سلسلة أيام في حضرموت ... 3/1
حضرموت تقع في أقصى جنوب الجزيرة العربية، وهي منطقة واسعة مترامية الأطراف، من حدود الربع الخالي شمالاً إلى ساحل بحر العرب، ومن حدود عُمان شرقاً إلى تخوم جبال مأرب غرباً، وعاصمتها الإدارية هي المكلا، ومن أشهر مدنها: سيئون وتريم وشبام والقَطْن ومن أشهر بقاعها وادي دَوْعن ويُستخرج من سدره عسل هو من أجود أنواعه، وسكانها قرابة المليون وربع المليون، ولئن سألت عن باقي السكان فستجدهم في اندونيسيا بالملايين، وفي ماليزيا وسنغافوره والساحل الشرقي لافريقيا وفي كينيا وكثير من الدول العربية فهم شعب كثير الترحال والضرب في الأرض، وقد شاركوا في نشر الإسلام جهاداً ودعوة، أما الجهاد فمنهم الأبطال العظماء الذين شاركوا في فتح بلاد كثيرة ونشر الضياء والنور فيها، وفيهم من هو مشتهر أو معروف، وكثرة كاثرة لا يعلمهم إلا الله ممن خفيت أسماؤهم وبقيت أعمالهم إن شاء الله تعالى.
وأما الدعوة فلن ينسى التاريخ أبداً عملهم العظيم في نشر الإسلام في بلاد الملايو (اندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي اليوم) وأهل الملايو كثرة كاثرة اليوم يقاربون الثلاث مائة مليون، وقد انتشر الإسلام في تلك البلاد بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وبتوفيق الله تعالى للدعاة ثم بهمة وقوة ونشاط إخواننا الحضارم من آل البيت وغيرهم.
وقد دعيت من قِبَل رابطة العالم الإسلامي للحديث في الندوة العلمية التي عقدت في سيئون بعنوان (الربانيون: وراثة النبوة وعِظم المسؤولية)، من 19-21 ذي القعدة 1431هـ الموافق 27-29 أكتوبر 2010.
شددت الرحال إلى صنعاء التي مكثت فيها يوماً وليلة زرت فيها فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالرقيب عباد رئيس كلية القرآن الكريم في صنعاء، وأخذني فضيلته إلى الكلية، وتحدثت إلى الذكور، ثم إلى الإناث حديثاً موجزاً بينت فيه أهمية أن يكون طالب القرآن متخلقاً بخلق القرآن ، وأن طلاب القرآن ينبغي لهم أن يكونوا في مقدمة الأمة ومن الدعاة إلى الحق، أما الإناث فقد حضضتهم على التمسك بالإسلام وبالحجاب، وشرحت لهن كيف يتآمر أعداء الإسلام على النساء المسلمات، وشرحت لهن بإيجاز ما جرى في مصر على يد هدى شعراوي وصويحباتها أمينة السعيد وسهير القلماوي وسبزا النبراوي، وغيرهن من رواد حركة تحرير المرأة، وحذرتهن من تكرار حدوث ذلك في اليمن، وبينت لهن أن الطريق لتجنب حدوث ذلك بعد توفيق الله تعالى وفضله هو العناية بالناشئات من الصبايا والفتيات، وحمايتهن من رياح التغريب الشديدة، وضربت لهن مثلاً هدى شعراوي التي عُنيت بها مدرستها الفرنسية عناية بالغة وهي بعد في الثانوية، وأضلتها إضلالاً عظيماً وقدمتها ومنّتها حتى جرى على يديها ما جرى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي الصباح شددت الرحال إلى سيئون، وهي عاصمة وادي حضرموت، كما أن المكلا هي عاصمة محافظة حضرموت كلها، واستغرقت الرحلة ساعة.
وقد نزلت في سيئون في فندق قصر الحوطة، وهو نُزُل قديم على هيئة تراثية جميلة، كان ملكاً لآل العيدروس ثم أُمم أيام الشيوعيين السوداء، والحوطة هي مكان اعتاد آل البيت في حضرموت أن يقتَطعوه لأنفسهم وأهلهم ومن يلوذ بهم، فإن دخلها أحد أَمِنَ فلا يُطلب، وكان هذا نافعاً أيام الفتن والخلاف بين القبائل، أما آل البيت فقد كانوا معظمين لا يمسهم أحد بسوء ولا يمس مَن يلوذ بهم في هذه الحوطات بسوء حتى صار هذا عُرفاً عاماً، والله أعلم.
وما إن حططت رحلي في سيئون إلا وبدأت رحلة أخرى طويلة متشابكة في الوادي فمن سيئون إلى تريم إلى شبام إلى القَطْن مرات وكرّات وقابلت فضلاء كثيرين، وتفصيل ذلك كما يلي:
ـ أكملت تصوير حلقات "شخصيات يمنية" الثلاثين، وقد خصصت صنعاء بعشرين حلقة صورتها فيها من قبل، وأرجأت الحلقات العشر إلى وقت حلولي بحضرموت، واخترت عشر شخصيات متنوعة، ذات مشارب مختلفة، وصورتها في مكانين: جامع المحضار في تريم، وقصر آل الكثيري في سيئون، وأحاول في مثل هذه الحلقات أن أجعلها جامعة بين السرد التاريخي وبين الوعظ والإرشاد واستخلاص العبر والعظات، وأسأل الله لها القبول والانتشار.
ـ وتغديت في مقر الجمعية الأهلية لرعاية الطالب، والتقيت بمشايخ وأفاضل ودعاة وصفوا لي بعض فظائع العهد الشيوعي، وكيف كانوا يقتلون الناس بالسحل، وهو ربط الضحية من قدميه بحبل مربوط بسيارة، ويسحب على وجهه بسرعة فيتمزق إرْباً إرباً، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وذكروا غيرها من الفظائع الكثيرة الفكرية والسلوكية والخلقية والعملية، والحمد لله على أنه قشع هذه السحابة السوداء إلى غير رجعة، وانقلع الشيوعيون للأبد بإذن الله تعالى، وعادت الحرية للناس من جديد، وهم ينعمون بها على أحسن حال، ولله الحمد.
ومما يرتبط بهذا ما يلحظه الذي يجول في بلاد اليمن السعيدة من كثرة كاثرة من جمعيات خيرية وثقافية وإغاثية، وكذا ما فيها من معاهد ومدارس وكليات خاصة، وكذا ما فيها من مؤسسات في كل المجالات تقريباً، وهذا من فضل الله عليهم؛ فإن هذه المؤسسات والمعاهد والجمعيات يتكامل عملها مع عمل الدولة، بل يزيد عليها كثيراً في أكثر مناطق اليمن، ومن المعلوم أن في اليمن فقراء كثيرين وهذه الجمعيات والمؤسسات تحقق لهم بعض الاكتفاء في جوانب عديدة.
وكذلك في اليمن مواهب جليلة وكثيرة، وهي بحاجة إلى من يأخذ بيدها إلى إظهار هذه المواهب والرقي بها، وهذه الجمعيات والمؤسسات كفيلة بذلك إن شاء الله تعالى، وهي دلالة على الحرية الكبيرة التي يتمتع بها أهل اليمن، وعسى أن يسخروها للدعوة الجادة الدؤوب إلى الله تبارك وتعالى وتوعية الشباب والعناية بهم.
حضرموت تقع في أقصى جنوب الجزيرة العربية، وهي منطقة واسعة مترامية الأطراف، من حدود الربع الخالي شمالاً إلى ساحل بحر العرب، ومن حدود عُمان شرقاً إلى تخوم جبال مأرب غرباً، وعاصمتها الإدارية هي المكلا، ومن أشهر مدنها: سيئون وتريم وشبام والقَطْن ومن أشهر بقاعها وادي دَوْعن ويُستخرج من سدره عسل هو من أجود أنواعه، وسكانها قرابة المليون وربع المليون، ولئن سألت عن باقي السكان فستجدهم في اندونيسيا بالملايين، وفي ماليزيا وسنغافوره والساحل الشرقي لافريقيا وفي كينيا وكثير من الدول العربية فهم شعب كثير الترحال والضرب في الأرض، وقد شاركوا في نشر الإسلام جهاداً ودعوة، أما الجهاد فمنهم الأبطال العظماء الذين شاركوا في فتح بلاد كثيرة ونشر الضياء والنور فيها، وفيهم من هو مشتهر أو معروف، وكثرة كاثرة لا يعلمهم إلا الله ممن خفيت أسماؤهم وبقيت أعمالهم إن شاء الله تعالى.
وأما الدعوة فلن ينسى التاريخ أبداً عملهم العظيم في نشر الإسلام في بلاد الملايو (اندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي اليوم) وأهل الملايو كثرة كاثرة اليوم يقاربون الثلاث مائة مليون، وقد انتشر الإسلام في تلك البلاد بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وبتوفيق الله تعالى للدعاة ثم بهمة وقوة ونشاط إخواننا الحضارم من آل البيت وغيرهم.
وقد دعيت من قِبَل رابطة العالم الإسلامي للحديث في الندوة العلمية التي عقدت في سيئون بعنوان (الربانيون: وراثة النبوة وعِظم المسؤولية)، من 19-21 ذي القعدة 1431هـ الموافق 27-29 أكتوبر 2010.
شددت الرحال إلى صنعاء التي مكثت فيها يوماً وليلة زرت فيها فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالرقيب عباد رئيس كلية القرآن الكريم في صنعاء، وأخذني فضيلته إلى الكلية، وتحدثت إلى الذكور، ثم إلى الإناث حديثاً موجزاً بينت فيه أهمية أن يكون طالب القرآن متخلقاً بخلق القرآن ، وأن طلاب القرآن ينبغي لهم أن يكونوا في مقدمة الأمة ومن الدعاة إلى الحق، أما الإناث فقد حضضتهم على التمسك بالإسلام وبالحجاب، وشرحت لهن كيف يتآمر أعداء الإسلام على النساء المسلمات، وشرحت لهن بإيجاز ما جرى في مصر على يد هدى شعراوي وصويحباتها أمينة السعيد وسهير القلماوي وسبزا النبراوي، وغيرهن من رواد حركة تحرير المرأة، وحذرتهن من تكرار حدوث ذلك في اليمن، وبينت لهن أن الطريق لتجنب حدوث ذلك بعد توفيق الله تعالى وفضله هو العناية بالناشئات من الصبايا والفتيات، وحمايتهن من رياح التغريب الشديدة، وضربت لهن مثلاً هدى شعراوي التي عُنيت بها مدرستها الفرنسية عناية بالغة وهي بعد في الثانوية، وأضلتها إضلالاً عظيماً وقدمتها ومنّتها حتى جرى على يديها ما جرى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي الصباح شددت الرحال إلى سيئون، وهي عاصمة وادي حضرموت، كما أن المكلا هي عاصمة محافظة حضرموت كلها، واستغرقت الرحلة ساعة.
وقد نزلت في سيئون في فندق قصر الحوطة، وهو نُزُل قديم على هيئة تراثية جميلة، كان ملكاً لآل العيدروس ثم أُمم أيام الشيوعيين السوداء، والحوطة هي مكان اعتاد آل البيت في حضرموت أن يقتَطعوه لأنفسهم وأهلهم ومن يلوذ بهم، فإن دخلها أحد أَمِنَ فلا يُطلب، وكان هذا نافعاً أيام الفتن والخلاف بين القبائل، أما آل البيت فقد كانوا معظمين لا يمسهم أحد بسوء ولا يمس مَن يلوذ بهم في هذه الحوطات بسوء حتى صار هذا عُرفاً عاماً، والله أعلم.
وما إن حططت رحلي في سيئون إلا وبدأت رحلة أخرى طويلة متشابكة في الوادي فمن سيئون إلى تريم إلى شبام إلى القَطْن مرات وكرّات وقابلت فضلاء كثيرين، وتفصيل ذلك كما يلي:
ـ أكملت تصوير حلقات "شخصيات يمنية" الثلاثين، وقد خصصت صنعاء بعشرين حلقة صورتها فيها من قبل، وأرجأت الحلقات العشر إلى وقت حلولي بحضرموت، واخترت عشر شخصيات متنوعة، ذات مشارب مختلفة، وصورتها في مكانين: جامع المحضار في تريم، وقصر آل الكثيري في سيئون، وأحاول في مثل هذه الحلقات أن أجعلها جامعة بين السرد التاريخي وبين الوعظ والإرشاد واستخلاص العبر والعظات، وأسأل الله لها القبول والانتشار.
ـ وتغديت في مقر الجمعية الأهلية لرعاية الطالب، والتقيت بمشايخ وأفاضل ودعاة وصفوا لي بعض فظائع العهد الشيوعي، وكيف كانوا يقتلون الناس بالسحل، وهو ربط الضحية من قدميه بحبل مربوط بسيارة، ويسحب على وجهه بسرعة فيتمزق إرْباً إرباً، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وذكروا غيرها من الفظائع الكثيرة الفكرية والسلوكية والخلقية والعملية، والحمد لله على أنه قشع هذه السحابة السوداء إلى غير رجعة، وانقلع الشيوعيون للأبد بإذن الله تعالى، وعادت الحرية للناس من جديد، وهم ينعمون بها على أحسن حال، ولله الحمد.
ومما يرتبط بهذا ما يلحظه الذي يجول في بلاد اليمن السعيدة من كثرة كاثرة من جمعيات خيرية وثقافية وإغاثية، وكذا ما فيها من معاهد ومدارس وكليات خاصة، وكذا ما فيها من مؤسسات في كل المجالات تقريباً، وهذا من فضل الله عليهم؛ فإن هذه المؤسسات والمعاهد والجمعيات يتكامل عملها مع عمل الدولة، بل يزيد عليها كثيراً في أكثر مناطق اليمن، ومن المعلوم أن في اليمن فقراء كثيرين وهذه الجمعيات والمؤسسات تحقق لهم بعض الاكتفاء في جوانب عديدة.
وكذلك في اليمن مواهب جليلة وكثيرة، وهي بحاجة إلى من يأخذ بيدها إلى إظهار هذه المواهب والرقي بها، وهذه الجمعيات والمؤسسات كفيلة بذلك إن شاء الله تعالى، وهي دلالة على الحرية الكبيرة التي يتمتع بها أهل اليمن، وعسى أن يسخروها للدعوة الجادة الدؤوب إلى الله تبارك وتعالى وتوعية الشباب والعناية بهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق