الخميس، 29 سبتمبر 2016

الأجيال العربيّة وأسئلة مُقلقة


الأجيال العربيّة وأسئلة مُقلقة


الأسئلة التي تلقيها الأجيال العربية الجديدة على نفسها وعلى الثقافة والمؤسسات المعنية من حولها كثيرة وعميقة، وما زالت تدوّم في الجو بحثاً عن أجوبة يرتاح إليها العقل ويطمئن إليها القلب؛ وما زال تيار السؤال طاغياً على سواقي الأجوبة التي تشوبها الملوحة. وإذا كان طرح الأسئلة من حيث المبدأ دليل صحة، فإن عدم التوصل إلى أجوبة ضافية شافية قد ينقلب إلى مرض، فيدخل الإنسان في دوامة من التخبط والشك أو في دوائر الضياع والإحباط.‏

ومن أسئلة أجيالنا ما هو معلن يجلجل في فضاء المجتمع، ومنها ما هو خفي توسوس به النفس، منها ما يتعلق بالثوابت المبدئية والقومية وبمصير بعضها، ومنها ما يتعلق بمتغيرات عربية طغت هوامشها على بعض جواهر تلك الثوابت، ومنها ما يتصل بأمور تتعلق بالبنية الفكرية للفرد، وبمقومات بنية المجتمع وصلات أفراده وعلاقاتهم، وبالقيم والتقاليد التي تحكمهم، ومنها ما يتصل بدور الثقافة ومكانتها، وبالتاريخ والأصالة ويطاول الأصول بعد أن أتى في شكه وتشكيكه على كثير من الفروع، ومن الطبيعي أن يكون للمتغيرات الدولية، التي شملت الفكر والسياسة والعلاقات والمصالح، والتنظيمات الحزبية والتركيبات الاجتماعية، أقول من الطبيعي أن يكون لها تأثير في طرح أسئلة وتعميقها، وفي إعادة عرض قضايا ومواقف وحتى ثوابت، على محكمة العقل.‏

وأياً كان مصدر السؤال أو سببه أو غايته، فإنه يبقى مدوّماً في فضاء النفس والمجتمع، وفي سماء الوطن، يبحث عن جواب، وكلما كان استعدادنا لمواجهة ذلك الواقع أفضل كان وضعنا على الصُّعُد جميعاً أفضل، لأننا نكون عندها ألصق بطبيعة الحياة وقوانينها ومنطقها الذي يتنافى مع الجمود والسكون... والذي لا يغيب فيه معطى الواقع بمجرد توهمنا بأنه غائب، أو بمجرد رغبتنا في أن يغيب.‏



ونماذج الأسئلة الملقاة عديدة ومتنوعة، ونسوق بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر:‏

- هل الوحدة العربية ما زالت حلماً عربياً منشوداً أو سؤالاً عربياً مطروحاً؟‍‍.‏

- هل هناك مقومات فعلية ومبررات حقيقية لاستمرار مقولات القومية العربية، والحديث حولها والدعوة إليها؟! لا سيما بعد الذي جرى في أزمة الكويت وحرب تحريرها وما أسفر عنه ذلك من علاقات وتحالفات ومتغيرات؟!.‏

- هل هناك مؤسسات عربية ذات جدوى في العمل العربي المشترك؟! وهل قدمت تلك المؤسسات فعلاً يبرر وجودها، وما الذي يمكن أن تقدمه للحياة العربية في مواجهاتها المتنوعة، وللقضايا العربية، والعمل العربي، ليسير باتجاه الأفضل، سواء بالنسبة لتلك المؤسسات أو للدول التي تساهم في تكوينها وتمويلها ودفع مسيرة عملها؟! وذلك ابتداءً من الجامعة العربية وانتهاءً بأصغر المؤسسات التي تدور في فلكها، أو تلك التي تكمل دورها. وللمؤسسات شبه الرسمية مثل الاتحادات المهنية وغير المهنية العربية؟!.‏

- ما جدوى الحديث عن الصراع العربي الصهيوني في الوقت الذي تعقد فيه محادثات مؤتمر سلام الشرق الأوسط؟!.‏

وما هي مبررات الحديث أيضاً عن التحرير والتصدي للعدو الصهيوني، حتى في الحالات التي يفرض فيها على العرب أوضاعاً وشروطاً ويملى إرادة ورأياً، ويمارس ضد الواقعين منهم تحت احتلاله المباشر أعمالاً غير إنسانية وغير قانونية؟! ما هي مبررات الحديث عن تحرير وتصد، وما هي مقومات ذلك في ظل الضعف العربي المتنامي والتمزق العربي المستمر؟! وهل هناك مواجهة عربية فعلية محتملة في إطار الصراع العربي الصهيوني أو في إطار أي صراع بعد أن وصلت العلاقات العربية- العربية إلى ما وصلت إليه؟!.‏

- هل يفيدنا الكلام على الأمجاد الماضية بعد الآن، وهل يستمر حديثنا حولها، وهل يمكن أن يشكل ذلك شيئاً أكثر من تضخيم الماضي الذي ينعكس ظلالاً من الوهم على الحاضر، ويقف معوقاً بوجه المواجهة الصحيحة والصريحة، للذات، تلك التي ينبغي أن تبدأ اليوم والآن؟!.‏

- ما جدوى استغراق ثقافتنا ومثقفينا، أو قل إغراقهم، في إشكاليات وثنائيات مثل: الأصالة والمعاصرة- التراث والحداثة- الهوية والاغتراب، العقل العربي والعقل الغربي... الخ، إذا لم ينعكس ذلك بشكل إيجابي وعملي ملموس على الفعل الثقافي العربي والمثاقفة والتقدم؟!.‏

- ما هي التأثيرات الفعلية التي تحققها الثقافة العربية في الوعي الاجتماعي، ولا سيما في ممارسة الحقوق والحريات العامة واحترامها من جهة، وفي الانتقال بالجهد العربي والإنتاج والممارسة الشعبية؟!.‏

وأين تأثير ذلك ومردوده في السياسة العربية؟! وهل يمكن أن تقوم علاقة سليمة بين السياسة والثقافة، وبين الثقافة والسياسة كطرف من جهة وبين الجمهور من جهة أخرى على نحو يؤثر تأثيراً إيجابياً في حياة الناس وعلاقاتهم وتربيتهم ومبادراتهم الخلاقة ذات المردود العملي على الوطن والأمة؟!.‏

- هل هناك إمكانية لتغيير الخطاب العربي بعد أن تغير الكثير في العالم، وتغيرت أيديولوجيات وسياسات ونظرات وعلاقات؟! ومن يبدأ ذلك؟
 

يارب الموضوع يعجبكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق