الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

اليهود وانتزاع المسجد الأقصى


اليهود وانتزاع المسجد الأقصى

" بلاغ حكومة فلسطين

في مساء 23 أيلول الجاري أي ليلة عيد الغفران (يوم كيبور) رفع متولي وقف أبي مدين الذي يقع ضمن دائرته الرصيف ومنطقة البراق (المبكى) شكوى إلى جناب حاكم مقاطعة القدس بأن حاجزًا قد أنشئ على الرصيف الملاصق للبراق، وأدخل إليه أشياء أخرى تخالف العادة المتبعة كقناديل كاز وعدد من الحصر وهيكل أكبر من الحجم الاعتيادي، فزار حاكم المقاطعة البراق في أثناء صلاة المساء، وقرَّر عملا بالعادة التي أقرتها الحكومة وجوب رفع الحاجز قبل إجراء الصلاة في اليوم التالي، وأعطى تعليمات بهذا المعنى إلى الشماس القائم بترتيبات الصلاة في البراق محتفظًا بقراره في مسألة القناديل بإزالته صباح اليوم التالي باكرًا، وقبل تأكيداته بتنفيذ تعليماته، وبلغ في ذات الوقت ضابط البوليس البريطاني القائم بالوظيفة ضرورة رفع الحاجز من مكانه إذا لم يقم بتعهده .
فزار ضابط البوليس صباح اليوم التالي البراق، ورأى أن الحاجز لا يزال في مكانه فسأل القائمين بالصلاة أن يرفعوه من ذلك المكان غير أنهم أجابوه بأنهم لا يستطيعون ذلك نظرًا لقداسة ذلك اليوم فرفعه عندئذ رجال البوليس بنفسهم، ولم يكن المصلون عمومًا قد اطلعوا على ما جرى سابقًا، فعندما رأوا البوليس يرفعون الحاجز الذي استعمل لفصل النساء عن الرجال هاجوا وسعى بعضهم لمنع البوليس من رفعه بالقوة، وأخيرًا رفع الحاجز .
ويعتبر جلب الحاجز ونصبه على الرصيف تعديًا على الحالة الراهنة مما لا يمكن الحكومة السماح به، غير أن الحكومة تأسف لما حصل من الخوف والانزعاج لجماعة كبيرة من المصلين في يوم مقدس كهذا لليهود، وقد علمت الحكومة أن المراجع اليهودية قد جازت الشماس المسؤول عن الحادث بما يستحق على عمله، وقد شددت الحكومة عليهم في ضرورة مراجعة موظفي الحكومة المسؤولين عن التدابير المسموح باتخاذها في أثناء الصلاة في البراق في أعياد اليهود الرسمية التي أبديت للمراجع اليهودية عند وقوع مثل هذه الحوادث في البراق في سنتي 1922 و1925 وهذه السنة أيضًا .
ولم يكن هنالك وقتئذ ضابط بوليس يهودي؛ لأن جميع البوليس اليهود كان قد أجيز لهم التغيب عن الخدمة يوم عيد الغفران، وستمعن الحكومة النظر في ضرورة وجود ضابط بوليس يهودي في المستقبل بين الذي يرسلون إلى البراق للمحافظة في أعياد اليهود الخطيرة، وفي الختام ترى الحكومة بأن رفع الحاجز كان ضروريًّا غير أنها تأسف لما وقع من جراء رفعه". انتهى.



وقد جاء في جريدة الجامعة العربية الغرَّاء التي تصدر في القدس الشريف بعد نشر هذا البلاغ ما نصه:

والقارئ لهذا البلاغ يشعر أن الحكومة قد وقفت موقف الضعف محاولة ستر اعتذارها لليهود بأنها تمسكت بوجهة نظرها في ما اتخذته من الإجراءات ضدهم في البراق، وقد كنا نحب أن تظل الحكومة واقفة موقف الحزم، سالكة السبيل الذي يقضي به الحق والعدل والتعامل القديم في مسألة البراق، وأن لا يؤثر عليها هذه المناورات التي يقوم بها اليهود من أجل أمر لا حق لهم فيه على الإطلاق.

وقد اتصل بنا من مصدر موثوق أن اليهود قد طلبوا من الحكومة الإذن للقيام بمظاهرة عامة واسعة النطاق يحضرها أفراد عديدون من اليهود من سائر جهات فلسطين، وذلك في يوم الإثنين (اليوم) حيث تذهب جموعهم إلى البراق بالأناشيد بقصد التمويه والتأثير على الحكومة.

هياج الرأي العام الإسلامي والدعوة إلى عقد اجتماع

ولما اتصل بالمسلمين في القدس خبر عزم اليهود على القيام بهذه المظاهرة هاجوا هياجًا عظيمًا وفكروا في ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لرد عادية اليهود فتأسست لجنة من أهل الحمية والغيرة طبعت منشورًا دعت فيه المسلمين إلى حضور اجتماع عام في المسجد الأقصى بعد صلاة العصر (أمس)، وقد وصلتنا صورة من هذا المنشور فأثبتناها في ما يلي:

" نداء عام إلى إخواننا المسلمين كافة

أيها المسلمون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

تعلمون أنه قد حدث في هذه الأيام محاولة الاعتداء على مكان البراق المجاور للمسجد الأقصى الذي إليه كان إسراء النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وقد ظهر من هذه المحاولة التي تكررت أمثالها من قبل على غير جدوى، أن القوم الطامعين في الاعتداء على الجانب الغربي من سور المسجد الأقصى مصممون على الأخذ بكل وسيلة للطمع في حقكم وحق جميع المسلمين في هذا البيت العظيم من بيوت الله المقدسة.

وإزاء هذه الحالة يتطلب الواجب الديني من كل مسلم أن ينظر بعين الجد واليقظة فيما يَدْهَم المسلمين من خطر عاجل، ولذلك فقد [1] أوجبت خطورة الحالة على المسلمين أن يتشاوروا في هذه الحالة ابتغاء اتخاذ الحيطة لوقاية بيت الله من الاعتداء وتقرير ما ينبغي تقريره في هذا الشأن الخطير من اتخاذ الوسائل المشروعة القانونية لدى الحكومة والمراجع الإيجابية.

وعليه فإننا ندعو كل مسلم في هذا البلد المقدس إلى حضور صلاة العصر في المسجد الأقصى في هذا اليوم (الأحد) الواقع في 16 ربيع الثاني سنة 1347 الموافق 30 أيلول سنة 1928 وإننا نتوسل إليكم المبادرة إلى حضور هذه الصلاة بوقتها، آملين من غيرتكم تلبية النداء والسلام عليكم ورحمة الله، اللجنة الداعية.

القدس في 16 ربيع الثاني سنة 1347

في المسجد الأقصى"


وعند صلاة العصر اجتمع ألوف من المسلمين في المسجد الأقصى فبعد الصلاة خطب كل من الشيخ عبد الغني أفندي كامله و عزت أفندي دروزة والشيخ حسن أفندي أبو السعود في الحاضرين وأوضحوا لهم مقاصد اليهود في محاولاتهم الموجهة إلى البراق الذي هو السور الغربي للحرم الشريف، وبعد ذلك أعد الحاضرون مضبطة إلى فخامة المندوب السامي يحتجون فيها على أعمال اليهود العدائية، وما أدت إليه من هيجان في الرأي العام كما أعدوا مضبطة أخرى طالبين فيها أن تسمح الحكومة بإقامة المظاهرات السلمية في القدس وسائر أنحاء فلسطين والاحتجاج إلى وزارة المستعمرات وملوك المسلمين وأمرائهم والشعوب والصحف الإسلامية وإلى عُصْبَة الأمم وقد انتخبوا لجنة تنفيذية لتنفيذ هذه المقررات سننشر أسماء أفرادها فيما بعد.



وقد بلغ هياج الرأي العام بين المسلمين مبلغه في السخط على هذه الأعمال التي يقوم بها اليهود، وهذه الدعاية التي يبثونها في فلسطين أو في الخارج ويعجبون من الوقاحة التي دعت اليهود لأن يفكروا في الاعتداء على حق مقدس للمسلمين لا يتصور أحد من المسلمين أن يفرط في ذرة منه ما دام فيه عرق ينبض وسيرسل المجلس الإسلامي الأعلى إثر ذلك تقريرًا شديد اللهجة إلى الحكومة موضحًا فيه خطورة الحالة، مطالبًا منها تدارك الأمر بما يطمئن خواطر المسلمين ويهدئ من ثوران نفوسهم المهتاجة.

هذا وإننا نوجه كلمتنا الأخيرة إلى الحكومة وإلى إدارة الأمن العام طالبين منها أن تضرب على أيدي اليهود الطامعين فيما ليس لهم حق فيه، والعاملين على العبث بالأمن العام، وموجهين نظرها إلى أن التساهل في مسألة حساسة خطيرة كهذه قد يؤدي إلى ما لا تُحْمَد عُقْبَاه؛ لأن المسلمين في فلسطين لا يمكن أن يفرطوا قط في ذرة من حقوقهم في هذا المكان الذي يشكل الجدار الغربي للمسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ونخشى أن يتعدى الهياج القدس إلى سائر بلدان فلسطين، ثم إلى العالم الإسلامي كافة إذا لم تتدارك الحكومة الأمر بالحزم والشدة.

(المنار)

قد قام رئيس المجلس الإسلامي الفلسطيني صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتي القدس وأعضاؤه بما يجب عليهم من السعي لدرء هذه الفتنة من طريق الحكومة كما فعلوا الواجب من ناحية تنبيه المسلمين كما يجب عليهم في ذلك، وحسبنا نشر هذا الكتاب مبينًا لتلك المساعي الرسمية في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق