هل نحتاج إلى قراءة جديدة للتّاريخ ؟ج2
وفي الاحتفال بـ (إعلان مبادئ) في حديقة البيت الأبيض في شهر أيلول 1993م تكلّم رئيس وزراء العدو الصهيونيّ إسحاق رابين عن ( تاريخ اليهود الطويل من المعاناة والعذاب)، ولكن ياسر عرفات لم يذكر شيئاً عن تاريخ فلسطين وما فيه من الآلام والخسائر مكتفياً بترديد: شكراً.. شكراً!!(5).
لقد عمّق القرآن الكريم الإحساس عند العرب حين قصّ عليهم أخبار الأمم الخالية، وحين وصلهم بالأمم المعاصرة لهم، وحين ذكر لهم سنن النّهوض والارتقاء، وسنن القوّة والضّعف والتقدّم والتأخّر، قال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)[الرعد:17].وقال تعالى: (فاصبر إن العاقبة للمتقين)[هود:49] والسنن تعني أن نفس الأسباب تأتي بالنتائج نفسها في جميع الأوقات ولسائر الشعوب، جاء في الحديث : "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله".
يقول أحد دارسي النّفس البشريّة: "وهذا هو السّبب في أن الأُسر والأمم والأجناس التي لم تعرف كيف تميّز بين الحلال والحرام تتحطّم في الكوارث"(6).
نعم، نحن بحاجة لقراءة جديدة للتاريخ، ولكن" لإيجاد حياة قد خرجت من الحياة، ورد ميت في قبر مغلق إلى كتاب مفتوح"(7) – كما عبر شيخ العربية محمود محمد شاكر رحمه الله- نقرؤه لإسقاطه على الحاضر ومعرفة الواقع على حقيقته، ومن منظور التجرّد والِحياد والتحفّظ على أهواء المؤرخين، وإخضاع ما دوّنوه للتّمحيص والتّدقيق.
وهنا لا بد من التّنبيه إلى الفرق بين تاريخنا السياسيّ وتاريخنا الحضاريّ العلميّ؛ فرغم التدهور السياسي في بعض الفترات وبعض المناطق، ورغم تفشيّ ظاهرة الاستبداد والتمزق الداخليّ والتفرّق، إلا أن العلوم بشتى فروعها كانت في تقدّم، ولم ترتبط بظاهرة الانحطاط، وهذا شيء قد لا يوجد عند الأمم الأخرى، حيث يرتبط التقدم العلميّ بالتقدم السياسيّ، كما كان في أوروبا في عصر النّهضة؛ وذلك لأنّ الأمّة الإسلاميّة نشأت بالدّين، والدّين يحثُّ على طلب العلم، وإنّ أكثر المدارس في حضارتنا كانت بدعم الأوقاف الخيريّة وبجهود الأفراد والمجتمع.
كما أنّ تاريخنا السياسيّ ليس كله تدهوراً، ولكنّ بعض الناس الذين يجهلون حقيقة تاريخنا وفي مجال المقارنة مع الغرب وتاريخه، فإنهم ينظرون إلى التاريخ الأوروبيّ الحديث (كمن ينظر إلى جبل من بعيد فلا يرى إلا القمم العالية)(8)؛ ولكن عندما ينظر إلى التاريخ الإسلاميّ؛ فإنّه يسير في داخله فيرى الطّرق الوّعِرة والأخاديد والوديان والقمم (والخط البياني للحضارة الإسلامية كثيرة القمم)، وطريقة الغربيّين في تأريخهم للأشخاص هي أنّهم لا يتدخلون في خصوصيّات قوادهم، وإنما يرسمون لهم صوراً عظيمة لما قدّموا من خدمات؛ فيأتي تاريخهم وكأنه كله بطولات، بينما نرى المسلمين يهتمون بالناحية الأخلاقيّة والعقديّة للشخص المترجم له؛ فيكون التّفصيل والنّقد والجرح والتّعديل.
إنّ الاهتمام بالتاريخ السياسيّ وتقلبات الدول وتوسعها وانقراضها (كما هو مقرر في مناهج المدارس العربية) إنما يبعث على القنوط والجهل بتاريخنا الآخر؛ فلماذا لا نبعث التاريخ الحضاريّ، ومكتبتنا مليئة بهذا الجانب؟!
ليس من القراءة الجديدة للتاريخ أن نترك من يعبث بتاريخ هذه الأمة تحت شعار (قراءة جديدة للتاريخ)، ويريد جرّ التاريخ إلى أغراضه أو حزبه أو مذهبه؛ فهناك من يكتب عن ثوريّة وتقدميّة القرامطة الذين دمّروا وقتلوا حُجّاج بيت الله عند الكعبة، ومن يكتب عن تقدميّة ثورة الزّنج في منتصف القرن الثالث الهجري الذين خرّبوا البصرة ودمّروها، وهناك من يضخّم بعض الفرق المنحرفة.
وليس من القراءة الجديدة للتاريخ أن نحطم النماذج والقدوة من الأبطال والعلماء لهفوة ارتكبوها أو خطأ وقعوا فيه، وإن ما يُنشر ويُذكر في بعض وسائل الإعلام من تشويه صورة أمثال: محمد الفاتح أو صلاح الدين؛ بل تشويه صورة بعض الصّحابة -رضوان الله عليهم-؛ ما هو إلا حقد شعوبي وخدمة للأعداء، هؤلاء يكرهون كل ما يُحيي الأمّة من عزّة أو نخوة، ويكرهون أن يكتب أحدٌ عن عمر وخالد -رضي الله عنهما-.
فهل هذه قراءة جديدة للتّاريخ؟!المصدر : نقلاً عن شبكة الأحرار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق