملين مع الاطفال تم فيه اقرار وثيقة عالم جدير بالاطفال والتي تنص على تخفيف معاناة الاطفال واحترام حقوقهم الواردة في اتفاقية حقوق الطفل .

تحتوي اتفاقية حقوق الطفل على (54) مادة تكفل كل ما للاطفال من حقوق فيما يخص حياتهم, ويمكن تصنيفها الى خمس مجموعات , مجموعة حقوق البقاء والصحه, ومجموعة حقوق النماء والتعليم, ومجموعة حقوق المشاركه , ومجموعة حقوق الحماية, ومجموعه الحقوق العامه, هذا وتمثل نسبة الاطفال في المجتمع الفلسطيني الذين تقل اعمارهم عن 18 سنه في منتصف عام 2000 ما نسبته 53%, وهذا ما اظهرته بيانات دائرة الاحصاء المركزية الفلسطينيه في الاراضي الفلسطينية.

نظره عامه على واقع الطفل الفلسطيني وحقوقه:ان مسيره المعاناه للشعب الفلسطيني بدأت منذ ما يزيد على سته عقود, فالنضال من اجل استرجاع الحقوق والحفاظ على الهوية الفلسطينية اليوم هو استمرارية لتاريخ نضالي اتخذ اشكالا عديده منذ العام 1948 , ولذا فان فهم التحولات الحاصله نتيجة للانتفاضات المتتالية وتأثيرها على الاطفال الفلسطينيين سواء على المدى القريب او البعيد لا تتضح ولا تكتمل دون الاخذ بعين الاعتبار بصمات التاريخ الاجتماعيه والاقتصادية والسياسية , وبالتالي فان اطفال هذه الانتفاضات النضاليه الفلسطينيه هم نتاج لتراكم من المعاناه والتحولات على الواقع الفلسطيني لما يزيد عن سته عقود من الاحتلال الاسرائيلي .

ان اطفال فلسطين اليوم عانوا من الحرمان باشكال متعدده ولم يتمتعوا بالحد الادنى من تلبيه حقوقهم كما هو الحال في العديد من دول العالم ,نشأوا في اسر عانت من التهجير والتشرد والفقر والعنف والاحتلال , واليوم يعيش الاطفال في ظل وعنف وتطرف الاحتلال الاسرائيلي, فمن خلال انتفاضة 1987 ومرورا بانتفاضة الاقصى وكذلك الحرب الاسرائيليه على قطاع غزه وحصاراته المستمره للاراضي الفلسطينيه , الا ان الفتره الزمنيه منذ العام 1994 وحتى الان وعندما استلمت السلطة الوطنية الفلسطينيه زمام الامور , شهدت تلك الفتره نوعا من الاستقرار في الحياه الاقتصاديه والاجتماعية والسياسيه , مما انعكس ايجابيا على حياة الاطفال.

كما تميزت تلك الفتره بمحاولات عديده من اجل تحسين الواقع, فتحسن الواقع التعليمي والصحي , واخذت الجهود دورا ابعد من ذلك في سبيل تلبيه حقوق الاطفال في التنمية والمشاركة والحمايه, فجاءت العديد من البرامج التي تستهدف حماية الاطفال من الفقر والتهميش الاجتماعي والعنف الاسري وتطبيق المفهوم الحقيقي لحق الطفل بالمشاركه الفعليه للاطفال عوضا عن المشاركه الشكليه, ذلك الحد الادنى من الاستقرار جعل اسر الاطفال قادرة على توفير الاحتياجات الاساسيه لاطفالهم, كما عززت من ثقة الاطفال بقدرة الاسره والمجتمع على حمايتهم واحساسهم بالامان تجاه الحاضر والمستقبل , ولكن بدأ العد التنازلي للانجازات الحاصله منذ اندلاع انتفاضة الاقصى وتلاها الحرب الاسرائيليه على قطاع غزه .

لقد جاءت انتفاضة الاقصى وتلاها الاجتياحات الاحتلاليه الاسرائيليه والاقتحامات اليوميه لمدن وقرى المناطق الفلسطينيه وصولا الى الحرب الاسرائيليه على القطاع وبقدر ما تحمل هذه الفترات من معاني مقاومه الاحتلال الاسرائيلي لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق حلم الدوله الفلسطينية على ارض الواقع , وبقدر ما جاءت سياسات الاحتلال لمواجهة النضال الفلسطيني واحباطه عنيفة ومنتهكة لحقوق الانسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص , فهي وان كانت استمراريه لسياسات الاحتلال ضد الفلسطينيين منذ عام 1948, الا انها وخلال هذه الفتره جاءت مغايره في حجمها وشكلها ومضمونها , مما جعل معاناه الشعب الفلسطيني السياسيه والاجتماعية والاقتصاديه اكثر تأثرا عموديا وافقيا بشكل يمكن اعتبارها تحولات في الواقع الفلسطيني , لا يقتصر تأثيرها على الزمن الحاضر بل يمتد ليأخذ بعدا تنمويا ايضا , وتلعب تلك التحولات دورا بارزا في تأثيرها على الاطفال بشكل خاص .

ان التراجع الاقتصادي الذي ادى الى اتساع دائرة الفقر بين الاسر الفلسطينيه, وان سياسة الحصار المطبقة على المدن الفلسطينيه وعزلها عن بعضها البعض وتلاها حصار غزه ,حد من قدرة الفلسطيني على التحرك واغلاق الحدود بين شطري الوطن الضفه وغزه مع اسرائيل , والسيطره على الحدود بين الضفة الغربيه والاردن , وقطاع غزه ومصر , تلك السياسات ادت الى عرقلة الجانب التعليمي واكتساب المهارات سواء في الحياه الاكاديميه او الحياه العامه, والسؤال المطروح امام هذا التحول في حياة الاطفال: ما الذي يمكن ان يترتب على تلك التحولات من تشكيل شخصية الطفل الفلسطيني في الوقت الحالي..؟

ان الصراع مستمر وليس هناك اي اشارات واضحه لنهايته وعنف الاحتلال الاسرائيلي التي قد يتعرض له الطفل الفلسطيني في اي وقت وبأي شكل , ولم يعد هنالك من قادر على رده او حمايته من التعرض له . ان المجتمع الدولي والعربي يتحدث عن السلام والجانب الاسرائيلي يلاحق الاطفال ويهدم بيوتهم هذه التساؤلات وغيرها يطرحها الطفل الفلسطيني دون ان يجد اية اجابات مقنعه عليها, كفيله بخلق فجوه في انتمائه وقناعته بالقيم المحيطه به وبثقته بنفسه واسرته والمجتمع من حوله سواء المحلي او العربي او الدولي.

ففوضى القيم الاجتماعيه وغموض مفهوم السلام وحقوق الانسان, هي تحول اخر له تأثير على تكوين شخصية الطفل الفلسطيني والتي قد تلعب دورا في بروز ظواهر اجتماعيه في المستقبل القريب , لان سنوات العمر المرتبطه بمرحلة الطفوله المبكره تعتبر سنوات المرحله الحرجه للنمو الجسدي والعقلي والاجتماعي اكثر من اية مرحله اخرى من مراحل النمو , وباعتبار الطفل من اكثر الفئات الاجتماعيه التي هي بحاجه الى حماية مجتمعيه فهو بالتالي من اكثرها تأثرا بالاوضاع المصاحبه للنضال الفلسطيني والعنف والعنف الاسرائيلي , ومع ذلك من الصعب قياس مدى وشكل تأثر كل طفل بها وذلك لاختلاف الصفات الفرديه والظروف الموضوعيه الاخرى المحيطة بكل منهم او بكل مجتمع صغير ينتمون له والتي قد تشكل لبعضهم عوامل حمايه والعكس صحيح للبعض الاخر .

هناك العديد من الظواهر والمشاكل الاجتماعيه قد تترتب على التحولات السابقه , ولها تأثير على امكانية التنميه البعيده والقريبه , مثل : تدني مستوى الوضع الصحي للاطفال وارتفاع نسبة الاطفال الذين يعانون من سوء التغذية بسبب الفقر , وقد اشارت احصاءات وزارة الصحه الى ان عدد الاطفال الذين توجهوا للعيادات الصحيه بسبب سوء التغذيه زاد بنسبة 11,5% خلال اول ستة شهور من بداية انتفاضة الاقصى, وسوء التغذيه لا يتوقف عند ضعف النمو الجسدي للاطفال بل يتعداه الى ضعف في النمو العقلي والنفسي وفي بعض الحالات يقود الى اعاقة عقليه وجسديه دائمه.

وبشكل عام اوضحت احدى الدراسات ان التحصيل المدرسي والقدره على الاستيعاب لدى الاطفال الذين يعانون من سوء التغذيه متدن مقارنه بالاطفال الذين يتمتعون بصحه جيده ......ويقف العنف الاسرائيلي وسياساته الى جانب الفقر في التأثير السلبي على التنمية البشريه, فالعنف الاسرائيلي حال دون حصول الاسر على الخدمات الطبيه , واعاق وصول عدد كيير من الاطفال للمراكز الصحيه وتسبب في حالات وفاة الاطفال الذين كانوا في حالات طارئه, هذا الى جانب تقليص فترة الدوام المدرسي لكافة الطلاب نتيجة الحصار وتقطيع المناطق والعزل القائم بين مناطق السلطة الوطنية الفلسطينيه , وكذلك التسرب الحاصل نتيجة العنف الاسرائيلي والذي ادى الى حالات الفقر الذي يعيشها المواطن الفلسطيني . وحرمان الاطفال بالتالي من ممارسة حياتهم الطبيعيه وعدم مشاركتهم في النشاطات المدرسيه والترفيهيه اسوة بباقي اطفال العالم .

ومما سبق نلاحظ ان اسرائيل ونتيجة احتلالها للاراضي الفلسطينيه مست في الصميم كل رموز الاطفال القيميه : الانسان والارض والمقدسات والحرية الفرديه والجماعيه والاشجار والمياه والحضاره والثقافه والافراد والمنازل , اصبح كل ما يحبه الطفل مهددا او مدمرا او مشوشا.

وبالتالي يصبح من المنطقي ان ينبري الاطفال دون سن 18 عاما للدفاع عن اشيائهم الخاصه والعامه بطرائقهم الخاصه التي قد تبدو غريبه جدا عن الفهم في شروط الحياة الطبيعيه, وفي مجتمع طبيعي . ان خوف الاطفال على رموزهم فاق خوفهم على حياتهم, الامر الذي ادى الى التصادم مع جنود الاحتلال دون خوف من الموت. وهذا السلوك لا يأتي بتفكير واع مسبق, بل يأتي كنتيجه لتفاعل تلك العناصر مع بعضها البعض في الحياه اليوميه, ويعبر عن ذاته في لحظة المواجهه او التصدي للمداهمات التي يقوم بها جنود الاحتلال وبشكل يومي , ويبدأ التفاعل الداخلي لدى الطفل بالتساؤل والاستياء والغضب ويمر بالكراهيه والرغبه في الانتقام , ثم ينتهي بالمقاومه والتصادم مع جنود الاحتلال والمستوطنين الذين خربوا طفولتهم

ان الممارسات التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية والتي تعتبر خرقا للمواثيق والمعاهدات الدوليه , تأخذ مكانا مهما في حياة الاطفال الفلسطينيين , بحيث تبقى راسخه في اذهانهم حتى بعد ان يتعدوا مراحل الطفوله, كما وتؤدي تلك الممارسات الى زرع مفاهيم كثيره لدى الاطفال, هي على الاغلب فوق مستواهم العمري, ومن البديهي هنا ان يكثر الحديث لديهم عن الاحداث ونتائج الاصابات على تنوعها.

كما ان الاحتلال والتصدي له في كافة المراحل النضاليه الفلسطينيه اوجد طفلا فلسطينيا من نوع جديد يعي مظاهر الاحتلال , واصبحت مشاركته في التصدي لهذا الاحتلال جزءا من الاعتداد بالنفس يباهي بها اقرانه و اقاربه ومعارفه من الكبار , ليثبت لهم انه اصبح رجلا مستهدفا مثلهم , وعلى الرغم من ان القانون الدولي يحرم استغلال الاطفال في حالة الحرب وفي العمليات العسكريه , غير ان الطفل الفلسطيني وجد نفسه وسط الاحداث خاصة وان الجانب الاسرائيلي ادخل الطفل الفلسطيني عنوه في الاحداث , من خلال استهدافه له , اما بطريقه مباشره من خلال القتل العمد كما حدث مع الطفل الشهيد محمد الدره وشهداء اخرين او بالاصابة عن طريق اطلاق النار او عن طريق التعرض لاستنشاق الغازات السامه او من خلال الخطف او من خلال الاعتقال ومداهمة البيوت ليلا وترويع الاطفال من خلال ايقاظهم من النوم واعتقال آبائهم او اخوتهم .

لذا ومن خلال الاطلاع على واقع الطفل الفلسطيني من حيث حقوقه وحرياته الاساسيه وبين ماهو منصوص عليه ومؤكد في اتفاقيه حقوق الطفل يتبين لنا الفرق الشاسع بين ما هو مضمون ومكفول من حقوق وحريات اساسيه للطفل وبين الانتهاك الصريح والمعلن والمنظم تجاه الطفوله الفلسطينيه حياة وامنا وصحه وتعليما وحماية , وتتحمل اسرائيل الجانب الاكبر والاساسي من المسؤوليه عن انتهاك حقوق الطفل الفلسطيني , والتي لا تقيم وزنا ولا قيمة لكل الاتفاقيات والمواثيق الدوليه لحقوق الانسان ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي لم تلتزم فيها بتعهداتها تجاه حقوق الانسان وحرياته الاساسيه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق