هوية مصر
الحضارة المصرية بين الحضارة المصرية القديمة "الفرعونية"
وبين الحضارة الإسلامية
الحضارة الفرعونية من منظور إسلامي
حول العنوان :
يُقرأ الكتاب من عنوانه، وحتى تكون القراءة سليمة صحيحة، يجب أن يكون العنوان واضحا محددا، لا لبس فيه ولا غموض. وقد تعاقبت على هذا البحث عناوين متعددة، حتى استقر الرأى على العنوان الذى صدر به الكتاب أخيرا.
وقد تضمنت العناوين المختلفة للكتاب مجموعة من المفردات الأساسية، التى سيكون تناولها فى هذه المرحلة مناسبا سواء بقيت هذه المفردات فى العنوان أم اختفت منه، فهى على كل حال مرتبطة به لازمة عنه.
وقد تضمنت هذه العناوين المفردات الأساسية التالية: "الحضارة، الحضارة الفرعونية، الحضارة الإسلامية، والمنظور الإسلامي، الهوية"، وكان من الضرورى تناول هذه المفردات لبيان المقصود منها ولتوضيح مسار الكتاب عند هذه النقطة المبكرة.
الحضارة :
هي مجموع الخصائص القِيمِية والإنجازات المادية التى ينجزها ويراكمها شعب من الشعوب.
وهي تشمل شقا قِيمِيا غير مادى، يشمل الدين واللغة والفنون على اختلافها وطرق المعاملات والعلاقات الإجتماعية بين أفراد الجماعة البشرية.
كما تشمل شِقا ماديا يظهر ويتجلى فى الإنجازات المادية من أدوات الاستخدام اليومى وحتى المنشآت المعمارية الضخمة
ويضع دارسوا الحضارات الدين ضمن مكونات الثقافة لشعب من الشعوب، حيث تمثل الثقافة الشق القِيمِى، ويمتزج الشقان: المادى والقيمى فى تجليات الفنون وأوضح تجليات التزاوج بين المادى والقيمى هو فن العمارة، الذى يمثل عملا ماديا يتبلور فيه التقدم التقنى والعلمى وهو فى نفس الوقت محمَّل ويمثل تجسدا للقيم المعنوية التى تمنحه جزء من تفرده بين إبداعات الحضارات المختلفة. وفى حالة مصر بصفة خاصة فإن الدين يمثل المكون الأول لشخصيتها، والدافع الأساسى لإنجازاتها القِيمِية والمادية. ومن المنظور الإسلامي فإن الدين يمثل المرجعية الأساسية لكل مظاهر الحضارة والثقافة، كذلك فإنه الملهم لكثير من تجلياتها، سواء المادية أو القِيمِية، ويمثل ذلك إلتقاء وتوافقا عجيبا بين الشخصية المصرية وبين الإسلام، وبالتالى بين الحضارة المصرية (على امتدادها الزمنى) وبين الحضارة الإسلامية (على اتساعها الجغرافى) أنتج حضارة مصر الإسلامية، أو الحضارة الإسلامية فى مصر.
فقد كان الدين هو الدافع الأكثر بروزا وراء الغالبية العظمى من إنجازات الحضارة المصرية القديمة، والتي يعد الكثير مما وصلنا من منجزاتها شديد الصلة بالدين، فالمومياوات نتاج عقيدة البعث والحساب والخلود، وكذلك بطبيعة الحال المقابر على اختلاف أشكالها وأضخمها الأهرامات كذلك المعابد، والتصوير الجدارى على جدران المعابد والمقابر، كذلك المشغولات العديدة وثيقة الصلة بالأثاث الجنائزي كالتمائم وتماثيل الأوشابتى والأواني الكانوبية والتوابيت .. إلخ، جميعها إنجازات حضارية وثيقة الصلة بالدين.
حضارات الأمم والحضارة الإنسانية العامة:
وسوف يتم تناول الحضارة فى هذا الكتاب وفق فهم يمكن تلخيصه بأن للحضارة مستويان:
أولهما: الحضارة الخاصة بشعب أو أمة، كالشعب المصرى أو الأمة المصرية، أو أمة كبيرة تشمل مجموعة من الشعوب، كالحضارة الإسلامية، أو الحضارة الغربية.
ثانيهما: الحضارة الإنسانية العامة، وهى حضارة الإنسانية جميعها، وهى تمثل مجموع الإنجازات القِمِية والمادية لشعوب العالم، وهى تتحدد من خلال إسهامات شعوب العالم وتحمل شعلتها فى كل عصر وتجر قاطرتها أمة من أمم الأرض تكون فى ذروة دورتها الحضارية. وإن كان الأمر بالنسبة للحضارة الإنسانية العامة كثير التعقيد، فالأمة الحاملة لشعلة الحضارة الإنسانية العامة قد تفرض قيما خاصة بها قد تمثل ارتقاء لقيم الحضارة الإنسانية أو تدهورا لهذه القيم، ولأن الحضارة تشمل شقا قيميا وآخر ماديا فإن التطور قد يزيد فى جانب على حساب الآخر، وقد يسمح بارتقاء القيم الإنسانية العامة وقد يؤدى إلى تدهورها وإعاقة الارتقاء الإنسانى.
وعادة ما يكون الارتقاء فى الجانب المادى أكثر ثباتا، فالاكتشافات والمخترعات والتطبيقات المادية عادة ما تتحرك فى اتجاه واحد قد يبطؤ أو يسرع لكنه فى الغالب لا يتراجع إلا إلى حين.
أما التطور القيمى فأمره يختلف بعض الشئ، فعلى الرغم من أن إرساء قيم معينة راقية يرتقى بالإنسانية، إلا أن الأخذ بهذه القيمة قد يتراجع، وقد تظل القيمة السامية هدفا مطلوبا، لكنها قد تتحول لأداة لتحقيق أهداف قد تتناقض مع هذه القيمة نفسها.
وقد أشار القرآن إلى تفاعل الحضارات الإنسانية ودوره فى ارتقاء الحضارة الإنسانية العامة إشارة معجزة فى الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
[ سورة الحجرات، الآية: 19]
فالتعارف المذكور هو الذى يصنع الحضارة الإنسانية العامة.
كذلك فإن الحضارة الإنسانية فى عصر من العصور هى نتاج للخطوات والإبداعات التى قامت بها الحضارات التى سبقت لها الريادة وحمل شعلة التطور والارتقاء الإنسانى، مضافا إليها الإسهامات التى تُقدمها الحضارة الرائدة ذاتها فى العصر المقصود، حيث تقوم كل أمة بجهدها خلال عصور ازدهارها حتى تستنفذ طاقاتها ولا يتبقى لديها ما تضيفه وتعيش على ما حققته فى ماضيها، فتدور دورتها الحضارية ويخبو نجمها، وتقوم أمة أخرى فى بداية دورتها الحضارية وبعزمات جديدة واندفاعة منطلقة بتقديم اسهاماتها وفق خصائصها وشخصيتها المختلفة عن خصائص وشخصيات الأمم الأخرى، فيحدث الثراء الحضارى الإنسانى.
فحضارة اليوم يدخل ضمن مكوناتها إسهامات الإنسان الأول إنسان العصور الحجرية، كما يدخل فيها ابتكار المصرى القديم للكتابة، وتشريعات حمورابى فى العراق، .. حتى نصل لإسهامات الحضارة الإسلامية، القِيمِية والمادية، ولا يمكن تصور المستوى الحضار الإنسانى العام فى عصرنا هذا دون إسهامات الشعوب والأمم فى الماضى.
الحضارة الفرعونية "المصرية القديمة":
تمثل الحضارة الفرعونية واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ الإنساني وقد آثرتُ فى العنوان إستخدام لفظ "الفرعونية" لشيوعه وانتشاره وإن كان الأكثر دقة تسميتها بـ "الحضارة المصرية القديمة" كذلك فإن لفظ "الفرعونية" يلقى بظلال على مواضع هامة في نظرة الإسلام إلى هذه الحضارة من خلال تفرقة القرآن بين لفظى "الملك" و"الفرعون" فى قصة يوسف، ومن خلال أوصاف فرعون السيئة فى قصة موسى.
وقد اختار الباحث موضوع هذا الكتاب، الذي يتسم بأهمية خاصة من وجهة نظره، لأنه يتناول الحضارة المصرية القديمة التي تمثل جذورنا الضاربة في القدم والتي شئنا أم أبينا مازالت تصبغ خصائصنا كشعب بصبغات جيدة أحيانا وسيئة أحيانا أخرى. كما يتناول الحضارة الإسلامية التي نعيش في كنفها منذ ما يزيد على ألف وربعمائة عام.
ويزيد من أهمية الموضوع من وجهة نظر الباحث الخلاف الشديد فى الرأي بين معسكرين متضادين أحدهما يقدس الحضارة الفرعونية تقديسا، وينزهها عن كل نقيصة ويفترض لها مالم يكن فيها، على وفرة ما امتلكته من دواعى الفخر.
ومعسكر آخر يناصبها العداء دون مبرر حقيقي، وربما (من جانب) لما عاناه أنبياءٌ على أرضها من صراع مع أحد فراعنتها. وربما (من جانب آخر) كرد فعل لمعسكر التقديس الذي وصل إلى حد الدعوة إلى الفرعونية في العصر الحاضر، وكبديل عن ما هو موجود بالفعل والذي نعيشه وهو حضارة الإسلام. و هي قضايا ستتم مناقشتها حتما في سياق هذا الكتاب.
الحضارة الإسلامية:
تُمثل الحضارة الإسلامية إحدى الحضارات الإنسانية الكبرى التى حققت للإنسانية تطورات عظيمة فى المجالين: القِيمى والمادى.
فعلى المستوى القِيمى دفعت الحضارة الإسلامية الفكر الدينى دفعات قوية، وأرست الكثير من المبادئ والقيم السامية، ابتداء من التوحيد المطلق للإله (الذى هو إله للكون كله وليس إلها إقليميا أوقبليا أو قوميا) وحتى حماية البيئة (إماطة الأذى عن الطريق).
وعلى المستوى المادى حققت هذه الحضارة إنجازات كبيرة وعظيمة فى العلوم على تنوعها، وتطبيقاتها وفى الصناعات على تنوعها، والتجليات المادية للفنون من مشغولات فنية ومنشآت معمارية والتى ترتبط من خلالها الإنجازات المادية بالقيم المعنوية فى تجليات يصعب الفصل فيها بين المادى والمعنوى.
المنظور الإسلامي :
ولأننا نعيش فى ظل الحضارة الإسلامية، فإن المنظور الإسلامى للأمور يكون أساسيا فى تعاملاتنا فى عصرنا هذا، والمنظور الإسلامي المقصود هنا هو نظرة الإسلام للحضارة الفرعونية من وجهة تقويمها كحضارة مندثرة من جهة، انتهت بشكل كبير بتغيير مصر لديانتها مرتين، مرة عندما دخلتها المسيحية، والمرة الثانية عندما انتشر الإسلام في أرضها. و هذه الحضارة المندثرة ذات صلة قوية بقصة الدين في عموميتها، وفي قصة الأديان السماوية في حلقاتها المتتابعة بداية من حنيفية إبراهيم الذي زار مصر، مرورا بقدوم بنى إسرائيل إلى مصر من يوسف إلى موسى عليهم جميعهم السلام، وكذلك علاقة مصر بالديانة المسيحية إبتداء من رحلة العائلة المقدسة إليها وحتى دخول المسيحية فيها. ثم أخيرا الفتح الإسلامى وتحول مصر إلى الإسلام. ومن وجهة النظر هذه فإن الموضوع يتعلق بحضارة بائدة (ظاهرا) كحضارات قوم عاد و ثمود و سبأ .. إلخ . إلا أن الحضارة الفرعونية قد حظيت بخصائص أهمها ثراء ما تخلف عنها من آثار وبالتالي وفرة ما تم الكشف عنه منها وأيضا وفرة البحوث والدراسات التي أجريت عليه وكان أكثرها حسما ونفعا فك رموز اللغة المصرية القديمة.
لا يقتصر تناول العمل الحالي للموضوع على هذه الزاوية، فللموضوع زوايا أخرى للنظر، منها النظرة للموضوع من جهة مخالفة للوجهة السابقة تماما وهي النظر للحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) كحضارة ذات تأثيرات ذات شأن في الشعب المصري حتى العصر الحاضر، بعضها تأثيرات جوهرية، بعضها إيجابية يمكن أن يقرها الإسلام و بعضها غير ذلك. وبعضها ناتج عن الحضارة المصرية ذاتها وبعضها نتاج مشترك للبيئة المصرية على المصريين قديما وحديثا.
كما أن هناك وجهة نظر ثالثة يجب تجليتها وهي تتعلق بما تخلف عن هذه الحضارة من آثار ظاهرة ومدفونة، وأهمية كشفها ودراستها، ووجوب ذلك من أكثر من جهة: فقد جعل الله في سنن الحياة أن الحضارات تترك آثارها (بمعنى ما يدل عليها وليست فقط بمعنى Monument ) وتقوم العوامل البيئية المختلفة بحفظ هذه الشواهد بطريقة يمكن قراءتها من سجلاتها ( التي هي رواسب التربة) بحيث يمكن قص (بمعنيّى كلمة القص: التتبع من جهة والحكى من جهة أخرى) قصة الإنسان في مجملها وقصة حضارة بعينها وفق شهادة الشواهد الأثرية عند إستنطاقها بصورة صحيحة.
وقد أشار القرآن إلى ذلك في أكثر من موضع:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾
[سورة الروم، الآية: 42]
وفيما يخص الحضارة الفرعونية: نجد الآية الشهيرة:
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾
[ سورة يونس، الآية: 92]
ومن الدوافع الهامة للتأكيد على أهمية ووجوب دراسة الحضارة المصرية القديمة (إضافةً إلى أن الحكمة ضالة المؤمن) أن الحضارة الفرعونية ذات صلة وثيقة بنصوص الكتب المقدسة جميعها. وبالتالي فإن استنطاق هذه الآثار بالصورة الصحيحة، يمثل تفسيرا يتراكم على مر الزمن لكثير من النصوص، كما أنه كذلك يمثل مؤشرا على الإعجاز القرآني في كثير من الحالات.
الحضارة الفرعونية والدين:
إذا أردنا أن نحدد السمة الرئيسية للحضارة المصرية القديمة (فى عصورها الفرعونية، وفى جميع عصورها)، سنجد أننا أمام الدين في كل تفصيلة من التفاصيل فهى حضارة شعب عظيم الاهتمام بالدين، كان - ولا يزال - المحرك الأساسى لكل تحركاته، والهدف النهائى الذي وُضعت كل الأهداف على الخط والطريق الموصل إليه.
وإننا فى عصرنا الحاضر وعند الكشف عن بقايا هذه الحضارة، نجد أنفسنا أمام قدر كبير من الآثار ذات الصلة بالعالم الآخر والحياة الآخرة، الأمر الذي يعكس إهتماما كبيرا بالمصير النهائى للإنسان. ومن الطبيعي في كل حضارة، وليس الحضارة الفرعونية فقط أن يكون ما يصلنا من مقابرها أكثر مما يصلنا من مظاهر حضارتها الدنيوية، إلا أن ما وصلنا من الحضارة الفرعونية فى هذا المجال لا يقارن بغيره من الحضارات.
وقد كان من الطبيعى أن ينعكس اهتمام المصرى القديم بحياته الآخرة على حياته الدنيا ذلك أن مصيره ذلك يتحدد بناء على حساب يُساءل فيه عن سلوكه فى دنياه، وعن التزام مجموعة من الفضائل وعدم وقوعه فى مجموعة من الرذائل، تتمثل فى ما يسجله دفاعا عن نفسه فيما يعرف بالاعتراف الإنكارى خطأ وهو ما يمكن تسميته مؤقتا "تبرئه الذات" ومجموعة الفضائل التى يؤكدها لنفسه، ومجموعة الرذائل التى ينفيها عن نفسه تمثل فى مجملها قيما إنسانية راقية. على الرغم مما يعترى العقيدة الدينية من أساطير وخرافات ويمكن القول دون تحرج أن الديانة المصرية القديمة كانت ديانة وثنية فى مظهرها، وإن كانت ككل ديانات بنى الإنسان توحيدية فى جذورها، فديانات بنى الإنسان جميعها بدأت من نبع واحد، كان بلا شك الدين الذى دان به آدم عليه السلام، والذى تفرق على مدى زمنى طويل مع الجماعات التى تشعبت اليها الجماعة الأولى الواحدة، التى أنتجت قبائل وشعوب انتشرت فى أقاليم الأرض المختلفة وقد أخذ هذا الدين الواحد لدى كل جماعة يتغير ويتشكل وينحرف وفق عوامل ليس هنا مجال سردها حتى صار لدى البشر لغات وأديان وعادات ومنتجات (وحضارات) مختلفة، شديدة الإختلاف والتباين وإن كانت جميعها من أصل واحد، وذلك لحكمة أرادها الله، وهى تعارف هذه الحضارات.
وقد انتهى الحال بجميع هذه الحضارات إلى انحرافات دينية عن الدين الأصلى الذى دان به الجد الأول آدم، واتخذ كل انحراف صورته الخاصة، واتجه هذا الإنحراف إلى التعدد والوثنية فى غالب الأحوال.
وقد يتعصب البعض للحضارة المصرية القديمة، فينفى عنها الوثنية، وهو نفى لا ضرورة له، والتأكيد على أن الديانة المصرية القديمة هى ديانة توحيد هى محاولة يائسة إذا ما التزمنا بمعانى الكلمات، وكان للكلمة معناها الحقيقى، وكثيرا ما يقال أن الآلهة المصرية القديمة إنما هى رموز ووسائل ترمز إلى خصائص إلهية وتوصل وتقرب إلى الله وهى حجة لا تنفى التعدد كما لا تنفى الوثنية. وهى هى دعوى أهل مكة الذين ما كانوا يعبدون اللات والعزى وغيرها إلا ليقربوهم إلى الله زلفى. ومع ذلك، وبالتأكيد فإنهم كانوا وثنيون معددون ولم يكونوا موحدين منزهين لله عن شراكة الشركاء.
ولا يعنى وصفنا لديانة مصر القديمة بالتعددية والوثنية إلا وصف الواقع، ولا يعنى مدحا أو ذما، فانحراف العقائد الدينية نحو التجسيد والتعدد لم يكن خاصية انفردت بها الحضارة المصرية القديمة. ولم يسلم شعب من هذا الانحراف، فى خطوات الإنسانية نحو الإرتقاء فهو أمر غير منتقص من المصريين القدماء بصفة خاصة، وهذا هو السبب الذى من أجله استمر ظهور الرسل والأنبياء عبر تاريخ الإنسانية من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
المهم أن مجموعة القيم التى التزمها المصريون القدماء مثلت مجموعة من الفضائل والأخلاق الراقية، كما اتسموا بعديد من الخصائص الجيدة التى مكنتهم من إبداع منجزاتهم، وكان الدين هو محركهم نحو ذلك. ويدفعنا هذا دفعا إلى القول أن الدين يمثل خصوصية بالنسبة للشعب المصرى، ورغم ان الدين هو مكوِّن أساسى لدى جميع الشعوب، إلا أن دوره يزداد وينقص لدى الشعوب كل حسب خصائصه، وبالنسبة لمصر فإن الدين يمثل مفتاح شخصية هذا الشعب والمحرك الأساسى نحو تنفيذ منجزاته والمفسر للكثير من عجائبه.
بقيتْ كلمة .. هى أن اهتمام المصرى القديم بحياته الآخره على هذا النحو، لم يكن يعنى عدم اهتمامه بحياته الدنيا، بل على العكس فقد تكون حياته الدنيا شجعته على الأمل فى عدم انتهائها بالموت. أما عن اهتمامه بمنشآت وأثاث آخرته أكثر من اهتمامه بمنشآت دنياه فذلك لقدرته فى حياته على صيانة بيته ومصنعه أو ورشته فى حين لم يتمكن بعد موته من صيانة قبره الذى يحمى جثمانه الذى تصور سلامته شرطا للبعث والحياة الآخرة .
الهوية:
الهوية لشعب أو أمة هى:
"مجموع الملامح والمقومات والخصائص، التى تمنح الأمة تفردها واختلافها عن غيرها من الأمم، وتُحدد استجابتها ومواقفها وسلوكها إزاء ما تتعرض له من أحداث، وطريقة تعبيرها عن نفسها فى الفنون وكافة أنشطة التعبير الحضارى".
وتتحدد الهوية وتتجلى أساسا فى مجموعة من الخصائص أهمها: (الدين، اللغة، ملامح الشخصية الجماعية للشعب، الجنس أو الأصول البشرية الأنثروبولوجية).
منقول من احد مقالات دكتور ثروت حجازى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق